نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا بتاريخ 7 أبريل 2022 عن الزيارة التى قام بها الرئيس الأمريكى جو بايدن لأوروبا الشهر الماضى لتوحيدها فى مواجهة الصين وروسيا، وإلى أى مدى نجحت مساعيه... نعرض من المقال ما يلى.
تأخذ الجولة الأوروبية التى قام بها الرئيس الأمريكى، جو بايدن، فى مارس 2022، بُعدا استثنائيا وطارئا، وذلك فى ظل دخول حرب روسيا على أوكرانيا شهرها الثانى وسط تفاقم التداعيات والسياسية والاقتصادية لحرب تُعد الأخطر والأوسع فى أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية منتصف أربعينيات القرن الماضى.
وشملت جولة الرئيس الأمريكى محادثات فى بروكسل، على هامش قمتين طارئتين لحلف شمال الأطلسى وقادة مجموعة السبع، فضلا عن قمة المجلس الأوروبى، وكذلك زيارة إلى بولندا لإجراء مشاورات مع الرئيس البولندى، أندريه دودا، بالإضافة إلى تفقد بايدن القوات العسكرية الأمريكية المنتشرة فى الجناح الشرقى لحلف الناتو.
•••
ثمة أسباب وراء جولة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى أوروبا على خلفية الأزمة الأوكرانية، والتى يمكن تفصيلها على النحو التالى:
1ــ توحيد الغرب ضد روسيا والصين: يتلخص الهدف العام من جولة بايدن الأوروبية فى تعزيز وحدة الدول الغربية، وزيادة العقوبات على روسيا لشنها عمليات عسكرية ضد أوكرانيا.
كما ترغب الإدارة الأمريكية فى التأثير على الموقف الأوروبى من الصين، وذلك عبر الادعاء أن بكين قامت بدعم روسيا عسكريا ضد أوكرانيا، ومحاولة استصدار مواقف من الدول الأوروبية تنتقد بكين. وعلى هذا النحو، ذهب بايدن للتشاور والتنسيق مع الأوروبيين، قبل قمتهم مع الصين فى الأول من أبريل، حول مسألة مشاركة الصين المحتملة فى نزاع أوكرانيا.
وتتضح المساعى الأمريكية من توصيف بايدن للصراع، فقد أكد خلال زيارته أوروبا أنه صراع مستمر بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، ويمكن أن يستمر لعقود، كما قال فى خطابه فى وارسو إنه «يجب أن نلتزم الآن بالمشاركة فى هذه المعركة على المدى الطويل»، وهو ما يعنى أن بايدن يتجه لتوظيف الصراع الأوكرانى من أجل توحيد الغرب فى معركة واشنطن الطويلة ضد روسيا والصين.
2ــ تأكيد قيادة واشنطن للغرب: يُنظر إلى القمم الثلاث التى حضرها بايدن على أنها فرصة للولايات المتحدة الأمريكية لتأكيد قيادتها للعالم الغربى. فمن خلال هذه الزيارة الأوروبية الطارئة، يسعى بايدن ليؤكد للأوروبيين أن واشنطن ستبقى الضامن النهائى للأمن الأوروبى، والمدافع الأول عن المنظومة الغربية، بما فيها قيم الديمقراطية والسلام فى مواجهة الأنظمة الاستبدادية القمعية، التى تسعى، وفقا للمزاعم الأمريكية، إلى اتباع سياسة حافة الهاوية النووية، فى إشارة إلى موسكو.
3ــ تعزيز قوة التحالف الأطلسى: كانت العلاقات عبر الأطلسى فاترة خاصة فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب. وتسببت العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا فى توحيد القوى الغربية من جديد.
وجاءت هذه الزيارة لتعزيز حلف الأطلسى، فى مواجهة موسكو. ووضح ذلك فى اتجاه الدول الأوروبية للإعلان عن زيادة إنفاقها العسكرى إلى نحو 2% من الناتج القومى الإجمالى، وهو مطلب أساسى لواشنطن على مدى سنوات، غير أن الدول الأوروبية كانت تعمد إلى تجاهله، نظرا لتركيزهم على تنمية مصالحهم التجارية وتطوير أنظمة بلادهم الصحية.
4ــ دعم جبهة الناتو الشرقية: تشعر دول أوروبا الشرقية بأنها الأكثر شعورا بالتهديد، نظرا لقربها من الحدود الأوكرانية، ولذلك أراد بايدن خلال زيارته الأوروبية أن يبعث رسالة إلى شرق أوروبا بأن الولايات المتحدة تعتبر البند الخامس من معاهدة حلف شمال الأطلسى الخاصة بالدفاع المشترك «واجبا مقدسا»، وبالتالى، لا يمكن أن تتخلى واشنطن عن حلفائها فى شرق أوروبا.
ولذلك زار بايدن بولندا، رأس الحربة ضد موسكو فى النزاع الدائر فى أوكرانيا، بسبب تورطها فى دعم كييف بالأسلحة والمقاتلين، وهو الأمر الذى يثير المخاوف لديها من إمكانية تعرضها لضربات روسية انتقامية. ولذلك أكد بايدن أن «بولندا تتحمل مسئولية مهمة، وأنه لا يجب أن تكون بولندا فقط، بل هى مسئولية الدول الأعضاء بالناتو كافة».
•••
يلاحظ أن زيارة بايدن إلى أوروبا قد خرجت بنتائج متفاوتة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالى:
1ــ فشل التوافق على فرض عقوبات: أكد بايدن أن هدف زيارته هو تعزيز الوحدة بين الناتو والاتحاد الأوروبى والدول الصناعية الكبرى، غير أنه أخفق فى التوصل لتوافق أمريكى ــ أوروبى بشأن فرض عقوبات جديدة على روسيا.
فقد أعلنت واشنطن فرض عقوبات على 328 عضوا من مجلس الدوما الروسى المؤلف من 450 مقعدا، فضلا عن عزل 48 شركة دفاع وعتاد روسية عن التكنولوجيا والتمويل الغربيين، غير أن قمة المجلس الأوروبى فى اليوم ذاته، فشلت فى الاتفاق على فرض عقوبات إضافية ضد روسيا، على الرغم من حضور الرئيس الأمريكى القمة. ويرى المحللون أن عدم فرض عقوبات أوروبية موازية لنظيرتها الأمريكية يأتى انعكاسا لقلق بعض الدول فى الاتحاد الأوروبى من تداعيات هذه العقوبات على الاقتصاد الأوروبى ذاته.
2ــ صعوبة التخلى عن الطاقة الروسية: أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى عن تشكيل فريق عمل فى 25 مارس الماضى لتقليل اعتماد أوروبا على النفط والغاز الروسى، كما أعلن البيت الأبيض أن واشنطن ستمد أوروبا بما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى المسال فى عام 2022، بالشراكة مع دول أخرى.
وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من الدول الأوروبية، بما فى ذلك ألمانيا، لا تزال عاجزة عن تعويض الغاز الروسى، إذ إنه لا يمكن التخلص منه إلا بعد خمس سنوات على أقل تقدير، كما أن البديل للغاز الروسى سوف يكون ثمنه مرتفعا للغاية وهو ما سيترتب عليه ارتفاع أسعار الطاقة، بما يؤثر سلبا على فرص نمو الاقتصاد الألمانى.
وفى حين أن برلين تسعى لتقليص اعتمادها على الغاز الروسى مستقبلا، فإنه يلاحظ أن هناك دولا أخرى ترفض ذلك، مثل المجر، والتى لم تتبن أى إجراءات لتقليص اعتمادها على الغاز الروسى، بل وهاجم رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان نظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، فى 26 مارس الماضى، حينما طلب منه الأخير دعم أوكرانيا بشكل أكبر، والتخلى عن الطاقة الروسية، إذ رد عليه أوربان مؤكدا أن بلاده «تدافع عن مصالحها الوطنية وتقف إلى جانبها فقط»، كما أكد له أن المجر لا تريد العوم كمرءوس إلى جانب الدول الأخرى الكبيرة أو ذات النفوذ، فى توبيخ ضمنى لأوكرانيا، وتحميلها المسئولية عن الأزمة الراهنة مع روسيا.
3ــ تصعيد بايدن غير المبرر: بدا بايدن أقل قدرة على التحكم فى انفعالاته بسبب الصراع الأوكرانى، وهو ما تسبب فى تصاعد المخاوف الأوروبية من تصريحاته، وصولا إلى انتقادها بشكل واضح، ليس فقط فى الصحافة الأوروبية المعادية لبوتين، ولكن كذلك مع بعض المسئولين الأوروبيين.
فقد أضاف بايدن فى نهاية خطابه فى وارسو سطرا يشير إلى أنه يدعو إلى تغيير النظام فى روسيا؛ حيث قال إنه «بحق الله، لا يمكن لهذا الرجل أن يبقى فى السلطة»، وهى التصريحات التى سعى البيت الأبيض ووزارة الخارجية لتوضيحها عبر التأكيد أن واشنطن لا تسعى للإطاحة ببوتين، وذلك على الرغم من أن تصريحات بايدن كانت واضحة ولا لبس فيها.
كما قال بايدن خلال مؤتمر صحفى فى بروكسل إن الولايات المتحدة سترد «بالمثل» إذا استخدمت روسيا أسلحة كيماوية فى أوكرانيا، الأمر الذى دفع مستشار الأمن القومى الأمريكى لمحاولة تخفيف مدلول هذا التصريح، عبر تأكيد أن بايدن يُقصد به أن الولايات المتحدة ستختار شكل وطبيعة الرد بناء على طبيعة الإجراء الذى تتخذه روسيا، ونافيا فى الوقت ذاته أن يكون لدى واشنطن نية لاستخدام الأسلحة الكيماوية تحت أى ظرف من الظروف.
ولا شك أن مثل هذه التصريحات، غير المنضبطة، قد تهدد بتصعيد الصراع، ولذلك دعا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى التحلى بضبط النفس قولا وفعلا، مؤكدا «أن هدف بلاده وقف الحرب التى شنتها روسيا فى أوكرانيا من دون تصعيد». وقد أظهر هذا الموقف تباينا فى الموقف الأوروبى حيال روسيا، خاصة مع تسريبات الصحافة البريطانية عن وجود مخاوف لدى لندن بأن تتوصل فرنسا وألمانيا لاتفاق ضعيف مع بوتين حول أوكرانيا.
وفى الختام، تكشف زيارة بايدن إلى أوروبا عن مساعيه لتوحيد أوروبا استعدادا للحرب الباردة الجديدة ضد روسيا والصين، والتى ربما ستستمر لعقود، غير أنه من الواضح أن واشنطن سوف تواجه تحديات فى هذا الإطار، خاصة إذا ما نجحت الجهود الدبلوماسية لتسوية الصراع، إذ لا يبدو أن الأوروبيين مستعدون للتحول عن إمدادات الطاقة الروسية بشكل كامل، أو التصعيد مع روسيا، ولذا يرون أن مبدأ الاستقلال الاستراتيجى الأوروبى ربما يكون الأفضل لتفادى حرب أكثر اتساعا فى أوروبا.