احتضنت العاصمة الإماراتية أبوظبي، خلال الفترة من 14 إلى 19 يناير 2023، "أسبوع أبوظبي للاستدامة" في دورته الـ 15، الذي تضمن العديد من الفعاليات والقمم التي ناقشت وطرحت مسائل الاستدامة، والتغير المناخي، وخفض الانبعاثات الكربونية، إلى جانب توقيع عدد من المبادرات والمشاريع المستدامة. وبالتزامن مع ذلك، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، عام 2023 عاماً للاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تستعد أيضاً خلال هذا العام لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 28" (COP28)، والذي يعد أهم وأكبر مؤتمر دولي للعمل المناخي.
حدث خاص:
يمثل أسبوع أبوظبي للاستدامة، الذي يُعقد بانتظام كل عام منذ انطلاقه لأول مرة عام 2008، أحد أهم الأحداث العالمية التي تستهدف تعزيز التنمية المستدامة في العالم كله، حيث يجمع صانعي السياسات وقادة الأعمال ورواد التكنولوجيا من مختلف دول العالم لمشاركة المعرفة، واستعراض الابتكارات، وصياغة الاستراتيجيات، في إطار المساعي المشتركة لتحقيق الاستدامة والحياد المناخي وبناء مستقبل مستدام للبشرية كلها. كما يمثل هذا الحدث منصة مهمة لتسليط الضوء على التزام دولة الإمارات بمواجهة التحديات العالمية ودورها الريادي في دفع جهود العمل المناخي وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.
وحظيت الدورة الحالية من أسبوع أبوظبي للاستدامة بأهمية خاصة وكبيرة في ضوء عاملين مهمين؛ الأول هو توقيت انعقادها والذي يسبق انعقاد مؤتمر "كوب 28"، وهو الحدث الأهم والأبرز الذي تستضيفه دولة الإمارات نهاية العام الجاري وتحرص على أن يكون حدثاً استثنائياً في تاريخ المؤتمرات الأممية بشأن المناخ ونقطة تحول مفصلية في الجهود الدولية المبذولة لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري. ولذا جاء انعقاد هذه الدورة تحت شعار معبر وهو "معاً لتعزيز العمل المناخي وصولاً إلى مؤتمر COP28"، كما أنها ساهمت في ضمان المحافظة على زخم الاهتمام والجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حلول عملية لمواجهة التحديات المناخية في الفترة بين مؤتمري المناخ "كوب 27" و"كوب 28".
أما العامل الثاني، فيتمثل في المشاركة الدولية واسعة النطاق في فعاليات هذه الدورة، سواء على مستوى قادة الدول أو على مستوى رواد العمل المناخي والبيئي والشباب، والتي تعكس الثقة الدولية في قدرة دولة الإمارات على قيادة الجهود العالمية في مجال الاستدامة والتغير المناخي.
مخرجات مهمة:
شهدت الدورة الـ 15 من أسبوع أبوظبي للاستدامة، العديد من الفعاليات المهمة التي أكدت بوضوح الطبيعة العالمية لهذا الحدث، ومن ذلك انعقاد الدورة الثالثة عشرة للجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، والتي تعد بمنزلة السلطة العليا لاتخاذ القرار في الوكالة، بمشاركة أكثر من 90 وزيراً وأكثر من 1800 شخصية عالمية ما بين قادة ومسؤولين حكوميين وممثلي منظمات وجهات دولية وخاصة. وأكدت المناقشات التي شهدها الاجتماع ضرورة مضاعفة الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة، وأن النجاح في حماية المناخ يعتمد على الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
كما انعقدت خلال هذا الأسبوع الدورة السابعة من منتدى الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي يومي 14و15 يناير 2023، والتي ركزت بشكل خاص على تحديات إدارة أولويات أمن الطاقة، والجهود المبذولة للتخلّص من الانبعاثات الكربونية، في ظل تأثيرات الأزمة المستمرة في أوكرانيا على خطط تحوّل الطاقة. وكان أبرز ما تضمنه هذا المنتدى، الكلمة التي ألقاها معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الرئيس المعيّن لمؤتمر "كوب 28"، المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، والتي عرضت لرؤية الدولة في كيفية قيادة وتعزيز الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي، والقائمة على ضرورة تطبيق نهج شامل وعملي يؤدي إلى تسريع مسارات مواجهة تداعيات تغير المناخ وتحقيق تحول جذري في آليات العمل المناخي.
وشهدت فعاليات الأسبوع اهتماماً خاصاً بأهمية التحول نحو الاعتماد على الهيدروجين الأخضر في ظل طموح الدولة لأن تكون مركزاً عالمياً للابتكار والاستثمار في هذا المجال، حيث أطلقت القمة العالمية لطاقة المستقبل 2023، مركز ابتكارات الهيدروجين الأخضر الأول من نوعه، والذي يستعرض حلولاً مبتكرة لتسريع الاعتماد على الهيدروجين، ودعم تحول قطاع الطاقة على مستوى المنطقة والعالم. كما وقّعت شركة "مصدر" عدداً من اتفاقيات التعاون والشراكة مع شركات أخرى ناشطة في هذا المجال، فيما شكل إطلاق قمة الهيدروجين الأخضر أحد أبرز الإنجازات التي تضمنها أسبوع أبوظبي للاستدامة للعام الحالي. وينبع الاهتمام الإماراتي بتطوير الهيدروجين الأخضر من اعتبارين؛ الأول أن للهيدروجين إمكانات واعدة في أن يصبح وقوداً خالياً من الكربون، ويمثل فرصة حقيقية لتسريع التحول في قطاع الطاقة النظيفة. والثاني، أن الدولة تمتلك الموارد الطبيعية والتكنولوجية التي تعزز ريادتها العالمية في هذا المجال.
وبينما مثلت القمة العالمية لطاقة المستقبل التي انعقدت خلال فعاليات هذا الأسبوع، منصة مهمة لمناقشة العديد من الموضوعات التي تستهدف تعزيز الاستدامة، مثل: الأمن الغذائي والمائي، وتوفير مصادر الطاقة، وإزالة الكربون من الصناعات، والصحة، والتكيف مع المناخ؛ فقد شهدت الدورة الحالية لأسبوع أبوظبي للاستدامة تركيز الاهتمام على مجالين مكملين وداعمين للعمل المناخي، الأول هو إبراز دور الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة في مجال الاستدامة ومواجهة التغير المناخي، خاصةً مع استضافة أكثر من 70 شركة من هذه الشركات. والثاني هو إشراك الشباب والمرأة في هذه الجهود، من خلال مبادرتي منصة شباب من أجل الاستدامة، وملتقى السيدات للاستدامة والبيئة والطاقة المتجددة، وهو ما يوضح حرص القائمين على هذه الفعالية العالمية على إشراك أكبر قطاع ممكن من المجتمع في جهود تحقيق الاستدامة.
وشكّل حفل توزيع جائزة زايد للاستدامة، بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، وقادة عدد من الدول المشاركة، ملمحاً آخر من ملامح دعم الإمارات للجهود الرامية إلى تعزيز الاستدامة عالمياً، حيث تعتبر هذه الجائزة واحدة من المبادرات النوعية على الصعيد العالمي لتكريم المبتكرين ورواد الأعمال والشباب وتسريع جهود التغيير الإيجابي للحفاظ على البيئة وتحسين حياة المجتمعات. وتكرم هذه الجائزة العالمية السنوية الرائدة - التي أطلقتها دولة الإمارات وتبلغ قيمتها الإجمالية ثلاثة ملايين دولار أمريكي - الشركات الصغيرة والمتوسطة والمنظمات غير الربحية والمدارس الثانوية التي تقدم حلولاً مستدامة تمتلك مقومات الابتكار والتأثير والأفكار الملهمة في قطاعات الصحة والغذاء والمياه والطاقة.
وهذه الفعاليات والمناقشات والمخرجات المهمة التي شهدتها الدورة الحالية من أسبوع أبوظبي للاستدامة، تعزز بلا شك من نهج الاستدامة الذي تنتهجه دولة الإمارات منذ تأسيسها، وتحرص على مواصلته بقوة أكبر خلال الخمسين عاماً القادمة، وتؤكد ريادتها العالمية في هذا المجال، كما أنها تعزز الثقة الدولية في قدرة الدولة على قيادة الجهود العالمية في هذا المجال من أجل حماية مستقبل البشر ووجودهم.
عام الاستدامة:
شكّل إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، 2023 عاماً للاستدامة، في ختام فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة، تأكيداً لا يقبل التأويل على الأولوية التي توليها قيادتنا الرشيدة، حفظها الله، لجهود تحقيق الاستدامة داخلياً وعالمياً. إذ تهدف هذه المبادرة، التي أطلقها سموه تحت شعار "اليوم للغد"، إلى تسليط الضوء على تراث دولة الإمارات الغني في مجال الممارسات المستدامة، منذ عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إضافة إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية في تحقيق استدامة التنمية، ودعم الاستراتيجيات الوطنية في هذا المجال نحو بناء مستقبل أكثر رخاءً وازدهاراً. كما يهدف "عام الاستدامة" إلى إبراز الجهود التي تقوم بها دولة الإمارات في تعزيز العمل الجماعي الدولي، لمعالجة تحديات الاستدامة، ودورها في البحث عن حلول مبتكرة، يستفيد منها الجميع على الساحة الدولية، خاصةً في مجالات الطاقة والتغير المناخي وغيرها.
ومما لا شك فيه فإن المبادرات المتنوعة التي سيتم تنظيمها خلال "عام الاستدامة" ستسهم في تعزيز الوعي المحلي والدولي بأهمية هذه القضية وكيفية دعم الجهود المبذولة لتعزيزها، وحشد الجهود المجتمعية كافة لتحقيق الأهداف الوطنية بشأنها. كما تحمل هذه المبادرة أهمية خاصة، كونها تتزامن مع استضافة دولة الإمارات مؤتمر "كوب 28"، وهو أمر يعزز فرص نجاح المؤتمر في تحقيق أهدافه، ورسم خريطة طريق للعالم لمواجهة أكبر تحد يهدد البشرية وهو التغير المناخي.
وتملك دولة الإمارات سجلاً كبيراً في مجال الاستدامة ومواجهة تحديات التغير المناخي، من شأنه أن يعزز الثقة الدولية في قدرتها على قيادة العالم في هذا المجال وتحقيق إنجازات نوعية فيها، حيث استثمرت الدولة في مشاريع للطاقة المتجددة في 70 دولة بقيمة إجمالية تقارب 16.8 مليار دولار، كما أطلقت استراتيجيتها الوطنية للطاقة حتى عام 2050، والتي تستهدف رفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة إلى 50%، وعملت بشكل دائم على دعم الجهود العالمية لتحقيق أهداف تخفيض الانبعاثات المُضرة بالبيئة، والذي توج بإعلان المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 والتي تشكل محركاً وطنياً يهدف إلى خفض الانبعاثات والحياد المناخي بحلول 2050، لتكون الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي.
كما تعتبر دولة الإمارات شريكاً فاعلاً للمجتمع الدولي في جهود مواجهة ظاهرة التغير المناخي، حيث انضمت إلى جميع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بهذه القضية المصيرية، مثل اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال عام 1989، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ عام 1995، واتفاقية كيوتو عام 2005، واتفاقية باريس للمناخ عام 2015. كذلك نجحت الدولة في استضافة المقر الدائم للوكالة الدولية لطاقة المتجددة "آيرينا" في عام 2009، وشاركت في حوار القادة للمناخ في عام 2021. ومن هنا جاءت الثقة الدولية في اختيار الإمارات لاستضافة "كوب 28" عام 2023 باعتبارها شريكاً موثوقاً في مواجهة أخطار ظاهرة التغير المناخي. ومن هنا أيضاً تنبع الثقة الدولية في قدرة دولة الإمارات على إحداث إنجاز عالمي فريد من نوعه في قيادة وتوحيد الجهود العالمية في مجالي الاستدامة ومواجهة ظاهرة التغيرات المناخية.