مع انطلاق فعاليات مُؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ "كوب28" المنعقد في دبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة، في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، لمناقشة كيفية الحد من التغير المناخي وكيفية الاستعداد لهذا التغير في المُستقبل، أُثيرت التساؤلات حول العقبات أو التحديات التي قد تواجه كافة الدول على الصعيد الدولي، من أجل وضع حد للآثار المُترتبة على التغيرات المناخية ومنها زيادة الاحتباس الحراري كإحدى أبرز ظواهر التغيرات المناخية.
تحديات ضاغطة:
تواجه الدول مجموعة من التحديات أو العقبات المتنوعة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي قد تعرقل جهودها لمواجهة آثار التغيرات المناخية، فالتحديات التي تواجهها الدول في مكافحة الظواهر المصاحبة للتغيرات المناخية أصبحت أكبر من أي وقت مضى، وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أبرز التحديات التي تواجه قدرات الدول في هذا الخصوص، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
أولاً: تحديات سياسية:
ويمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:
1. ضعف القدرات المؤسسية للدول: تعاني الكثير من الدول من ضعف حاد في قدراتها الذاتية التي يمكن الاعتماد عليها لوضع سياسات واستراتيجيات تمكنها من مواجهة آثار التغيرات المناخية، ورغم تبني بعض الدول خطابات سياسية تُشير فيها إلى عملها على وضع تدابير لمُواجهة هذه الآثار، فإن غياب مُؤسسات حكومية قادرة على صياغة استراتيجيات وطنية تتضمن إجراءات مُحددة ورؤية شاملة يؤثر بشكل كبير في هذه المواجهة، أضف إلى ذلك هشاشة وضعف البنية التحتية المؤهلة والتي تساعد الدولة على تعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية وآثارها، وحتى قدرتها على مواجهة الكوارث الطبيعية كما حدث في الفيضانات المُدمّرة في ليبيا وباكستان سابقاً والصومال حالياً، وكذا الزلازل المدمرة في كل من تركيا وسوريا ومن بعدها المغرب، وحرائق الغابات في الجزائر وكوريا الجنوبية.
وفي المقابل فإن هناك دولاً مثل الصين التي أصبحت تتبنى استراتيجية وطنية لحماية البيئة والتنمية المستدامة شملت إجراءات قانونية وتأسيس فريق تفتيش بيئي تابع للرئيس الصيني شي جين بينغ، مُباشرة، للحد من استخدام الفحم، وذلك بهدف تعزيز قدرتها على مواجهة آثار التغيرات المناخية، كما نجحت دولة الإمارات في وضع استراتيجية وطنية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، كأول دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي.
2. الغسيل الأخضر: رغم ضعف إمكانات بعض الدول في هذا الخصوص، كثيراً ما تشهد مؤتمرات المناخ العالمية تقديم بعض هذه الدول لخطط واستراتيجيات تحتوي على آليات وإجراءات مثالية لتقليل انبعاثاتها الحرارية، ومن ثمّ المساعدة على وضع تدابير فاعلة بالتنسيق مع باقي الدول تسهم في تعزيز قدرتها على مواجهة آثار التغيرات المناخية. إلّا أن ما يحدث في الواقع هو ما يطلق عليه "الغسيل الأخضر" بمعنى ترويج قادة الدول لما يسمى بأوراق اعتمادها المناخية دون إجراء التغييرات الفعلية بداخلها، ومرجع ذلك إلى عدم توافر القدرات المالية أو غياب الإرادة السياسية أو حتى عدم امتلاك هذه الدول للقدرات الإدارية والمؤسسية اللازمة لوضع تدابير وإجراءات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، الأمر الذي يؤثر في تصنيف هذه الدول في مؤشر أداء تغير المناخ "CCPI" والذي يشمل تصنيف أداء الدول تجاه أربع فئات رئيسية وهي: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، واستخدام الطاقة، وسياسة المناخ، والطاقة المتجددة.
3. اختلاف رؤى الدول: إلى جانب التحديات السابقة، يبرز تحدٍ من نوع آخر وهو اختلاف رؤى الدول حول كيفية التخلص من مصادر تلوث المناخ، وخاصة فيما يتعلق بالانبعاثات الناتجة عن استخدام كافة صور الوقود، فقد ثار خلاف حول مستقبل الوقود الأحفوري (النفط– الغاز الطبيعي– الفحم)، ففي حين تنادي بعض الدول بالتخفيض التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري وصولاً إلى التخلص منه مُستقبلاً، فإن بعضها الآخر ينادي بضرورة التخلص التدريجي بشكل كامل من استخدام الوقود الأحفوري، وتقود هذا الاتجاه دول الاتحاد الأوروبي، ويرى بعض نشطاء المناخ أن الاتفاقيات الموقعة بين الدول والتي تقضي بخفض استهلاك الوقود الأحفوري، تسمح باستمرار إنتاج هذا الوقود، وهو ما يعني استمرار الانبعاثات الحرارية ومن ثم زيادة درجات الحرارة على المستوى العالمي، وهو ما يعني زيادة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض بشكل متسارع، كما لا توجد ضمانات بفاعلية تكنولوجيا التقاط الانبعاثات على نطاق واسع، كما أن هناك بعض الدول التي لا تجد مفراً من الاعتماد على مصادر الوقود التقليدية مثل الفحم، كالصين التي تتعرض لضغوط دولية كبيرة للانتقال للطاقة المتجددة لتقليل انبعاثاتها الحرارية التي تبلغ حوالي 25% من الانبعاثات الحرارية عالمياً، ومع استمرار هذه الخلافات تتقلص إمكانية التوصل لاتفاقيات عالمية قابلة للتنفيذ، وهو ما دفع بعض الدول المشاركة في مؤتمر "كوب28" ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة، للدعوة إلى التوسع في استخدام الطاقة النووية بحلول عام 2050 لتقليل الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري التقليدية. وفي هذا السياق، فقد دعت أكثر من 20 دولة في مؤتمر "كوب28" من بينها الدول الثلاث السابقة، إلى زيادة مصادر الطاقة النووية ثلاثة أضعاف بحلول 2050 مقارنة بالعام 2020، لمكافحة تغير المناخ.
ثانياً: تحديات اقتصادية:
وتتمثل أبرزها في الآتي:
1. نقص الموارد المالية: تُعد الموارد المالية من أهم الأدوات التي تعتمد عليها الدول في مواجهة آثار التغيرات المناخية، إلا أن نقص الموارد المالية والتمويلات الخاصة بهذا الأمر، يُعد عقبة أو تحدياً كبيراً من شأنه التأثير سلباً في قدرات الدول واستعداداتها لمواجهة هذه التغيرات المناخية، خاصة وأن العديد من دول العالم تعاني أزمات مالية واقتصادية تفاقمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب جائحة "كورونا" ومن بعدها كذلك الحرب الروسية الأوكرانية. فعلى سبيل المثال، تعاني دولة مثل الأردن من إشكالية محدودية الموارد المالية، ويمثل نقص التمويل تحدياً رئيسياً للأردن في تنفيذ مشروعات التكيف مع التغيرات المناخية، وللتغلب على هذا التحدي اتفقت الدول المشاركة في مؤتمر المناخ السابق "كوب27"، والذي عقد بمدينة شرم الشيخ في مصر، على تأسيس "صندوق الخسائر والأضرار" والذي يقوم على تقديم الدول الغنية والأكثر ثراءً مساعدات مالية واقتصادية للدول النامية والفقيرة التي تواجه انعكاسات تغيرات المناخ، وفي مؤتمر "كوب26" تم اعتماد "ميثاق غلاسكو للمناخ" بغرض مضاعفة التمويل لدعم الدول النامية في التكيف مع آثار التغيرات المناخية، وفي عام 2009 تعهدت الدول المتقدمة بدفع مبلغ مالي بقيمة 100 مليار دولار سنوياً حتى عام 2020، لمساعدة الدول النامية على الاستعداد لتغيرات المناخ والعمل على تقليص انبعاثاتها نتيجة استخدام الوقود الأحفوري، إلا أن ذلك لم يتم تنفيذه حتى الآن، مما أسهم في زيادة الأضرار البيئية نتيجة عدم امتلاك الدول الفقيرة الموارد المالية اللازمة لخفض استخداماتها من الوقود المسبب للانبعاثات الحرارية، ففي دولة مثل جنوب إفريقيا تتقدم قضايا الفقر وعدم المساواة وقلة فرص العمل على مواجهة آثار التغيرات المناخية، ولذلك فقد تم الإعلان عن تركيز المؤتمر الحالي "كوب28" في دولة الإمارات، على كيفية التوصل لاتفاق جديد يقضي بحصول الدول النامية على دعم مالي من الدول المتقدمة والأكثر ثراءً لمساعدتها على مواجهة آثار التغيرات المناخية، وهو ما تمثل في إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، في فعاليات المؤتمر عن إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، وذلك بهدف تحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030، كما تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية بتخصيص مبلغ قيمته 3 مليارات دولار، للمساهمة في صندوق المناخ الأخضر، كما دعت بعض الدول، المؤسسات الدولية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي لإدراج الطاقة النووية في تمويلها للدول الساعية لاستخدامها، وتهدف هذه الدعوة إلى التغلب على ما تعانيه بعض الدول من إشكالية محدودية وعدم اليقين بشأن الوصول إلى الموارد المالية من الجهات الدولية المانحة.
2. نقص الموارد الطبيعية: يمثل نقص الموارد الطبيعية مثل المياه، أبرز التحديات التي قد تعرقل جهود الدول لمواجهة آثار التغيرات المناخية، فكثير من الدول تواجه تحدياً خاصاً بالفقر المائي المتزايد الذي يمثل تهديداً حياتياً جماعياً لشعوب هذه الدول. فعلى سبيل المثال، تواجه مصر تحدياً في هذا الأمر بسبب الفقر المائي وتزايد الاحتمالات الخاصة بأزمة مائية في المستقبل كأحد تداعيات تشغيل سد النهضة الإثيوبي، هذا إلى جانب انخفاض توافر المياه الجوفية وزيادة ملوحة المياه الجوفية المتوفرة، وهناك دول أخرى تعاني من نقص أو تراجع في مواردها المائية بسبب تراجع معدلات هطول الأمطار مثل: غانا والبوسنة والهرسك وجزر المالديف وتونس والمغرب، التي أصبحت تواجه أزمة متفاقمة بسبب نقص الموارد المائية، وتزايد احتمالات مواجهة هذه الدول لحالة من الجفاف وخاصة في فصل الصيف، الأمر الذي يدفعها نحو التفكير في إجراءات أو تدابير لتوفير هذه الموارد، بشكل يطغى على اهتمامها بتدابير تقليل انبعاثاتها الحرارية، وهو ما يؤثر بدرجة أو بأخرى على درجة استعدادها لمواجهة آثار التغيرات المناخية بالشكل الملائم. ومن شأن نقص تلك الموارد الطبيعية أن يؤثر في قدرات الدول فيما يتعلق بمجابهة آثار التغيرات المناخية، فمكافحة التصحر وارتفاع درجات الحرارة، على سبيل المثال، تتطلب أن تكون هناك مخزونات كافية من المياه الصالحة للزراعة. هذا في الوقت نفسه الذي يتسبب فيه التغير المناخي في خفض كمية هطول الأمطار ومن ثم تراجع كميات المياه الصالحة للاستخدام.
تحديات أمنية:
سلطت التغيرات المناخية وآثارها الضوء على إشكالية العلاقات بين هذه التغيرات والأمن الإنساني بما في ذلك الأمن المجتمعي والصحي والغذائي والاقتصادي. إذ زادت التغيرات المناخية من حدة التهديدات الأمنية سواءً داخل المجتمعات أم فيما يتعلق بعلاقات الدول وبعضها بعضاً، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى بعض صور التحديات الأمنية التي تمثل تحدياً لمواجهة الدول لآثار التغيرات المناخية، ومن أبرزها ما يلي:
1. انتشار أعمال العنف: فكثير من الدول تعاني من مشكلات أمنية داخل مجتمعاتها، وخاصة تلك الدول التي يوجد بها العديد من الأعراق والإثنيات التي تتصارع مع بعضها بعضاً، سواءً على الموارد الطبيعية أم الوصول إلى السلطة، والقارة الإفريقية على سبيل المثال، تقدم نموذجاً في هذا الخصوص، فدولة مثل إثيوبيا تعاني من توترات أمنية داخلية بسبب تصاعد أعمال العنف العرقي والإثني بين المجموعات العرقية المختلفة مثل: الأورومو والأمهرة، هذا إلى جانب المواجهات المسلحة بين مليشيات المتمردين المسلحين والحكومات كما هو الحال في دولة الكونغو الديمقراطية، وانتقال تداعيات هذه الصراعات إلى دول الجوار والتأثير في العلاقات الثنائية بينها، كل هذه الأمور تؤثر سلباً في استعدادات الدول النامية والفقيرة لمواجهة آثار التغيرات المناخية.
2. تصاعد التهديدات الإرهابية: ومن جهة أخرى تمثل الأنشطة المُتصاعدة لبعض التنظيمات الإرهابية في بعض الدول النامية والفقيرة تحدياً أمنياً كبيراً لحكومات هذه الدول، بشكل يحد من قدراتها على وضع استراتيجيات وطنية لمواجهة آثار التغيرات المناخية. ومن الأمثلة الدالة على ذلك، تأثير انتشار تنظيمي القاعدة وداعش، على الأوضاع الأمنية في دول الساحل والصحراء، وكذا تصاعد أنشطة حركة شباب المجاهدين الموالية لتنظيم القاعدة في الصومال، ومحاولتها استهداف الأمن القومي لدول منطقة القرن الإفريقي، كل هذه الأمثلة تقدم نموذجاً لمدى تأثير التهديدات الأمنية على قدرات الدول التي تخصص كل إمكاناتها المادية والبشرية لتحقيق الاستقرار الأمني أولاً وقبل أي شيء آخر بما في ذلك مواجهة التغيرات المناخية وآثارها الحاصلة والمحتملة.
وفي الختام، فإن التحديات المتنوعة التي تواجه الدول وتؤثر في قدرتها الخاصة بمواجهة آثار التغيرات المناخية، تفرض على هذه الدول البحث عن حلول غير تقليدية فاعلة، نظراً لما تعانيه من مشكلات داخلية وخارجية، وذلك من أجل تمكينها من الحصول على الأدوات والإجراءات اللازمة لمساعدتها على مواجهة هذه الآثار، وخاصة الدول النامية والفقيرة، وذلك عبر التوصل لاتفاقات عالمية تكون بمثابة خريطة طريق تعزز قدرات هذه الدول على مواجهة آثار التغيرات المناخية، أو على أقل تقدير مساعدتها على التكيف مع هذه التغيرات خلال السنوات المقبلة.
وفي هذا الإطار، فإن مؤتمر "كوب28" في دبي، يظل إحدى الأدوات الفاعلة في تعزيز التعاون الإقليمي والدولي متعدد الأطراف، وتشجيع القطاع الخاص في كافة الدول لتمويل مبادرات وجهود العمل المناخي، وخاصة في الدول النامية والفقيرة.