أطلق مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة برنامجاً جديداً هو "برنامج دراسات آسيا"، وذلك في إطار متابعة وتحليل أبرز التحولات الكبرى والتطورات الاستراتيجية على الساحة العالمية. ويهدف البرنامج بشكل رئيسي إلى التركيز على بحث ومناقشة الأحداث المختلفة داخل قارة آسيا باعتبارها تُمثِّل الآن مسرح التنافس الدولي على النفوذ والمكانة بين القوى الدولية، ولاسيما بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، بالإضافة إلى اشتداد حدة التنافس الإقليمي بين القوى الآسيوية التقليدية، خاصةً الصين والهند واليابان، وتصاعُد الأهمية الجيوستراتيجية والاقتصادية والتجارية لمنطقة الإندوباسيفيك على المستوى العالمي.
وإذا كان العديد من المحللين، بل وصناع القرار في بعض الدول الغربية، قد ذكروا حتى قبل أن يبدأ القرن الحادي والعشرين بأنه سوف يكون "قرناً آسيوياً"، فإنه بالفعل يبدو كذلك الآن؛ بل ويمكن القول إنه إذا كان النظام العالمي الأحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قد تشكَّل واقعياً من داخل منطقة الشرق الأوسط بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فإن النظام العالمي الآخذ في التشكُل حالياً، وبغض النظر عن المدة التي سوف يستغرقها وعن مآلاته المستقبلية، سوف يتشكَّل من داخل القارة الآسيوية.
في هذا الإطار، يَستهدف "برنامج دراسات آسيا" إلقاء الضوء كذلك على أبرز التحولات في مناطق آسيا المتعددة، ففي شرق القارة يتصاعد الصراع في شبه الجزيرة الكورية، ويتزايد التنافس بين الصين وكل من اليابان وكوريا الجنوبية، وتبرز أزمة تايوان باعتبارها قضية جوهرية في سياق إعادة تشكُل النظام الدولي. وفي جنوب شرق القارة تتضاعف الأهمية الجيوستراتيجية والاقتصادية والتجارية لدول رابطة "آسيان" باعتبارها موقع تأسيس مراكز جديدة للتصنيع العالمي. كذلك تعود منطقة وسط آسيا مجدداً كساحة أساسية للتنافس بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، نظراً لأهمية هذه المنطقة تاريخياً في تشكيل الأحداث العالمية. وتبقى منطقة جنوب آسيا والمحيط الهندي ذات أهمية حيوية، في ظل صعود الهند، بما يتضمنه من تعاون وتنافس مع الصين، وتزايد التخوفات بشأن عودة قوة التنظيمات الإرهابية في أفغانستان وباكستان، علاوة على قضية أمن الملاحة العالمية في منطقة الإندوباسيفيك.
وسط هذه التحولات أيضاً، تبرز أهمية خاصة لضرورة متابعة التحولات الداخلية في العديد من الدول الآسيوية؛ حيث لم يَعد ممكناً تناول الشؤون الآسيوية لناحية الصعود الصيني أو التنافس الدولي والإقليمي فقط، بل صار ضرورياً كذلك لمراكز الأبحاث والفكر الاهتمام بشكل أكبر ببحث ودراسة التفاصيل الداخلية للدول الآسيوية، سياسياً ومجتمعياً واقتصادياً... إلخ.
وقد استهل "برنامج دراسات آسيا" بدايته بتنظيم مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة والمجلس المصري للشؤون الخارجية، ورشة عمل، تحت عنوان (التحولات الاستراتيجية في آسيا وآثارها على منطقة الخليج العربي) بهدف إطلاع القراء والمهتمين بالشؤون الآسيوية على أبرز التحولات الكبرى في القارة بشكل موجز. وسوف تتواصل أعمال البرنامج، وفق الأهداف السابقة، في شكل مُخرجات بحثية مختلفة. ويأمل مركز المستقبل أن يقدم إضافة في هذا المجال، وأن تكون شؤون القارة الآسيوية ضمن اهتمامات مراكز البحث والفكر في دول المنطقة العربية.