جاء تفويض الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بإعلان نقل صلاحياته وسلطاته وكذلك صلاحيات وسلطات نائب الرئيس، إلى مجلس قيادة رئاسي، فجر يوم 7 أبريل الجاري؛ كخلاصة ونتاج لظروف محلية وإقليمية ودولية. وأكد هذا التفويض أن الرئيس هادي مع ما يُوحد ويلم شمل القوى الوطنية اليمنية، حيث سلّم السلطة في أول توافق بين هذه القوى.
وكان الهدف الرئيسي من الإعلان عن مجلس القيادة الرئاسي هو توحيد كل القوى السياسية والقبلية والاجتماعية والعسكرية والأمنية باليمن في إطار سلطة واحدة جمعت كل الشتات الذي حدث منذ عام 2011، حيث نتج عن هذا الشتات بروز ميليشيا الحوثيين، في ظل تناحر باقي القوى في الصراع على السلطة منذ ذلك الوقت وحتى الآن. ومما زاد من حدة هذا الصراع، تماهي البعض مع تلك الميليشيا بقصد أو من دون قصد، وهو ما مكّنها من السيطرة وإقصاء القوى السياسية من دون استثناء. وبعد الانقلاب الحوثي على الشرعية، كان طلب الرئيس هادي من التحالف العربي بالتدخل والمساهمة في إعادة السلطة الشرعية، وبالفعل استجاب لهذا الطلب وتدخل عسكرياً بدعم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في كل الجبهات، لكن الخلاف والصراع بين مكونات الشرعية ساهم فيما وصلت إليه الأحوال من ضعف وتراجع أحياناً في الميدان.
وكل ذلك دفع القوى الوطنية بكل تشكيلاتها، وبدعم كامل من دول التخالف العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى البحث عن مخرج هدفه توحيد القوى والإمكانيات المادية والبشرية في مواجهة تعنت ميليشيا الحوثيين بعدم انصياعها لدعوات السلام المتكررة، وتنصلها عن أي اتفاقيات تمت أو مباحثات تراجعت عنها خلال الفترة الماضية.
تشكيل المجلس:
يترأس مجلس القيادة الرئاسي الجديد رشاد محمد العليمي، ومعه 7 أعضاء هم سلطان العرادة، وطارق محمد عبدالله صالح، وعبدالرحمن أبوزرعة، وعبدالله العليمي باوزير، وعثمان مجلي، وعيدروس الزبيدي، وفرج البحسني. وبالنظر إلى تشكيل المجلس، فإنه يتكون من كل القوى الفاعلة في الميدان والمؤثرة في الوضعين السياسي والعسكري، وجاء ليصهر الفرقاء في بوتقة واحدة وجسم واحد تحت مظلة اليمن الكبير؛ وبهدف توحيد الجهود لاستعادة السلطة وإحلال الأمن والسلام في عموم البلاد. ويمكن إبداء عدد من الملاحظات على مكونات المجلس، من النواحي السياسية والجغرافية والعسكرية، كالتالي:
1- من الناحية السياسية: جاء على رأس المجلس رشاد العليمي، وهو قيادي في حزب المؤتمر الشعبي، وله باع طويل في العمل السياسي، باعتباره سياسياً وأكاديمياً وعسكرياً، وتوافقت عليه كل القوى ليكون رئيساً للمجلس. وفي عضوية المجلس، تم اختيار سلطان علي العرادة باعتباره قائد المقاومة في مأرب وكانت له بصماته القوية في دحر ميليشيا الحوثيين عن هذه المحافظة الاستراتيجية، بحيث أصبحت أيقونة الجمهورية في الدفاع عن الشرعية الدستورية ومحاربة الميليشيا الانقلابية. وينتمي العرادة إلى حزب الإصلاح هو وعبدالله العليمي باوزير الذي شغل منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية لمدة 6 سنوات تقريباً.
كما يعتبر عيدروس الزبيدي قائد أكبر الفصائل الجنوبية الفاعلة وهو المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يهدف إلى استعادة حقوق الجنوبيين، والذي يرى أنها كانت مسلوبة خلال الفترة الماضية منذ عام 1994. ويأتي طارق عبدالله صالح كقائد عسكري للمقاومة الوطنية وقائد سابق للحرس الخاص بالرئيس الراحل علي عبدالله صالح. فيما يُعتبر عبدالرحمن أبوزرعة القائد العام لـ "قوات العمالقة"؛ وهي قوات من الجناح السلفي ومعظمها جنوبية وتم تشكيلها عقب سيطرة الحوثيين على عدن، وكان لها دور كبير في إخراج هذه الميليشيا من العاصمة المؤقتة ومعظم المحافظات الجنوبية، كما ساهمت في تحرير الساحل الغربي ووصلت إلى أبواب الحديدة.
أما عثمان مجلي فهو عضو مجلس النواب وقيادي مؤتمري وله دور كبير في مواجهة الحوثيين، كونه أول من اكتوى بنيرانهم، فهو ينتمي إلى أعرق القبائل المناوئة لهذه الميليشيا في محافظة صعدة؛ معقل الحوثيين. وأخيراً، يأتي فرج البحسني الذي تولى منصب محافظ حضرموت، فضلاً عن كونه قائداً للمنطقة العسكرية الثانية.
2- من الناحية الجغرافية: يُلاحظ أن غالبية الأقاليم المُقِرة في مؤتمر الحوار الوطني والتي تضمنها الدستور اليمني، قد حصلت على تمثيل في المجلس الرئاسي الجديد، عدا إقليم تهامة الذي لم يتم تمثيله. فإقليم أزال يمثله عثمان مجلي وطارق عبدالله صالح، وإقليم الجند يمثله رشاد العليمي، وإقليم عدن يمثله كلُ من عيدروس الزبيدي وعبدالرحمن أبوزرعة، وإقليم سبأ يمثله سلطان علي العرادة، وإقليم حضرموت يمثله كلُ من فرج البحسني وعبدالله العليمي باوزير.
3- من الناحية العسكرية: معظم أعضاء المجلس الجديد لديهم خلفية عسكرية وأمنية، وشاركوا في مواجهة الحوثيين في قتال مباشر. وتشكيل المجلس بهذه الخلفية قد يشير إلى أن الاستعداد قائم لخوض معركة تحرير اليمن من الميليشيا الحوثية، وهي من أولويات مهام هذا المجلس، سواءً كان ذلك عبر الحوار السياسي أو باستخدام القوة العسكرية إن تطلب الأمر.
دوافع التغيير:
ثمة دوافع وأسباب وراء الإعلان عن مجلس القيادة الرئاسي، وهي ناتجة عن الظروف التي أحاطت بالحكومة الشرعية ودول التحالف معاً، حيث كان لا بد من إعادة تقييم الموقف، والتصدي لبعض الاختلالات ومكامن الضعف التي ظهرت على السطح، وتتمثل فيما يلي:
1- تشظي قوى الشرعية لأسباب داخلية وخارجية، وهذا التشظي أثّر سلباً على جبهة الشرعية وقلل من فاعليتها في مواجهة ميليشيا الحوثيين.
2- بروز مكونات سياسية وعسكرية في مناطق الشرعية لها أولويات قد تتعارض مع جبهة الشرعية أحياناً، وتختلف سياسياً معها؛ مما ساهم في عدم قدرة الحكومة اليمنية على بسط نفوذها على المناطق المُحررة كافة.
3- الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعشيها اليمن؛ بسبب الحرب بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية، والتي أدت إلى تراجع العملة المحلية ومن ثم قوتها الشرائية، في حين توقف تصدير بعض موارد الغاز والنفط، وتراجعت حركة التصدير بشكل عام.
4- استمرار عمل السلطة الشرعية من الخارج، وعدم قدرتها على العمل من داخل اليمن، وهو ما أثّر في أدائها وفي بسط نفوذها وسلطتها على الأرض.
5- ارتباط بعض المكونات اليمنية بأطراف خارجية، ما ساهم في زيادة حدة الخلافات فيما بينها، وأثّر على أداء جبهة الشرعية في الميدان.
أهداف الشرعية:
انطلاقاً من الدوافع والأسباب السابقة، كان من الضروري البحث عن سُبل للخروج من هذا الوضع، ومحاولة إصلاح مكامن الخلل، بما يحقق أهداف الشرعية اليمنية وبدعم من دول التحالف. لذا يهدف مجلس القيادة الرئاسي إلى تحقيق ما يلي:
1- تجميع القوى المناوئة لميليشيا الحوثيين في جبهة واحدة؛ هدفها استعادة السلطة من أيدي الميليشيا الانقلابية، وإعادة الأمن والسلام لليمن.
2- توسيع مؤسسة الرئاسة، بحيث تضم كل الفصائل والقوى السياسية والعسكرية الشرعية، للمشاركة في إدارة شؤون البلاد، تحت شعار "اليمن الكبير"، وذلك وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني ونتائج مشاورات الرياض وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
3- وضع الأولوية للحوار من أجل الوصول إلى سلام حقيقي، تتساوى فيه كل المكونات السياسية، في حالة انصياع ميليشيا الحوثيين لمسار السلام. وإذا لم تنصع الميليشيا، فإن توحد جميع القوى لتحقيق هدف استعادة السلطة كفيل بالوصول إليه من خلال استخدام القوة.
4- تأجيل كل المطالب التي تتبناها القوى السياسية، سواءً كانت مشروعة أو غير مشروعة، لما بعد استعادة الشرعية، وبحث هذه المطالب عند مناقشة وضع الحل النهائي.
مهام المجلس:
أمام مجلس القيادة الرئاسي الجديد مهام كبيرة، وعقبات أيضاً ستُواجه أعماله، وأهم ما يمكن أن يواجه المجلس ويجب عليه أن يباشره هو ما يلي:
1- عودة مؤسسات الدولة اليمنية بجميع سلطاتها للعمل من العاصمة المؤقتة عدن، وتطبيع الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والخدمية في كامل الأراضي المحررة بالبلاد.
2- التوافق على شخصيتي وزيري الدفاع والداخلية، فهما حجر الزاوية لتوحيد الجيش والأجهزة الأمنية تحت مظلة واحدة، وإلغاء كل المُسميات لقوات الجيش والأمن ودمجها ووضعها تحت مسمى واحد يخضع للوزارتين بعيداً عن المناطقية أو الحزبية أو مراكز النفوذ. ويعتبر هذا أول اختبار لمدى نجاح المجلس الرئاسي.
3- التنسيق مع دول تحالف دعم الشرعية لجعل الجميع يلتزم بما تم التوافق عليه، وبطريقة تتناغم والأهداف التي أُعلن عنها عند تأسيس التحالف في 26 مارس 2015، وتلافي أي أخطاء تكون قد حدثت خلال الفترة المُمتدة حتى تاريخه.
4- لشخصيات مجلس القيادة الرئاسي دور كبير في إنجاح مهامه، فالرئيس والأعضاء هم قيادات قوية وفاعلة وممثلة لمعظم القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية والقبلية، وعليهم تقع مسؤولية وطنية ستثبت الأيام مدى قدرتهم على التحمل وإنجاز المهام.
5- إعادة تدوير العجلة الاقتصادية؛ وذلك بفتح موانئ تصدير الغاز والنفط وتنشيط كل الحقول، للحصول على العملات الصعبة، وتعزيز القوة الشرائية للعملة المحلية "الريال اليمني"، والانتظام في صرف المرتبات.
6- إصلاح الاختلالات المالية، وتفعيل البنك المركزي، وتحصيل موارد الدولة؛ بحيث تصب جميعها في الخزينة العامة للدولة، وإقرار ميزانية عامة.
7- إعادة الثقة للمواطن اليمني في مؤسسات الدولة، من خلال ضبط الأمن، وتقديم الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وتوفير الموارد النفطية والسلع والخدمات.
8- ضبط مسار الحرب في مواجهة الحوثيين، ومعالجة الاختلالات التي وقعت على مدار السنوات الماضية، والتي أفضت إلى تزايد قبضة وسيطرة الميليشيا وتوسعها ميدانياً؛ وهو ما يتطلب وبشكل عاجل إزاحة بعض العناصر غير الكفؤة والتي تصدرت المشهد العسكري لفترات طويلة.
الخلاصة، يبدو أن مجلس القيادة الرئاسي الجديد يركز بشكل كبير على إعادة توحيد صفوف جبهة الشرعية، ولم شمل قواها، وتعزيز مواردها وإمكانياتها، واستغلالها بشكل أمثل لما يحقق تطلعات الشعب اليمني. وربما يكون ذلك خطوة أولية لتحديد مسار التعامل مع ميليشيا الحوثيين خلال المرحلة المقبلة، مع إعطاء الأولوية للحل السياسي، مع وضع القوة العسكرية كخيار بديل في حالة استمرار التعنت والتصعيد الحوثي. وربما يتوقف نجاح هذا المجلس على حالة التجانس والتناغم بين مكوناته وقيادة التحالف العربي لدعم الشرعية، والاستفادة من دروس السنوات الماضية من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية.