قام وزير الخارجية الياباني، يوشيماسا هاياشي، بجولة في منطقة الشرق الأوسط شملت كلاً من مصر والأردن، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية التي اجتمع فيها مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست، يوم 7 سبتمبر الجاري.
وأقر وزراء خارجية دول الخليج العربية ونظيرهم الياباني خطة عمل مشتركة للفترة من 2024 إلى 2028 تركز على الطاقة والتجارة والاستثمار، إلى جانب التبادل والحوار السياسي المشترك في مختلف المجالات. وقال وزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي، خلال إحاطة صحفية بعد الاجتماع: "إنها اللحظة المناسبة لتوسيع العلاقات مع اليابان ولاسيما في مجال الطاقة الخضراء النظيفة وما هو أبعد من ذلك بكثير"، مشيراً إلى أن دول الخليج ترسم خريطة الطريق للمستقبل من خلال مصادر الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر. وأكد البوسعيدي وجود تطابق بين دول الخليج واليابان في مجمل القضايا الإقليمية والدولية وأهمية إيجاد حلول سلمية للتحديات الماثلة.
وكان لافتاً تركيز الإعلام العربي على أهمية الجولة في تأكيد حرص الطرفين الخليجي والعربي مع الوزير الياباني على تطوير العلاقات. بينما لم تحظ أهداف الجولة والنتائج المُنتظرة منها بما تستحق من اهتمام وتركيز إعلامي، وهو ما يدعو إلى البحث فيما وراء هذه الزيارة من دلالات وأبعاد؛ يتعلق بعضها بحسابات وأهداف الجانبين الخليجي والياباني، ويتصل البعض الآخر بالنتائج المُتوقعة والمرجوة لمستقبل العلاقات الخليجية اليابانية.
ظروف متغيرة:
تبدأ أهمية توقيت زيارة وزير الخارجية الياباني لمنطقة الشرق الأوسط من الظرف التاريخي شديد الحساسية على مستوى العالم، خاصة الذي كسرت فيه الصين سياسة الإحجام وعدم الخوض في الملفات والقضايا السياسية في مختلف مناطق العالم، مع تقديم نفسها كفاعل استراتيجي في الشرق الأوسط. وهو التحول الذي وصل إلى قمته بالوساطة الصينية الناجحة بين السعودية وإيران والتي أثمرت عن عودة العلاقات بين البلدين. الأمر الذي كان لا بد أن يُثير قلق العملاق الأمريكي الضامن الأساسي التقليدي لأمن المنطقة، كما أنه سيؤثر في ميزان القوة الإقليمي في شرق آسيا ومن ثم قوة ووضعية حلفاء واشنطن هناك، إذا لم تتحرك الولايات المتحدة وحلفاؤها بما يتناسب مع ذلك الحضور الصيني.
وبالتالي فإن هذا التأثير الصيني كفيل بلفت انتباه الدول الغربية التي لطالما كانت مطمئنة لعلاقاتها التقليدية مع دول الشرق الأوسط وحافظت عليها على مدى العقود الماضية. لهذا لا يمكن أن تكون هذه الجولة الإقليمية لوزير الخارجية الياباني بعيدة عن تلك المتغيرات، وستكون إحدى دلالاتها ضرورة بذل جهود يابانية إضافية لتقريب المسافات مع دول الخليج، خصوصاً في جوانب ربما لم تكن ضمن حسابات طوكيو حتى وقت قريب.
أكثر من الاقتصاد:
بالإمكان قصر قراءة زيارة وزير الخارجية الياباني لدول المنطقة على الزاوية الاقتصادية، حيث صار الاقتصاد أولوية خليجية بالكامل، ولكل دول مجلس التعاون الخليجي خطط طموحة للنهوض باقتصاداتها والتنويع فيها. وبالتأكيد اليابان لديها القدرة على المساعدة في ذلك الاتجاه، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين 98.7 مليار دولار أمريكي، حسب تقديرات عام 2021، ويُتوقع أن يسجل هذا الرقم ارتفاعاً خلال الفترة المقبلة نتيجة لحالة النشاط الاقتصادي الخليجي. بيد أن التحليل السليم والمنطقي يتطلب توسعة زوايا النظر إلى جولة وزير الخارجية الياباني، لتشمل جوانب أخرى تضمن استقرار البيئة الإقليمية في المستقبل، خاصة بعدما اتجهت دول الخليج إلى تنويع الحلفاء الدوليين وعدم الاقتصار على حليف وحيد. ولا بد أن جولة الوزير الياباني في المنطقة تكشف إدراك طوكيو لهذه المتغيرات الجديدة، وبالتالي فإنها تقوم بمراجعة وإعادة تقييم علاقاتها مع دول المنطقة في ظل المستجدات المتلاحقة.
وتعد العلاقة الخليجية اليابانية إيجابية على مدى أكثر من نصف قرن وربما تزيد، إلا أنه وفقاً لحسابات الفائدة قد تكون اليابان هي الأكثر ربحاً بحكم صادراتها إلى دول مجلس التعاون، وكذلك استيرادها للمواد الأولية خاصة النفط، وربما لهذا الأمر مبرراته في ضخامة حجم اقتصاد اليابان. لكن من غير المقبول أن تبقى تقديرات اليابان قائمة على بنود تقليدية في ظل وجود تنافس دولي شديد على السوق الخليجية من العديد من دول العالم مثل الصين، والهند التي تنمو بقوة.
ثلاث ملاحظات:
تريد اليابان من وراء جولة وزير خارجيتها في الشرق الأوسط، الاطمئنان على بقاء مكانتها في الأجندة الخليجية التي توسعت مؤخراً لتشمل عديداً من الشركاء الدوليين. وبالطبع تحرص طوكيو على تأمين استمرار ورسوخ علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول الخليج، لأن ما تقدمه الصين، وربما أيضاً الهند، لن يختلف كثيراً عما تقدمه اليابان، في ظل حالة الإقبال العالمي على كسب ود دول الخليج وتعزيز العلاقات معها. وفي هذا الصدد، ثمة ثلاث نقاط جديرة بالإشارة إليها، وهي كالتالي:
1- إن السياسة حاضرة بجانب الاقتصاد، فقد سبق وصول وزير الخارجية الياباني إلى الرياض قيامه بزيارة كل من القاهرة وعمّان، وهي من العواصم التي تُصنف في محور الاعتدال العربي بجانب دول الخليج، ولها اهتمامات تقارب نظيرتها الخليجية. وبالتالي فإن البُعد السياسي حتى وإن تم تأخيره في الأولويات، إلا أنه لا يمكن استبعاده بالكامل. وأبدت طوكيو رغبتها في أداء دور في قضايا المنطقة، وخاصة ما يتعلق بالسلام والاستقرار؛ فهو عامل مهم بالنسبة لدول الإقليم وصار متغيراً مطلوب الاهتمام به من الشركاء الدوليين.
2- جرت بعض لقاءات وزير الخارجية الياباني على المستوى الثنائي مع نظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، وكذلك على المستوى الجماعي بلقائه وزراء دول مجلس التعاون الخليجي معاً. ما يعني أن ثمة رغبة لإعطاء العلاقات الخليجية اليابانية دفعة قوية لتطويرها وتنميتها على المستويات كافة، وتخصيص لقاء خاص مع السعودية لا يتعارض مع بناء علاقات أقوى وإيجابية أكثر على المستوى الجماعي، والحفاظ على حرية كل دولة خليجية وفقاً لسيادتها وسياساتها في تحقيق أهدافها الوطنية من خلال التعاون مع اليابان بالكيفية وبالوتيرة التي تراها.
3- لا تزال سياسات اليابان وتحركاتها الخارجية غير منعزلة عن مواقف وتقديرات الولايات المتحدة. فمثل هذه اللقاءات والاجتماعات كانت قد توقفت منذ 10 سنوات، وعودتها حالياً لا تخرج عن رغبة واشنطن قبل طوكيو في تخفيف آثار وتداعيات الاندفاع الصيني نحو دول الخليج والمنطقة بشكل عام. لذا فإن إيفاد وزير الخارجية الياباني إلى المنطقة يعني بشكل ما محاولة من طوكيو لإعادة بناء الثقة الخليجية مع الغرب ككل وحلفائه. وباعتبار أن الولايات المتحدة هي القائد الفعلي للغرب، فإن هذه التحركات نحو الخليج والشرق الأوسط تعني أن واشنطن بدأت مراجعة سياساتها مع حلفائها الاستراتيجيين. كما أن اليابان تسعى بشكل أساسي إلى حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة.
نتائج متوقعة:
يقوم المسار الجديد للسياسة الخارجية لدول الخليج على الشراكات الاستراتيجية ومبدأ "الكل رابح". وبالتالي تنتهي الصيغة التقليدية القائمة على وجود طرف يصدر ما تنتجه مصانعه، والآخر يستوردها. ومن هذا المنطلق يُتوقع ما يلي:
1- أن يطرأ كثير من الاهتمام الياباني بالشرق الأوسط في المجالات المختلفة، وأن تنخرط طوكيو ضمن الفاعلين الدوليين الراغبين في تأمين الاستقرار للإقليم، قبل التفكير في الاستفادة من دوله. وبالتالي يمكن أن نرى خلال المرحلة المقبلة تكرار زيارات الوفود اليابانية إلى المنطقة وعدم الاكتفاء بالجدولة الزمنية المتباعدة للحوارات الاستراتيجية التقليدية.
2- لن يكون مفاجئاً حدوث انتعاشة للخيارات والشراكات الاقتصادية اليابانية مع دول المنطقة بالكامل، وتغليب الجانب الاستثماري التكنولوجي ومضاعفة حجم الشراكات اليابانية في الإقليم. فهذا ما تطرحه الرؤية الخليجية الجديدة وفق نظرية الشراكات الاستراتيجية، خاصة أن اليابان تغطي استثماراتها البنية التحتية في العراق، ولها علاقات اقتصادية وطيدة مع إيران، وفي مقابل ذلك فإن دول الخليج هي الأخرى ستعمل على تركيز استثماراتها في اليابان بما يكافئ ويتوازى مع حجمها في كوريا الجنوبية والصين.
ختاماً، يمكن القول إن زيارة وزير الخارجية الياباني لكل من مصر والأردن ثم اجتماعه مع نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي بالرياض، ستعيد تعريف وتشكيل علاقات طوكيو مع دول المنطقة بأكملها، وتوسع مجالاتها التي لن تكون اقتصادية فقط. ومن جانب آخر، ستكون دول الخليج في بؤرة السياسة الخارجية اليابانية، ومحور تركيز تحركاتها المتنوعة وأوجه حضورها المستقبلي في الشرق الأوسط.