أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تأمين العاصمة:

ما الذي يعنيه حسم نظام الأسد معركة الجنوب السوري؟

11 يوليو، 2018


من المؤكد أن النظام السوري سيتمكن من حسم المعركة علي الجنوب لصالحه خلال الأيام المقبلة من خلال طريقتين، هما الانتصارات العسكرية والمصالحات الإجبارية. وتعاني قوي وفصائل المعارضة في الجنوب السوري من محدودية في الخيارات المتاحة أمامها للتصدي لجهود النظام للسيطرة علي تلك المنطقة، ويتضح ذلك من خلال تشديدها علي رفض الاستسلام وفقا للشروط الروسية وتشكيل غرفة عمليات مركزية لفصائل الجنوب للإيحاء بأن هناك رد قوي علي هجوم النظام، وإلقاء اللوم علي موسكو وواشنطن بإتهامهم بوجود صفقة سرية بينهما بشأن الجنوب. وتتمثل أبرز التبعات العسكرية المتوقعة لحسم النظام سيطرته علي الجنوب السوري في تحقيق تأمين تام للعاصمة دمشق وما يُعرف بسوريا المفيدة وتزايد تركز الفصائل المسلحة في محافظة إدلب.

يواصل النظام السوري بمساندة من جانب حلفائه حملة عسكرية برية وجوية بدأها منذ 19 يونيو الماضي لاستعادة جنوب البلاد، وذلك بالتزامن مع مباشرة الحكومة السورية عمليات مصالحة وطنية انضمت إليها بلدات وقرى في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة في المنطقة.

حسم مؤكد: 

من المؤكد أن نظام الأسد سيتمكن من حسم المعركة علي الجنوب السوري لصالحه خلال الأيام المقبلة من خلال طريقتين، يتمثلان فيما يلي: 

1- الانتصارات العسكرية: يواصل الجيش السوري تقدمه الميداني في الريف الشمالي الشرقي لمحافظة درعا، وتشير التقديرات التي يعدها المرصد السوري لحقوق الإنسان إلي أن تلك العملية تسببت حتي الآن في نزوح حوالي 160 ألف من المدنيين باتجاه الحدود السورية الأردنية والحدود مع الجولان المحتل.

2- المصالحات الإجبارية: تجد فصائل المعارضة نفسها أمام الضغوط العسكرية لقوات النظام مضطرة إلي الاستسلام والخروج من مناطقها بصورة قد تبدو مقبولة من خلال فكرة المصالحات التي تعقدها مع النظام عبر وساطات روسية، والتي كان أخرها انضمام 8 بلدات على الأقل في الريفين الشمالي والشرقي بمحافظة درعا إلى اتفاقات المصالحة، ومن أبرز تلك البلدات داعل وأبطع والغارية الغربية والغارية الشرقية والكرك الشرقي، وذلك بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويُشار في هذا الإطار إلي إعلان وكالة "سانا" السورية، في 29 يونيو الماضي، بأن الجيش السوري قريب من التوصل إلى اتفاق مع المسلحين بريف مدينة درعا حول مصالحة محلية، يتوقع أن تنضم إليها بلدات وقرى كثيرة في المنطقة.

كما يُشار إلي ما أكده المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصادر متقاطعة، بأن مفاوضات لتسوية ملف الجنوب تجري عبر وسطاء في اتجاهين رئيسين، الأول بين الروس وفصائل بلدات الريفين الشرقي والشمالي لدرعا من اجل التوصل إلى اتفاقات منفصلة في كل بلدة تضمن وقف القصف والدخول في هدنة دائمة مع النظام، أما المسار الثاني، فيشمل محادثات حول مستقبل كل محافظة درعا، على أن يشمل الاتفاق تسليم معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وفتح طريق عنتاب – الأردن في شكل كامل.

خيارات محدودة: 

تعاني قوي وفصائل المعارضة في الجنوب السوري من محدودية في الخيارات المتاحة أمامها للتصدي لجهود النظام للسيطرة علي تلك المنطقة، ويتضح ذلك علي النحو التالي: 

1- التشديد علي رفض الاستسلام: يتضح ذلك من إعلان فصائل الجيش السوري الحر في الجنوب السوري في 20 يونيو الماضي عن تشكيل "غرفة العمليات المركزية" للصمود أمام هجمات النظام، وتضم القيادة الجديدة كلا من (غرفة عمليات البنيان المرصوص، غرفة عمليات رص الصفوف، غرفة عمليات توحيد الصفوف، غرفة عمليات صد الغزاة، غرفة عمليات مثلث الموت، غرفة عمليات النصر المبين، غرفة عمليات صد البغاة).

كما يتضح ذلك من خلال إعلان الناطق الرسمي باسم "الجبهة الجنوبية " التابعة للجيش السوري الحر "إبراهيم جباوي"، أن الاجتماع الذي عقدته المعارضة مع الجانب الروسي في جنوب سوريا في 30 يونيو الماضي للتفاوض على اتفاق سلام مع الحكومة انتهى بالفشل بعد رفض مطالب روسيا بالاستسلام.

ويُشار في هذا الإطار إلي أن المطالب الروسية من المعارضة كانت تتضمن، قيام الفصائل بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للشرطة الروسية خلال الأيام الأولى من الاتفاق، وأن يتم تسليم السلاح الخفيف خلال تسوية أوضاع المقاتلين، كما طالبت روسيا بدخول الشرطة التابعة لها وللنظام إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المقاتلة، إضافة إلى تزويدها بأسماء المقاتلين من أجل عملية تسوية أوضاعهم خلال فترة لا تتجاوز العشرة أيام، على أن تكون روسيا هي الضامنة لهذه العملية، وتضمنت الشروط أيضا أن يبسط النظام سيطرته على المعبر الحدودي مع الأردن.

2- إلقاء اللوم علي موسكو وواشنطن: يظهر ذلك من خلال وصف رئيس هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية "نصر الحريري" بأن ما يجري في درعا بـ"الصفقة الخبيثة" بين روسيا والولايات المتحدة، متسائلا عن صمت واشنطن إزاء ما يحدث، ومشيرا إلى أن الولايات المتحدة تحافظ على المناطق التي تريدها في سورية فقط.

ويُشار في هذا السياق إلي أن الإتهامات التي توجهها المعارضة للولايات المتحدة جاءت في أعقاب التصريحات التي أدلي بها "إريك باهون" المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، بشأن موقف بلاده من التطورات في الجنوب، حيث أكد أن واشنطن تركز جهودها على هزيمة تنظيم "داعش"، وليس على عمليات النظام الحالية في جنوب سوريا.

كما يُشار إلي الأنباء والتقارير التي تشير إلي أن هجوم قوات الحكومة السورية بغطاء روسي على ريف درعا والمدينة جنوب البلاد، جاء ضمن تفاهمات بين واشنطن وموسكو تتضمن عودة الجيش السوري إلى الجنوب مقابل إخراج مقاتلي المعارضة ورافضي ذلك إلى إدلب، على أن يتعهد الجانب الروسي بإضعاف ثم إنهاء الدور الإيراني في سوريا.

قلق أردني: 

تصاعد القلق الأردني علي خلفية العملية العسكرية التي تقوم بها قوات النظام بدعم من الجانب الروسي، وذلك علي خلفية التأثيرات السلبية لها علي قضية اللجوء السوري في الأردن، ولذلك سعت عمان لوقف العملية من خلال جهودها التي قامت بها، والتي يتمثل أهمها فيما يلي: 

1- محاولة إشاعة أجواء إيجابية بالنسبة لوقف إطلاق النار، ويرتبط بذلك تأكيد مسئول أردني لوكالة رويترز في 29 يونيو الماضي وجود تقارير مؤكدة حول وقف وشيك لإطلاق النار في جنوب سوريا، وأنه من المتوقع أن تؤدي هذه الهدنة إلى التوصل لمصالحة في المنطقة.

2- تأكيد وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والناطقة الرسمية باسم الحكومة "جمانة غنيمات" في 29 يونيو الماضي أن الأردن يرحب بأي اتفاق للهدنة والتهدئة حفاظا على أرواح المدنيين وخصوصا الأطفال والنساء، وأن البحث والتواصل لم يتوقفا مع جميع الأطراف لإنجاح مساعي وقف التصعيد العسكري في المنطقة.

تبعات مرتقبة:

يمكن رصد أبرز التبعات العسكرية المتوقعة لحسم النظام سيطرته علي الجنوب السوري، وذلك علي النحو التالي:

1- التأمين التام للعاصمة دمشق وما يُعرف بسوريا المفيدة: فبعد سيطرة النظام المرتقبة علي الجنوب السوري، سيتمكن من تنظيف وتطهير محيط دمشق من تواجد الفصائل المسلحة، والتي طالما هددت العاصمة السورية دمشق. كما ستؤدي سيطرة النظام عليها إلي انتهاء التهديدات القادمة من جنوب سوريا والتي تواجهها المناطق التي عُرفت من قبل بسوريا المفيدة. 

وسوريا المفيدة هو المفهوم الذي أطلقه الرئيس السوري "بشار الأسد" في عام 2015 على المناطق التي اضطر إلى الانسحاب إليها، مرجعا ذلك إلى نقص الطاقات البشرية، ولا تزيد مساحة هذه المناطق على 25% من مجمل مساحة البلاد، وتتركز سوريا المفيدة في الشريط الساحلي الممتد من دمشق إلى القلمون وحمص ودرعا وحماة، وصولا إلى طرطوس واللاذقية وحتى الحدود التركية.

2- تزايد تركز الفصائل المسلحة في محافظة إدلب: تؤدي العمليات العسكرية للنظام وحلفائه في الجنوب إلي خروج آلاف المسلحين منها، ويأتي هذا الخروج إما نتيجة للهزيمة العسكرية والتي تدفع مقاتلي المعارضة إلي الهروب إلي مناطق أكثر أمانا لها، أو نتيجة إتفاقات التهجير التي يبرمها النظام مع بعض الفصائل برعاية روسية. ومن المعلوم أن وجهة المقاتلين الراحلين من المناطق التي يحررها النظام نتيجة ضغطه العسكري أو المفاوضات تكون إلي مناطق الشمال السوري ومحافظة إدلب تحديدا وسيزيد نزوح فصائل المعارضة إلي إدلب من كون المحافظة المعقل الأكبر حاليا للجماعات المسلحة علي اختلافها.

مساران متوازيان: 

من الواضح أن النظام السوري وحلفاؤه الروس يمضون في مسارين متوازيين لفرض تسوية في الجنوب، وذلك من خلال تكثيف العمليات العسكرية للتمهيد لفرض هدن إجبارية تفضي إلي انسحاب قوات المعارضة إلي الشمال السوري. كما يتضح أن النظام يلجأ بوضوح فى معركة الجنوب إلي تكتيك يقوم علي استراتيجية الضغط لا الحسم ومراعاة التدرج في التصعيد العسكري، وهو أسلوب يضمن له عدم دفع ثمن غالي في المعارك والسيطرة علي المنطقة بأقل التكاليف. 

ويمكن تفسير الإنخراط الروسي القوي بجانب النظام في معارك الجنوب من خلال سببين، وهما إما لفشل الجانبين الأمريكي والروسي في التوصل إلى توافق يحافظ على استمرار تجربة خفض التصعيد في تلك المنطقة، أو أن هذه المشاركة هي نتيجة لاتفاق غير معلن مع إسرائيل والولايات المتحدة، تتعهد فيه روسيا بعدم مشاركة إيران أو وصول قواتها إلى المناطق الجنوبية، وأن تكون روسيا حاضرة كضامن في هذه المناطق بعد إخراج المعارضة منها.

ومما لاشك فيه، فإن سيطرة النظام علي الجنوب ستغريه لاستكمال سعيه للحسم العسكري، وسيرسخ فتح النظام لمعارك جديدة بعد انتهاء معركة الجنوب الراهنة من فكرة أن التوصل إلي الحل السياسي القادر علي إنهاء حقيقي للأزمة السورية بات مستحيلا، وأن التصعيد العسكري وسعي النظام وحلفائه للحسم الميداني هو الحل الوحيد المتبقي.