زعم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في حديثه للصحفيين في الذكرى السنوية الأولى للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، أن قواته ستنتصر في الحرب في خلال عام 2023، في حال وصول المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا من داعميها. وفي الجزء الرئيسي من خطابه، روى زيلينسكي كيف قاوم الأوكرانيون "القصف، والقنابل العنقودية، والصواريخ المجنحة، والطائرات الانتحارية المسيرة، وانقطاع التيار الكهربائي والبرد"، وتعهد قائلاً: "إننا سنبذل قصارى جهدنا لتحقيق النصر هذا العام!"... ولكن ماذا يعني "الفوز" لأوكرانيا؟ إذا كان الفوز يعني هزيمة الجيش الروسي على الأراضي الأوكرانية... فهل يمكن تحقيق مثل هذا الهدف؟ وما هي المساعدات العسكرية التي تعتقد كييف وداعموها أنها ستُمكّن القوات العسكرية الأوكرانية من تحقيق مثل هذا النصر؟
على الجانب الآخر، فإن موسكو لا تزال متمسكةً بالأراضي التي استحوذت عليها، بل وربما ستجدد هجومها للسيطرة على مناطق إضافية من الأقاليم الأوكرانية. لذا يمكن القول إن موسكو غير مستعدة للتفاوض على تسوية مرضية للطرفين، ولكن فقط فرض الشروط التي تفضلها هي.
وتتحدث أوكرانيا عن هجوم مضاد جديد، في ربيع 2023، غير إنه من المرجح أن تستمر وتيرة الحرب كما هي، هذا بالطبع ما لم يظهر متغير جديد يسهم في تحويل مجرى الحرب لصالح أحد الجانبين. ويزعم القادة الأوكرانيون مراراً وتكراراً أنه إذا تم إمدادهم بالمعدات العسكرية المناسبة، فإنهم سيتمكنون من كسب الحرب.
ويثير ما سبق التساؤل حول صحة مثل هذا الادعاء. وإذا كان الأمر كذلك، فما هو هذا السلاح الذي سيمكنهم من الانتصار. حتى الآن، قدم الداعمون الغربيون لأوكرانيا دعماً مادياً كبيراً. فهل تعتقد أوكرانيا أنها تحتاج إلى نفس نوعية الإمدادات ولكن بكميات أكبر؟ أم أن هناك سلاحاً معيناً تعتقد كييف أنه يمكن أن يساعدها عسكرياً ويؤدي بها إلى النصر؟
ويرتبط بذلك سؤال آخر، وهو هل الداعمون الغربيون لأوكرانيا، وخاصة الولايات المتحدة، مترددون في تزويد الأوكرانيين بالأسلحة "الحربية" على أمل استمرار الصراع لفترة أطول، بما يرتبه ذلك من استنزاف تدريجي لروسيا؟ ستحاول هذه المقالة تقديم بعض التحليل لإيجاد إجابات لهذه الأسئلة.
أسلحة مهمة وغير حاسمة
في كثير من الأحيان، يكون الضجيج المُثار حول بعض أنواع الأسلحة أكثر مما تستحقه. على سبيل المثال، في المراحل الأولى من الحرب الروسية، كانت وسائل الإعلام ومحللو الدفاع يقومون بحملات دعاية واسعة مفادها أن الطائرات المسيرة سوف تحدث ثورة عظيمة في ساحة القتال. وكذلك تمت المبالغة في الاحتفاء بالطائرات التركية المسيرة من طراز "بيرقدار تي بي 2"، من جانب الجيش الأوكراني، إذ تم الترويج لها على أنها سلاح سحري سيؤدي إلى تحقيق التوازن بين المقاومة الأوكرانية الضعيفة (والتي تتكون من جنود من المواطنين الذين تم حشدهم على عجل) من ناحية، وبين الآلة العسكرية الروسية القوية، والتي شهدت أكثر من عقد من التحديث من ناحية أخرى.
وبالفعل عانى الجانب الروسي من عدة انتكاسات في الأسابيع الأولى من القتال حول كييف، ولكن لم يستمر الحال على ما هو عليه، فقد قامت روسيا بعدها بضرب المواقع الأوكرانية بشرق البلاد بقصف متواصل يُذكِّر بنوعية الحروب التي شهدها العالم منذ قرن من الزمان، مما دفع أحد المحللين الدفاعيين البارزين بعد ستة أشهر من القتال أن يعلق قائلاً: "لقد عوض الجانب الروسي بشكل عام عن الأداء المتوسط لقواته البرية عن طريق الاستفادة من نيران المدفعية المستمرة، والتي بدورها سهلت له عملية التقدم البطيء المنهجي. ولقد أدى قصف المدفعية الروسية المستمر إلى دفع السكان المحليين للنزوح بشكل تدريجي بعد تدمير المستوطنات والبنية التحتية التي كان يتم الدفاع عنها، مما أجبر بالنهاية الجيش الأوكراني على التخلي عن أراضيه بعد تدميرها".
وهكذا كشفت هذه الحرب عن أن المدفعية تُمثل واحدة من أكثر أسلحة ساحة المعركة أهمية، وأنها ما تزال تحافظ على مكانتها بين بقية آلات القتال كما كانت في الحملات البرية لكلتا الحربين العالميتين بالنصف الأول من القرن العشرين.
في الوقت نفسه، لا ينفي هذا أن بعض الأسلحة كانت حاسمة بالنسبة للمقاومة الأوكرانية. فعلى سبيل المثال، أثبتت الصواريخ المحمولة على الكتف، والمضادة للدبابات، التي يمكن أن يطلقها فرد واحد، أنها قادرة على صد هجوم القوات الروسية التي كانت تتقدم نحو العاصمة الأوكرانية. حدث هذا في الوقت الذي كان معظم المحللين يتوقعون دخول المدرعات الروسية إلى كييف في غضون بضعة أيام من الغزو. وفي المراحل اللاحقة من الحرب، أصبحت شاحنات "هيمارس"، وهي شاحنات بوزن 5 أطنان يمكنها إطلاق ستة صواريخ في وقت واحد على مسافة بعيدة نسبياً من الخطوط الأمامية لساحة القتال، وهكذا فمن الواضح أن أنواع الأسلحة المختلفة قد أدت دوراً مهماً للغاية على مدار مراحل الحرب المتعددة؛ ومع ذلك، فلا يمكن القول إن أياً منها كان قادراً على حسم المعركة حتى الآن.
دبابات كييف ليست كافية
امتلأت العناوين الرئيسية بالكثير عن إمكانات دبابات القتال الغربية وعن قدرتها على التأثير في نتيجة الحرب، وإن كان لم يتم استخدامها في القتال بأوكرانيا بعد. ولا يزال هناك الكثير من علامات الاستفهام حول مدى الفارق الذي سيحدثه توفير الدبابات الغربية لأوكرانيا في ساحة المعركة بمجرد أن يذوب الجليد عن الأرض الأوكرانية بعد الشتاء.
وفي الحرب الحديثة، تُمثل الدبابة عنصراً أساسياً من عناصر الهجوم في العمليات القتالية، فهي تُستخدم لضرب خطوط العدو واستعادة الأراضي من سيطرته. هذا إلى جانب أن استخدام الدبابة بشكل فعال، يزود الجيوش بقوة نيران متحركة وحماية، مما يسبب صدمة ومفاجأة وارتباك في صفوف العدو.
علاوة على ذلك، فإنه إذا تم استخدام الدبابات بأعداد كافية، فإنها ستمكن الجيش المقاتل من تفتيت دفاعات العدو. ولكن لكي يأتي استخدام الدبابات بثماره، فإنه يحتاج أيضاً إلى دعم المدفعية لإضعاف دفاعات العدو أولاً ثم دعم المشاة لاستعادة الأرض.
من غير المحتمل أن تمتلك أوكرانيا الدبابات الكافية أو الدعم الناري القوي للقيام بعمل هجومي مكثف ضد الجانب الروسي. ولكن ربما يكون لديها فقط ما يكفي من الدبابات لقيادة هجوم مركز في نقطة واحدة على طول ألف كيلومتر من الجبهة. وبوجه عام، فإن الدعم الجوي القريب الذي يمنح للدبابات أثناء الهجوم من جانب الطائرات النفاثة المقاتلة يمكن أن يضاعف من قوتها كذلك. وتُعد طائرات "ميج – 29"، التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، والتي تعهدت دول مثل بولندا وسلوفينيا بأن تمد بها أوكرانيا مدداً مرحباً به في خطوط الدفاع الجوي الأوكراني، وإن كان من غير المتوقع أن تحسم هذه الطائرات الإضافية نتيجة الحرب. فمن غير المحتمل أن يتم استخدام هذه الطائرات في عمليات مشتركة عالية التنسيق مع القوات البرية المدرعة.
إطالة الحرب.. مصلحة غربية
إذا صدقت التعهدات الغربية بشأن إمداد أوكرانيا بالأسلحة، فإنه يمكن للقوات المسلحة الأوكرانية أن تتوقع تعزيزها بأكثر من 100 دبابة. ومع ذلك، فسيظل هذا أقل بكثير مما طلبه القادة العسكريون والسياسيون في أوكرانيا. ففي أكتوبر الماضي، صرّح الجنرال فاليري زالوجني، القائد العام للجيش الأوكراني، أن أوكرانيا بحاجة إلى 300 دبابة إضافية و700 مركبة قتالية للمشاة و500 مدفع "هاوتزر" لشن هجوم أوكراني في هذا العام. ولا يزال غير مؤكد متى ستصل كل هذه المعدات، ولربما ينتهي الأمر بإرسال نصف ما هو مطلوب فقط. علاوة على ذلك، فإن التدريب المطلوب على الدبابات، وكذلك أي تسليم محتمل لطائرات نفاثة، سيستغرق أسابيع، إن لم يكن شهوراً.
لذلك فقد تُفوت أوكرانيا فرصتها المحدودة لشن هجوم على الجانب الروسي بينما هو مشغول بإعادة بناء قواته المنهارة وتجديد إمداداته من الذخيرة. وهكذا فقد يستنتج المحلل للأمور أن داعمي أوكرانيا ربما كانوا يزودونها بما يكفي من العتاد للبقاء في المعركة، ولكن دونما إعطائها المدد الكافي لتحقيق خطوة حاسمة في الحرب، وذلك على سند من القول إن إطالة أمد الحرب وإبقاء القوات الروسية مقيدة بشكل دائم في حالة قتال من شأنه أن يخدم بعض المصالح الغربية.
وقد يخشى بعض صانعي القرار السياسي أيضاً من تصاعد وتيرة الحرب إذا بدأت أوكرانيا القوية والمسلحة بما يكفي في الضغط على روسيا لاستعادة شبه جزيرة القرم، التي تحتلها روسيا، أو المناطق الناطقة باللغة الروسية في شرق أوكرانيا، والتي يتعهد الكرملين بحمايتها. ويمكن أيضاً تفسير تراجع دعم الدول الغربية لأوكرانيا عسكرياً على أنه، على الأرجح، يعود إلى افتقار هذه الدول إلى قواعد صناعية دفاعية تكفي لتزويد أوكرانيا بما تحتاجه من أسلحة بشكل صحيح دونما الإخلال باحتياجات القوات المسلحة لتلك الدول.
يبقى الوضع على ما هو عليه
مهما كانت التغيرات التي قد تحدث في الدوافع أو القيود لدى مؤيدي أوكرانيا من الغرب، فمن غير المرجح أن تمتلك الوسائل اللازمة لتحقيق أية خطوة لحسم الحرب في وقت قريب. فلا يوجد سلاح يمكن أن يتم إمداد كييف به، ولا حتى نظرياً، من شأنه أن يحسم المعركة لصالح أوكرانيا.
علاوة على ذلك، قد لا يكون التحدي الأكبر لأوكرانيا هو في كمية ونوعية الأسلحة التي تتلقاها ولكن في الجانب اللوجستي، وكيفية التعامل مع هذه الأسلحة، أي في الإبقاء على تدفق الوقود والذخيرة وقطع الغيار للأسلحة الجديدة. أضف إلى ذلك أنه لا يتعين على أوكرانيا فقط الحفاظ على ترسانتها القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية؛ بل ويتعين عليها أيضاً القلق بشأن الإمدادات شديدة التعقيد من الأسلحة التي يزودها بها الغرب. فعلى سبيل المثال، تحوي الدبابات الأمريكية "أبرامز" على محرك توربيني غازي شديد التعقيد، كما أن هذه الدبابات الأمريكية تستهلك ضعف كمية الوقود التي تستهلكها نظيرتها الألمانية الصنع.
ومن ناحية أخرى، من غير المرجح أن تجلب روسيا أي شيء جديد إلى ساحة المعركة من شأنه أن يؤدي إلى انهيار الإرادة الأوكرانية للمقاومة. فقد فشلت محاولات إكراه كييف على الاستسلام من خلال الهجمات بالصواريخ على البنية التحتية والمراكز السكانية، كما فشل أيضاً الهجوم الروسي باستخدام الطائرات المسيرة الإيرانية الانتحارية في تحقيق أي تأثير استراتيجي يذكر. وهكذا يذكرنا الصراع في أوكرانيا بأن الحروب تُحسم بعمليات الاستنزاف الطويلة الأمد، وليس بالأسلحة العاتية التي قد تقلب موازين المعركة لصالح طرف على حساب آخر. فمثل هذا السلاح، ببساطة، ليس موجوداً.