أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

القمة الخليجية الـ 35:

قمة رأب الصدع وتعزيز الثوابت المشتركة

10 ديسمبر، 2014


اختتمت قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الـ 35 أعمالها أمس الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 في الدوحة، في رسالة عبرت عن أن التعاون الخليجي واللحُمة الخليجية لازالت موجودة، إذ تبددت الكثير من التكهنات التي سادت قبل القمة بصعوبة انعقادها في ظل حالة الخلافات الخليجية- الخليجية التي سيطرت على الساحة طوال الفترة الماضية.

ولفتت القمة اهتماماً عالمياً غير مسبوقاً بانعقادها، وعبرت القمة عن رأب الصدع بين الدول الخليجية، وأكدت أن البيت الخليجي لايزال "متوحداً"، خصوصاً وأن البيان الختامي للقمة خرج مفاجئاً في بعض عناصره، لاسيما ما يتعلق بتشديده على دعم دول المجلس لمصر، بينما جاء معبراً عن عدد من الثوابت تجاه قضايا أخرى.

تجاوز الخلافات وتعميق الثوابت

عقدت القمة وسط تحديات متنامية تمر بها دول المجلس من جانب، وباقي دول المنطقة من جانب آخر، وواجهت القمة قبل انعقادها مخاوف الفشل في الانعقاد على خلفية توتر العلاقات الخليجية- الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جانب وقطر من جانب آخر على خلفية دعم قطر تيارات الإسلام السياسي، وعلى الأخص جماعة "الإخوان المسلمين".

لكن جهود المصالحة التي قادتها الكويت والسعودية وانعقاد القمة الطارئة في الرياض في منتصف شهر نوفمبر 2014 نجحت في رأب هذا الخلاف، حيث اتفقت الدول على خارطة طريق سميت "اتفاق الرياض التكميلي" لم تنشر تفاصيله رسمياً، واتخذ قرار عودة سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة.

ولهذا عبرت القمة عن أن هناك قدراً من الثوابت في العمل الخليجي المشترك، يمكنه أن يتجاوز الخلافات الجانبية التي تحدث؛ وهو ما عبر عنه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لدى حديثه عن الوحدة الخليجية في افتتاح فعاليات القمة، بالقول: "إن مجلس التعاون هو المنظمة الخليجية الفاعلة على المستوى العربي"، مضيفاً أن "قطر ستكون كعهدها، مساهماً فعالاً في تعميق هذه العلاقات وتعزيز التعاون والتكامل".

وتوصلت القمة إلى اعتماد قرار مجلس الدفاع المشترك بشأن إنشاء قوات بحرية موحدة تحمل رقم 81، كما اعتمدت القمة ما أقره وزراء الداخلية بمجلس التعاون في نوفمبر 2014 فيما يتعلق ببدء العمل بجهاز الشرطة الخليجية، ومقره في العاصمة الإماراتية أبوظبي. كما أعلنت القمة عن "إعلان حقوق الإنسان لدول مجلس التعاون"، والذي تستند بنوده على مواثيق حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة والميثاق العربي لحقوق الإنسان وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام ليكون شرعة لحقوق الإنسان الخليجي. ودعا إعلان حقوق الإنسان لدول مجلس التعاون إلى احترام الأديان وحرية الرأي والتعبير، وحرية التنقل والإقامة والمغادرة باعتبارها حق لكل إنسان والعيش في بيئة معافاة.

قضايا الجوار

حاز الاهتمام بدول الجوار على مساحة مهمة من أعمال ونتائج القمة، وهو ما عبر عنه البيان الختامي، إذ على الرغم من أن بعض هذا الاهتمام اعتبر أقرب إلى التعبير عن ثوابت، وهو حال الوضع مع إيران، والتعامل مع القضية الفلسطينية؛ فإن الأمر الأقرب إلى المفاجأة هو ما صدر في البيان عن مصر، كما جاء على لسان أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية عبداللطيف الزياني من "مساندة دول المجلس الكاملة ووقوفها التام مع مصر حكومة وشعباً في ما يحقق استقرارها وازدهارها"، والتأكيد على دعم برنامج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والمرحلة الانتقالية.

وفي هذا الصدد يمكن القول إن المجلس ودوله أرادت التعبير عن أمرين، الأول هو العبور على فكرة الخلافات التي سادت لفترة بين قطر من ناحية والإمارات والسعودية من ناحية أخرى حول دعم الأولى للإخوان المسلمين في مصر. والأمر الثاني التأكيد على أن هناك بدايات للتقارب مرة أخرى بين قطر ومصر. وبالنسبة إلى الأمر الثاني، يبدو أن السعودية تتولى عبر اتصالات ثنائية رعاية مبادرة لتحقيق مصالحة مصرية– قطرية، وهناك تكهنات تشير إلى إمكانية عقد اجتماع قبل نهاية هذا العام بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره القطري خالد محمد العطية في الرياض.

أما عن بقية دول الجوار التي تعاني مشكلات وتهديدات حقيقية، فقد عبر البيان عن القلق من استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية للشعب السوري، مشدداً على الحل السلمي للأزمة وفقاً لبيان (جنيف 1)، وبما يضمن أمن واستقرار سوريا ووحدة أراضيها. كذلك حض المجلس جميع الأطراف اليمنية على حل الخلافات بالطرق السلمية، وأدان أعمال العنف التي قامت بها جماعة الحوثيين، وأدان بالمثل أعمال العنف التي تحدث في ليبيا.

من جانب آخر جدد بيان القمة على الموقف الثابت لدول المجلس الرافضة لاحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، ودعا إلى حل القضية بالطرق السلمية، والتعاون مع إيران على أسس حسن الجوار. كذلك عبر المجلس عن أمله في إمكانية أن تسفر جهود سلطنة عُمان مع مجموعة (5+1) وإيران إلى الوصول إلى اتفاق بشأن المشروع النووي الإيراني.

مكافحة الإرهاب أولوية مشتركة

اهتمت القمة بصورة واضحة بقضية مكافحة الإرهاب والتطرف بأشكاله وصوره كافة، وتجفيف مصادر تمويله، وتأكيد وقوف دول المجلس إلى جانب البحرين في كل ما تقوم به لمكافحة الإرهاب. بالإضافة إلى تأكيد البيان التزام دول المجلس بمحاربة الفكر الذي تقوم عليه الجماعات الإرهابية وتتغذى منه، باعتبار أن الإسلام بريء منه. كما عبرت القمة عن أن التعامل مع ملف الإرهاب لا يمكن أن يقتصر على الحل الأمني فقط، بل تكون الحرب على الإرهاب، متعددة الجوانب.

من جانب آخر كانت القضايا الاقتصادية من الموضوعات المهمة على جدول القمة، في ظل حالة انخفاض أسعار النفط ووصوله إلى حدود 70 دولاراً للبرميل الواحد، وما يمكن أن يمثله هذا التراجع في السعر من تأثير شديد السلبية على الميزانيات الضخمة التي اعتمدتها دول المجلس والخاصة ببرامجها التنموية، وهو ما انعكس في كلمة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، حيث دعا إلى التعاون الاقتصادي في مواجهة تداعيات انخفاض أسعار النفط، مشيراً إلى أن انخفاض أسعار النفط بنسبة 40% منذ يونيو 2014 بات يؤثر على مداخيل دول المجلس وبرامجها التنموية، وأن هناك ضرورة ماسة إلى تعزيز مسيرة العمل الاقتصادي الخليجي الموحد والمشترك وضرورة تنفيذ مجموعة من القرارات المهمة، مثل الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس، لتتمكن دول المجلس من مواجهة مثل هذه التحديات، والصمود في مواجهة أي تطورات سلبية يمكن أن تطرأ من جراء هذا الانخفاض الكبير في الأسعار.

أخيراً يمكن القول إن القمة الخليجية الـ 35 تؤكد حقيقة أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية لايزال هو الكيان العربي الوحيد الصامد حتى اليوم، وأنه الكيان المنوط به قيادة العمل العربي المشترك في الوقت الراهن، إذ على الرغم من أن نتائج القمم الخليجية السابقة لم تبعد الأخطار بصورة تامة عن دول المجلس، فإن وجود المجلس واستمرار إطار التعاون في حد ذاته أمر مهم للغاية في ظل ما تعانيه المنطقة من أزمات، وإنه لاتزال هناك قضايا عالقة في مسيرة التعاون منها مشروع الاتحاد الخليجي الذي اقترحه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الرياض 2011، وكذلك مشروع العملة موحدة، واتفاقية جمركية موحدة. ويبقى في المحصلة الأخيرة أن رأب الصدع وانعقاد القمة في الدوحة سوف يدفعان مستقبل العمل الخليجي المشترك خلال الفترة المقبلة، فقد أثبتت دول الخليج شأنها شأن الكيانات والتنظيمات الإقليمية الأخر مثل الاتحاد الأوروبي أن ثمة خلافات قائمة بالفعل، لكن بالمقابل هناك قدرة على تجاوزها وعبورها في سبيل العمل على تحقيق مزيد من النجاحات ومواجهة التحديات.