استبقت المملكة العربية السعودية القمة العربية السادسة والعشرين التي اختتمت أعمالها يوم 30 مارس الجاري في مدينة شرم الشيخ المصرية، وقامت بتشكيل تحالف عسكري يضم إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء عُمَان) عدداً من الدول العربية الأخرى هي (مصر، والأردن، والمغرب، والسودان)، بالإضافة إلى دولة غير عربية هي باكستان، حيث استهدف التحالف القيام بعملية "عاصفة الحزم" ضد الانقلاب الحوثي في اليمن.
كثيرون يعتبرون هذه العملية العسكرية مفتاحاً رئيسياً لإعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة، وأنها أحيت من جديد مقترح "إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة"، والذي سبق أن طرحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كونها مثلت اختباراً حقيقياً للتدخل بقوة في مناطق ملتهبة إقليمياً. وبالفعل تضمن البيان الختامي للقمة العربية بنداً ينص على تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات وصيانة الأمن القومي العربي.
وفي المقابل، ثمة اتجاه آخر يرى أن التحالف المشكل لعملية عاصفة الحزم ليس مقياساً لمشروع عربي مشترك مستقبلي، في ظل وجود تحديات وعقبات جمة سيتعين على الدول الأعضاء في الجامعة العربية التغلب عليها أولاً قبل أن تخرج فكرة "القوة العسكرية الموحدة" إلى أرض الواقع.
الأزمة اليمنية.. إعادة رسم خريطة التحالفات
دشنت الدول العربية تحالفاً عسكرياً جديداً في الأزمة اليمنية الراهنة، من أجل مجابهة التهديدات التى تواجه المنطقة، والقضاء على انقلاب ميليشيا "الحوثيين" ضد الرئيس عبدربه منصور هادي. ويأتي هذا التحالف بعد عدد من المحطات المهمة فى تاريخ التحالفات العسكرية العربية، التي تعددت أهدافها بدايةً من محاولات استعادة الأراضى العربية المحتلة من قبل القوات الإسرائيلية (حرب أكتوبر 1973)، أو للدفاع عن دولة عربية تعرضت للاعتداء (حرب الخليج وتحرير الكويت في بداية تسعينيات القرن الماضي).
بيد أن تحالف "عاصفة الحزم" يختلف عن سابقيه، كونه يأتي في ظروف إقليمية متغيرة ومختلفة تماماً عن فترات تاريخية سابقة، إذ شهدت السنوات الأخيرة تصدعاً في عدد من الدول العربية (سوريا، واليمن، وليبيا، وقبلهم العراق)، فضلاً عن انقسامات وخلافات عربية – عربية في أعقاب الثورات العربية، على نحو ظهرت معه عدة تحالفات في المنطقة، منها تحالف خليجي (سعودي، إماراتي، كويتي، وبحريني) مع كل من مصر والأردن، وهو ما عُرف اختصاراً بتحالف (4+2)، وتحالف ثان (قطري – تركي) داعم لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة، بالإضافة إلى ظهور بوادر تحالف جديد (سعودي – تركي) بعد تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز السلطة في المملكة، مع محاولات ضم مصر إلى هذا التحالف الوليد.
وفي اتجاه معاكس، ثمة تحالف رابع مناهض لكافة تلك الدول والتحالفات السابقة، ويضم كل من (إيران، وسوريا، وحزب الله، والحوثيين)، وهو بمثابة محور شيعي تقوده طهران لبسط نفوذها في الإقليم.
في ضوء هذه الخريطة المتشابكة من التحالفات الإقليمية، جاءت "عاصفة الحزم" لتشكل دمجاً – ولو مؤقتاً – لعدد من التحالفات "القطاعية" بالمنطقة، إذ إن التحالف العسكري الموجه ضد الحوثيين باليمن وداعميهم إيران، يضم دول (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين، مصر، الأردن) بالإضافة إلى دول جديدة (المغرب، السودان، وباكستان)، مع تأييد تركي وأمريكي لهذه العملية.
وتعكس هذه التحولات سمة التغير والمرونة التي أضحت نمطاً سائداً لتحالفات الإقليم، ليس من حيث الأطراف المشاركة في هذه التحالفات فحسب، وإنما من حيث مدتها الزمنية (تفتقد لعنصر الديمومة والاستمرارية لفترات زمنية طويلة).
في المقابل، رفضت دول عربية أخرى الانضمام لهذا التحالف، بل وعارضت التدخل العسكري في اليمن، ومن أبرزها (العراق، وسوريا، والجزائر). فموقف بغداد ودمشق كان متوقعاً بسبب علاقاتهما الاستراتيجية والعسكرية والسياسية التي تربطهما بطهران، مما يدفع الدولتان للدفاع عن الحوثيين الذين يمثلون الشيعة والمنفذين للأهداف الإيرانية في اليمن.
أما غير المفهوم فهو موقف الجزائر، رغم أنها واحدة من الدول التي طالتها يد الإرهاب في العقود الماضية، وقد تكون علاقتها الجيدة مع إيران أيضاً سبب لرفضها الانضمام إلى التحالف العسكري العربي ضد الحوثيين. كما لا يخفى أن الجزائر تبنت موقفاً متشابهاً من مصر عندما وجهت الأخيرة ضربات جوية ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في ليبيا؛ وهو ما قد يعكس من جانب آخر أن الجبهة الداخلية في الجزائر لا تتقبل في هذا التوقيت الانضمام إلى أو التأييد المطلق لأي تدخلات عسكرية حتى لو كانت تتكون من تحالفات عربية.
عاصفة الحزم.. الأهداف والتداعيات الإقليمية
تشير تطورات الأحداث في اليمن إلى أن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية حالياً ضد الحوثيين يعتبر بمثابة سيناريو بديل كان مُعد سلفاً حال فشل المفاضات السياسية بين القوى والتيارات اليمنية. فقد سبق أن انطلقت دعوات خليجية من الرياض تحث على سرعة انعقاد الحوار اليمني تحت مظلة دول مجلس التعاون بحضور كافة الأطراف السياسية اليمنية الراغبة في المحافظة على أمن اليمن واستقراره، غير أن الحوثيين رفضوا دعوة الرياض، ومن بعدها رفضوا كذلك دعوات المبعوث الأممي "جمال بنعمر" للذهاب إلى الدوحة. وهذا ربما ما اعتبرته دول الخليج نهاية المطاف للحلول السياسية، فضلاً عن قيام ميليشيا "عبدالملك الحوثي" بخطوات عسكرية أكبر مثل قصف عدن، والتي كانت الشرارة التي أذنت ببدء تفعيل سيناريو التدخل العسكري لأن الحوثيين تخطوا كافة الخطوط الحمراء بهذه الخطوة.
وثمة أهداف عديدة تسعى عملية عاصفة الحزم إلى تحقيقها بشكل عام، وأولها دعم شرعية الرئيس هادي وإنقاذ اليمن من الفوضى التي تتزايد يومياً بعد انقلاب الحوثيين، وثانيها قصقصة أجنحة الحوثيين وتجريدهم من الإمكانيات والأسلحة والمواقع المهمة التي تحصلوا عليها، وإجبارهم على التراجع.
ويتعلق ثالث الأهدف بالحد من النفوذ الإيراني في المنطقة ومنع سيطرة إيران الكاملة على اليمن، بعد توغلها بشكل كبير في كل من (العراق، وسوريا، ولبنان) في إطار حرب الوكالة التي تمارسها عن طريق حلفائها في هذه الدول.
أما رابع الأهداف فهو تأمين هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة في مضيق باب المندب وضمان عدم تأثيرها على إمدادات النفط الخليجية للغرب، وكذلك حركة الملاحة في قناة السويس.
وعلى صعيد التداعيات المتوقعة لعاصفة الحزم، فمن المرجح أن يؤدي هذا التحالف العسكري إلى إعادة تصحيح التوازنات التي اختلت في المنطقة لصالح إيران، وتكريس الدور السعودي كقوة إقليمية قادرة على الرد على هذا النفوذ والتوغل الإيراني. ولكن من ناحية أخرى، ثمة مخاوف من رد الفعل الإيراني من خلال قيام طهران بزيادة حدة الموجة الطائفية في العراق، وتكثيف الدعم لنظام "الأسد" منعاً لتكرار سيناريو اليمن في سوريا.
احتمالات تشكيل القوة العربية المشتركة
تزامناً مع التطورات الراهنة في اليمن، وافقت القمة العربية في شرم الشيخ على تشكيل قوة عسكرية مشتركة تضطلع بمهام التدخل السريع، وما تُكلَف به من مهام أخرى لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية، وتشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي بما فيها تهديدات التنظيمات الإرهابية، بناءً على طلب من الدولة المعنية، على أن يكون المشاركة في هذه القوة اختيارياً.
وهذا يعني، أن تكون جامعة الدول العربية هي الإطار القانوني لتأسيس القوة المقترحة، بناءً على اتفاقية الدفاع العربي المشترك، والتي تقضي بتأليف لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة، لتنظيم خطط الدفاع المشترك.
لذلك كلف القادة العرب في اجتماعهم الأخير الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بالتنسيق مع رئاسة القمة بدعوة فريق رفيع المستوى تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة في الدول الأعضاء، للاجتماع خلال شهر من صدور القرار للبحث في تشكيل القوة المشتركة، ودراسة كل جوانب الموضوع واقتراح الإجراءات التنفيذية وآليات العمل والموازنة المطلوبة، وعرض نتائج أعمالها في غضون ثلاثة أشهر في اجتماع خاص لمجلس الدفاع العربي المشترك لإقراره.
وطبقاً للقرار الصادر، فإن القوة العسكرية المقترحة سيكون منوط بها التدخل السريع، دون الإشارة إلى شمول مهامها إرسال حملات عسكرية طويلة الأمد. وتشير التقديرات إلى أنه سيتم توزيع الأدوار على الدول العربية المشاركة في تلك القوات، بحيث تعتمد على مشاركة عسكرية من الدول التي تمتلك جيوشاً ومعدات، بينما ستتلقى دعماً لوجيستياً من الدول الأخرى.
وبالتالي، فالاحتمال الأكبر أن يقود هذه القوة العسكرية دولة مثل مصر أو السعودية، أي سيكون مركزها في القاهرة أو الرياض، نظراً لما تمتلكه الدولتان من تكنولوجيا وخبرة العسكرية، وأن تتحمل هي توفير القدر الأكبر من القوات، بالإضافة إلى الخبراء العسكريين والمدربين والقادة الميدانيين.
وإذا كانت الأوضاع المتفجرة في اليمن وتهديداتها لأمن الخليج وباقي الدول العربية في باب المندب، تعد سبباً جوهرياً لتشكيل القوة العسكرية المقترحة، غير أنه يوجد أخطار أخرى تهدد المنطقة، ومنها الآتي:
1- انتشار التنظيمات الإرهابية والمتطرفة على شاكلة "داعش"، مما شكَّل تحدياً ضخماً أمام الدول العربية، خاصةً في ظل سلوك هذه الجماعات وترويعها الآمنين وتخويف الأقليات الدينية، وغيرها من الممارسات غير الآدمية مثل الإعدام الجماعي والقتل العشوائي وذبح الضحايا.
2- التصدي للطموحات الإيرانية ومدها الشيعي في المنطقة، فطهران لم تعد تتصرف كدولة قوية في المنطقة فحسب، بل كإمبراطورية لديها تأثير ونفوذ في عدة دول تعتبرها جزءاً من الدولة الإيرانية، ناهيك عن مساعي إيران إلى تطوير برنامجها النووي حتى وإن اتفقت مع القوى الكبرى، مما يثير مخاوف الدول العربية.
3- الاضطرابات وشيوع الفوضى في دول مثل ليبيا، وما يمثله ذلك من تهديدات لدول الجوار الإقليمي خاصةً مصر، مما قد يستدعي التدخل بشكل عاجل لتنفيذ عمليات نوعية في ليبيا ضد الميليشيات المسلحة هناك.
وعلى صعيد الجبهة السورية، تزايدت المواجهات المسلحة بين نظام "بشار الأسد" والجماعات المعارضة، بما يفرض مزيداً من حالة عدم الاستقرار في المنطقة، الأمر الذي قد يدفع القوى الفعالة للتحرك من أجل تشكيل تحالفات عسكرية للتعامل مع المعضلة السورية، مثلما يحدث حالياً في اليمن.
وإذا أرادت الدول العربية التغلب على هذه التهديدات المحدقة بأمنها القومي، من خلال تكوين القوة العربية المشتركة، فإنه سيتعين عليها إيجاد حلول للتحديات والمعوقات الراهنة التي قد تحول دون وجود هذه القوة الموحدة على أرض الواقع، ومنها الآتي:
1- تضارب مصالح الدول العربية والخلافات بينها، ولعل أفضل دليل على ذلك تحفظ بعض الدول مثل الجزائر، وسوريا، والعراق على المشاركة في الضربة العربية الموجهة للحوثيين باليمن، كما أن العراق تحفظ بالأساس على تضمن البيان الختامي للقمة العربية مشروع القوة المشتركة.
2- عدم وجود إجماع عربي على تعريف محدد لمفهوم الإرهاب كأحد الأهداف وراء طرح القوة المشتركة، فثمة انقسام واسع بين بعض الدول العربية تجاه هذا المفهوم، فبينما تصف دول مثل مصر جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تنظيماً إرهابياً، فإن دولاً أخرى مثل قطر ترى عكس ذلك، بل إنها تدعم هذه الجماعة تحت ذريعة أنها تعد نموذجاً لتيارات الإسلام السياسي "المعتدل" بديلاً عن التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل "داعش".
3- المعارضة الغربية المتوقعة للقوة العربية العسكرية المشتركة، فقد ترى الولايات المتحدة وبعض القوى الكبرى في تشكيل هذه القوة العربية تهديداً لتواجدها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط. ومن ثم، قد يُتوقع أن تلجأ واشنطن وحلفاؤها الأوربيين إلى الضغط على الدول المرشحة للانضمام إلى القوة العربية الموحدة، لحملها على عدم المشاركة فيها، أو لتشجيع دول عربية أخرى على رفض فكرة التدخل في شؤونها من خلال قوة عربية مشتركة بدعوى منع "الحساسيات" أو مراعاة "السيادة الوطنية".
مُجمل القول، إن العمليات العسكرية الحالية ضد جماعة الحوثي وأنصارها في اليمن، قد عكست في مضمونها إمكانية تحقيق التضامن العربي المشترك حيال الملفات التي تهدد أمن المنطقة ودولها، وسيكون لهذه الخطوة تداعيات إيجابية في رسم خريطة التحالفات والتوازنات الإقليمية، على نحو يقلل من نفوذ إيران وتمددها عبر وكلائها المحليين في عدد من الدول التي تشهد حالة من عدم الاستقرار.
ومع ذلك، فإن "عاصفة الحزم" لا تعني أن مشروع القوة العسكرية المشتركة بصيغته التي أقرتها قمة شرم الشيخ، أصبح واقعاً سيدخل حيز التنفيذ بسهولة دون أي عقبات، مثلما حدث في التحالف العسكري باليمن، إذ يتطلب الأمر مزيداً من الجهود والتنسيق بين الدول المعنية تحت إشراف الجامعة العربية لإزالة كافة المعوقات التي قد تمنع تحول الطموحات العربية إلى واقع ملموس.