اتهمّ رئيس الكتلة الصدرية السابق في البرلمان العراقي، حسن العذاري، في 15 يوليو 2023، حزب الدعوة، الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، بتوجيه إساءات إلى والد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، محمد صادق الصدر، تتهمه بالعلاقة مع نظام البعث (نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين)، مضيفاً أن ذلك يتم من خلال حملة إعلامية منظمة تقودها بعض جهات الإطار التنسيقي كحزب الدعوة.
مؤشرات التصعيد:
شهدت الفترة الأخيرة، تزايداً في مؤشرات التصعيد في الساحة العراقية، ويمكن الإشارة إلى أبرز ملامح هذا التصعيد على النحو التالي:
1- هجمات على مقرات حزب الدعوة: قام أنصار التيار الصدري بالهجوم على نحو عشرين مقراً حزبياً تابعاً لحزب الدعوة في أكثر من عشر محافظات عراقية منها النجف، وبابل، وكربلاء، وديالى، وواسط، والبصرة، وميسان، علاوة على إغلاق بعض مقرات الحزب في محافظات وسط وجنوب العراق مثل مدينة الصدر ببغداد وفي البصرة وذي قار، وكتبوا عليها عبارة "مغلق بأمر أبناء الصدر"، وهو ما صاحبه هجمات مسلحة بقذائف الهاون وقيام المحتجين بحرق صور المالكي، فضلاً عن استهداف مقرات تابعة لمنظمة بدر في الكوفة، وأنصار الله الأوفياء في حي المكرمة، وعصائب أهل الحق في حي المكرمين، ضمن محافظة النجف.
وتأتي تلك الأحداث بعد مرور عام على تسريب التسجيلات الصوتية للمالكي، والتي كشف من خلالها عن عداوته لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتهديده بضربه في معقله في حي الحنانة بمحافظة النجف، دون أن يكشف القضاء عن أي إجراءات له ضد المالكي، والتي كان قد وعد سابقاً باتخاذها.
2- تنامي التوتر بين سرايا السلام والعصائب: تبادل مسؤولون من سرايا السلام، التي تُمثل الجناح العسكري للتيار الصدري، وعصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، مطلع يوليو 2023، التهديدات بالمواجهة في محافظة البصرة، والتي يتمتع فيها الطرفان بنفوذ كبير.
هذا بالإضافة إلى قيام سرايا السلام باستعراض للقوة في شوارع المدينة، حيث تجول المئات من أعضائها، وهم يحملون الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. وتعمّد أنصار الصدر، في 11 يوليو 2023، تنظيم تظاهرة أمام منطقة القصور الرئاسية بالبصرة، والتي تتخذها عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي مقرات لها، وطالبوها بإخلائها لتحويلها إلى متنفس للعائلات وأماكن سياحية، في مؤشر على تصاعد التوتر بين الجانبين.
3- ظهور فصائل جديدة لمهاجمة الصدر: برزت خلال الفترة الأخيرة، جماعة أطلقت على نفسها اسم "دولة الثأر الحسيني". وقامت بشن هجوم مباشر ضد مقتدى الصدر، كما وجهت انتقادها لجماعة "أصحاب القضية"، حيث سبق وأعلن أنصار تلك الجماعة مبايعتهم لمقتدى الصدر، كما زعمت أنه الإمام المهدي المنتظر لدى الشيعة الاثني عشرية، وذلك على الرغم من اعتراض زعيم التيار الصدري على ذلك، ووصفه لهم بالفاسدين الذين يجب محاربتهم.
وتشير مجمل هذه التشكيلات والتصريحات إلى وجود توجه لدى بعض القوى السياسية الشيعية المنضوية داخل الإطار التنسيقي لمحاصرة التيار الصدري وعرقلة عودته للعملية السياسية، وذلك للتضييق عليه قبل الانتخابات المحلية القادمة.
محاولات للتهدئة:
سعى التيار الصدري وحزب الدعوة إلى احتواء الأزمة الناشئة فيما بينهما، وهو ما يتجلى في موقف كل منهما حيال التطورات الأخيرة، والذي يمكن استعراضه على النحو التالي:
1- دعوة الصدر لتجريم سب رجال الدين: دعا مقتدى الصدر أنصاره، في تغريدة بعد الأحداث الأخيرة، إلى وقف العنف ضد مكاتب ومقار "الإطار التنسيقي"، وأكد رفضه ما وصفها بـ"فتنة شيعية – شيعية"، محذراً من الانجرار إليها على اعتبار أنها ستكون دموية، مضيفاً أنها محرمة عقائدياً ودينياً. كما طالب زعيم التيار الصدري الجهات الشيعية بسن قانون تجريم سب العلماء بغير وجه حق، مشيراً إلى أن هذا القانون ينزع فتيل ما وصفها بـ"الفتنة".
2- إعلان حزب الدعوة عدم التصعيد: أبدى المالكي، استغرابه من الهجمات التي تعرضت لها مقار حزبه في بغداد والجنوب العراقي، مؤكداً أن حزبه جزء من نضال وإرث آل الصدر، مضيفاً أن ما حصل من هجمات يُثير فرح الأعداء، وهو غير مبرر، لكونه جاء لأسباب غير حقيقية، وذلك في محاولة لنفي الاتهامات بالإساءة لوالد الصدر.
ومن جهة أخرى، قال القيادي في حزب الدعوة، رسول راضي أبو حسنة، أنهم لا ينوون التصعيد، وأن هناك توجيهاً من قيادة الحزب بذلك، مؤكداً ضرورة حل أي خلاف من خلال لغة الحوار والعقل، وعدم استخدام المواجهات المسلحة، وهو ما يؤشر على رغبة الحزب في التهدئة وعدم انجرار الأمور إلى التصعيد.
3- غموض الموقف الرسمي للحكومة: قابلت الحكومة العراقية برئاسة محمد شيّاع السوداني، والأجهزة الأمنية الاحتكاك الأخير بين الصدريين وحزب الدعوة بالصمت. وأعقب ذلك اجتماع عاجل بطلب من ائتلاف إدارة الدولة، بالإضافة إلى رئيس الحكومة، وبطلب من حزب الدعوة، تقرر فيه إرسال مشروع قانون إلى البرلمان، يجرم الاعتداء على دور العبادة ومراجع الدين، وهو ما طالب به زعيم التيار الصدري.
انعكاسات مُحتملة:
يحمل التصعيد الأخير بين أنصار التيار الصدري وحزب الدعوة، في طياته عدّة انعكاسات ودلالات، لعل من أهمها ما يلي:
1- انتهاء عزلة التيار الصدري: ظهر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في 17 يوليو 2023، وهو يزور أحد المقار التي تعرضت للهجوم خلال الأيام الماضية، معرباً عن رفضه للعنـف واستخدام السلاح من أي جهة كانت، مطمئناً على سلامة الأهالي، وذلك في مؤشر يمكن قراءته بمثابة إعلان الصدر قرب موعد انتهاء اعتكافه السياسي، والذي بدأه في أغسطس 2022. كما أن التحركات الأخيرة لأنصار الصدر تُشير إلى رغبتهم في الظهور على الساحة مرة أُخرى، وإيصال رسائل بأن العودة للعملية السياسية صارت قريبة.
2- تأجيج الصراع بين الفصائل الشيعية: ربما تؤدي تلك التوترات الحالية، إلى تصاعد حدة الصراع بين الفصائل الشيعية، خاصة وأن الخلاف بين بعضها كان عميقاً، مثل الخلاف بين التيار الصدري وحزب الدعوة، والذي لا يعود فقط إلى تلك الأزمة، وإنما يمتد إلى عام 2008، حينما أمر المالكي، عندما كان رئيساً للوزراء، بتنفيذ عملية عسكرية أطلق عليها اسم "صولة الفرسان" ضد جيش المهدي التابع للتيار الصدري، ما أسفر عن مقتل وإصابة واعتقال العشرات منه.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن شخصيات ووسائل إعلام تابعة للإطار التنسيقي، كانت اتهمت التيار الصدري بالتمهيد للتطبيع مع إسرائيل، وذلك على خلفية إعلان الأخيرة اختفاء الباحثة الإسرائيلية، إليزابيث تسوركوف، من بغداد، في مارس 2023، إذ أظهرت هذه الجهات صور الباحثة في لقاءات مع قيادات في التيار، وروجت هذه الجهات أن تحركات هذه الباحثة كانت بدعم من "التيار الصدري" بهدف تسريع التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يوحي برغبة قوى الإطار التنسيقي في تخوين الصدريين أمام الرأي العام، للنيل من قواعدهم الشعبية، وهو ما ثبت فشله، بعد تحركات أنصار التيار الصدري الأخيرة.
3- احتمالية تأجيل الانتخابات المحلية: قد تُسفر تلك التوترات الأخيرة عن تأجيل الانتخابات المحلية في العراق والمزمع انعقادها، في ديسمبر 2023، خاصة إذا ما تردى الوضع الأمني، واشتعلت المواجهات بين القوى الشيعية، خاصة وأن الانتخابات المحلية سوف تحدد من يتحكم في مجالس المحافظات الشيعية خلال الفترة المقبلة.
وفي التقدير، يلاحظ أن تصاعد التوتر بين التيار الصدري وحزب الدعوة، ارتبط بالهجمات الإعلامية التي قام حزب الدعوة وبعض قوى الإطار التنسيقي بشنّها ضد التيار الصدري بهدف تشويه صورته أمام الرأي العام، والنيل من رموزه، قبل الانتخابات المحلية القادمة، الأمر الذي يؤشر على احتمالية تصاعد التوتر بين الجانبين مع اقتراب موعد هذه الانتخابات.