في خطوة جديدة على طريق العمل الأمني المشترك، تردد خلال الآونة الأخيرة بشكل غير رسمي أن مصر وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً السعودية والإمارات والكويت، يناقشون فكرة التوصل لاتفاق عسكري ضد المتطرفين، مع احتمال إنشاء قوة مشتركة للتدخل السريع في أنحاء الشرق الأوسط.
وقد نقلت بعض وسائل الإعلام عن مسؤولين مصريين - لم تسمهم - أنه حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق موحد بشأن القوة العسكرية المشتركة، فإن التحالف سوف يعمل على تنسيق الإجراءات العسكرية المتخذة، بهدف تنفيذ عمليات سريعة ومؤثرة ضد المتشددين بدلاً من المهام العسكرية طويلة الأجل.
ويبدو أن ثمة أهدافاً عديدة قد تدعم طرح فكرة إنشاء قوة خليجية – مصرية مشتركة للتدخل السريع، وذلك بدءاً من مواجهة التهديدات المختلفة، لاسيما تهديدات الأمن البحري، في منطقة الخليج، مروراً بالتصدي لتنظيم "داعش" الذي بشكل تهديداً لدول المنطقة خاصة مع تعثر مواجهته في ساحة الحرب بكل من سوريا والعراق، وأيضاً توخي الحذر من اقتراب "الحوثيين" من مضيق باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، فضلاً عن مواجهة التطرف في ليبيا التي أصبحت مسرحاً لصراعات بين ميليشيات متعددة في ظل ضعف سيطرة الدولة على مناطق عديدة في الأراضي الليبية، إضافة إلى مكافحة الإرهاب بصفة عامة في منطقة المغرب العربي.
خلفية التحالفات العسكرية العربية
لا تعد التحالفات العسكرية بين الدول العربية وليدة اللحظة، لكنها قديمة، ونذكر منها في العصر الحديث: تفعيل معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي الموقعة عام 1950، والتي تبعها تشكيل مجلس الدفاع المشترك للجامعة العربية، وكان أبرز تطبيقاته حرب أكتوبر 1973 التي شارك فيها إلى جانب القوات المصرية والسورية قوات وعناصر مقاتلة من 9 دول عربية أخرى. وأعقب ذلك مشاركة ثلاث دول عربية (مصر، وسوريا، والمغرب) بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، في حرب الخليج الثانية عامي 1990/1991، هذا علاوة على الحملة على الإرهاب بمشاركة دول عربية في تحالف دولي يضم 40 دولة في عام 2014.
وخلال السنوات الخمس الماضية، وحتى الوقت الراهن، شهدت المنطقة تشكيل - أو البدء في تشكيل - تحالفات وقوى عسكرية لمواجهة بعض التهديدات التي تحيق بالدول العربية، ومن أبرزها ما يلي:
1 ـ قوة واجب بحرية عربية (القوة العربية البحرية المشتركة لمكافحة القرصنة قُبالة السواحل الصومالية): وذلك مع تزايد أعمال القرصنة منذ أواخر عام 2008 أمام السواحل الصومالية على إثر تزايد أعمال القتال والانفلات الأمني في الصومال، والتي يزيد طول سواحلها البحرية عن أكثر من ألفي كيلو متراً، وتوسيع أنشطتها أمام سواحل دول أخرى، وتزايد التواجد الأجنبي في المنطقة لضمان استمرار الملاحة فيها. فقد صدر (إعلان الرياض) في 29 يونيو 2009 في ختام اجتماعات مشتركة عُقدت في العاصمة السعودية، وتضمن تشكيل قوة بحرية مشتركة لمكافحة أعمال القرصنة قُبالة السواحل الصومالية، والتي تضرب مفاصل الاقتصاد العالمي، وضمت القوة دول مجلس التعاون الخليجي الست، إلى جانب الدول العربية الخمس المطلة على البحر الأحمر، وهي (الأردن واليمن ومصر والسودان وجيبوتي)، للتواجد في منطقة خليج عدن والمحيط الهندي لتأمين خطوط التجارة البحرية وضمان سلامتها.
وتواجدت القوة المشتركة إلى جانب تجمعات ووجود لبحريات متعددة منها (القوة الأوروبية 465 التابعة لحلف الناتو، والقوة 151 الأمريكية)، بخلاف تواجد أجنبي آخر مكثف مثل روسيا والصين والهند واليابان وماليزيا وإيران.
وحدد إعلان الرياض آلية تشكيل هذه القوة، مرجعاً مسألة تحديد "حجم وطبيعة المشاركة" إلى كل دولة، وأوكل الإعلان إلى قيادة "قوة الواجب البحرية" مسؤولية التنسيق مع القوات الدولية الموجودة والقوات التابعة للدول التي تعمل بشكل مستقل في المنطقة لنفس الغرض.
كما تضمن البيان الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي التي اختتمت أعمالها في الكويت في ديسمبر 2009، العديد من القرارات المهمة، أبرزها تشكيل قوة تدخل سريع خليجية، مما عكس رغبة خليجية مشتركة في ترجمة الاتفاقية الدفاعلية على أرض الواقع، بيد أن هذه القضية تطرح عدة تساؤلات من حيث كيفية تشكيل هذه القوة وعدد جنودها ونوعية تسليحها والمهام الملقاة على عاتقها.
وكان إعادة طرح تلك الفكرة في مثل هذا التوقيت (عام 2009) في ظل ما تواجهه دول مجلس التعاون من أخطار، بعضها داخلي تمثل في التهديدات التي شكلها الاعتداء من "الحوثيين" على الحدود مع السعودية، وبعضها خارجي تمثل في تنامي القوة العسكرية الإيرانية وتصاعد احتمالات الحرب الأمريكية – الإسرائيلية ضد طهران في ذلك التوقيت لتدمير برنامجها النووي.
2 ـ مجموعة الأمن البحري 81 (في إشارة إلى تاريخ إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981): انتقلت دول الخليج من مرحلة إدراك المخاطر إلى إيجاد الآليات لمواجهة هذه المخاطر والتعامل معها، خاصةً في ظل انهيارات أمنية إقليمية في الفترة الراهنة وتحديداً في اليمن والعراق، كما أن الجانب الأفريقي المطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب بدأت تتنامى فيه الجماعات المتطرفة التي قد تعبر إلى الجزيرة العربية؛ مما يتطلب تشكيل قوة بحرية للتصدي لمثل هذه المخاطر في المستقبل.
وبالفعل كشف مستشار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الكويتي اللواء أحمد يوسف الملا، خلال شهر أكتوبر 2014، عن سعي دول مجلس التعاون الخليجي لاعتماد وإشهار قوة بحرية خليجية مشتركة لحماية الأمن البحري الخليجي، تحت مسمى (مجموعة الأمن البحري 81)، وهذه القوة ستكون على غرار "قوة درع الجزيرة".
وتعد خطوة تشكيل قوة بحرية خليجية مشتركة لحماية الأمن البحري الخليجي، بمثابة رسالة لإيران بأنها لن تكون اللاعب الوحيد في الخليج، وإيماناً من دول الخليج بضرورة وجود قوة بحرية خليجية، وعدم الاعتماد فقط على القوى البحرية للدول الصديقة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استنتاج أن القوة الخليجية المشتركة سيكون لها عدداً من المهام، من بينها: (صد أي أخطار أو تهديدات بحرية محتملة، ومراقبة السواحل والحدود، وتأمين الممرات الملاحية، لاسيما مضيق هرمز، والمراقبة والاستطلاع وتبادل المعلومات، ومواجهة الأعمال الإرهابية، وضمان سير الملاحة في الخليج).
وأشاد الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي باعتزام دول مجلس التعاون الخليجي تشكيل قوة بحرية مشتركة للدفاع عن مياهها الإقليمية، معتبراً أنها خطوة مهمة وإيجابية تصب في اتجاه المطالبة بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك.
وقد جاءت تلك الخطوة بعد نحو 18 شهراً من وضع حجر الأساس لمركز التنسيق البحري المشترك بين دول الخليج للأمن البحري، في البحرين يوم 12 أبريل 2013، لصد التحديات والتهديدات التي تواجه حركة الملاحة في المنطقة. ويهدف هذا المركز إلى التبادل المستمر لمجابهة المخاطر مثل عمليات القرصنة البحرية، والسطو المسلح، والتهريب، والهجرة غير المشروعة، والعمليات التي من شأنها إعاقة طرق الملاحة الدولية، والتلوث البحري، وعمليات البحث والإنقاذ، وغيرها.
3- الإنتربول الخليجي: قرر وزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي في 7 مايو الماضي، إنشاء شرطة خليجية مقرها أبوظبي، بهدف تعزيز العمل الأمني المشترك، وتحقيق الأهداف التي تسعى إليها دول المجلس لحماية الأمن والاستقرار، وصيانة للمكتسبات والإنجازات التي تحققت من مكافحة الجرائم وملاحقة المجرمين وحماية المجتمعات الخليجية.
دوافع تشكيل قوة خليجية - مصرية مشتركة
في 5 نوفمبر الجاري، نشرت جريدة الشرق الأوسط أنباء عن محادثات مصرية مع السعودية والإمارات والكويت، لتشكيل تحالف عسكري ضد الإرهاب، والعمل على تحقيق التوزان الإقليمي، وهو مكا يشير إلى أن هناك عدة عوامل تشهدها المنطقة العربية تستلزم تشكيل هذه القوة العسكرية المشتركة في الوقت الحالي، ومنها:
1- تعثر مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، والتي كان محدد نهايتها في 24 نوفمبر 2014، حيث تم التمديد لفترة أخرى تنتهي مطلع يونيو 2015 لإيجاد متسع من المباحثات بين إيران ومجموعة (5+1) وسط تشكك لنوايا إيران من برنامجها.
2- ما نُشر في وسائل الإعلام خلال شهر نوفمبر 2014 أثناء اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الدوحة أن القمة الخليجية المرتقبة المقرر عقدها في ديسمبر من العام الجاري ستشهد الإعلان عن إنشاء القيادة العسكرية الخليجية الموحدة وسيكون مقرها العام في السعودية، طبقاً لقرار القمة الماضية في الكويت بإنشاء هذه القيادة الموحدة، وذلك في إطار استكمال الخطوات والجهود الهادفة إلى تعزيز أمن واستقرار دول المجلس، وبناء منظومة دفاعية مشتركة لتحقيق الأمن الجماعي.
3- بيان خادم الحرمين الشريفين في 19 نوفمبر 2014 بمقتضى اتفاق الرياض التكميلي عقب القمة المصغرة التي عقدت في الرياض في نفس الشهر، للم الشمل العربي، ورد مصر الإيجابي على المصالحة، ومطالبة الأمير متعب بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني بأن تسير المصالحة بين مصر وقطر بسرعة لوضع إطار شامل لوحدة الصف والتوافق بين الأشقاء العرب لمواجهة التحديات التي تهدد الأمة العربية والإسلامية، وهو ما يرجح وجود مباحثات خلف الكواليس لمواجهة مخاطر تهدد عدداً من الدول العربية.
4- الانفلات الأمني الخطير الذي تمر به كل من اليمن وليبيا، وما قد تشكله الأوضاع خاصةً في اليمن على دول الخليج العربي، واحتمال وصول التهديدات إلى باب المندب محور الملاحة البحرية العالمية ومخاطره على الملاحة في قناة السويس، وأيضاً ما يدور في ليبيا وسيطرة الميليشيات المسلحة على مساحات واسعة منها، وما يمثله ذلك من تهديد لمصر ودول المغرب العربي (تونس والجزائر).
5- انتشار جماعات الإرهاب في العديد من المناطق العربية تحت مسميات مختلفة، مما دعا إلى تشكيل تحالفات إقليمية ودولية لمواجهتها، وهو ما قد يعرض المنطقة لتدخلات خارجية.
6- الأوضاع العربية السيئة، والتي لم تشهدها المنطقة منذ تشكيل جامعة الدول العربية عام 1945، إذ إن عدداً كبيراً من البلدان العربية بدلاً من أن تكون داعمة للعمل العربي، أصبحت حالياً عبئاً على باقي الدول العربية، وتحتاج أي مساعدة تأخذ بيدها لتخلصها من مشكلاتها.
7- الرغبة المصرية في استعادة مكاناتها اللائقة في المنطقة، وسعيها للنهضة العربية، عقب الحراك الاجتماعي الذي شهدته عدة دول عربية خلال الأربع سنوات الماضية.
مقترحات لتشكيل القوة الخليجية – المصرية المحتملة
ثمة مقترحات في حالة إنشاء قوة العسكرية الخليجية – المصرية المشتركة، وهي:
1- حالة تشكيل قوة دائمة:
أ) ضرورة الاتفاق على حجم وتمويل القوة، وكذلك نسبة مساهمة كل دولة في تشكيلها ودعمها مالياً.
ب) مناطق تمركز هذه القوات، والقيادة التي تتبع لها هذه القوة المشتركة، حيث إنها قد تخضع لقيادة القوات المسلحة المتواجدة على أرضها، خاصة أن ذلك يدخل في نطاق السيادة لهذه الدول.
ج) ضرورة تعديل ميثاق جامعة الدول العربية في المستقبل في حالة تبعية هذه القوات للجامعة العربية، مع أهمية إضافة دعم دولي أو أممي لتشكيل هذه القوة في إطار حفظ الأمن والسلم العالمي. وللقارة الأفريقية سابقة في ذلك حينما تم تشكيل قوة عسكرية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) في عام 2014 لمواجهة جماعة "بوكو حرام" الإرهابية في نيجيريا.
د) تخصيص الميزانيات اللازمة للإنفاق على هذه القوات ولإعداد مسارح العمليات المنتظرة، وإجراءات أخرى متعددة من أجل توحيد نظم التسلح والتدريب في المستقبل، مع استمرار حشد هذه القوات.
2- حالة تشكيل قوة خاصة طبقاً لمهام مختلفة:
في هذه الحالة يمكن أن يكون تشكيل هذه القوة طبقاً للمهام التي ستكلف بها مثل حفظ الأمن والاستقرار في دولة معينة مثلما حدث مع مملكة البحرين عام 2011، أو دعم دفاعات دولة ما تجاه تهديدات خارجية مثما حدث مع تهديدات دول الخليج عام 1990، وهكذا يكون تشكيل القوة متغيراً حسب المهام المنوطة بها.