أكدّت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، أدريان واستون، في بيان، الخميس 10 أغسطس 2023، أن إيران نقلت 5 أمريكيين من سجن إيفين، إلى الإقامة الجبرية، بأحد الفنادق، وهم: سياماك نمازي، ومراد طهباز، وعماد شرقي، واثنيْن آخرين، ووصفت المسؤولة الأمريكية الخطوة بالمشجعة، مضيفة أنهم سيواصلون الجهود من أجل إطلاق سراحهم بشكل كامل من إيران.
أبعاد الصفقة:
يمكن الإشارة إلى أبرز الأبعاد التي تضمنتها تلك الصفقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية على النحو التالي:
1. الإفراج عن أموال إيرانية مُحتجزة: أفادت وسائل إعلام غربية، بأن الاتفاق الذي جرى بين واشنطن وطهران، بشأن الإفراج عن الأمريكيين المُحتجزين، ينص على الإفراج عن نحو 6 مليارات دولار من عوائد النفط الإيرانية المُجمدة لدى كوريا الجنوبية، على أن يتم إيداعها بعد ذلك في حسابات بنكية في دولة قطر، إلى جانب إفراج واشنطن عن إيرانيين مسجونين لديها بتهم خرق العقوبات. كما أشارت إلى أن الاتفاق المُشار إليه، يتوقع أن يستغرق بين 4 و6 أسابيع. وقد اشترطت طهران، على لسان مساعد الشؤون السياسية للرئيس الإيراني، محمد جمشيدي، بألّا يتم الإفراج النهائي عن السجناء الأمريكيين، إلا بعد اكتمال نقل الأموال الإيرانية من كوريا الجنوبية إلى قطر.
2. قيود واشنطن على الأموال المُفرج عنها: أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن طهران لن يكون بمقدورها استخدام الأموال المزمع الإفراج عنها، في إطار تلك الصفقة، إلا للتجارة غير الخاضعة للعقوبات، أي للأغراض الإنسانية، الخاصة بشراء الأغذية والدواء، حيث سيتم إيداعها في "حسابات مُقيدة للتأكد من عدم استخدامها فيما يتعارض مع العقوبات"، مؤكداً أنه لن يكون هناك أي تخفيف للعقوبات على إيران، وأن واشنطن ستواصل فرض العقوبات عليها، ما دامت الأخيرة، مُستمرة في التصعيد في الملفات المختلفة.
ومن جهة أخرى، فقد تضاربت التصريحات الإيرانية حول إنفاق الأموال المزمع الإفراج عنها، ففي حين رفض وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أي شروط مُسبقة لواشنطن بشأن عملية تبادل السجناء مع إيران، في إشارة إلى قيود واشنطن على الأموال التي سيفرج عنها، فقد أكدّ البنك المركزي الإيراني، في 12 أغسطس 2023، أنه سيتم إيداع جمع الأموال التي سيفرج عنها بموجب الصفقة في 6 بنوك إيرانية في قطر، وستكون بعملة اليورو، وتستخدم في شراء سلع غير خاضعة للعقوبات.
3. وساطة قطرية: جاء الاتفاق بين واشنطن وطهران، بوساطة قطرية، إذ سبق هذا الاتفاق، زيارات مُكثّفة لمسؤولين قطريين إلى كل من واشنطن وطهران، لتقريب وجهات النظر بين الجانبين. وقد كان آخرها زيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي، في 23 يوليو 2023، والتي التقى فيها كلاً من عبداللهيان، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أحمديان، للتباحث حول صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة. كما أكدّ المسؤول القطري أن التفاهمات بين الجانبين أسفرت عن الاتفاق على إنشاء قناة مصرفية لـ"معالجة المسائل المتفق عليها بين الجانبين"، في إشارة إلى الإفراج عن أموال إيرانية مُجمّدة في الخارج عبر البنوك في قطر.
4. اعتراض إسرائيلي على الصفقة: صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 13 أغسطس 2023، أن اتفاق تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران، لن يوقف برنامج طهران النووي وليس من شأنه سوى المساعدة في تمويل وكلاء إيران "الإرهابيين"، وذلك في مؤشر على اعتراض تل أبيب على الصفقة بين واشنطن وطهران.
أهداف إيرانية:
تسعى إيران إلى توظيف تلك الصفقة مع واشنطن، في تحقيق عدد من الأهداف، يتمثل أبرزها في الآتي:
1. حلحلة جمود المُباحثات النووية: تأتي تلك الصفقة بين الولايات المتحدة وإيران، في الوقت الذي تتكثف فيه المساعي بهدف حلحلة جمود المفاوضات النووية، المتوقفة منذ سبتمبر 2022، إذ شهدت الأشهر القليلة الماضية، لقاءات جمعت مسؤولين إيرانيين وغربيين في نيويورك وبعض العواصم الخليجية، من أجل التباحث حول إحياء الاتفاق النووي. وفي سياق ذلك، فقد أكدت طهران، على لسان مسؤوليها أنها مستعدة للعودة للتفاوض حول الاتفاق النووي، وقد تجلى ذلك أخيراً في تصريح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 8 أغسطس 2023، بأن بلاده لم تترك أبداً طاولة التفاوض، مؤكداً أهمية رفع العقوبات عن إيران.
وقد أشارت مصادر إسرائيلية، إلى أن الصفقة المتعلقة بالسجناء بين واشنطن وطهران، هي جزء من تفاهمات أوسع جرى التوصل إليها في سلطنة عُمان، ويجري تنفيذها بالفعل على الأرض، في إطار اتفاق غير رسمي بين الجانبين، يقيد برنامج إيران النووي، ويضبط مليشياتها التي تنشط في كل من العراق وسوريا. وتتوافق تلك التصريحات مع ما كانت صحيفة "وول ستريت جورنال"، قد أشارت إليه، في 14 يونيو 2023 بشأن هذا الاتفاق المُحتمل.
وربما يُعزز ذلك، ما كشفه مصدر عسكري أمريكي لم يُحدد، بأن نشاط المليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق ضد القوات الأمريكية قد تراجع خلال الأسابيع الأخيرة، كما أفادت وسائل إعلام غربية بأن إيران قد أبطأت بشكل كبير من وتيرة تكديسها لليورانيوم المخصب، وخففت بعضاً من مخزونها الذي تتجاوز نسبة تخصيبه 60%، إلا أن وكالة فارس، التابعة للحرس الثوري في إيران، قد نقلت عن مصدر لم يُحدد، في 12 أغسطس 2023، نفيه صحة تلك الادعاءات، مؤكداً استمرار الأنشطة النووية دون انقطاع في جميع المجالات، بموجب قانون المبادرة الاستراتيجية، الذي أقره البرلمان الإيراني في ديسمبر 2020.
2. تفادي إثارة غضب واشنطن: تزامن التوصل إلى اتفاق تبادل السجناء، مع تكثيف واشنطن حشودها العسكرية في المنطقة، خلال الفترة الأخيرة. إذ أعلنت، في مطلع أغسطس 2023، عن عزمها نشر قوات على متن الناقلات التجارية التي تمر عبر الممرات المائية بالمنطقة خاصة في مياه الخليج ومضيق هرمز. كما أمرت بإرسال مقاتلات من طرازي "أف- 35" و"أف- 16" بالإضافة إلى البارجة الحربية "يو أس أس توماس هودنر" إلى الشرق الأوسط، بهدف ردع إيران عن القيام بتهديد الناقلات النفطية والتجارية المارة عبر مياه المنطقة، وذلك في ضوء تزايد تلك التهديدات خلال الأشهر الماضية.
ويُنظر إلى ذلك الاتفاق، على أنه محاولة من جانب إيران، للحيلولة دون إثارة غضب واشنطن والأطراف الأوروبية، وتشجيعهم على المضي قدماً في مسار المفاوضات النووية مع طهران، خاصة مع ترجيح مسؤولين أمريكيين وأوروبيين الانفتاح على محادثات أوسع مع إيران، في وقت لاحق من العام 2023، إذا ما كانت هناك تهدئة للتوترات خلال الصيف الجاري من جانب إيران.
3. محاولة عزل الموقف الإسرائيلي: تهدف إيران من خلال ذلك الاتفاق، إلى عزل الموقف الإسرائيلي عن الموقف الأمريكي، وذلك في ضوء تنسيق الجانبين لردع إيران، وهو ما تجلى أخيراً في تنفيذ النسخة الثانية من مناورات "جونيبر أوك"، في أواخر يوليو 2023، بمشاركة سلاح البحرية الإسرائيلي، والقوات الأمريكية، وذلك بعد النسخة الأولى والتي جرت في يناير من العام نفسه، ووصفت بأنها أكبر تمرين مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل في التاريخ. وتحمل تلك المناورات رسائل تهديد لإيران، في ضوء تصعيد الأخيرة في برنامجيها النووي والصاروخي واستمرار دعم مليشياتها في المنطقة.
وقد كثّفت إسرائيل من هجماتها ضد المواقع الإيرانية في سوريا، خلال الفترة الأخيرة، إذ استهدف قصف إسرائيلي، في 7 أغسطس 2023، مواقع تابعة لمليشيات إيران في محيط العاصمة دمشق، وقد أسفر ذلك عن مقتل 4 عسكريين، وإصابة 4 آخرين، وفق بيان لوزارة الدفاع السورية. كما شنت غارات على مستودعات صواريخ تابعة لمليشيات إيران في غرب دمشق، في 13 أغسطس 2023، ولم يُعلن عن خسائر بشرية حتى كتابة هذه السطور.
وعليه، فإن إيران تسعى من التوصل لهذا الاتفاق مع واشنطن، إلى حث الأخيرة على التركيز على المسار الدبلوماسي، والذي تؤكد واشنطن استمرار تمسكها به في التعامل مع إيران، دون المسار العسكري، والذي تفضله إسرائيل في التعامل مع إيران.
4. استكمال تحقيق إنجازات دبلوماسية: سعت إيران من وراء التوصل لهذا الاتفاق مع الولايات المتحدة، إلى بعث رسائل طمأنة للداخل، مفادها أن الحكومة الحالية ماضية في مسار تحقيق إنجازات دبلوماسية على المستوى الخارجي، تصب في صالح تخفيف حدة الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها قطاع واسع من المواطنين في الداخل على خلفية استمرار فرض العقوبات الغربية على إيران. وقد تجلى ذلك في عدد من المؤشرات، خلال الفترة الأخيرة، ومنها منح واشنطن إعفاءً لبغداد، في يوليو 2023، للسماح لها بتسديد نحو 3 مليارات دولار، ديون إيرانية، نظير تصدير الكهرباء للعراق، هذا إلى جانب انضمام إيران فعلياً وبصورة رسمية إلى منظمة شنغهاي للتعاون، في 4 يوليو 2023، كما تسعى طهران لتكرار الأمر نفسه مع مجموعة "بريكس"، حيث شارك وزير الخارجية الإيراني، في اجتماع المجموعة، الذي عقد في كيب تاون بجنوب إفريقيا، مطلع يونيو 2023، هذا إلى جانب مساعي الانفتاح والتطبيع التي تجريها إيران مع الدول العربية، وكذلك قيام الرئيس الإيراني بجولة إلى ثلاث دول إفريقية، في يوليو 2023، وهي كلها تحركات تسعى إيران من خلالها إلى التقليل من وقع الحصار الاقتصادي المفروض عليها.
وفي التقدير، يمكن القول إن هذا الاتفاق، قد يفتح الباب واسعاً أمام انتقادات نواب الكونغرس، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لإدارة بايدن، على أساس أن تلك الإدارة تساعد إيران في تعزيز حصولها على الأموال التي تهدد بها القوات الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
إلا إن تلك الصفقة قد تؤذن بتخفيف حدة التوتر بين الجانبين الأمريكي والإيراني، خلال الفترة المقبلة، إلا إنه من غير المُرجح أن تُسهم في توقيع اتفاقات أوسع بين الجانبين ولاسيما ما يتعلق منها بالاتفاق النووي، إذ يظل ذلك الأمر مستبعداً، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الأمر الذي يجعل إيران مترددة في المضي قدماً في إحياء الاتفاق النووي مع واشنطن، خوفاً من مجيء رئيس جمهوري، قد ينسحب من أي اتفاق تكون إدارة بايدن قد وقعته مع طهران.