نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا حول الأسباب التى دفعت برلين لتعزيز التقارب مع بكين، وما هى التحديات التى قد تعيق ذلك... نعرض من المقال ما يلى.
أكد وزير المالية الألمانى كريستيان ليندنر، فى مطلع أكتوبر 2023، خلال اجتماعه مع نائب رئيس مجلس الدولة الصينى خه لى فنج، بمدينة فرانكفورت الألمانية، أهمية تطوير العلاقات الاقتصادية بين برلين وبكين وتعزيز أوجه التعاون المُشترك تجاه بعض القضايا المهمة، وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الفقر وتغير المناخ.
أثار التطور الإيجابى المُتسارع فى العلاقات الثنائية بين ألمانيا والصين، التساؤلات حول دوافع ألمانيا من هذا التقارب المُتنامى مع الصين، ولاسيما على المستوى الاقتصادى، وفى هذا السياق؛ يمكن تفسير ذلك من خلال مجموعة من الأهداف، ومن أهمها ما يلى:
1ــ تعظيم المكاسب الاقتصادية: تدرك ألمانيا أهمية تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الصين، ثانى أكبر قوة اقتصادية فى العالم، حيث تمثل الصين أكبر شريك تجارى لألمانيا، وأصبحت ألمانيا الشريك التجارى الخامس للصين على المستوى العالمى، وتمثل السوق الصينية مُتنفسا للمنتجات الألمانية وخاصة الشركات الألمانية العاملة فى مجال تصنيع السيارات (فولكس فاغن ــ بى إم دبليو ــ مرسيدس) والتى ارتفع حجم مبيعاتها فى السوق الصينية ليصل إلى حوالى 40%، كما ضخت شركة فولكس فاغن استثمارات بقيمة مليار يورو فى مقاطعة أنهووى الصينية.
2ــ تأمين إمدادات الطاقة: حيث أصبحت الصين مصدرا مهما بالنسبة لألمانيا لتأمين الاحتياجات الداخلية من الطاقة الصينية، وذلك بعد أن أثرت الحرب الأوكرانية فى الإمدادات الروسية من الغاز للدول الأوروبية بسبب موقفها الرافض للغزو الروسى لأوكرانيا وفرضها عقوبات على موسكو، كما تعتمد ألمانيا على الخلايا الشمسية الصينية، وأيضا بطاريات السيارات الكهربائية «CATL» التى تنتجها الصين فى مصنعين خارجها أحدهما فى ألمانيا، وبالتالى تمثل الصين مصدرا لتأمين احتياجات ألمانيا من الطاقة.
3ــ تنويع الشركاء: يعكس التقارب الألمانى الصينى توجهات السياسة الخارجية الألمانية التى تتبناها الحكومة الألمانية الحالية والتى تهدف إلى تنويع الشركاء الدوليين، بما يحقق قدرا من التوازن فى العلاقات الألمانية مع مُختلف دول العالم، ولاسيما القوى الكبرى مثل روسيا والصين، وترى ألمانيا أن تنويع الشركاء الدوليين يتيح لها فرصة تنويع المصالح الاقتصادية ودرء المخاوف الأمنية.
4ــ تعزيز الدور الدولى لألمانيا: ففى الوقت الذى تتصاعد فيه حدة التوتر السياسى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى، تتزايد درجة التقارب بين ألمانيا والصين ولاسيما على الصعيد الاقتصادى بشكل رئيسى، وأيضا على الصعيد السياسى من خلال محاولة ألمانيا أداء دور الوسيط بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى عدد من الملفات الخلافية بين الطرفين وعلى رأسها قضايا حقوق الإنسان وتايوان، حيث ترى ألمانيا أن هذه القضايا أو الأزمات تمثل فرصة مواتية لتعزيز الدور الألمانى على المستوى الدولى من خلال محاولة تسوية هذه الأزمات أو على أقل تقدير الحيلولة دون مزيد من التصعيد سواءً بين أطراف هذه الأزمات أم الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين.
رغم التقارب فى العلاقات الثنائية بين ألمانيا والصين، فإن هناك عددا من العقبات أو المحاذير التى قد تؤثر سلبا فى نمط العلاقات القائم بين الدولتين، لعل أهمها: استمرار القضايا الخلافية: توجد مجموعة من القضايا الخلافية التى قد تؤثر سلبا فى التقارب الألمانى الصينى، مثل الموقف من تايوان: ففى شهر مارس 2023، أثارت زيارة وزيرة التعليم الألمانية بيتينا شتارك، وهى عضو بالحزب الديمقراطى الحر، لتايوان تحفظا صينيا، خاصة وأن هذه الزيارة كانت الأولى من نوعها لمسئول ألمانى منذ 26 عاما، وهو ما تعتبره الصين تدخلا فى شئونها الداخلية، وهو ما دفعها لإلغاء زيارة كانت مقررة فى ذلك الوقت لوزير المالية الألمانى كريستيان ليندنر لبكين، وفى ذلك مؤشر على تأثير ملف تايوان فى العلاقات مع ألمانيا فى المستقبل، خاصة وأن موقف ألمانيا يتماشى مع الموقف الأمريكى الداعم للموقف التايوانى، وهو أحد أسباب توتر العلاقات الصينية الأمريكية.
كذلك انتهاكات حقوق الإنسان: توجه الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تهما للصين بارتكاب انتهاكات لحقوق وحريات الإنسان وخاصة فيما يتعلق بالحريات المدنية وحقوق الأقليات العرقية فى «شينجيانج» و«التبت»، وامتدت هذه التهم إلى حد وصف وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الرئيس الصينى شى جين بينج بالديكتاتور، وهو ما دفع الصين للإعراب عن رفضها لهذه الانتقادات وأكدت رفض بكين للتدخلات الخارجية فى شئونها الداخلية، وفى هذا الإطار تتهم الصين الولايات المتحدة بمحاولة تشويه سمعتها على الصعيد الدولى تحت مسمى الدفاع عن حقوق الإنسان، ورغم ذلك تحرص ألمانيا على التواصل المباشر مع الحكومة الصينية فى ملفات حقوق الإنسان.