أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تغير أم مناورة؟

تأثير حلّ "شرطة الأخلاق" على الاحتجاجات في إيران

08 ديسمبر، 2022


أعلن المُدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، في 4 ديسمبر 2022، حلّ "شرطة الأخلاق" المعروفة باسم "دوريات الإرشاد"، والمكلفة بمراقبة التزام النساء بارتداء الحجاب في الشارع الإيراني، وذلك في خطوة بدت وكأنها تراجع من قِبل النظام الإيراني أمام الضغط الشعبي المستمر منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر. كما أكد جعفري أن البرلمان والقضاء يعملان على مراجعة القانون الذي يفرض على النساء وضع غطاء للرأس، وسيعلنان النتائج خلال أسبوعين. وقد طرحت هذه الخطوة من قِبل النظام الإيراني، العديد من التساؤلات حول دوافع إقدامه عليها في هذا التوقيت، وحدود تأثيرها على الاحتجاجات التي تشهدها البلاد.

جدل متزايد:

آثار تفعيل دور "دوريات الإرشاد" من قِبل النظام الإيراني بموجب قانون "الحجاب والعفة" الذي فرضه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في 15 أغسطس 2022، جدلاً واسعاً عقب ظهور عدد من مقاطع الفيديو التي تظهر عنف عناصر دوريات الأخلاق ضد النساء، والتي أدت إلى تدشين حملة "حريتي المخفية" My Stealthy Freedom في الخارج ولاقت صدى واسعاً في الداخل الإيراني. حتى جاءت وفاة الشابة مهسا أميني ليأخذ هذا الجدل منحى آخر أكثر جدية باندلاع تظاهرات عارمة مستمرة حتى الآن. فيما لم يقتصر انتقاد ممارسات "شرطة الأخلاق" القمعية على المتظاهرين فقط، بل امتد إلى نواب البرلمان الإيراني. فعلى سبيل المثال، أكد النائب جلال رشيدي الكوشي، أن "دوريات الإرشاد مخطئة، وأن ممارستها لم تسفر إلا عن خسائر وأضرار لحقت بالوطن".

وعلى الرغم من أن "شرطة الأخلاق" ليست حديثة الإنشاء، بل يرجع وجودها إلى 15 عاماً مضت، وذلك خلال فترة رئاسة الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، فإن ممارسات العناصر المنتمية لها خلال الفترة الماضية كانت الأعنف في تاريخها، متحصنة بقانون "الحجاب والعفة" الذي ظل حبيس الأدراج لعقود، قبل أن يفرضه الرئيس إبراهيم رئيسي تدريجياً، وذلك بتطبيقه داخل مؤسسات الدولة، ثم على عموم النساء في الشوارع والأماكن العامة. وقد تسبب النهج العنيف لـ "شرطة الأخلاق"، وبصفة خاصة بعد انتشار الاحتجاجات في عموم البلاد، في توقيع عقوبات عليها من قِبل العديد من الدول الغربية، وإطلاق عليها لقب "الشرطة سيئة السمعة".

دوافع تكتيكية:

مثلما جاء تفعيل دور "شرطة الأخلاق" بشكل مفاجئ، جاء أيضاً قرار إلغائها، وعلى الرغم من أن هذا القرار قد اتُخذ بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الاحتجاجات في الشارع الإيراني، فإن مجرد اتخاذه من قِبل السلطات الإيرانية يثير التساؤل بشأن الأسباب الكامنة وراء القرار في هذا التوقيت، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها فيما يلي:


1- إتاحة الفرصة للنظام الإيراني للسيطرة على احتجاجات الأقاليم الحدودية: اتخذت الاحتجاجات التي تشهدها الأقاليم الحدودية لإيران منذ أسابيع، منحى مختلفاً عن تلك التي يشهدها المركز، حيث الدعوات الانفصالية، والمطالبة بتحقيقات ومراقبة أممية، لا سيما في إقليم سيستان - بلوشستان، وبصفة خاصة مدينة زهدان، التي طالب فيها أكبر مشايخ السُنة البلوش، عبدالحميد إسماعيل زهي، بإجراء استفتاء عام بشأن مصير الإقليم تحت إشراف أممي محايد، بالإضافة إلي المناطق ذات الأغلبية الكردية، خصوصاً على الحدود العراقية، والتي تسعي إيران إلى عزلها عن امتداداتها داخل إقليم كردستان العراق الذي يشهد عمليات عسكرية إيرانية متتالية ضد مقرات المعارضة الكردية الإيرانية المسلحة التي تستوطن إقليم كردستان العراق منذ عقود.

وفي ظل هذه الأوضاع المتردية في الأقاليم الحدودية بعيداً عن المركز، سعى النظام الإيراني إلى تخفيف وطأة التظاهرات في المركز من خلال تقديم تنازل ربما يكون مرضياً لقطاع من المتظاهرين، لا سيما أولئك الذين يحتجون على ممارسات "شرطة الأخلاق"، وقانون "الحجاب والعفة" بشكل خاص، ولم تتطور مطالبهم إلى تغيير النظام برمته، وهي كتلة قد تكون مؤثرة في حجم التظاهرات وانتشارها، بما يتيح لأجهزة النظام الأمنية الالتفات بشكل أكبر لما يحدث في الأقاليم المشتعلة على الحدود.

2- تشتيت وتقسيم المحتجين في الشارع: بالنظر إلى ما يتسم به النظام الإيراني من صلابة في التعامل مع احتجاجات الرأي العام على سياسته الاقتصادية والاجتماعية عبر تاريخه، وبالنظر أيضاً إلى تجاهله في أغلب الأحوال لمطالب الشارع، والاكتفاء فقط بالتعامل بعنف مع أكثر الاحتجاجات انتشاراً والذي غالباً ما يُؤتي ثمارها، وهو ما لم يحدث مع الاحتجاجات الحالية؛ يشير حلّ النظام الإيراني "شرطة الأخلاق" إلى أنه على الأرجح بصدد اتباع "تكتيك جديد" يهدف في الغالب إلى تشتيت وتقسيم المحتجين، بإلغاء الوحدة الأمنية المتسببة بالأساس في هذه الاحتجاجات، واستماله فئة من المتظاهرين التي لا تزال تعتقد في أولوية استقرار البلاد. إذ يُصدر النظام الإيراني فكرة أن الاضطرابات التي تشهدها البلاد كانت من أهم أسباب الاختراقات الأمنية لتنظيم داعش خلال الفترة الماضية، فضلاً عن الترويج لرواية أن الغرب يسعى إلى زعزعة النظام من خلال إشعال التظاهرات، وتجديد الدعوات الانفصالية لدى الأقليات العرقية والمذهبية في إيران.

3- محاولة كسب الوقت في مواجهة الاحتجاجات: ثمة اتجاه يشير إلى أن النظام الإيراني سعى من خلال حلّ "شرطة الأخلاق"، والإعلان عن مراجعة قانون الحجاب، إلى كسب مزيد من الوقت لترتيب أفكاره بشأن كيفية مواجهة الاحتجاجات غير المسبوقة، لا سيما في ظل الاتجاه السائد بالبلاد منذ إنشاء "شرطة الأخلاق" بتخفيف ظهور دورياتها في الشتاء القارص؛ نظراً لميل النساء إلى ارتداء ملابس يراها النظام ملائمة للقيود التي يفرضها من جانبه على زي المرأة. كما أن النظام الحاكم يسعى للتهدئة، ومن ثم ربما إعادة إنتاج "شرطة أخلاق" بشكل آخر عقب تجاوز الأزمة الحالية، وذلك اعتماداً على صعوبة، وربما استحالة، تخليه عن مظهره ونهجه الديني المميز لطبيعته، وذلك في ظل استمرار وجود مؤسسات الدولة المعنية بالرقابة على النساء، وعلى رأسها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودوريات قوات "الباسيج"، والشرطة، والأمن الداخلي.

4- الإفلات من مأزق الاستفتاء على الدستور: لعل أكثر المطالب صعوبة بالنسبة للسلطة الإيرانية والتي ينادي بها المحتجون، بعد تغيير النظام السياسي في البلاد، وإبعاد الملالي عن السلطة، هو مطلب الاستفتاء على الدستور، الذي يعني ضمناً تغيير النظام الحاكم. وهذا خيار غير مطروح بالطبع في حسابات النظام، إلا أن تصاعد الاحتجاجات واتساعها من حيث الرقعة وكثافة المشاركة فيها مع دعوات الإضراب التي باتت تجد صدى لدى قطاع كبير من فئة البازار (التجار)، تلك الفئة التي كان لها أثر لا يمكن تجاهله في إنجاح الثورة الإيرانية عقب انضمامها إلى المحتجين على حكم الشاه آنذاك؛ أصبح هذا الأمر يمثل ضغطاً على النظام، وهو ما يدركه الأخير إلى حد كبير. ولعل محاولة النظام الإيراني استقطاب وتقريب "البازار" من السلطة دليل على ذلك، بيد أن استمرار مشاركة صغار التجار في الاحتجاجات يمكن أن تشكل تهديداً لمصالح "البازار" بشكل عام، وبالتالي استقرار النظام إذا ما نجحت الاحتجاجات في إرساء حالة من الإضراب العام يمكن أن تصيب البلاد بالشلل التام.

وقد بدا رفض النظام الإيراني لمسألة الاستفتاء على الدستور واضحاً في تصريحات العديد من مسؤوليه، حيث أكد الرئيس إبراهيم رئيسي أنه "لا يمكن المساس بالدستور، خصوصاً بمبدأ الحكومة الإسلامية وأن يكون النظام جمهورياً". كما شدد رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، على أن "المطالب بالتغيير يجب أن تُناقش في ضوء تطبيق الدستور، وليس تغيير الدستور نفسه".

تأثير محدود:

أشار تقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، بتاريخ 4 ديسمبر الحالي 2022، تحت عنوان: "حكومة إيران المهتزة قد تتراجع"، إلى أن قرار حلّ "شرطة الأخلاق" لن يُرضى العديد من الإيرانيين، ولن يكون بديلاً عن مطالب تغيير النظام، بإبعاد الملالي عن الحكم. كما رجح التقرير أن يُحفز التراجع الذي أبداه النظام الإيراني باتخاذه هذا القرار، المتظاهرين على الضغط للحصول على مزيد من التنازلات. وبالتالي فإن حلّ "شرطة الأخلاق"، وإن كان يحمل في طياته غموضاً حول نوايا النظام الإيراني مستقبلاً فيما يخص سياسات التضييق على المرأة، فإنه يعد مكسباً استطاع المتظاهرون تحقيقه، ما سيدفعهم بالضرورة لطلب المزيد.

ويمكن القول إن هذا القرار لم يؤثر، حتى الآن، على كثافة المشاركة في الاحتجاجات وانتشارها في عموم البلاد، لا سيما في ظل انطلاق دعوات للإضراب العام لمدة ثلاث أيام في 5 و6 و7 ديسمبر الجاري، وقد لاقت هذه الدعوات استجابة من قِبل عدد من تجار "البازار"، وانضم إليها عمال في العديد من الصناعات وكذلك طلاب الجامعات. وبحسب مجلس تنسيق احتجاجات عمال النفط في إيران، أضرب 500 عامل بشركة خزانات بتروكيماويات معشور/ ماهشهر بمحافظة خوزستان ذات الأغلبية العربية جنوب غرب إيران، وذلك على الرغم من انقطاع خدمة الإنترنت في المناطق التي تشهد احتجاجات كثيفة، ولجوء المتظاهرين للدعوة إلى الإضراب عن طريق الكتابة على الجدران في الشوارع والميادين.

وفي ظل شيوع حالة من التشكيك وعدم الثقة من قِبل المتظاهرين في نوايا النظام الإيراني، دعا هؤلاء إلى مزيد من الحشد خلال الأيام القادمة، لمواجهة ما وصفه بعض النشطاء بمحاولة النظام الإفلات من الضغوط الدولية الواقعة عليه بسبب الممارسات القمعية لـ "شرطة الأخلاق" قبل وخلال هذه التظاهرات، وذلك في ظل تزايد الإدانات والعقوبات من قِبل الحكومات الغربية بشكل كبير، والتي بادر بها عدد من الدول مثل المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي؛ بسبب قتل المتظاهرين واستمرار قمعهم. كما تأتي تلك الدعوات في ظل تقليل ناشطين حقوقيين من أهمية الإعلان عن تفكيك السلطات الإيرانية لوحدة "شرطة الأخلاق"، وتأكيدهم أنه لا تغيير يمكن توقعه للقواعد الحاكمة للنظام الإيراني المُقيدة بالأساس لزي المرأة وحرياتها.

حاصل القول إن خطوة حلّ "شرطة الأخلاق" من قِبل النظام الإيراني، لا تشير على الأرجح إلى تغير في التوجه المتشدد ذي الطابع الديني للنظام، بقدر ما تشير إلى إدراكه لحجم المأزق الذي يواجهه، وهو ما استلزم من جانبه إبداء بعض المرونة، وربما تقديم تنازلات، والمناورة لكسب مزيد من الوقت للإفلات من الضغوط المتزايدة عليه داخلياً وخارجياً.