أجرى الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في 14 فبراير 2023، زيارة إلى الصين، على رأس وفد رفيع المستوى، ضم ستة من وزراء حكومته، بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي الإيراني، في زيارة استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها نظيره الصيني، شي جين بينغ، وتم بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي والقضايا ذات الاهتمام المُشترك.
وتُعد تلك الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى الصين منذ 2018، حين زارها الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، في 2018، وذلك في إطار حضور قمة شنغهاي، كما التقى رئيسي بنظيره الصيني في سبتمبر 2022، على هامش قمة شنغهاي التي عُقدت في مدينة سمرقند الأوزبكية.
أهداف زيارة رئيسي
احتفت وسائل الإعلام الإيرانية بالزيارة، ونشر رئيسي مقالاً في جريدة الشعب التابعة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، وصف فيه الصين بالصديق القديم، وحليف المستقبل، وقد سعت طهران من خلال تلك الزيارة إلى تحقيق عدد من الأهداف، يتمثل أبرزها في الآتي:
1- تفعيل الاتفاق الاستراتيجي: يتمثل هدف زيارة رئيسي إلى الصين في تفعيل اتفاق التعاون الاستراتيجي الذي تم توقيعه، في مارس 2021، مع الصين، وأعلنت طهران دخوله حيز التنفيذ في يناير 2022، ولكن من دون أن يتم تنفيذ أي مشروعات في إطاره، سواءً فيما يتعلق بمشاريع مبادرة الحزام والطريق، أو التعاون في مجال الطاقة والدفاع.
ويؤكد أهمية هذا الملف بالنسبة لطهران تشكيلة الوفد الإيراني الزائر إلى الصين، والتي تتكون من خمسة وزراء معنيين بالشؤون الاقتصادية والتجارية، بالإضافة لمحافظ البنك المركزي. وسعت إيران للترويج إلى أنها حققت إنجازاً في هذا الملف، عبر تأكيد وزير الاقتصاد والمالية الإيراني، إحسان خاندوزي، على هامش الزيارة، توقيع 20 وثيقة تعاون مع الجانب الصيني، شملت مجالات التجارة والتصدير والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبيئة والزارعة والصحة والعلاج والرياضة والتراث الثقافي وإدارة الأزمات، غير أنه ليس من الواضح ما إذا كان سيتم تفعيل هذه الاتفاقات، أم أنها ستظل حبراً على ورق، كما في الاتفاق الاستراتيجي، والذي لم يتم تنفيذه حتى الآن.
وتهدف طهران من جراء تلك الزيارة إلى تأكيد علاقاتها الاقتصادية القوية مع الصين، التي تعتبر الشريك التجاري الأول لها، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو 27 مليار دولار، وبالإضافة لما سبق، فإن إيران تسعى لأن تسهم هذه الزيارة في تفعيل عضويتها في منظمة شنغهاي، والتي تضم الصين والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، والتي صادقت إيران عليها في نوفمبر 2022، بما قد يُسهم في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع تلك الأطراف.
2- مواجهة الضغوط الغربية: أكد رئيسي خلال لقائه نظيره الصيني، "أن البلدين صديقان في الأوقات الصعبة"، وأنهما "شريكان في مواجهة الأحادية في النظام الدولي"، في إشارة إلى أن البلدين يتفقان في رؤيتهما لضرورة إنهاء الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي.
وتسعى إيران لمواجهة الضغوط المتزايدة عليها من جانب واشنطن والأطراف الأوروبية، على خلفية عدد من الملفات الخلافية، أبرزها تعثر مسار المفاوضات النووية، وتزويدها روسيا بالطائرات المسيرة في حربها ضد أوكرانيا. ويبدو أن طهران تسعى لاستغلال التوتر في العلاقة بين الصين والولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة، وذلك على إثر أزمة المنطاد الصيني التي تسببت في إرجاء زيارة كانت مقررة لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى بكين مطلع فبراير 2023، والتي كانت تهدف إلى استيعاب الخلافات في العلاقات البينية.
ويلاحظ أن إيران تمكنت من تصدير حوالي مليون برميل من النفط يومياً من خلال تصديره عبر أطراف ثالثة، مثل شركات ماليزية، وذلك لإخفاء منشأه. وقد اتهمت الولايات المتحدة أخيراً بالتساهل في العقوبات ضد إيران، وهو ما أسهم في زيادة مستوى تصديرها من النفط، غير أن الإدارة الأمريكية سعت لتدارك ذلك عبر فرض عقوبات على الشركات التي تساعد إيران على تهريب نفطها. ويلاحظ أن وجود وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، ضمن الوفد المرافق لرئيسي إلى الصين، قد يكون مؤشراً على رغبة طهران في زيادة حجم تلك الصادرات خلال الفترة المقبلة.
3- دعم المباحثات النووية: أكد الرئيس الصيني، خلال استقباله نظيره الإيراني، الدفع لاستئناف المفاوضات النووية، ورفع العقوبات المفروضة على إيران، كما اتفق كبير المفاوضين الإيرانيين في فيينا، علي باقري كني، والذي رافق الوفد الإيراني إلى الصين، مع نائب وزير الخارجية الصيني ما تشاو شو، على استمرار التواصل والتنسيق بين الجانبين بشأن المفاوضات النووية. وتكتسب تلك التصريحات أهميتها بالنظر إلى المساعي الأخيرة لتحريك ملف المباحثات النووية، والتي تجلت في جهود قطرية وعراقية في هذا الصدد، إذ تسعى طهران إلى كسب دعم بكين لها في تلك المباحثات إذا ما تم العودة إليها، لتعزيز موقفها التفاوضي.
4- إدعاء إيراني ببيع طائرات مسيرة للصين: جاءت تلك الزيارة بعد أيام من نشر وسائل إعلام إيرانية تصريحات لكبير مستشاري وزير الاستخبارات الإيرانية، وذلك دون ذكر اسمه، أكد فيها أن قدرات إيران العسكرية بلغت حداً جعل الصين تستعد لشراء 15 ألف طائرة مسيرة من طهران، وأن الصين هي إحدى 90 دولة تسعى للاستفادة من صناعة الطائرات المسيرة الإيرانية.
ووفقاً للتقديرات الغربية الصادرة في أواخر 2022، فإن إيران صدرت طائرات مسيرة إلى حوالي 5 دول فقط، وهي السودان وفنزويلا وطاجيكستان وإثيوبيا وروسيا، وكذلك نحو 7 مليشيات مسلحة موالية لها في اليمن والعراق وسوريا. ويكشف التصريح الإيراني السابق، والحديث الغامض عن استفادة 90 دولة، وليس استخدام مصطلحات محددة، مثل تصدير الطائرات المسيرة، أو التعاون في إنتاجها مثلاً، أن مثل هذا التصريح يدخل في إطار الدعاية ونشر المعلومات الكاذبة، خاصة وأنه منسوب إلى شخص مجهول لم يتم الكشف عن هويته.
ويلاحظ أن الصين لم تؤكد هذه التصريحات، كما لم تتم الإشارة إليها خلال الاجتماعات بين الجانبين الإيراني والصيني، وهو ما يلقي بظلال من الشك عليها، خاصة في ضوء ما هو معروف من مبالغة إيران في تقييم قدراتها، وترويج أخبار غير صحيحة عن صفقاتها العسكرية.
ومن جهة أخرى، هناك أسباب أخرى تدعو للتشكيك في التصريحات الإيرانية، وهي اعتماد طهران على مكونات صينية الصنع في إنتاج طائراتها المسيرة، مثل اعتماد الطائرات المسيرة "شاهد 136" على محرك من إنتاج شركة "بكين ميكروبيلوت لأنظمة التحكم في الطيران"، وهو نسخة مقلدة من المحرك الذي تنتجه شركة "ليمباخ فلوغمورين" الألمانية، ولا يتوقع لذلك أن تحتاج الصين لشراء طائرات مسيرة إيرانية، خاصة وأن الأخيرة تمتلك بالفعل طائرات مسيرة متطورة تقوم بتصديرها إلى دول مختلفة.
ويبدو أن إيران تستهدف من نشر مثل هذه الأخبار تأكيد أنها أصبحت قادرة على إنتاج الطائرات المسيرة على نطاق واسع وتصديرها بكميات ضخمة، وأنها من ثم تستطيع أن تمتلك أعداداً كافية من هذه الطائرات المسيرة لتهديد الأمن الإقليمي، وأنها تسعى لتطوير علاقات استراتيجية مع الصين.
فرص تفعيل التعاون
على الرغم من محاولات إيران التضخيم من حجم ونتائج الزيارة، فإن الواقع يُشير إلى وجود تحديات عديدة تحد من التعاون بين الجانبين، ويمكن تفصيلها على النحو التالي:
1- أهمية دول الخليج العربية للصين: سعت الصين، خلال الفترة الأخيرة، لتعزيز علاقاتها بدول الخليج العربية، وهو ما تجلى في المشاركة في القمة التي عُقدت بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر 2022، والتي تمخض عنها اتفاقيات باستثمارات ضخمة، كما كان لافتاً، أن الرئيس الصيني لم يزر إيران هذه المرة، مثلما فعل عندما زار السعودية في 2016، ضمن جولة شرق أوسطية شملت السعودية وإيران ومصر.
ويبدو أن زيارة رئيسي للصين جاءت رداً على زيارة الرئيس الصيني لدول الخليج العربية، في ديسمبر 2022، فقد صرح رئيسي، قبل مغادرته إلى بكين لوسائل الإعلام الإيرانية الحكومية أن العلاقات الإيرانية الصينية "تراجعت بشكل خطر"، وأن العلاقات الاقتصادية "غير مرضية".
وتأتي هذه التعليقات في أعقاب إشارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى "الأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار" و"دعم الجماعات الإرهابية والطائفية" أثناء زيارة للسعودية في ديسمبر 2022، وهي التصريحات التي قصد منها إيران، إذ أشار البيان الختامي الصيني الخليجي المشترك إلى ضرورة إنهاء إيران تدخلاتها الإقليمية في المنطقة، وإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث "طُنب الكبرى، طُنب الصغرى، وأبوموسى"، وهو ما أثار المخاوف في طهران من تخلي بكين عنها تدريجياً لصالح شراكاتها مع دول الخليج العربية، لاسيما مع تجاهل شي زيارة إيران خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط.
وردت إيران حينها على هذا البيان باستدعاء سفيرها لدى بكين، للتنديد بمشاركة الصين في البيان الختامي الصادر عن القمة. وسعت الصين لتجاوز هذا الخلاف عبر إرسال نائب رئيس مجلس الدولة، هو تشون هوا إلى طهران، ولكن دون أن يترتب على ذلك تسوية الخلافات بين الجانبين. ولذا فإن حرص بكين على تعزيز شراكتها مع دول الخليج، سوف يضع سقفاً لعلاقتها مع الأولى، أو على الأقل، يخفض من حجم التطلعات الإيرانية نحو الاستفادة من تعزيز العلاقات مع الجانب الصيني.
2- التخوف من العقوبات الغربية: تُشير التقارير إلى أن اتفاق الـ25 عاماً بين الطرفين، لم يدخل حيز التنفيذ بشكل كامل، وذلك على أساس استمرار تخوف الصين من العقوبات الغربية المفروضة على الشركات التي تتعامل مع كيانات إيرانية. وأفادت صحيفة "أرمان ملي" الإصلاحية، بأن الوفد الإيراني الزائر للصين، قد فشل في إقناع بكين باستكمال المشروعات الاقتصادية التي تركت بسبب العقوبات، وأن الصين ستظل مترددة تجاه ذلك، طالما استمرت العقوبات المفروضة، بمعنى أن تظل الاستثمارات الصينية محدودة، ما لم تتوصل إيران لاتفاق مع الغرب يرفع عن كاهلها العقوبات.
3- منافسة النفط الروسي: دفعت الحرب الروسية الأوكرانية، والحظر المفروض على قطاع الطاقة الروسي، إلى ارتفاع واردات موسكو من النفط إلى الصين، باعتبارها الوجهة البديلة لأوروبا، كما أغرت التخفيضات الكبيرة التي قدمتها موسكو على الخام الروسي بكين لاستيراد نفطها، وهو ما أدى إلى تراجع الواردات الإيرانية، واضطرت طهران في ضوء ذلك إلى تخفيض سعره ما بين 8 إلى 10 دولارات، بعد أن كانت تلك التخفيضات بين 4 إلى 5 دولارات قبل الأزمة الأوكرانية، وهو ما يعني انخفاضاً في العوائد النفطية. ولا يتوقع أن تنجح زيارة رئيسي في تغيير هذا الوضع، أو حتى الضغط على بكين من أجل عدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية على النفط الإيراني.
وفي التقدير، يمكن القول إنه ليس هناك مؤشرات كافية تدفع إلى القول إن رئيسي نجح في دفع العلاقات الاقتصادية قدماً، إذ أنه من الصعب تصور أن تتخلى الصين عن علاقاتها الاستراتيجية مع دول الخليج العربية لصالح إيران، وهو ما يعني أن هناك سقفاً للعلاقات الإيرانية الصينية لن تتمكن الأخيرة من تجاوزه، أي أن سياسة رئيسي للتوجه شرقاً لن تمكنه من إقامة علاقات استراتيجية مع الصين تؤهله لمواجهة العقوبات الغربية، خاصة مع استمرار تحفظ الشركات الصينية على التوسع في الاستثمارات في إيران في ضوء العقوبات الغربية عليها.