أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

رؤية أمريكية:

نحو نظام أمني جماعي في الخليج العربي

31 أكتوبر، 2015


إعداد: باسم راشد


"إن انخراط الولايات المتحدة في إقليم الشرق الأوسط يتعين أن يزيد من أولوية إنشاء منتدى جماعي جديد حول موضوعات أمن الخليج، على أن يضم تحت لوائه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى جانب الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي، والهند، وإيران، والعراق، واليابان، وروسيا؛ بحيث يكون هذا المنتدى خطوة أولى نحو رؤية أبعد وأوسع لنظام أمني أكثر رسمية، وله قواعد محددة وواضحة".

ما سبق يُمثل خُلاصة دراسة أصدرتها "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي" تحت عنوان: "نظام أمني جديد في الخليج العربي"، والتي أعدها كل من "فريدريك وهيري" Frederic Wehrey و"ريتشارد سوكولسكي"  Richard Sokolsky الباحثان في مؤسسة كارنيجي، حيث يستعرضان من خلالها ملامح هذا النظام الجديد المتصور، والتحديات التي تواجه تأسيسه، مع إعطاء بعض التوصيات السياسية للإدارة الأمريكية فيما يتعلق بدورها في تأسيس هذا النظام الأمني وتدعيمه، وتحديد الإطار الجماعي له في إطار رؤيتها المستقبلية لأمن واستقرار منطقة الخليج العربي.

ملامح نظام الأمن الجديد في الخليج العربي

يعتمد تأسيس هذا النظام الجديد على صيغة الأمن التي ستسعى الدول الكبرى في منطقة الخليج العربي إلى تحقيقها. وفي هذا الإطار يوجد نموذجان معروفان لصيّغ الأمن الجماعي؛ النموذج الأول هو "نموذج الدفاع المشترك"، وأبرز ما يمثله حلف "الناتو" بمقتضى المادة الخامسة التي تعتبر أن أي اعتداء خارجي من دولة غير عضو على أحد الأعضاء يكون بمثابة اعتداء على بقية الأعضاء. أما النموذج الثاني، فهو "نظام الأمن الإقليمي"، والذي يهدف بالأساس إلى منع الاعتداء أو الحرب، وتقوم الدول من خلال هذا النظام بتأسيس قواعد للسلوك لتحقيق هذا الهدف.

وتؤكد الدراسة أن أكثر النماذج واقعية وعملية لدول مجلس التعاون الخليجي هو أن تُكمل مسيرتها كحلف للدفاع المشترك والعمل سوياً مع الولايات المتحدة لتعزيز التعاون المشترك، في حين يتم بالتوازي تأسيس نظام أمني إقليمي جديد.

ويمكن توضيح أبرز ملامح هذا النظام الجديد كما أوردتها الدراسة، على النحو التالي:

1 ـ العضوية:

 بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، يُقترح أن تضم العضوية إيران والعراق وقوى أساسية من خارج الإقليم لكن لها مصالح فيه، مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وروسيا، إلى جانب دول الجوار التي لديها علاقات قوية مع دول الخليج العربية، مثل مصر وتركيا والأردن، طالما كان الهدف من هذا النظام الإقليمي هو تقليل التوترات وحل النزاعات لتحقيق الأمن والاستقرار لدول الإقليم. وعلى الرغم من اتساع حجم هذا النظام الجديد، فإنه يجب أن يُنشأ ابتداءً من عدد صغير من الأعضاء المؤسسين.

بيد أن اتساع نطاق العضوية في هذا النظام الوليد، سيعيق بالضرورة مسألة اتخاذ القرارات داخل هذا المنتدى، خاصةً في ظل تباين وتدرج اهتمامات الدول الخارجية بالتحديات التي تواجه منطقة الخليج العربي. ومن ثم، يكمن التحدي في كيفية إنشاء نظام يستفيد من انضمام دول كبرى من خارج الإقليم، ولا يعيق في نفس الوقت سياساته وقراراته.

وتشير الدراسة إلى إمكانية إدراج هذه القوى الخارجية بصفتهم مراقبين من الخارج لأعمال المنتدى المقترح، باستثناء الولايات المتحدة التي تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى ضمها كعضو رسمي لموازنة القوة الإيرانية.

2 ـ أجندة العمل:

يقترح الكاتبان أن يتم إعدادها بالاتفاق بين الدول المؤسسة لذلك المنتدى المقترح، ويتعين على الولايات المتحدة أن تطرح بعض الاقتراحات الخاصة بالموضوعات التي يمكن التعاون بشأنها، ولعلَّ من أبرزها:

أ ـ الأمن الإقليمي: فرغم وجود خلافات جوهرية بين السعودية وإيران، إلا أنهما من الممكن أن يتعاونا لمواجهة بعض التهديدات التي تواجه دول الإقليم جميعاً؛ ومنها تهديدات الأمن البحري في مضيقيّ هرمز وباب المندب، وعمليات القرصنة، ومواجهة الإرهاب.

وقد نجحت الولايات المتحدة في تشكيل ثلاث فرق عمل لمواجهة هذه التهديدات، ومن الممكن توسيع نطاق عمل تلك الفرق ليشمل مزيداً من الحوار والتنسيق حول تدابير بناء الثقة والتعاون لمحاربة الاتجار غير المشروع في المخدرات وتهريب السلع الأخرى.

ب ـ موضوعات البيئة: مثل مصادر الطاقة المتجددة والتغير المناخي، والتي تمثل أهمية لكافة دول المنطقة. وقد بدأت دول مجلس التعاون الخليجي بالفعل في التنسيق بشأن تلك الأمور خاصةً الطاقة النووية، كما تتشارك إيران نفس الاهتمام مع دول الخليج العربية في ظل ندرة مواردها المائية. ومن ثم، قد تصبح حماية المياه الصالحة للشرب والأمن الغذائي أحد الموضوعات الهامة التي يمكن التعاون بشأنها في هذا النظام الجديد.

ج ـ مجالات التجارة والاقتصاد: حيث إن تعزيز سوق العمل بأيدي ماهرة وتنويع الاقتصاد في دول الخليج وعدم الاقتصار على موارد البترول والغاز التي تتعرض دوماً لتذبذب في أسعارها، من شأنه أن يتيح فرصة كبيرة للتعاون بين دول المنطقة. كما أن النظام الجديد سيُعزز من الثقة بين أعضائه، ويساهم في تدفق الأفكار والاستراتيجيات بشكل أفضل لتحقيق التنمية الاقتصادية في كافة الدول، وهي المساحة التي تريدها إيران بشدة، وستسعى للتعاون فيها مع دول الخليج العربية.

كيف يمكن البدء في إطلاق هذا النظام الجديد؟

تشير الدراسة إلى وجود استراتيجيتين لإطلاق النظام الجديد في الخليج العربي؛ إحداهما سياسية، والأخرى وظيفية، ولا يتعارضان مع بعضهما البعض بقدر ما يترابطان لتحقيق نفس الغرض، وهو التعاون المشترك وتقليل حدة التوترات في المنطقة، ويتضح ذلك كالتالي:

1 ـ الاستراتيجية السياسية:

تنطلق من افتراض رئيسي مفاده أن التحدي لهذا النظام الأمني الجديد هو طبيعة العلاقات بين السعودية وإيران. ومن ثم، ورغم الخلافات فيما بينهما، فإنهما يتفقان في بعض الأمور، والتي يمكن البدء بها والتعاون بصددها كخطوة أولى لتعاون أوسع؛ ومنها تحدي تنظيم "داعش"، وتجنب الصراع المباشر فيما بينهما، والحفاظ على حرمة الحدود، وتعزيز حرية الملاحة وتدفق البترول.

وإذا تم الاتفاق وتنسيق الجهود بين الرياض وطهران في مثل تلك المسائل بما يقلل التوترات بينهما، فإنه قد يساعد في توفير المناخ الملائم لتأسيس نظام أمني جديد في هذه المنطقة.

2 ـ الاستراتيجية الوظيفية:

تسعى مباشرة إلى تأسيس حوار إقليمي بين الخبراء من مختلف الدول بعيداً عن الحكومات لمناقشة التحديات عبر الوطنية المشتركة، مثل الاتجار في المخدرات ومنع التهريب غير المشروع، والمعالجة البيئية، والتعاون في مجالات الطاقة، والتغير المناخي، والمساعدات الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث، وإدارة الموارد الطبيعية، والتعاون الطبي والرعاية الصحية، والتعاون الأمني المائي.

ومن ثم، قد يتكرر نموذج إدماج ألمانيا في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؛ بحيث إن التعاون في بعض المجالات سيقود إلى التعاون في المجالات الأخرى الأكثر أهمية، وقد يساهم في تأسيس قواعد تعاونية طموحة للنظام الأمني الخليجي الجديد.

وتشير الدراسة إلى أن الاستراتيجية الوظيفية هي الأكثر قابلية للتحقق مع دول الخليج، بسبب الخلافات الكبيرة بين إيران والسعودية، والتي ليس من السهل تجاوزها حتى في ظل الاهتمامات المشتركة، ناهيك عن الأمور الأخرى التي من الصعب التعامل معها سياسياً.

تحديات تطبيق النظام الأمني الجديد

يؤكد الكاتبان أن هذا النظام الأمني المقترح سيواجه بعض التحديات الهامة والمحورية، وتكمن في الآتي:

1 ـ وجهات النظر المختلفة بين العرب وإيران حول أمن الخليج: فإيران ترى ضرورة إبعاد القوات الأمريكية من الخليج، في حين ترى دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها السعودية، أن أمن الخليج لن يتحقق إلا في وجود القوات الأمريكية التي تضمن موازنة القوة الإيرانية في هذه المنطقة.

2 ـ مصادر الوحدة والخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي: تتمثل مصادر الوحدة في عدد من العناصر؛ أولها التهديد القادم من إيران، حيث أظهرت الأيام الماضية تعاوناً غير مسبوق بين دول مجلس التعاون لمواجهة التهديد الإيراني، وقد بدا ذلك واضحاً في التعاون في عملية "عاصفة الحزم" باليمن وما تبعها.

أما ثاني عناصر الوحدة، فيتمثل في التعاون الاستخباراتي بين الأجهزة الأمنية المختلفة في دول مجلس التعاون الخليجي، ما يوضح مدى تماسك المجلس وإصراره على حماية الحدود القومية لدوله. ويرتبط ثالث تلك العناصر بفكرة الهُوية الثقافية المشتركة الجديدة لدول الخليج.

أما بالنسبة لعناصر الخلاف في دول المجلس، فتزعم الدراسة أنها مرتبطة ببعض العوامل مثل المشاحنات الحدودية، وبعض حقائق الجغرافيا كما في حالة سلطنة عُمَان. وكذلك من الناحية الاقتصادية، فقد تتحول بعض دول الخليج في المستقبل إلى الاقتصاد الريعي، والذي قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام بينها.

اتجاه جديد للسياسة الأمريكية نحو الخليج العربي

اعتمدت الولايات المتحدة على طمأنة مخاوف دول الخليج العربية بعد الاتفاق النووي الذي أبرمه الغرب مع إيران، وذلك من خلال تأكيدها على اتفاقية الدفاع المشترك من ناحية، وتزويد دول مجلس التعاون - خاصةً السعودية - بأسلحة جديدة، وإعادة تعبئة قواتها الحالية المتواجدة في الخليج العربي، نظراً لما تمثله دول مجلس التعاون من شريك استراتيجي وعسكري هام للولايات المتحدة.

غير أن واشنطن من خلال هذا النظام الأمني الجديد، ستحقق هدفها المتمثل في تقليل اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي عليها من الناحية الأمنية، عن طريق تعزيز مزيد من الاستقرار والتعاون على المدى البعيد مع طهران، انطلاقاً من ذلك الاتفاق النووي الأخير. ومن ثم، يقع عبء تأسيس وضمان استمرارية هذا النظام الأمني الجديد في الخليج على الولايات المتحدة بالأساس؛ بحيث يجب عليها تقديم أفكار ومقترحات بشأن كيفية تحقيقه.

في هذا الإطار أيضاً، يتعين أن تستخدم الولايات المتحدة كل وسائل الضغط والتحفيز الممكنة لتدشين هذا النظام، خاصةً أن اشتراك إيران مع دول الخليج العربي في نموذج تعاوني مشترك قد يكون صعب القبول بالنسبة لبعض دول الخليج خاصةً السعودية، وكذلك إشراك الحكومة العراقية قد يواجه بعضاً من المقاومة والرفض، لكن تحقيقه سيساعد الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها المطلوبة، ويضمن استقرار وأمن الإقليم.

ختاماً، عرض الكاتبان بعض التوصيات للإدارة الأمريكية يمكن أخذها في الاعتبار عند تأسيس النظام الأمني الجديد، لعل أبرزها:

1 ـ ضرورة دعم الإدارة الأمريكية للشبكات غير الرسمية التي تضم خبراء فنيين لمواجهة التحديات الإقليمية، وذلك لما لها من دور هام في تأسيس بوادر التعاون المشترك بين دول الخليج العربي، خاصةً السعودية مع إيران.

2 ـ أن تطلق الولايات المتحدة حملة دبلوماسية في أواخر عام 2015 للحصول على إجماع من المشاركين المحتملين للدفع نحو تأييد مبادرة النظام الجديد، بهدف البدء في تنظيم نقاشات موسعة في الشهور الستة المقبلة.

3 ـ أن يقوم الرئيس الأمريكي أو وزير خارجيته بتوضيح الرؤية السياسية والأمنية والاقتصادية تجاه منطقة الخليج على المدى البعيد؛ على أن يتضمن ذلك الإشارة إلى أن تلك الخطة ستحتاج إلى منظمة أمنية إقليمية أكثر فعَّالية، وذلك من أجل إعطاء دفعة لمبادرة النظام الجديد.

4- أن يتم التأكيد أن تأسيس ذلك النظام الأمني الإقليمي الجديد لن يكون بديلاً عن الالتزام الأمريكي مع دول الخليج، بقدر ما سيكون مُكملاً له، ووسيلة أفضل لتحقيق استقرار الإقليم.

 

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "نظام أمني جديد في الخليج العربي"، والصادرة عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أكتوبر 2015.

المصدر:

Frederic Wehrey and Richard sokolsky, "Imagining A New Security Order in The Persian Gulf", (Washington: Carnegie Endowment for International Peace, October 2015).