أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

معارضة ضعيفة:

مضي تونس في تنفيذ خريطة الطريق رغم تظاهرات النهضة

21 ديسمبر، 2021


شهدت العاصمة التونسية، في 17 ديسمبر 2021، تنظيم الآلاف من المواطنين تظاهرات واحتجاجات شعبية في شارع الحبيب بورقيبة، بالتزامن مع الذكرى السنوية لثورة الياسمين الشعبية التي أسقطت النظام السياسي السابق، وعزلت الرئيس زين العابدين بن علي، وذلك بعدما قرر الرئيس التونسي قيس سعيد تغيير موعد الاحتفال بهذه الثورة إلى 17 ديسمبر بدلاً من 14 يناير من كل عام.

تظاهرات مناوئة:

اكتسبت هذه التظاهرات أهمية خاصة، نظراً لعدة اعتبارات رئيسية، من أبرزها أنها جاءت عقب إعلان الرئيس سعيد عن خريطة الطريق للمرحلة الانتقالية خلال العام القادم، وذلك عبر عدة إجراءات محددة بتوقيتات زمنية، أبرزها تعديل بعض المواد الدستورية في 25 يوليو 2022، وانتهاءً بإجراء انتخابات برلمانية في 17 ديسمبر 2022. وفي هذا السياق خرجت هذه التظاهرات، والتي يمكن تفسيرها في ضوء الأسباب التالية:

1- تظاهرات الإخوان ضد سعيد: تظاهرت عدد من الأحزاب السياسية المعارضة، وعلى رأسها حركة النهضة (الإخوان المسلمين) والحزب الجمهوري، للتعبير عن رفضهم استمرار الأوضاع الاستثنائية التي فرضها الرئيس سعيد منذ خمسة أشهر، واصفين إياها بأنها تعميق للأزمة السياسية الراهنة ولن تؤدي إلى حلها، خاصة بعد تمديد الوضع الاستثنائي حتى ديسمبر 2022. 

وجدد المحتجون مطالب النهضة الرامية إلى إسقاط رئيس الدولة، وعودة نشاط البرلمان الإخواني وإنهاء تعليق الدستور ووضع حكومة إنقاذ وطنية. كما أعلن المتظاهرون تحت إشراف ما يسمى بحركة "مواطنون ضد الانقلاب"، الموالية للإخوان، مواصلة التظاهر والاعتصام بشارع الحبيب بورقيبة حتى يوم 14 يناير القادم، وذلك لإسقاط ما وصفوه بـ "الانقلاب" الرئاسي على الدستور والتجربة الديمقراطية في البلاد.

وتسعى النهضة لتوظيف هذه الاحتجاجات لتسويق فكرتها الخاصة بإسقاط رئيس الدولة والعودة إلى مرحلة ما قبل 25 يوليو الماضي، خاصة فيما يتعلق بإعادة البرلمان للعمل بما يمكنها من العودة لصدارة المشهد السياسي مرة أخرى، وهو ما يرفضه رئيس الدولة والاتحاد التونسي العام للشغل.

2- تعطيل الانتقال الديمقراطي: يرى معارضو الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها سعيد، ومنها حزب التيار الديمقراطي (22 مقعداً في البرلمان المجمد) أن استمرار تطبيقها من شانه تعطيل التجربة الديمقراطية في البلاد وتراجعها بعد أن قطعت شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه منذ إسقاط نظام ابن علي في 2011، خاصة مع مواصلة تعليق عمل المؤسسات الدستورية للدولة خاصة البرلمان، وتكريس رئيس الدولة للسلطات في يده بسيطرته على السلطتين التنفيذية والتشريعية، واتهامه في الوقت نفسه بالتدخل في عمل السلطة القضائية منذ تمديد الإجراءات الاستثنائية في 22 سبتمبر الماضي.

3- تظاهرات على الأوضاع الاقتصادية: تظاهر العديد من المواطنين في عدد من المدن التونسية، وعلى رأسها مدينة سيدي بوزيد (الواقعة وسط البلاد) رافعين شعارات العمل والحرية والكرامة والوطنية، وكذلك في ولاية جندوبة شمالي البلاد، للتعبير عن رفضهم لاستمرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في البلاد، خاصة مع تزايد نسبة البطالة إلى حوالي 18.4% خلال الربع الثالث من 2021، وطالب المتظاهرين الرئيس سعيد بتفعيل القانون 38 وتمكينهم حقهم في العيش الكريم والعمل والكرامة، وذلك بسبب عدم قدرة الحكومة الحالية برئاسة نجلاء بودن على وضع حلول فاعلة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.

دعم داخلي ودولي:

على الرغم من تظاهر الآلاف من المواطنين ضد القرارات الأخيرة للرئيس قيس سعيد، مطالبين إياه بإنهاء الإجراءات الاستثنائية وإعادة عمل البرلمان، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، فإن المؤشرات الراهنة ترجح عدم استجابة الرئيس سعيد للأصوات المعارضة له، ومواصلته تطبيق الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها، وذلك استناداً إلى الآتي:

1- الدعم الشعبي والحزبي لقرارات سعيد: خرجت تظاهرات في العاصمة تونس، شارك فيها الآلاف من المواطنين للتظاهر بغرض التعبير عن تأييدهم للإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد منذ 25 يوليو الماضي وانتهاءً بخريطة الطريق التي أعلنها في 13 ديسمبر الجاري، واصفين تلك الإجراءات بأنها الحل الأمثل للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد طوال السنوات الأخيرة، وأن هذه الإجراءات نجحت في تحقيق الاستقرار السياسي في الفترة الأخيرة.

كما طالب المتظاهرون الرئيس سعيد بصياغة دستور جديد والعمل على تطهير القضاء وحل المجلس الأعلى للقضاء، رافعين شعارات "معك للنهاية" و"أنتم تتظاهرون من أجل حزب ونحن نتظاهر من أجل وطن" و"لن ندفع ديون المنظومة الفاسدة"، كما توجد بعض الأحزاب السياسية المؤيدة لإجراءات الرئيس "سعيد" ومنها حزب "التحالف من أجل تونس" و"حزب التيار الشعبي" و"حزب البعث التونسي"، وإن كان من الملحوظ أن هذه الأحزاب الثلاثة غير ممثلة في البرلمان المجمد.

وترى هذه الأحزاب أن قرارات رئيس الدولة تعبر عن تطلعات غالبية أبناء الشعب لتحرير البلاد من الفاسدين والعملاء ممن تسللوا لمؤسسات الحكم والدولة والذين ثبت أنه لا يهمهم الحكم إلا بقدر ما يحقق لهم من امتيازات ومصالح خاصة، في إشارة إلى النهضة. 

2- التنسيق مع اتحاد الشغل: يستند الرئيس سعيد إلى التأييد الذي يبديه الاتحاد التونسي العام للشغل لمواقف وسياسات الرئيس الذي استجاب لمطالب الاتحاد بالإعلان عن إجراءات مرتبطة بمواعيد زمنية محددة. فقد أعلن الاتحاد أن قرارات سعيّد جاءت استجابة للمطالب الشعبية ووفق الدستور. كما سبق للاتحاد أن أعلن رفضه الواضح للرجوع لمرحلة ما قبل 25 يوليو الماضي، فضلاً عن رفض إشراك حركة النهضة في أي حوار سياسي أو تشاور بشأن مستقبل الحياة السياسية في البلاد. 

وفي هذا السياق، يواصل الاتحاد تنسيقه مع الحكومة الحالية برئاسة بودن فيما يتعلق بسياسات الحكومة الخاصة بحماية موظفي القطاع العام بإجراءات حمائية ضد برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي فرضه صندوق النقد الدولي، والذي يطال في أحد جوانبه رفع الدعم واقتطاع جزء من رواتب العاملين في القطاع العام، وهو ما دفع الاتحاد لمطالبة الحكومة بوضع حلول فاعلة وسريعة للمشكلات الاقتصادية المتأزمة.

3- الدعم الإقليمي والدولي لـ"سعيد": لاقت خريطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس سعيد قبل أسبوع تأييداً على المستويين الإقليمي والدولي من قبل بعض القوى المهتمة بتطورات الأزمة السياسية التونسية، ومنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا، خاصة فيما يتعلق بالإعلان عن التوقيتات الزمنية للإجراءات التي سوف يتخذها الرئيس سعيد خلال الفترة القادمة.

واعتبرت هذه القوى أن هذه الإجراءات مهمة لاستعادة تجربة العمل الديمقراطي وتحقيق التوازن المؤسساتي بإجراء انتخابات برلمانية وتشكيل سلطة تشريعية جديدة. ومن ثم فإن هذا الدعم الإقليمي والدولي يضفي نوعاً من الشرعية على قرارات وإجراءات الرئيس سعيد وتمنحه ضوءاً أخضر لمواصلة ما بدأه من إجراءات. 

وفي الختام، فإن المعطيات الراهنة تشير إلى أن النهضة لاتزال تناوئ الرئيس سعيد، وتسعى لحشد الشارع التونسي ضد خريطة الطريق التي أعلن عنها الأول، غير أن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح، خاصة في ضوء وجود دعم لها من جانب الاتحاد العام التونسي للشغل، فضلاً عن وجود دعم دولي لخريطة الطريق التي أعلن عنها السعيد، وهو ما يرجح محدودية فرص التظاهرات المعارضة للرئيس سعيد في دفعه للتراجع عن قراراته، وهو ما يعني اتجاهه لتنفيذ الإجراءات المعلن عنها وفق الجداول الزمنية المقررة لها.