زخر عام 2014 بالعديد من الأحداث على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لدول الخليج العربي، منها ما كان متعلقاً بالتفاعلات البينية بين هذه المجموعة المتمايزة من الدول، ومنها ما يخص شبكة علاقاتها بالدوائر المحيطة لها على المستويين الإقليمي والعالمي.
ويمكن للمتابعة الفاحصة لتوجهات السياسة الخارجية لدول الخليج العربي خلال هذا العام أن تلحظ تحركاً ممنهجاً باتجاه اتخاذ خطوات تقاربية مع الدول الإسلامية في منطقة آسيا الوسطى، وهي كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزيا وتركمانستان وأوزبكستان، إلى جانب أذربيجان التي تقع في القوقاز غرب بحر قزوين. هذه الخطوات، وإن كانت وليدة، إلا أنها اتسمت بالاستمرارية والتراكم، على نحو يجدر معه التوقف أمامها بغرض التعرف على الأسباب التي دفعت نحو هذا التوجه من قبل دول الخليج تجاه آسيا الوسطى، والآليات التي يتم اتباعها في هذا السياق.
أولاً: أسباب الاهتمام الخليجي بدول أسيا الوسطى
ترجح التقديرات المختلفة أن هناك العديد من القواسم أو المصالح المشتركة بين الجانبين كانت سبباً وراء توجه العواصم الخليجية للتقارب مع دول وسط آسيا، لعل منها:
1 ـ توافق مصالح الطرفين في ضرورة مكافحة الإرهاب:
إذ تشير معطيات الواقع إلى تزايد مخاوف دول آسيا الوسطى مؤخراً بشأن صعود الإسلاميين في بلدانهم. لاسيما مع خطط انسحاب القوات الغربية من أفغانستان، والمقرر لها نهاية العام الجاري، وإقامة علاقات هي الأقوى من نوعها بين تنظيم "داعش" وحركة طالبان، وهو ما قد يقود إلى تنفيذ هجمات في الدول المجاورة مثل طاجكستان وأوزبكستان، أو تركمانستان التي دفعتها مخاوفها في هذا السياق إلى محاولة إقامة نظام تحكم وضبط فعال على الحدود، في وقت يراقب فيه جهاز الأمن الداخلي بكازاخستان تنامي التيارات الإسلامية.
تجدر الإشارة إلى أن "الحركة الإسلامية الأوزبكية" سعت خلال السنوات العديدة الماضية إلى إنشاء الدولة الإسلامية في وادي فرغانة بآسيا الوسطى، وتدمير استقرار بلدان آسيا الوسطى، خاصة أوزبكستان. ولذلك، فهناك تخوف من أن أي تدهور في الوضع الأمني في أفغانستان بعد عام 2015، قد يكون إيذاناً بدخول "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" و"الحركة الإسلامية الأوزبكية" إلى أوزبكستان عبر شمال أفغانستان وطاجيكستان، من أجل تحقيق الالتحام الجغرافي مع المتطرفين على شاطئ وادي فرغانة؛ مما يعني أن دول آسيا الوسطى، خاصة أوزباكستان ستواجه تحديات أمنية خطيرة سوف تنعكس بالتأكيد على دول الخليج التي من مصلحتها في هذا السياق أن تتمكن دول آسيا الوسطى من السيطرة على هذه التهديدات الأمنية.
ويربط المراقبون ذلك بحاجة دول آسيا الوسطى ودول الخليج إلى التعاون والتبادل الثقافي لإزالة الصورة النمطية عن المسلمين ومواجهة الإسلاموفيا التي يعاني منها المسلمون على مستوى العالم. ولعل هذا التوافق هو ما يدفع إلى القول بأن إدراج المنظمات الإرهابية الشهيرة في جنوب ووسط آسيا على قائمة دولة الإمارات للتنظيمات الارهابية التي تم إصدارها في شهر نوفمبر الماضي، يعد ضربة قوية لمنظمة"حركة تركستان الشرقية الإسلامية، لاسيما وأن هناك العديد من أوجه التشابه بين "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" والحركة الإسلامية الأوزبكية، كما أن الحركة الإسلامية الأوزبكية تدعم حركة تركستان الشرقية الإسلامية من خلال التنقل عبر الحدود وتقديم المنح المالية.
2 ـ موازنة نفوذ القوى الإقليمية:
تعد منطقة وسط آسيا مسرحاً للتنافس بين القوى الإقليمية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما لكل من تركيا وإيران، فكلتا الدولتان ترى أنها باتت القوة الطبيعية المرشحة للعب دور قيادي في منطقة آسيا الوسطى.
وتركز إيران في هذا المجال على حزمة من السياسات المتمثلة في تقديم الائتمان لتنشيط التجارة مع تلك الدول، كما عمدت طهران إلى الاعتماد على حزمة من السياسات التي صممت ليس فقط لتطوير وجودها الاقتصادي في آسيا الوسطى، ولكن أيضاً لحرمان منافسيها من أي فرص للنجاح في المنطقة، وذلك من خلال بناء شبكة مواصلات برية بين إيران وآسيا الوسطى، بحيث يمر التعامل التجاري مع المنطقة بالضرورة عبر البوابة الإيرانية.
أما تركيا، فتقدم نفسها لدول آسيا الوسطى على أنها الدولة المصدرة للأمن والاستقرار. لاسيما مع تنشيط “منتدى الاستقرار والتعاون في القوقاز" الذي تم تدشينه في أعقاب الاشتباك المسلح الذي نشب عام 2008، بين روسيا وجورجيا على خلفية أزمة أوسيتيا الجنوبية.
وتطمح تركيا، فضلا عن ذلك، إلى تنفيذ فكرة ربط بحر قزوين بالخليج من خلال إنشاء خط يربط تركمانستان وإيران وتركيا، وهو طموح إن تحقق، فإن من شأنه أن تكون له تأثيرات عميقة على المستوى الجيوسياسي في المشرق بأكمله.
كذلك لا يمكن إغفال إسرائيل التي حققت تغلغلاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً في العديد من دول آسيا الوسطى منذ تسعينيات القرن الماضي، ووضعت أساساً قوياً لقيام تعاون أمني واسع النطاق.
3 ـ المتغيرات الاقتصادية:
إذ تتجه غالبية دول الخليج العربية، لاسيما السعودية، نحو ترشيد الطاقة والبحث عن بدائل وتغيير استراتيجياتها التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، كما تحاول تقليص استهلاك المياه عبر خفض إنتاج المحاصيل الزراعية خصوصاً الحبوب التي تستنزف مخزونات المياه الشحيحة. وقد وضعت المملكة في خططها في الآونة الأخيرة استكشاف دول آسيا الوسطى وأذربيجان التي تشكل فيها الزراعة نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع المراقبون أن تركز دول الخليج على الموارد الزراعية لسد العجز عبر الاستثمار في تلك الدول التي تتمتع أيضاً بموارد غير زراعية يمكن الاستثمار فيها مثل اليورانيوم والزنك والفضة والرصاص والكروم والنحاس.
ثانياً: آليات الاقتراب الخليجي من آسيا الوسطى
تبنت دول الخليج خلال عام 2014 تحركات سياسية خارجية باتجاه دول أسيا الوسطى، معتمدة على عدد من الآليات، لعل من أبرزها:
1 ـ مأسسة التعاون الجماعي من خلال الأطر التنظيمية المعنية:
إذ يمكن في هذا الصدد ملاحظة اقتراب دول الخليج من آسيا الوسطى عبر اثنتين من المنظمات الاقليمية ذات الصلة، هما:
أ. منظمة المؤتمر الاسلامي، فهناك توافق على أن تكون المنظمة منصة تلتقي عليها دول آسيا الوسطى مع الدول الإسلامية بصفة عامة، والدول الخليجية بصفة خاصة، لتعريف المصالح المشتركة، لاسيما أن المنظمة تتبنى برنامجاً للتعاون الاقتصادي بين مجموعة دول آسيا الوسطى وبين منظمة التعاون الإسلامي، يعرف الاحتياجات ويبلور مشاريع محددة من شأنها أن تربط دول الإقليم وجيرانه بشبكة من الطرق البرية والحديدية، إضافة إلى تعزيز التقارب والتعاون في شتى المجالات.
وفي السياق ذاته، تجدر الإشارة إلى أن المنظمة تتبنى الفكرة التي بادرت بها كازاخستان لإنشاء منظمة للأمن الغذائي تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي بهدف تحقيق تكامل الإنتاج الزراعي بين الدول وسد الثغرات، وتفادي حدوث نقص أي إمداد غذائي لأي سلعة غذائية أساسية. كما أعلنت منظمة التعاون الإسلامي أن مدينة "ألما آتا"، المدينة الكبرى في كازاخستان، ستكون عاصمة الثقافة الإسلامية لعام ٢٠١٥.
ب ـ جامعة الدول العربية، يبدو أن دور الجامعة في هذا السياق قد تبلور من خلال اجتماع الغرف والاتحادات العربية ومثيلاتها بدول آسيا الوسطى وجمهورية أذربيجان، علاوة على رجال الاعمال والمستثمرين من الطرفين، وهو الاجتماع الذي عقد بمدينة الرياض يومي 28-29 أبريل 2014.
كما تم إطلاق منتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان، في دورته الأولى في 11 مايو 2014، والذي أسفر عن توافق المشاركين على تشجيع الاستثمارات المتبادلة، وخلق مناخ مناسب لجذب رجال الأعمال والمستثمرين من الجانبين، ودراسة العوائق التي تواجههم وسبل إزالتها، وإبرام اتفاقيات ثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار وتفادي الازدواج الضريبي. هذا إلى جانب تطوير قطاعات النقل البري والبحري والجوي والسكك الحديدية بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ودول آسيا الوسطى وجمهورية أذربيجان، والتوافق على تنسيق المواقف في المحافل الاقتصادية والتجارية، والتعاون مع الأطراف الدولية الأخرى بهدف الإسهام في عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية على المستوى الدولي بما يخدم مصالحهم.
وتم الاتفاق أيضاً على تبني أنشطة متعددة تعكس دور الدول العربية ودول آسيا الوسطى وجمهورية أذربيجان في الثقافة العربية الإسلامية، ودعوا إلى العمل على المحافظة على الإرث الحضاري والتعاون على تطوير البرامج في مجالات الثقافة والترجمة والمؤسسات التعليمية، من خلال إقامة المعارض الثقافية المشتركة، والمهرجانات الفنية، ومعارض الكتب، وتشجيع إقامة الروابط بين مراكز البحوث والدراسات والمراكز العلمية، وتبادل الطلاب والمنح الدراسية.
2 ـ تفعيل مسار العلاقات الثنائية بالتركيز على الأبعاد الاقتصادية:
يعد التعاون الاقتصادي أحد المداخل المهمة التي تلعب دور القاسم المشترك في العلاقات بين الدول، سواء خلال الأزمات أو لدعم برامج التنمية. في هذا السياق يبدو أن هناك توجهاً من دول الخليج لدعم التعاون الاقتصادي على أساس ثنائي مع كل من دول آسيا الوسطى، بما يحقق مصالح كل الدول المعنية.
وهناك العديد من الأحداث التي تبرز هذا التوجه في الآونة الأخيرة، ففي شهر نوفمبر الماضي، عقدت اللجنة السعودية ـ الكازاخستانية المشتركة اجتماعات الدورة الرابعة على المستوى الوزاري في الرياض، وجرى خلال الاجتماعات الاتفاق على زيادة التبادل التجاري والاستثمار في قطاعات الصناعة والتعدين والزراعة والبيئة وتوسيع وحماية التكنولوجيات والتنمية المستدامة والاتصالات السلكية واللاسلكية وتكنولوجيا المعلومات والسياحة والإسكان والبنية التحتية، وتبادل المعلومات التفصيلية عن الفرص الاستثمارية والمشاريع القائمة من خلال وكالة كازاخستان الوطنية للتصدير والاستثمار والهيئة العامة للاستثمار بالمملكة، وتنظيم فعاليات تهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمار وتبادل الخبرات في التجارة والاستثمار، واستكمال المفاوضات حول اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات بين حكومة المملكة وحكومة كازاخستان.
من ناحية ثانية، يمكن القول إن التوجه نحو الاقتصاد الإسلامي أو الصيرفة الإسلامية يشكل قاعدة مهمة للتقارب الخليجي- الآسيوي في هذا السياق، لاسيما وأن التوقعات تشير إلى أن قطاع التمويل الإسلامي سيتضاعف لتصل قيمته إلى 3.4 تريليون دولار في السنوات الخمس المقبلة.
وتعد دولة الإمارات من أبرز الفواعل في هذا الصدد، حيث تسعى دبي لأن تكون عاصمة للاقتصاد الإسلامي على صعيد المنطقة والعالم، ومن ثم عقدت فعاليات الدورة العاشرة للمنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي خلال الفترة من 28 وحتى 30 أكتوبر الماضي. وتتبدى أهمية هذا التوجه في ضوء ما تؤكده التقارير المعنية من وجود اتجاه قوي داخل أغلب دول منطقة آسيا الوسطى للتوسع في استخدام وتطبيق أدوات الاقتصاد الإسلامي. وعلاوة على ذلك شهد العام الجاري العديد من الزيارات المتبادلة بين العديد من المسؤولين في دولة الإمارات وبين العديد من القيادات في دول آسيا الوسطى، كان آخرها زيارة رئيس جمهورية قيرغيزستان "ألمازبيك أتامباييف" للإمارات في مطلع شهر ديسمبر الجاري.
وفي هذا السياق يبرز دور دولة قطر في المجال ذاته، وهذا ما تأكد مع ما شهده عام 1014 من إرسال وفود قطرية إلى دول آسيا الوسطى للبحث في إمكانية بدء الإجراءات الفعلية لافتتاح فروع للمصارف والبنوك الإسلامية، وذلك بهدف سد الحاجة والطلب المتزايد على الصيرفة الإسلامية وتلبية احتياجات العديد من المستثمرين والأفراد في تلك المناطق.
أما البحرين فيأتي تحركها في هذا السياق من خلال بعض الكيانات المصرفية ذات الطابع الإسلامي مثل "مجموعة البركة"، والتي يتوقع أن تدلف إلى أسواق دول آسيا الوسطى عبر فروعها في تركيا، لأن تلك الأسواق تشترك في الكثير من الخصائص مع تركيا لجهة الإرث واللغة والعلاقات القوية.
ثالثاً: نحو مزيد من تفعيل العلاقات الخليجية مع دول وسط آسيا
تشير معادلات القوى السياسية والاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط إلى أن التقارب بين دول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى، يخلق واقعاً أكثر توازناً، لاسيما أنه سيدعم فرص موازنة قوة اللاعبين الإقليميين الصاعدين مثل إيران وتركيا. كما أن مثل هذا التعاون سيدعم من جهود دول المنطقة والمجتمع الدولي بصفة عامة للحد من ومكافحة الإرهاب، في ضوء تشابك العلاقات بين التنظيمات المتطرفة العابرة للحدود في تلك المنطقة.
ويمكن في هذا الصدد أن تتطور العلاقات الخليجية المضطردة مع دول آسيا بشكل أكثر فاعلية، بما يحقق مصالح مختلف الأطراف، عبر بعض الآليات التكميلية التي تسهم في مزيد من الفهم المتبادل، ومنها:
ـ إجراء حوار استراتيجي بين منطقتي الخليج ووسط آسيا للبحث عن أفضل الطرق لتعميق العلاقات بين المنطقتين. ويقترح أن تتم مأسسة مثل هذا الحوار عبر التحرك تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ـ استحداث مراكز بحوث متخصصة لتوجيه الأنظار إلى هذه المنطقة، وإجراء دراسات أكاديمية لبلاد آسيا الوسطى، لأن ذلك سيعطي لصناع القرار في دول الخليج المعلومات اللازمة للتحرك على كافة المستويات.
ـ تعزيز العلاقات الثقافية من خلال تكثيف التعاون بين مراكز الأبحاث وبين الجامعات وتبادل زيارات الطلاب والوفود والأساتذة الجامعيين بين دول المنطقتين.