إعداد: وفاء ريحان
تواجه سوريا حالياً حرباً أهلية طاحنة ربما تُعد الأسوأ في تاريخ البلاد, ومع الوقت يزداد الصراع تعقيداً، وتتشابك أبعاده وتتعدد أطرافه. وفي ضوء ذلك، تُطرح عدد من المقترحات في محاولة للخروج من الأزمة السورية, ومن بينها تقسيم البلاد, وإعادة تشكيل جيش وطني سوري بديل.
وقد نشر "مركز القرن الواحد والعشرين للأمن والاستخبارات" التابع لمعهد بروكينجز، دراسة تحت عنوان: "تفكيك سوريا.. نحو استراتيجية إقليمية لبلد كونفيدرالي". وأعد هذه الدراسة "مايكل أوهانلون" Michael O’Hanlon مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينجز، حيث تناول فيها تطور السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الأزمة السورية منذ بداية ثورات الربيع العربي, ثم عرض استراتيجية لتفكيك سوريا إلى مناطق حكم ذاتي تكون نواة لبلد كونفيدرالي, مع تقييم هذه الاستراتيجية وتوضيح عدد من المخاطر المحيطة بتطبيقها.
السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية
يوضح الباحث أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا منذ بداية الثورات العربية، كانت عبارة عن سلسلة من سوء التقدير, حيث مرت هذه السياسة بعدة مراحل؛ ففي البداية تركزت على الدعم الشفوي لتغيير نظام "الأسد", وعلى مدار 18 شهراً تالية رفض فيها الرئيس "أوباما" التوصيات من كبار مساعديه في فريق الأمن القومي تسليح وتدريب المعارضة السورية, إذ إنه لم يكن متأكداً من وجود معارضة موثوق بها ويُعتمد عليها ستكون قادرة ليس فقط على كسب الحرب، ولكن أيضاً توحيد وتحقيق الاستقرار في البلاد.
ويذكر "أوهانلون" أن إدارة "أوباما" كان لديها أمل في أن يؤدي تضاؤل المساعدات المالية، بالإضافة إلى الجنود المنشقين، إلى إجبار نظام "الأسد" على قبول نوع من ترتيبات تقاسم السلطة, والتي تتضمن رحيل "الأسد".
ومع الوقت، وحينما تراجعت قوات النظام السوري أمام المعارضة، ركزت إدارة "أوباما" جهودها على الدبلوماسية؛ ففي عام 2013 جعل وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" مفاوضات جنيف محوراً أساسياً لاستراتيجية واشنطن تجاه الأزمة السورية.
ويؤكد الكاتب أنه منذ يونيو 2014 عندما سقطت الموصل في العراق على يد تنظيم "داعش", فإن السياسات الأمريكية تجاه الصراع في سوريا قد فشلت بشكل واضح, فهذه السياسات لم تؤد فقط إلى حرب أهلية مُدمرة ومستمرة في سوريا, أو إلى زيادة هجمات "داعش" ضد الدول الغربية, ولكنها أدت أيضاً إلى سقوط أجزاء كبير من الأراضي العراقية في يد "داعش".
ونتيجة لهذه التطورات، وعدت إدارة "أوباما" مؤخراً بتخصيص نصف مليار دولار سنوياً كجزء من المساعدات التي تقدمها وزارة الدفاع الأمريكية إلى المعارضة السورية، إلى جانب تدريب 5000 مقاتل سنوياً، وذلك لمدة ثلاثة أعوام.
وقد ظلت السياسات الرسمية لإدارة "أوباما" متفائلة، حيث تدعو لإسقاط "الأسد" وهزيمة "داعش", على الرغم من الشكوك المثارة حول مدى التزام واشنطن بسياستها في هذه المرحلة تجاه سوريا. ويرى الكاتب أن الإدارة الأمريكية تتجنب المخاطر المترتبة على تورط واشنطن في الأزمة السورية, وأنها تريد أن تكتفي فقط بالضربات الجوية التي تستهدف مواقع تنظيم "داعش".
تفكيك سوريا .. التوجه نحو الكونفدرالية
يرى "أوهانلون" أن عملية السلام الآن في سوريا في حالة يُرثى لها, كما أن التدخل العسكري الأمريكي هو أمر غير مطروح في ظل الإخفاق الذي حدث لواشنطن على مدار عشر سنوات في العراق. كما يذكر الكاتب أن تقسيم سوريا على أسس طائفية لن يُعالج إشكالية التعامل مع المدن المختلطة الأعراق في البلاد, كما لن يُنتِج وسيلة فعالة لمواجهة "داعش".
من ناحية أخرى، فإن تشكيل جيش سوري جديد من عشرات الآلاف من المقاتلين وقادر على تحدي كل من "الأسد" و"داعش"، قد تبدو فكرة جذابة من الناحية النظرية, بيد أنها لا ينبغي أن تكون نقطة البداية في الوقت الراهن.
لذا، يذكر الباحث أن المسار الوحيد الجدير بالثقة في هذا الوقت، وهو استراتيجية لتفكيك سوريا، وجعلها دولة كونفيدرالية تتكون من مناطق حكم ذاتي بدلاً من أن تكون تحت حكومة مركزية قوية.
ويرى الكاتب أن تدريب مقاتلي المعارضة في تركيا والأردن والدول الأخرى الصديقة، يجب أن يكون الخطوة الأولى في هذا الصدد. ولأن العديد من هؤلاء المقاتلين مترددون في ترك بلدهم والسفر إلى الخارج للتدريب, لذا يجب مساعدتهم من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها على تأسيس مناطق آمنة وموثوق بها في سوريا, وهذه المساعدة لا تقتصر فقط على الدعم جواً، ولكن أيضاً براً عن طريق القوات الخاصة. كما ستكون هذه المناطق مستقلة يتم فيها تدريب مقاتلي المعارضة, بالإضافة إلى توفير الإغاثة الانسانية للسكان بشكل أفضل مما هي عليه الآن, وذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية, وأيضاً توفير هياكل للحكم المحلى بها على درجة من التقدم.
ويقترح الباحث أن تكون واحدة من هذه المناطق على الأقل متجاورة مع الأردن، والأخرى مع تركيا, وأن يتم إنشاؤهما بالتعاون مع عمَّان وأنقرة, بحيث تسمح مواقعها بتوفير خطوط مواصلات آمنة للأفراد، فضلاً عن الإمدادات العسكرية. كما أن واحدة من هذه المناطق ستكون للعلويين طالما لم يكونوا من المقربين لنظام "الأسد".
ويؤكد الكاتب على حاجة هذه المناطق للدعم من قوة حفظ سلام دولية, وضرورة أن تكون واشنطن جزءاً من هذه القوة, فبدون وجودها سيكون ثمة شكوك حول استقرار أي تسوية. وبمجرد تكوين هذه المناطق مع الوقت، يتعين أن تندمج فيما بينها لتكون بمثابة النواة للكونفيدرالية في سوريا. وفي بعض الحالات، إذا حدث صراع بين أعضاء المعارضة المعتدلة، فالأطراف الخارجية عليها أن تستخدم التهديد بوقف الدعم للحد من هذا السلوك.
وفيما يتعلق بالرئيس "بشار الأسد", يؤكد الباحث أن الاستراتيجية يجب أن تكون مُوجهة في جزء منها ضد "الأسد"، ولكن دون أن يكون الإطاحة به هدفاً عسكرياً صريحاً لها على المدى القصير, ولكن يتم تقليص الأراضي التي يحكمها حالياً نظام "الأسد"، ثم يتم الإطاحة به بناءً على خطة يتم تنفيذها تدريجياً.
من ناحية أخرى, يشير الباحث إلى أن هذه الاستراتيجية قد تُخفف من معارضة إيران وروسيا للنهج القائم في سوريا, وربما تُقلل من ميلهما لزيادة الدعم للأسد, فالاستراتيجية الجديدة توازن في تعاملها مع الدولتين ولا تجعل لهما دوراً أساسياً, كما أن طهران وموسكو يدعمان الكونفيدرالية في سوريا طالما هي البديل عن الإطاحة الكاملة بالأسد أو القضاء على نفوذ العلويين في أي حكومة مستقبلية، أو البديل عن حرب أهلية مستمرة لأجل غير مسمى.
كما يؤكد "أوهانلون" على ضرورة استمرار هذه الاستراتيجية حتى في حالة سقوط نظام "الأسد"، ولكن بعد إدخال التعديلات عليها, لأنه في هذه الحالة ستظل المعارضة في حاجة إلى بناء قدراتها لمواجهة "داعش" باعتبارها المستفيد الرئيسي من سقوط "الأسد".
المخاطر المحتملة من تطبيق الاستراتيجية
يشير الباحث إلى أنه سيكون بالطبع ثمة مخاطر مرتبطة باستراتيجية "تفكيك سوريا", ربما يُعد أكثرها وضوحاً احتمال وقوع ضحايا أمريكيين بسبب الهجمات من قِبل "داعش" أو "الأسد" على المناطق الآمنة التي تتواجد بها قوات أمريكية.
ويتطلب ذلك من البداية الاختيار الدقيق للمناطق الآمنة, وكذلك تواجد قوات رد سريع أمريكية ربما في مواقع أكثر مما هي موجودة عليه حالياً, وذلك لتوفير المساعدات للقوات الأمريكية في الوقت المناسب حال تعرضها للخطر.
ويتطرق الكاتب إلى خطرين آخرين ذات صلة بالاستراتيجية المُشار إليها؛ يتعلق الأول بهيبة الولايات المتحدة, حيث أنه بإعلان التزامها تغيير ديناميات ساحة المعركة في سوريا, فهذا يعني أنها ستخسر كثيراً من هيبتها إذا أثبتت عكس ذلك. ويرتبط التهديد الثاني بالحافز لدى "داعش" وحلفائها لضرب الولايات المتحدة والدول الغربية، إذا قامت واشنطن بالقتال المباشر ضده التنظيم هذا الإرهابي.
ختاماً، يشير الباحث إلى أن جهود إيجاد حل شامل للأزمة في سوريا أثبتت عدم واقعيتها وعدم جدواها أيضاً, لذلك فقد حان الوقت لتغيير هذا النهج؛ فليس المطلوب حرب واسعة النطاق، ولكن ثمة حاجة لتكثيف أدوار الولايات المتحدة والأردن وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي في الأزمة السورية.
ويرى الكاتب أن المخاطر الناتجة عن الاستراتيجية الفاشلة حالياً في سوريا، أكبر بكثير من التحديات ذات الصلة بالاستراتيجية المقترحة، والتي تتوخى تفكيك سوريا إلى دولة كونفيدرالية. لذا، يؤكد الكاتب على أهمية تطبيق هذه الاستراتيجية الجديدة، مع مراعاة عدم التسرع في ذلك التطبيق.
* عرض مُوجز لدراسة: "تفكيك سوريا.. نحو استراتيجية إقليمية لبلد كونفيدرالي", والصادرة في يونيو 2015 عن "مركز القرن الواحد والعشرين للأمن والاستخبارات" التابع لمعهد بروكينجز الأمريكي.
المصدر:
Michael O’Hanlon, Deconstructing Syria: Towards a regionalized strategy for a confederal country (Washington, Center for 21stCentury Security and Intelligence, Brookings, June 2015).