أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

ضغوط مستمرة :

كيف ستؤثر العقوبات الغربية على سعر صرف العملة الروسية؟

05 مارس، 2022


فرض تطبيق الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية عقوبات اقتصادية على روسيا، بعد تدخلها العسكري في أوكرانيا يوم 24 فبراير، ضغوطاً قوية وسريعة على العملة الروسية، حيث فقدت ما يصل ربع قيمتها منذ ذلك التاريخ، بالغة ما يزيد على 108 روبلات أمام الدولار الأمريكي بسوق العملات الدولية، الأمر الذي يجعلها ضمن أحد أسوأ عملات الأسواق الناشئة أداءً خلال شهر فبراير 2022. 

ومن المرجح أن تزيد الضغوط الواقعة على الروبل، خاصة مع اتساع نطاق العقوبات الغربية التي شملت عزل بعض البنوك الروسية عن نظام "سويفت"، بالإضافة إلى تجميد أصول البنك المركزي الروسي، وإن كان الأخير لا يزال لديه مساحة من المناورة، المحدودة، لتقليص خسائر العملة، بفضل الاحتياطيات القوية من النقد الأجنبي، فضلاً عن استبعاد الصادرات الروسية من النفط والغاز، والمقومة بالدولار، من العقوبات الغربية.

مراحل الهبوط:

شهدت العملة الروسية الروبل هبوطاً حاداً في قيمتها، وهو ما دفع الحكومة للتدخل، وتبني إجراءات للحفاظ على قيمة العملة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- هبوط حاد: فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مباشرة عقب التدخل العسكري الروسي في الأراضي الأوكرانية، حزمة أولى من العقوبات على الاقتصاد الروسي، استهدفت الحدّ من قدرة روسيا على الاقتراض من الأسواق المالية العالمية، والحد أيضاً من قدرتها على ممارسة الأعمال التجارية بالدولار واليورو والجنيه الأسترليني والينّ الياباني، بالإضافة إلى إعلان ألمانيا تجميد خططها لتشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2".

وقد ترتب على العقوبات السابقة هبوط سريع في سعر صرف العملة الروسية، بنسبة 25% ليصل، بالسوق الرسمي، إلى مستوى قرابة 100 روبل مقابل الدولار يوم 28 فبراير، وذلك مقابل 80 روبلاً قبل التدخل العسكري الروسي مباشرة.

كما تراجع سعر الصرف إلى 109.5 روبل / اليورو مقابل 90.3 في نفس الفترة المذكورة، بينما من الملاحظ اتساع نطاق خسائر العملة الروسية بسوق العملات العالمية (Offshore markets)، وهو المعيار الأوقع في تحديد قيمة العملة، بالغاً في نهاية فبراير قرابة 160 روبلاً مقابل الدولار، ونحو 118 لليورو الواحد، وهو ما دعا البنك المركزي للتدخل السريع في سوق العملات الأجنبية؛ لضمان استقرار الأوضاع في سوق النقد.  

2- وقف النزيف أم استمرار الهبوط: اتخذ البنك المركزي الروسي حزمة من الإجراءات من أجل حماية سعر صرف الروبل، ولعل أبرزها رفع أسعار الفائدة لتصل إلى 20% مقارنة بـ 9.5% في 28 فبراير، كما أفرج البنك عن احتياطيات بقيمة بلغت حوالي 7 مليارات دولار. 

وأصدرت السلطات الروسية تعليمات للمصدرين المحليين ببيع 80% من احتياطي النقد الأجنبي لديهم، وتم حظر التحويلات المالية للخارج من قبل المواطنين الروس، وهي إجراءات قد تمنع مزيد من حدوث تدهور قياسي للعملة الروسية قريباً. 

كما حاول البنك المركزي الروسي لطمأنة المودعين من خلال بيانه الذي أكد فيه على قوة السيولة بالنظام المصرفي، وإمكانية سحب المدخرات من البنوك من دون قيود، وهي إجراءات نجحت في أن يسترد الروبل بعض عافيته في السوق الرسمي، ولمستوى قارب 94 روبلاً للدولار في الأول من مارس.

لكن لم يكن الوضع ذاته بالنسبة لتداول الروبل في أسواق العملات الدولية في ظل حالة اللايقين بشأن الاقتصاد الروسي، حيث استمر في الهبوط بالغاً حوالي 108 روبلات مقابل الدولار في الأول من مارس، بموزاة اتساع نطاق العقوبات الغربية على روسيا في الأيام التالية للغزو الروسي، لتشمل عزل بعض البنوك الروسية عن نظام المدفوعات الدولي "سويفت" (SWIFT)، فضلاً عن تجميد أصول البنك المركزي الروسي، وحظر المعاملات التي تتعلق بالبنك المركزي الروسي أو صندوق الثروة السيادي الروسي أو وزارة المالية الروسية. 

احتواء الضغوط:

هناك ثمة عوامل يتمتع بها الاقتصاد الروسي، من شأنها تخفيف آثار العقوبات الغربية على العملة الروسية والاقتصاد الروسي بشكل عام، فالتجارب السابقة التي مرت بها موسكو، خاصة إبان أزمة القرم في عام 2014، عززت من قدرته على التعامل مع العقوبات الغربية، فضلاً عن اتجاه روسيا لخفض اعتماد اقتصادها على الدولار الأمريكي منذ ذلك التاريخ، ويتضح ذلك كتالي:

1- حيازات متنوعة من العملات الصعبة: انخفضت حيازات البنك المركزي الروسي من الدولار لتصل إلى 16% فقط عام 2021، مقارنة بحوالي 40% عام 2014، في مقابل ارتفاع حصة العملات الأخرى مثل اليورو، واليوان الصيني وغيرها. في الوقت ذاته، قلصت موسكو أيضاً من الحيازات من سندات الخزانة الأمريكية بنسبة 98% مقارنة بالذروة التي بلغتها خلال عام 2010، وتخلص صندوق الثروة السيادي الروسي أيضاً من معظم الأصول الدولارية بحوزته.

وفي الوقت أيضاً الذي لدى موسكو التزامات خارجية محدودة نسبياً في المستقبل القريب، حيث بلغت الديون الخارجية قصيرة الأجل نحو 15% من الدين الخارجي بنهاية سبتمبر 2021. رغم ذلك، يظل اعتبار تنوع حيازات العملات الصعبة لدى روسيا عاملاً إيجابياً أم سلبياً، وفقاً لاستعداد دول عالم لتسوية التعاملات مع روسيا بعملات أخرى بخلاف الدولار. 

2- تسوية المعاملات التجارية بعملات متنوعة: انخفضت حصة الدولار بالنسبة لعائدات الصادرات الروسية لتصل إلى 56% خلال النصف الأول من عام 2021 مقارنة بـ 69% عام 2016، فيما تضاعفت حصة اليورو إلى 28%، وفقاً لتقديرات بنك "يو بي إس". كما دأبت موسكو في السنوات الماضية على إجراء التبادل التجاري مع عدد من الشركاء مثل الصين وغيرها عبر عملات أخرى بخلاف الدولار.  

3- فعالية أدوات التدخل: يمكن للبنك المركزي الروسي التدخل لإنقاذ الروبل ارتكازاً على الآليات التالية:

• رفع أسعار الفائدة: لحماية سعر صرف الروبل، والحد من ارتفاع معدلات التضخم.

• ضخ عملات أجنبية بالسوق: لتلبية الطلب على الدولار واليورو وبالتالي دعم الروبل.

• فرض قيود صارمة على رأس المال: بإمكان البنك المركزي الروسي فرض قيود قوية على حركات رأس المال، لوقف تدفقات العملات الصعبة للخارج.

4- إصدار عملة رقمية: يستعد البنك المركزي الروسي لإطلاق عملة الروبل الرقمي، والذي من شأنه جعل روسيا أقل اعتماداً على الولايات المتحدة وأكثر قدرة على مقاومة العقوبات، حيث سيسمح للمؤسسات الروسية بإجراء معاملات خارج النظام المصرفي الدولي مع أي دولة ترغب في التجارة بالعملة الرقمية.

5- استثناء قطاع الطاقة من العقوبات: لايزال قطاع الطاقة الروسي مستبعداً من العقوبات الغربية حتى الآن، وتحديداً الصادرات الروسية من النفط والغاز؛ نتيجة المخاوف من ارتفاع تكاليف الطاقة في أوروبا، ويمثل ذلك ورقة مساومة مهمة لدى موسكو، ستعزز من صمود اقتصادها في مواجهة العقوبات الغربية، وإن كانت القيود المفروضة على البنوك الروسية وظروف الحرب، قد تحد، بشكل ضئيل، من مبيعات النفط والغاز الروسية بالأسواق الدولية. 

قيود محتملة:

 يُرجح أن تؤدي العقوبات الغربية المفروضة على روسيا مؤخراً، والتي قد يتسع نطاقها لاحقاً، على أداء الاقتصاد الروسي وسعر صرف العملة، لاسيما في الأجلين المتوسط والطويل، في ظل في الاعتبارات التالية:

1- ارتفاع تكاليف الحماية: يسعى المركزي الروسي لاستعادة استقرار سعر صرف الروبل والمحافظة عليه في نطاق يتراوح بين 77 إلى 82 روبلاً أمام الدولار وفقاً للمراقبين، وذلك من خلال السحب من الاحتياطيات، وضخ سيولة بالنقد الأجنبي بالنظام المصرفي، وهي إجراءات يرجح استمرارها لفترة طويلة، ومن ثم سيكون كلفتها عالية بالنسبة للاقتصاد الروسي في المديين المتوسط والطويل.

2- حدود السحب من الاحتياطيات: بلغت قيمة الاحتياطيات الدولية لدى بنك روسيا المركزي نحو 630.2 مليار دولار في نهاية يناير 2022، لكن جزءاً كبيراً من هذه الاحتياطيات، ليست في الخزائن الروسية، فوفقاً لتقديرات مؤسسة "كبيتال إيكونوميكس"، فإن ما لا يقل عن 50% من الاحتياطيات خارج حدود روسيا، ولعل هذا ما يفسر نسبياً تصريح "إلفيرا نابيولينا"، محافظ البنك المركزي الروسي، بأن العقوبات المفروضة على البنك المركزي تعني أنها لا تستطيع التدخل لمنع الروبل من الانهيار.

3- استبعاد بعض البنوك الروسية من نظام "سويفت": من المرجح أن يؤدي تقييد وصول روسيا إلى نظام "سويفت" إلى ارتباك المعاملات التجارية والمالية لروسيا مع العالم الخارجي. وسيكون ذلك أثره بالغاً على سوق الصرف، والمستوى الكلي، إذا قد يترتب عليه خفض الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 5%، وذلك على الرغم ما امتلاك البنك المركزي الروسي نظام مدفوعات محلي، فإنه قيد الاستخدام المحدود على المستوى الدولي. 

تداعيات ممتدة:

 من المحتمل أن تؤدي الضغوط الواقعة على سعر صرف الروبل الروسي إلى مزيد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد الروسي، وذلك على النحو التالي:

1- تقويض تنافسية بعض القطاعات: هناك بعض القطاعات الروسية عالية الاعتماد على الخارج مثل التكنولوجيا وصناعة الآلات، حيث تعتمد على السلع الوسطية المستوردة من الخارج. ومن ثم، فمع انخفاض قيمة الروبل، سترتفع تكاليف الاستيراد، مما سيضعف تنافسية تلك القطاعات، والشركات العاملة به.

2- ارتفاع الضغوط التضخمية: بلغ معدل التضخم في روسيا ما نسبته 8.73% في يناير 2022، ومن المتوقع أن تتصاعد الضغوط التضخمية في الفترة المقبلة، في ظل التقلبات المحتملة بسوق الصرف الروسي. وسُيضعف ذلك بلا شك من القوى الشرائية للنقود، مما سيؤثر سلباً على مستوى المعيشة للأفراد، وسيربك حسابات الشركات الروسية أيضاً.

3- اللجوء لأصول أخرى: تشير التقديرات إلى أن الضغوط القوية التي سيتعرض لها سعر الصرف الروبل، ستدفع المتعاملين في الاقتصاد الروسي، سواء أفراداً أو شركات، للتخلص من الروبل مقابل الاحتفاظ بعملات أخرى أفضل أداءً، أو حتى الاتجاه لأصول أخرى مثل العملات المشيفرة. 

وحتى قبل التدخل الروسي الأخير في أوكرانيا، وفرض العقوبات، تسببت التوترات بين الجانبين في فقدان الروبل لجاذبيته بالنسبة للمستثمرين، ودفع العديد من المؤسسات مثل "مورجان ستانلي" و"جولدمان ساكس" و"دويتشه بنك" إلى تحذير المستثمرين من مخاطر العملة الروسية.

ختاماً، يُمكن القول إنه لدى روسيا مساحة للمناورة، ستخدمها في الحيلولة من دون انهيار سوق الصرف في القريب العاجل، لكن من المرجح أن يظل الروبل واقعاً تحت ضغوط مستمرة مستمر، خاصة حال استمرار تأزم الموقف السياسي بين موسكو والغرب، واتساع نطاق العقوبات الغربية ضد الاقتصاد الروسي.