نظّم أنصار هيئة الحشد الشعبي، وعدد من الفصائل المُسلحة العراقية الموالية لإيران، في 3 يناير 2022، احتفالية لإحياء الذكرى الثالثة لمقتل القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، والنائب السابق لرئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، أبو مهدي المهندس، واللذين تم استهدافهما بغارة أمريكية قرب مطار بغداد في 3 يناير 2020.
ضغوط إيرانية:
تعرضت حكومة السوداني إلى ضغوط من جانب إيران تزامناً مع إحياء ذكرى مقتل سليماني، وهو ما يمكن استعراضه في الآتي:
1- التصعيد ضد الوجود الأمريكي: دعا عضو مجلس خبراء القيادة ومجلس صيانة الدستور، عباس الكعبي، الميليشيات الموالية لطهران إلى مواصلة العمليات العسكرية ضد الأمريكيين، وذلك بهدف إنهاء الوجود الأمريكي في العراق، كما أكد مساعد القائد العام للحرس الثوري الإيراني، علي رضا نقدي، أنه يمكن تكرار قصف القواعد الأمريكية في أية لحظة يصدر الأمر للثأر لدماء سليماني، وهو ما يمثل تهديداً من جانب إيران للوجود الأمريكي، من دون أن يرقى ذلك إلى تبني أي خطوات فاعلة على الأرض، وهو ما يعكس رغبتها في توظيف ذلك إعلامياً للتأكيد على قدرتها على الانتقام لمقتل سليماني، فضلاً عن تخفيف الضغوط التي تتعرض لها على خلفية استمرار الاحتجاجات.
2- الضغط لإخراج القوات الأمريكية: تتعرض حكومة محمد شياع السوداني إلى ضغوط متزايدة من جانب بعض الأحزاب السياسية داخل الإطار التنسيقي، الذي يضم القوى الموالية لإيران في العراق، وذلك بهدف تعديل الاتفاق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، خصوصاً البنود المتعلقة بوجود القوات الأمريكية في الأراضي العراقية، وفرض حظر على استخدام الطائرات المُسيّرة الأمريكية، مع تحديد مهلة لحسم هذا الملف، والتهديد بأنه في حال عدم الالتزام بذلك ستعود العمليات العسكرية ضد الأهداف الأمريكية، سواء في بغداد أو الأنبار أو أربيل.
ويفرض ذلك ضغوطاً على حكومة السوداني في حال تمسك تلك الأحزاب بمطالبها، خاصة أن تلك المطالب لا تنسجم مع خطط السوداني في إقامة توازن بين الولايات المتحدة وإيران، حيث إنها تهدد بإمكانية تعكير العلاقة مع واشنطن، والتي أعلنت على لسان سفيرتها في العراق، إلينا رومانوسكي، عدم وجود نية لسحب القوات الأمريكية من العراق.
3- دفع التحقيقات حول اغتيال سليماني: تضغط قوى التنسيقي على حكومة السوداني، لاعتبار سليماني ضيفاً رسمياً على الحكومة العراقية، أثناء زيارته لبغداد، وعلى موعد مع رئيس الوزراء العراقي وقتها، عادل عبدالمهدي، وذلك بهدف دفع حكومة السوداني للمضي قدماً في إنهاء التحقيقات الخاصة بعملية الاغتيال، والمطالبة بمحاسبة الأطراف الخارجية والداخلية التي تسببت في الحادث، بمعنى آخر محاولة توريط الحكومة العراقية في التحقيق بعملية الاغتيال.
وعبّر عن ذلك، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، عندما طالب في 4 يناير 2023، القضاء العراقي، بملاحقة آمري اغتيال سليماني أمام المؤسسات الدولية، باعتبار العراق الدولة المضيفة والبلد الذي وقعت على أراضيه هذه الحادثة.
4- الحفاظ على نفوذها في العراق: تستغل إيران العراق كنافذة لتوفير احتياجاتها من النقد الأجنبي، في ضوء العقوبات المفروضة على النظام المصرفي الإيراني. وقامت طهران، من خلال تعاملاتها السرية، في ديسمبر 2022، بسحب كميات كبيرة من الدينار العراقي، وتحويلها إلى الدولار، ما أدى إلى انخفاض الدينار إلى مستويات قياسية، ورأت واشنطن في تلك التحويلات خرقاً صريحاً للعقوبات الأمريكية. وأشارت بعض المصادر أن تلك التحويلات قد تمت بأمر من السوداني. وهدفت إيران من ذلك إلى وضع العراقيل أمام التقارب بين السوداني الولايات المتحدة، وإفساد الزيارة المرتقبة للسوداني إلى واشنطن.
إجراءات متوازنة:
اتخذت الحكومة العراقية إجراءين لتأمين القوات الأمريكية، والتجاوب الشكلي مع المطالب الإيرانية، وهو ما يمكن تفصيلهما على النحو التالي:
1- تعزيز الإجراءات الأمنية حول المواقع الأمريكية: اتخذت الحكومة العراقية إجراءات أمنية مشددة بمحيط بعض مواقع وجود القوات الأمريكية، وتحديداً في قاعدة عين الأسد غرب الأنبار، وكذلك في محيط معسكر فيكتوريا الذي يضم قوات استشارية أمريكية بجوار مطار بغداد الدولي، علاوة على تشديد الإجراءات في بغداد قرب السفارة الأمريكية والمناطق القريبة من المنطقة الخضراء، تحسباً لأي هجمات مُحتملة قد تتعرض لها هذه المواقع في تلك المناسبة، هذا بالإضافة إلى إعلان بعض المحافظات العراقية بينها العاصمة بغداد، عطلة رسمية لإحياء تلك الذكرى، وذلك لتفادي وقوع أعمال عنف حول المصالح الأمريكية.
2- تحريك الملف القانوني: ندد السوداني، بعملية اغتيال سليماني والمهندس، معتبرة إياها انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية، كما دعا الرئيس العراقي، عبداللطيف رشيد، إلى تحقيق العدالة وملاحقة مرتبكي تلك العملية. وتحاول حكومة السوداني إثبات أنها تختلف عن الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، والتي يتهمها بعض قادة التنسيقي، بأنها لم تكن جادة في التحقيق بشأن ذلك الحادث، في مسعى من جانب السوداني لإرسال رسالة للإطار التنسيقي وطهران يؤكد خلالها على حرصه على محاسبة المتورطين بهذه العملية.
فقد هاجم السوداني، بشدة، في 5 يناير 2023، إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، وذلك أثناء كلمة له ألقيت في المهرجان الرسمي الذي أقامته هيئة الحشد ببغداد في الذكرى السنوية الثالثة لمقتل سليماني والمهندس، كما ذكر رئيس مجلس القضاء، فايق زيدان، بأوامر القبض الصادرة بحق ترمب في مطلع عام 2021، على خلفية أوامر أصدرها لقتل سليماني والمهندس. وأشار إلى أنه لن يتردد باتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يثبت عليه دليل اشتراكه في جريمة اغتيال قادة النصر، في إشارة محتملة للمسؤولين العراقيين، الذين قد يكونوا ساعدوا الولايات المتحدة في تنفيذ هذه العملية.
ويلاحظ أن هذا الموقف الدعائي ليس له قيمة قانونية تذكر، بالنظر إلى أن الرئيس الأمريكي يتمتع بحصانة بموجب القانون الدولي، ولا يمكن محاكمته أمام القضاء العراقي، هذا بالإضافة إلى اعتبارات أخرى أبرزها أن واشنطن لن تسمح لبغداد أو إيران بمحاكمته من الأساس.
محاولات إخراج واشنطن:
تسعى إيران لإخراج القوات الأجنبية من العراق، مع ذكرى حادث اغتيال سليماني والمهندس، وذلك على أساس أن إخراج هذه القوات يمثل رداً على تصفيته، وانتصاراً إقليمياً كبيراً لإيران. ويمكن الوقوف على الفرص والتحديات التي يتضمنها، على النحو التالي:
1- فرص متاحة: قد تدفع عدد من العوامل لإخراج القوات الأمريكية من العراق. وتتمثل في رغبة بعض الفصائل العراقية الموالية لإيران في وضع حد لهذا الملف في أثناء فترة رئاسة السوداني للحكومة العراقية، على أساس أنه محسوب عليها. ويضاعف منذ ذلك رغبة طهران في تحريك هذا الملف من خلال وكلائها في العراق، إذ يمثل وجود القوات الأمريكية في العراق تهديداً لإيران، وانتقاصاً من نفوذها.
2- تحديات وعراقيل: يشهد ملف إخراج القوات الأمريكية من العراق تحديات عدة، منها حرص حكومة السوداني على استمرار حصولها على الدعم الخارجي بشكل عام، والأمريكي علي وجه الخصوص، من أجل إنجاح المشروعات التي تعتزم حكومته القيام بها، وبالتالي فإن الحكومة لا ترغب في فتح هذا الملف، على الأقل، في المدى المتوسط حتى لا تفقد هذا الدعم، وما لذلك من تداعيات مختلفة على الشأن العراقي الداخلي.
ويضاف إلى ذلك، عدم اتفاق القوى السياسية العراقية على ذلك، خاصة القوى الكردية والسنية، بالإضافة إلى فصائل شيعية وازنة، والتي ترى أن بقاء القوات الأمريكية يحجم من تهديدات الوجود الإيراني في العراق. كما يلاحظ أن العديد من قيادات التنسيقي لم تشارك في الذكري الثالثة لحادث الاغتيال باستثناء رئيس الحشد الشعبي، فالح الفياض، وزعيم عصائب لأهل الحق، قيس الخزعلي.
وفي التقدير، يمكن القول إن دعوة إيران لوكلائها في العراق للتصعيد ضد الوجود الأمريكي، يأتي ضمن محاولات إيران الدعائية للتأكيد على أنها لم تتخل عن الانتقام من قتلة سليماني، إلا أن الواقع يُشير إلى صعوبة تحريك هذا الملف، سواء قضائياً بسبب تمتع رؤساء الدول بحصانة دبلوماسية، أو سياسياً، في ضوء سعي حكومة السوداني لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وليس الدخول في صراع، غير منطقي، مع الولايات المتحدة يعرضها لعقوبات أمريكية قد تساهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتؤدي إلى نزول قطاعات شعبية عراقية إلى الشارع، على غرار ما يجري الآن في طهران نفسها.