أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تصعيد محتمل:

حدود نجاح الدول الغربية في تسليح أوكرانيا عسكرياً

03 مارس، 2022


تواصل القوات الروسية هجومها العسكري على أوكرانيا، منذ 24 فبراير 2022. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وحلف الناتو قد أعلنوا أنهم لن يتدخلوا في الصراع، غير أن مواقف هذه الدول بدأت تتغير تدريجياً، وأعلنت بعض الدول نيتها مد أوكرانيا بالدعم العسكري، وهو ما دفع روسيا إلى إعلان بوتين عن وضع القدرات النووية الروسية على أهبة الاستعداد.

حرب على أربعة محاور:

قامت روسيا بشن هجوم على أوكرانيا عبر أربعة محاور أساسية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- المحور الشمالي: محور كييف: شرعت روسيا، في 28 فبراير، في فرض حصار على العاصمة الأوكرانية كييف، وذلك عبر نشر مدرعات على امتداد 64 كيلومتراً شمال العاصمة الأوكرانية كييف. وقد أعلن مسؤول أمريكي أنه يتوقع أن تتجه موسكو خلال الأيام القادمة إلى فرض حصار على مدينة كييف، وتزامن ذلك مع إعلان الجيش الروسي للمدنيين في المدينة إلى مغادرتها عبر الطريق السريع كييف – فاسيلكوف. ويلاحظ أنه وفق التقديرات الأمريكية، فإن القوات الروسية موجودة على بعد 25 كيلومتراً من وسط العاصمة، وقادرة على اكتساح المدينة.

2- المحور الشرقي: محور دونباس: تمكنت قوات إقليم لوهانسك من السيطرة على بلدتي بوروفينكي ونوفاي استراخان إلى الشمال من لوهانسك، في حين أن قوات دونيتسك تقدمت بشكل واسع نحو بلدتي بريديانسك وانيرغودار على الضفة الشمالية لبحر آزوف، مما أحكم الخناق على مدينة ماريوبول ومحاصرتها من الشرق والغرب، مما ينذر بإخضاع بحر آزوف تحت لسيطرة روسية مطلقة في حالة الاستيلاء على المدينة. وتسعى قوات دونيتسك لحل موضوع تحرير ماريوبول، عن طريق إقناع القوات الأوكرانية بإلقاء أسلحتهم والمغادرة، وهو ما لم ينجح، مما أدى إلى تجدد الاشتباكات حولها في 1 مارس. 

3- المحور الشرقي: محور خاركيف: تسعى موسكو للسيطرة على خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية، وذلك للانطلاق منها نحو العاصمة الأوكرانية كييف، لتطويقها من جهة الشرق. 

4- المحور الجنوبي: محور القرم وأوديسا: تمكنت روسيا من تحقيق تقدم ميداني كبير على هذا المحور، وهو ما وضح في سيطرتها أمس على بلدتي بيرديانسك وإنرهودار بجنوب شرق أوكرانيا، وكذلك المنطقة المحيطة بمحطة زاباروجيا للطاقة النووية.

ويلاحظ أن القوات الروسية على هذا المحور تمضي على اتجاهين الأول، عبر إنرهودار إلى العاصمة كييف من جهة الجنوب، فضلاً عن السير باتجاه مدينة خيرسون، وهي المدينة التي تمكن الجيش الروسي من اقتحامها في 1 مارس، بعد محاصرتها ليومين، وهو ما يفتح الباب أمام توجه القوات الروسية باتجاه أوديسا، ومن ثم إحكام السيطرة على السواحل الأوكرانية المطلة على البحر الأسود.

خيار الدعم العسكري الغربي:

أعلن الرئيس الأوكراني استعداد بلاده للدخول في محادثات تفاوضية مع روسيا في بيلاروسيا، في 28 فبراير، غير أنه بالتزامن مع هذه المفاوضات، أكد الرئيس الروسي لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أن موسكو تصر على مطالبها في الأزمة الأوكرانية، وهي الاعتراف بضم القرم، ونزع سلاح أوكرانيا، وإعلانها الحياد، وهي الشروط التي لا تبدو مقبولة حتى الآن، وفي مواجهة ذلك، بدأت الدول الغربية تتحدث عن خيارات لدعم أوكرانيا، عسكرياً، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- إرسال الأسلحة العسكرية: جاء ذلك النهج بتوجهات فردية من دول حلف الناتو، إذ أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة أنهما اتفقتا مع نحو 25 دولة على تزويد أوكرانيا بالأسلحة. وجدير بالذكر أن القوات الأوكرانية قد تلقت قبل الحرب أسلحة دفاعية مضادة للدروع والطائرات من أجل مواجهة الغارات والضربات الجوية الروسية، مثل صواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدروع، وقاذفات إن لو البريطانية المضادة للدروع، وصواريخ ستنجر الموجهة المضادة للطائرات الهليكوبتر والطوافات التي تحلق على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة.

وتمثلت أبرز هذه الدول في التشيك وهولندا وأستراليا والبرتغال ولتوانيا وسلوفاكيا وإسبانيا، ويلاحظ أن أغلب فئات الأسلحة المعلن عنها لا تخرج عن الصواريخ المضادة للدروع والطائرات، أي أن الهدف منها إرسال رسالة لموسكو بأن الغرب سوف يسعى لدعم أوكرانيا للدخول في حرب عصابات طويلة تنهك الاقتصاد الروسي.

ويلاحظ أن المخابرات البريطانية والأمريكية والقوات الخاصة ظلت تدرب، بشكل سري، وعلى مدى سنوات، قوات خاصة أوكرانية، وهو ما يجعلها أكثر قدرة على التعامل مع هذا النوع من الصراع. 

2- الاستعانة بالمرتزقة: فتحت أوكرانيا الباب أمام تطوع المقاتلين الأجانب في صفوفه، وذلك في محاولة على ما يبدو للاستعانة بقوات خاصة من الدول الغربية تحت غطاء المتطوعين، وذلك لتوفير التدريب والتوجيه للقوات الأوكرانية في حربها ضد روسيا. ولعل ما يدعم ذلك أن العديد من الدول الغربية مثل الدنمارك، قد اتخذوا قرارات بالسماح للمتطوعين بالمشاركة في العمليات القتالية إلى جانب أوكرانيا.

3- توفير الدعم الاستخباراتي: أعلنت إسبانيا أنها سوف توفر لأوكرانيا صور الأقمار الاصطناعية لمساعدة الحكومة الأوكرانية في مواجهة القوات الروسية.  

قيود عملية على الغرب: 

شرعت موسكو خلال الأيام الأخيرة في تبني تدابير لوقف اندفاع الغرب لتسليح لمعارضة الأوكرانية، وذلك على النحو التالي: 

1- استعداد موسكو لحرب العصابات: أعلن رمضان قديروف، زعيم الشيشان مشاركته في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، بنحو 12 ألف جندي، والذين يتمتعون بخبرة كبيرة في قتال الشوارع، إذ إنهم طبقوا أسلوب حرب الشوارع في المدن الشيشانية والسورية المختلفة، كما شوهدت قاذفة الصواريخ الروسية "الشمس الحارقة"، والتي تستخدم في تدمير المواقع المحصنة في المناطق الحضرية في أوكرانيا، وهو ما يؤشر إلى استعداد موسكو لحرب العصابات باستخدام استراتيجية "الأرض المحروقة".

2- الهيمنة على المجال الجوي الأوكراني: أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طيرانها حقق السيطرة الجوية فوق كامل أراضي أوكرانيا، وذلك بسبب تمكن الجيش الروسي من تدمير 1114 منشأة من البنية التحتية العسكرية الأوكرانية منذ بداية العملية، والتي تتضمن نظم الدفاع الجوي الأوكراني، بالإضافة إلى مدارج الطائرات العسكرية، وهو ما يعني أن الغرب لن يكون قادراً على إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا جواً، كما أن أي محاولة لتهريبها براً سوف تكون عرضة لضربات من المقاتلات الروسية.

3- صعوبات الملاذ الآمن: يحتاج الغرب إلى الاعتماد على الدول المجاورة لأوكرانيا كملاذ آمن لتدريب القوات الأوكرانية، مثل المجر أو بولندا أو سلوفاكيا أو رومانيا، فضلاً عن تهريب الأسلحة عبر أراضيهم. وتكمن المشكلة هنا في أنه سيكون من الصعب على هذه الدول إنكار ذلك، كما أن روسيا قد ترى في هذا الأمر خطوة عدوانية، وترد عليها، مما يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع. 

ويلاحظ أن بوتين قد تحسب لهذا الاحتمال، وذلك عبر تهديده أي دولة تتدخل في الصراع برد ليس له مثيل في التاريخ، ويبدو أن هذه التهديدات قد أثارت بالفعل مخاوف لدى بعض الدول الأوروبية، إذ أكدت المجر، في 1 مارس، أنها لن تسمح بنقل أسلحة إلى أوكرانيا عبر أراضيها، حفاظاً على أمن المجريين، نظراً لأن هذه "الشحنات يمكن أن تصبح بسهولة أهدافاً لهجمات عسكرية".

ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة قد ترددت كثيراً، وأعلنت مراراً أنها لن تتدخل في أي عمل عسكري ضد روسيا في أوكرانيا، خوفاً من أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة، ولا شك أن مثل هذا التردد سوف يصيب العديد من الدول الأوروبية الأقل قوة. 

4- نشر موسكو قوات إضافية: كشفت روسيا عن نقل قوات روسية كانت متمركزة في أقصى شرق البلاد إلى منطقة أستراخان، والتي تقع على الحدود بين الجزءين الأوروبي والآسيوي من روسيا. وقالت قيادة المنطقة العسكرية الروسية الشرقية، في 1 مارس، إن هذه القوات ستتدرب في تحركات لمسافات طويلة للوحدات العسكرية من بين مهام أخرى، وهو ما أثار مخاوف لدى لغرب بإمكانية نقل هذه القوات إلى داخل أوكرانيا لتسريع وتيرة العمليات العسكرية هناك. 

5- الخبرة العسكرية الروسية السابقة: يتمتع الجيش الروسي في ظل رئاسة بوتين بخبرة عسكرية واسعة، فقد خاص أربع حروب سابقة في جورجيا (2008) وسوريا (2015) والقرم (2014) والشيشيان (1999)، من دون أن يهزم، كما أن بعض القوات الروسية تتمتع بخبرة واسعة في حرب العصابات، نتيجة لمشاركة قوات قديروف في حرب الشيشان وسوريا. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الدول الغربية كانت متورطة في دعم المعارضة المسلحة ضد الحكومة السورية، أي أن موسكو والغرب قد التقوا في حرب لا متماثلة على الأراضي السورية، وهي الحرب التي حسمتها روسيا لصالحها.

ومن جهة أخرى، ستكون روسيا ووكالاتها الاستخبارية متأهبة لدعم أوكرانيا بالسلاح، خاصة أن هناك ادعاء بأنهم وضعوا قوائم بأسماء أشخاص إما للقبض عليهم، وإما لاغتيالهم، ممن قد يكونون ضالعين في أي مقاومة لمنع نموها. كما أعلنت روسيا أن قواتها ستستهدف بضربات موجّهة الأفراد الذين ينقلون الأسلحة الغربية إلى العاصمة الأوكرانية كييف. 

وما يضفي مصداقية على هذه التهديدات أن وكالة الاستخبارات المركزية والمخابرات البريطانية إم آي 6 سبق وأن دعمت المقاومة في البلدان الواقعة خلف الستار الحديدي، مثل أوكرانيا ودول البلطيق وألبانيا، في الفترات الأولى من الحرب الباردة، وهو ما أدى إلى كارثة رهيبة، إذ تمكنت موسكو من اختراق تلك المجموعات عبر جواسيسها.

6- الردع النووي: لوّح الرئيس الروسي باللجوء للسلاح النووي من أجل التصدي للتصعيدات التي يمارسها حلف الناتو دعماً لأوكرانيا، الأمر الذي قد يحد من تنامي مساعدات الناتو لأوكرانيا خوفاً من تطور التصعيد إلى مستوى التهديد النووي.

وفي الختام، يمكن القول إنه بمراجعة ما سبق، ليس من الواضح ما إذا كان الغرب يسعى من وراء الكشف عن خططه لدعم أوكرانيا شن حرب نفسية ضد روسيا، ورفع معنويات الجيش الأوكراني، أملاً في إطالة أمد الصراع، على نحو يدفع الرئيس بوتين لإعادة حساباته، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية، أم أن الغرب سوف يتجه خلال الفترة المقبلة لدعم أوكرانيا عسكرياً على نحو يؤدي إلى تأجيج الصراع.