** نشر هذا المقال في دورية (اتجاهات الأحداث) الصادرة عن مركز المستقبل، العدد الأول، أغسطس 2014.
لم تعد الحدود آمنة أو مصونة أو ذات خطوط حمراء في أنحاء مختلفة من إقليم الشرق الأوسط، خاصة في السنوات القليلة الماضية، بل صارت حدوداً سائبة، أو كما يطلق عليها في بعض الأدبيات "الحدود اللينة Soft Borders"، أو الخواصر الرخوة أو الأطراف الخارجة عن السيطرة.
لقد كانت الاتجاهات التقليدية في دراسات أمن وإدارة الحدود تعتمد مقولة الحدود الصلبة Hard Borders، التي يتم تعريفها بأنها "الخط الفاصل بين حدود دولتين مختلفتين اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وديموغرافياً واجتماعياً، حيث تبدأ سيادة دولة وتنتهي سيادة دولة أخرى، وتلك الحدود قد تكون مدخلاً للتعاون أو طريقاً للصراع. لكن برز مفهوم الحدود "المرنة" أو "الناعمة" أو "اللينة" أو "السائبة" في عدد من الكتابات، وهو ما يتقاطع مع نظرية سادت في أطروحات العلاقات الدولية مفادها "نهاية جغرافيا الدولة"، حيث إن مؤسسات الدولة صممت على جانبي الحدود بشكل يضمن تنقل الأفراد من حدود دولة لأخرى، سواء للهجرة أو الاستثمار أو السياحة أو التعليم أو لأغراض أخرى.
هنا، يتم التمييز بين نمطين من الحدود في القانون الدولي، وهما الحدود المفتوحة Opened Borders، أي غير المتحكم فيها أو المسيطر عليها من أجهزة ومؤسسات الدولة، على نحو ما تشير إليه حالة الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي، وكندا والولايات المتحدة، والمكسيك، في مقابل الحدود المغلقة Closed Borders، والتي تتم السيطرة عليها، ولا يسمح بالعبور والتواجد للأفراد بشكل رسمي على الجانب الآخر منها، وتكون محاطة بحواجز جغرافية وأسوار فاصلة وجدران عازلة، مثل سور الصين العظيم، والجدار العازل بين الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، والجدار الفاصل بين الحدود السعودية واليمنية.
في هذا السياق، يناقش هذا التحليل عدة أبعاد أساسية، هي مؤشرات وأسباب حالة الحدود السائبة في الشرق الأوسط، وتداعيات انتشارها على الأمن والاقتصاد والمجتمع، وسياسات النظم الحاكمة للتعامل معها بما يحد من تأثيراتها ويقلل من مضاعفاتها.
أولاً: أسباب ظهور الحدود السائبة
يعود ظهور نمط الحدود السائبة في الشرق الأوسط إلى عدد من الأسباب، بعضها خارجي وبعضها الآخر داخلي، من أبرزها:
1 ـ الاندماج في الحركة العولمية: ظهر مفهوم الحدود المرنة في سياق عملية العولمة، التي ترمي إلى إلغاء الحواجز الحدودية وتقليص الفواصل الجمركية وتزايد حرية تدفق الأفراد والأموال والبضائع والسلع والأفكار، وحدوث تكامل بين اقتصادات الدول، والتمازج بين توجهات الشعوب؛ ما أثار قضية المواطن العالمي في مواجهة المواطن المحلي، نظراً لأن الفرد في هذه الحالة يتجاوز نطاق القوانين المحلية وحاجز الأعراف والتقاليد الداخلية، ويكون عليه التعامل مع عالم بلا أذرع مقيدة، لتقل مع هذه المظاهر أهمية وجود الحدود المغلقة.
2 ـ تصدع الدولة الوطنية المركزية: يواجه نموذج الدولة الموحدة البسيطة المركزية في بعض دول الإقليم تحديات متصاعدة في ظل الاستقطابات السياسية والتصدعات الاجتماعية وشيوع النزعات الانفصالية، لاسيما بعد توابع الانتفاضات الجماهيرية التي ساهمت في تسريع إنعاش الولاءات الأولية (القبلية والطائفية والعرقية والدينية والجهوية)، وهو أمر يترك تأثيراته على مفهوم وكيان الدولة الوطنية في حالات بعينها، مثل اليمن وليبيا وسوريا والعراق، في ظل ضعف أجهزة الدولة وهشاشة مؤسساتها، حيث تبدو التكوينات القبلية أو العشائرية أقوى من الدولة في بعض الأحيان، وهو ما يجعل الدولة غير محصنة من التحولات الهيكلية، حتى في أكثر الحالات التي عرفت بالتماسك والمركزية.
هنا برزت حالات مجتمعات أو مناطق أو أقاليم خارجة عن سيطرة الدولة، مثلما هو حادث في ليبيا وسوريا واليمن وشمال مالي، وبدأ يتسع نطاق التوجهات الانفصالية في الإقليم على غرار طرح فصائل الحراك الجنوبي الانفصال عن الحوار الوطني اليمني، وكذا إقليم برقة في ليبيا، استلهاماً لنموذج إقليم كردستان العراق، الذي يحظى بصلاحيات واسعة النطاق تكاد تصل حد الاستقلالية في الصادرات النفطية والدفاع من خلال قوات البيشمركة الكردية، كما تبدو التوجهات الانفصالية أكثر حدة في خضم الصراع الأهلي في سوريا لدى الأقاليم الكردية في الشمال الشرقي والعلويين بمحاذاة الساحل، بينما تبدو الحالة السودانية الجنوبية مرشحة لذلك بعد تجسيد لحالة فشل الدولة الوليدة، أو ما يعرف بـ "انقسام المنقسم"، حيث سبق للجنوبيين الانفصال عن الشمال منذ أقل من ثلاثة أعوام. الأكثر من ذلك، أضحى الصراع بين الدولة وجماعات العنف المسلح العابرة للحدود، في الكثير من الحالات، بؤرة لأزمات إقليمية، بما يحمل مخاطر على كيان الدولة في عدد من الحالات، من "الأقواس الجهادية" التي تحيط بها من كل الاتجاهات، حيث إن السيناريو المحتمل هو الدولة المتشرذمة غير المسيطرة على أجزاء من أراضيها، بعد إضعاف أطر الدولة والحكومات المركزية.
3 ـ التحول من الصراع على "خطوط الحدود" إلى الصراع على مناطق الحدود: تواجه دول الإقليم منظومة تهديدات حدودية معقدة وثيقة الصلة بالتحولات الداخلية التي اجتاحت الإقليم عقب الثورات العربية، لا ترتبط فقط بافتقاد الحدود بين الدول العربية لأُطر تنظيمية حاكمة تضبط التفاعلات والتدفقات العابرة لها وبتداخل التخوم الجغرافية والبشرية على الحدود بما جعلها بيئة مهيأة لتفجر الأزمات من آن لآخر، وإنما ترتبط كذلك بحدوث التحول من الصراع على "خطوط الحدود" إلى الصراع على مناطق الحدود، وفقاً لما تشير إليه دراسة د.محمد عبدالسلام المعنونة "أمن الحدود في المنطقة العربية" التي نشرت في منتدى شركاء التنمية في عام 2008.
وهنا تجسد "الحدود السائبة" نوعاً من التحديات الأمنية الناشئة العابرة للحدود مع تلاشي المساحات الفاصلة بين التحولات الداخلية والتحديات الإقليمية وتداخل التأثيرات بين الدوائر المختلفة. ومن أهم هذه التأثيرات بروز الجماعات الخارجة عن القانون، وفي مقدمتها الجماعات المسلحة العابرة للحدود، التي باتت بؤرة للجهاد والتهريب. فعلى سبيل المثال، أدى الفراغ الأمني الذي أعقب الثورة ضد نظام بن علي في تونس، والفوضى التي أنتجتها حرب الكتائب والميليشيات والقبائل في ليبيا، إلى ارتفاع مثير للقلق في وتيرة عمليات التهريب على الحدود.
4 ـ الإدارة المزدوجة لأمن المناطق الحدودية: وهو ما يبرز جلياً في الحالة الليبية، حيث ظلت مهمة مراقبة الحدود تنفذ من قبل إدارات متنافسة تعاني سوء التنسيق فيما بينها، وذلك في وزارات عدة، وهو ما كان قائماً في فترة حكم القذافي واستمر بعد ثورة فبراير 2011، وهو ما أوضحته دراسة بيتر كول المعنونة "فوضى خطوط الحدود: تأمين حدود ليبيا" المنشورة في سلسلة أوراق كارنيجي في أكتوبر 2012. فقد أنيطت إدارة المراكز الحدودية بإدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية في حين كانت الجهة المنظمة للجمارك، والمتمثلة في الإدارة العامة لمكافحة التهريب والمخدرات، جزءاً من وزارة المالية، وكانت مسألة تأمين الحدود البحرية والمراكز الحدودية مقسمة بالتساوي بين القوات البحرية وحرس السواحل البحرية ووزارة الداخلية، حيث إن كل واحدة من هذه الهيئات، كانت تنسق بشكل مستقل مع قوات الحدود الأوروبية، وتعمل بشكل مستقل عن بعضها وعن الإدارة المركزية للوزارة في طرابلس.
5 ـ تبلور نمط الاقتصادات الحدودية: فقد تزايدت شبكات "اقتصادات الحدود" في أنحاء مختلفة من إقليم الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، عبر تهريب واسع للأسلحة والمخدرات والأموال والبضائع والبشر على نحو أدى إلى تجاوز مهام عناصر الأمن وقوات حرس الحدود ومراقبة خفر السواحل بمستويات غير معتادة من الاختراقات، فيما أدى إلى تبلور تجارة موازية غير شرعية بالنسبة للمجاهدين والمهاجرين والوقود والأطفال والجثث والآثار والسيارات بل و"الحيوانات"، فتكونت جماعات مصالح من أعداد كبيرة من سكان المناطق الحدودية مستفيدة من "مهام التسفير" العابرة للخطوط الرسمية على الجانبين، كما أن هذا النوع من التجارة غير الشرعية مربح أكثر من العمل في الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص، وهو ما غرس نظام السوق السوداء بالكامل داخل بعض المجتمعات في الإقليم.
وعلى سبيل المثال، تبلور نمط "العصابات المزدوجة" على جانبي بعض الحدود المشتركة، فمثلاً دفعت تبعات الثورة التونسية والحرب الليبية إلى إعادة تنظيم عصابات التهريب (التجار على الحدود مع الجزائر، والقبائل على الحدود مع ليبيا)، مما أضعف من سيطرة الدولة ومهد الطريق لأنماط من التهريب أكثر خطورة، إذ ظهرت مجموعات تجمع بين الجهاد والجريمة المنظمة داخل شبكات التهريب العاملة على الحدود، وهو ما يطلق عليه "العصابات الإسلاموية".
بعبارة أخرى، إن تصاعد التجارة ذات القيمة المضاعفة العالية يجعل الحدود أكثر قابلية للاختراق. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ثمة تقديرات أمنية غير رسمية تشير إلى أن حجم تجارة السلاح في دولة مثل مصر بلغ بعد ثورة 25 يناير 2011 نحو 30 مليار جنيه سنوياً، وتعد شبه جزيرة سيناء من أهم الأسواق والمعابر للأسلحة بعد أن يتم تهريبها من ليبيا أو السودان.
الأكثر من ذلك، أن التهريب لم يعد يشكل نشاطاً سرياً في المناطق الحدودية شرق المغرب، بل يمارس في العلن، ولذا تحولت أسواق تلك المنطقة إلى معرض مفتوح للسلع المهربة من الجزائر ومراكز للبيع بالجملة وإعادة توزيع هذه السلع باتجاه باقي المدن المغربية. ويطلق الأهالي على مدينة بني دوار في المغرب اسم مدينة "بني دولار"، بسبب موقعها البارز في تجارة البترول المهرب من الجزائر، وفي تجارة العملة، وتخصصها في صرف الدينار الجزائري مقابل الدرهم المغربي، خاصة أن العملة الجزائرية غير قابلة للتحويل في المصارف المغربية، ويعكس هذا النشاط المالي واقع استفحال التهريب من الجزائر إلى المغرب عبر الحدود.
6 ـ تغير اتجاهات العلاقة بين الجهات الأمنية وعصابات التهريب: كانت هناك تفاهمات بين الأجهزة الأمنية وجماعات التهريب على صيغ معينة لاختراق الحدود، فمثلاً كانت تتعاون دوريات الحرس الوطني في تونس مع المهربين الذين يلعبون دور المراقبين والمرشدين، وبمجرد ملاحظتهم نشاطاً مشبوهاً، مثل مرور غرباء، فإنهم يتدخلون مباشرة أو يحذرون السلطات.
وفي دراسة صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية بعنوان "تونس الحدودية: جهاد وتهريب" في نوفمبر 2013، تم تسليط الضوء على نقطة محورية مفادها أن الحدود كانت تدار من خلال خريطة حركة مرور، وكانت الأجهزة الرسمية تتعاون مع كبار المهربين ويرسمون معاً خريطة كل المواد المتداولة، وكان هذا الاتفاق واضحاً منذ زمن بعيد (نحن لن نتدخل في نشاطكم حتى ولو كان غير شرعي، ولكن عليكم الالتزام بعدم السماح بترويج المخدرات، الأسلحة، مروراً بالجهاديين). كما يلعب فساد ذمم العاملين في مجال تأمين الحدود دوراً محفزاً لاستمراره، لاسيما مع توفر الإغراءات المادية، إذ قال وزير الداخلية اليمني د. رشاد العليمي ذات مرة أمام البرلمان "الدولة تدفع للجندي في السواحل والبحر ثلاثين ألف ريال، أي ما يقارب 130 دولار حينها، بينما يدفع المهرب 500 دولار للجندي في كل شحنة تهريب"، وتساءل في سياق دفاعه عن وزارته "كيف تريدون من جندي يتسلم شهرياً آلاف الدولارات أن يحمي وطنه الذي يدفع له ثلاثين ألف ريال لا تكفيه لا هو ولا أسرته".
7 ـ تزايد الفجوات التنموية (داخل وبين الدول): تتسم سياسات النظم الحاكمة في عدد من دول الإقليم إلى الاهتمام بالمراكز على حساب الأطراف، في الخطط التنموية والتوجهات الاقتصادية، وهو ما أدى إلى خروج بعض المناطق أو الأقاليم عن سيطرة أجهزة الدولة، ونشوء بعض الكيانات المستقلة على الحدود. فسكان مناطق الحدود الذين ينظمون أنفسهم في شبكات، والذين يعتبرون من أفقر سكان البلاد، سيظلون قادرين على تمرير السلع والأشخاص بل والأسلحة والمخدرات عبر الحدود. ومن المؤكد أنه كلما تنامى شعورهم بالإحباط الاقتصادي والتهميش الاجتماعي، تتضاءل رغبتهم في حماية سلامة أراضي البلاد مقابل التسامح النسبي إزاء أنشطتهم في مجال التهريب.
ثانياً: تأثيرات الحدود السائبة على أوضاع دول الإقليم
تتمثل تأثيرات سيولة الحدود على أوضاع دول الإقليم، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، فيما يلي: ـ
1 ـ تزايد التهديدات الأمنية لدول الجوار القلق، لاسيما مع سيطرة فاعلين ما دون الدولة على إدارة ومراقبة الحدود مثل هيمنة الفصائل والكتائب المسلحة (التبو– ثوار غدامي– الطوارق– التولي) على مناطق واسعة من الحدود البرية بين الجزائر وليبيا، فقد تسبب عجز ليبيا عن السيطرة على حدودها في مشاكل كبيرة بالنسبة لجيرانها في المغرب العربي، وذلك بسبب العلاقات الوثيقة التي تكونت بين الجماعات العرقية وشبكات الإجرام المنظم، والتي تعمل على ربط المنطقة ببعضها في صورة "حزام".
وفي هذا السياق، حذر رئيس الحكومة الليبية السابق محمود جبريل في تصريحات لصحيفة "الحياة" اللندنية في 8 فبراير 2014 "من أن هناك من يخطط لاستعادة مصر عن طريق ليبيا عبر تهريب الرجال والمال والسلاح".
وقد أدت السيولة الحدودية إلى تصاعد معدلات التسلل بين دول الجوار، فوفقاً لما أعلنه حرس الحدود الأردني في ديسمبر الماضي، تصاعدت عمليات التهريب وتسلل الأفراد بين الأردن وسوريا بنسبة تصل إلى 300%.
2 ـ توسيع شبكات التجنيد للجماعات الراديكالية، أو المقاتلين الأجانب في المنطقة العربية عموماً، وسوريا خصوصاً، عبر ليبيا وتونس، وربما السعودية والعراق والأردن ومصر. فنظراً للسيولة الحدودية في منطقة المغرب العربي، وفرت جماعات مثل "أنصار الشريعة في ليبيا" و"أنصار الشريعة في تونس" التدريب للعناصر الجهادية للذهاب إلى سوريا، فضلاً عن تهريب الأسلحة إلى الخلايا الإرهابية النائمة، وهو ما يصب في اتجاه عدم الاستقرار في الإقليم.
3 ـ إعادة تشكيل عصابات التجارة غير الشرعية، عبر ظهور فاعلين جدد مهتمين بأعمال التهريب والتجارة غير الشرعية، التي شملت السجائر والكحول والمواد الخام (حديد بناء وأسمنت ونحاس) والملابس الجاهزة والمواد الغذائية والأثاث والآلات الكهربائية والآلات الحربية، لاسيما بعد أن فقدت الشرطة في عدد من دول الثورات العربية الاتصال بجزء من شبكات المرشدين بسبب العداوة التي تولدت من الثورة، بحيث لم يتم تجديد الاتفاق الضمني وتحول إلى صراع لأخذ جزء من السوق تسعى إليه العصابات من المهربين والمجاهدين.
4 ـ تكبيد الاقتصادات الرسمية خسائر كبيرة، على نحو ما تشير إليه ظاهرة تهريب الوقود من الجزائر على حدودها نحو المغرب وتونس. ووفقاً لما تشير إليه دراسة حديثة صادرة عن البنك الدولي، فإن حجم التهريب في تونس يتراوح بين 1.8 مليار دينار (1.2 مليار دولار) و2.2 مليار دينار، وهو ما يتسبب في خسارة مالية تتكبدها تونس تصل إلى 1.2 مليار دينار (800 مليون دولار)، منها 50 مليون دينار خسارة في الرسوم الجمركية إلى جانب ما تسببه من خسارة للتجارة المنظمة بسبب ارتفاع الأسعار الخاصة بالسلع والبضائع.
ووفقاً لأحد التقديرات، فإن الميزانية العامة للجزائر تتكبد خسائر سنوية تقترب من 1.3 مليار دولار بسبب تهريب كميات كبيرة تصل إلى 1.5 مليار لتر كل سنة نحو الدول المجاورة، وهو ما أشار إليه وزير الداخلية الجزائري، دحو ولد قابلية، في يوليو 2013 بالقول: "إن ربع الوقود الجزائري ينتهي به المطاف في أيدي المهربين لبيعه عبر الحدود، وتساهم عائداته في تمويل شبكات مهربي المخدرات والإرهابيين".
ثالثاً: سياسات التعامل مع الحدود السائبة
تتبع الدول في الإقليم عادة حزمة من السياسات للحد من تداعيات الحدود السائبة، مع الأخذ في الاعتبار عدم قدرة الدول على السيطرة بشكل كاف على مناطق الحدود حتى إذا أرادت، على النحو التالي:
1 ـ توفير تنسيق أفضل داخل مؤسسات الدولة يمثل خطوة أولى بارزة، خصوصاً بالنسبة للإدارات التابعة لوزارتي الداخلية والدفاع للعمل معاً لتأمين الحدود، مع تحديد الصلاحيات داخل وبين الإدارات بشكل واضح، وربما يتم الدفع باتجاه إنشاء وتطوير فرق عمل قطاعية في مجال استخبارات الحدود والجمارك.
2 ـ تعزيز الإجراءات الأمنية على النقاط الحدودية، عبر زيادة عدد الدوريات المختلطة (الجمارك، الشرطة، المخابرات، الجيش، الحرس الوطني) وتدشين نظم مراقبة حدودية متطورة، ووضع نقاط أمنية مشتركة، وهو ما برز على صعيد حالات حدودية مشتركة مختلفة، كالحدود المصرية الإسرائيلية، والحدود الجزائرية المغربية، والحدود السعودية اليمنية، إلا أن هذه الأخيرة لن تكون كافية في حد ذاتها حتى مع استعمال أكثر آليات السيطرة على الحدود تقدماً من الناحية التقنية.
3 ـ استخدام التكنولوجيا غير التقليدية في المراقبة الحدودية، كاستخدام الطائرات الموجهة من دون طيار كأداة لمواجهة الأنشطة غير المشروعة على الحدود، سواء كانت عمليات تهريب، أو تسللاً للعناصر الإرهابية المسلحة. وتعتبر السعودية واحدة من أكثر الدول اعتماداً على الطائرات في مراقبة حدودها البرية مع اليمن، كما اعتمدت عليها تونس في مراقبة الحدود مع الجزائر، خاصة منطقة الشعانبي بمحافظة القصرين الحدودية.
4 ـ تطوير العلاقات بين السلطات المركزية وسكان المناطق الحدودية، لاسيما أن استعادة ثقة سكان المناطق الحدودية أمر ضروري لتعزيز السيطرة العسكرية في أكثر المناطق عرضة للاختراق. ويطرح البعض دمج السكان المحليين في إدارة الحدود، أو تنفيذ مشروعات تنموية جديدة في المناطق التي يسكنها قاطنو الحدود، بحيث تتم إزالة الحوافز الاقتصادية التي تدفع القبائل المحلية إلى البحث عن دخل من خلال التجارة العابرة للحدود، وتقدم بديلاً للشباب العاطل والأسر التي تعتمد على التهريب كمصدر أساسي للعيش.
5 ـ تحسين الأحوال المادية للعاملين من موظفي الجمارك ومسؤولي الحكم المحلي على جانبي الحدود، نظراً للإغراءات المالية التي يتعرضون لها يومياً.