قبيل زيارته الأولى للولايات المتحدة التي التقى خلالها الرئيس الأمريكي جو بايدن في 27 أغسطس 2021، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، أن محادثاته مع الرئيس الأمريكي ستركز على الملف الإيراني بالدرجة الأولى، متوقعاً أن يصل إلى البيت الأبيض "بنظرة شراكة، لمواجهة أنشطة إيران الخبيثة في المنطقة، وإضرارها بحقوق الإنسان، واقترابها من الحصول على أسلحة نووية".
كما أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، أن "محادثات الرئيس الأمريكي الأولى مع بينيت ستطال قضايا جوهرية متعلقة بالأمن الإقليمي والعالمي، بما في ذلك إيران. وبالتالي، فإن الملف النووي الإيراني، الذي يمثل أحد أهم الملفات المتفق عليها إسرائيلياً باعتبارها تهديداً خطيراً، وربما وجودياً بالنسبة لإسرائيل، كان العنوان الأهم للجولة الأولى من لقاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأمريكي على الأقل من وجهة النظر الإسرائيلية".
كان الملف النووي الإيراني بالفعل محور تركيز بينيت، بينما ركز بايدن على الملف الأفغاني والجهود الأمريكية لحلحلة ملف المفاوضات المتوقفة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وهو الأمر الذي يثير عدداً من الملاحظات تبدو أساسية لفهم تداعيات تلك الجولة على تطورات الملف النووي الإيراني بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي، وهو ما يمكن توضيحه في التالي:
1- تبني بينيت سياسات نتنياهو: حضور الملف النووي الإيراني بتلك الصورة على مائدة النقاش الأمريكي – الإسرائيلي يشير بوضوح إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يستطع بعد، وربما لن يستطيع، التخلص من إرث سلفه بنيامين نتنياهو بشأن الملف النووي الإيراني، وهو الملف الذي طالما استخدمه نتنياهو لإثارة مخاوف الإسرائيليين وحشدهم للإبقاء عليه رئيساً للوزراء.
وتتمثل المشكلة التي تواجه بينيت الآن في أنه إزاء إدارة ديمقراطية تسعى بشكل واضح لاستعادة إرث الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة باراك أوباما التي أبرمت الاتفاق النووي مع إيران، بما كان له الكثير من التداعيات السلبية على العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية في ظل أوباما - نيتنياهو.
بمعنى آخر، فإن بينيت الآن يتحدث بصوت نتنياهو مع رئيس أمريكي مختلف تماماً عن الرئيس الذي كان يتحدث معه نتنياهو وهو دونالد ترامب، ومن ثم فإن الخلافات القائمة بين رؤية ترامب ورؤية أوباما وبايدن بشأن التعامل مع الملف النووي الإيراني ستنعكس بالضرورة على ما يمكن أن يحققه بينيت من اختراق في الموقف الأمريكي حيال إحياء الاتفاق النووي بالشكل الذي يمكِّنه من تسويقه على أنه انتصار له مقارنة بما فعله نتنياهو.
2- استراتيجية القتل بألف جرح: كان واضحاً منذ البداية أن بينيت وصل إلى تقدير مفاده أنه لن يستطيع فرملة التوجهات الأمريكية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، ومن ثم حاول أن يخرج من جولته الأولى بأي نقاط للاتفاق بشأن ذلك الملف؛ وهو ما تشير إليه تصريحاته عقب لقاء بايدن، إذ قال: "إسرائيل لن تطلب أبداً من الولايات المتحدة إرسال قوات للدفاع عنها، وطلب محاصرة إيران وتنفيذ عمليات عينية هناك".
وفي محاولة لإجلاء ذلك الموقف، نقل باراك رفيد، المعلق السياسي في موقع "واللا" عن مسؤول إسرائيلي قوله إن خطة بينيت تمثل "الموت بألف جرح"، عبر قائمة طويلة من الأنشطة الصغيرة بوسائل متعددة بدلاً من شن حملة عسكرية تقليدية.
وأضاف المسؤول: "يتوجب علينا أن نكون فعالين وأن نضايقهم طيلة الوقت، حتى لو استغرق ذلك وقتاً طويلاً". باختصار، فإن استراتيجية بينيت تقوم على "الموت البطيء" لمحاولات إيران امتلاك السلاح النووي عبر عدد من العمليات والخطوات تقوم بها إسرائيل، وربما تساعد فيها الولايات المتحدة، لإنهاك إيران وتدمير قدرتها على الوصول لامتلاك السلاح النووي.
3- استمرار اتهام نتانياهو لبينيت بالخنوع: الحرب الداخلية في إسرائيل ضد رئيس الوزراء نفتالي بينيت، والتي يقودها رئيس الوزراء السابق نتنياهو وتستهدف إسقاط حكومة بينيت لم تتوقف منذ تشكيله الحكومة بصعوبة في يونيو الماضي.
ويستخدم نتنياهو ورقة الملف الإيراني للضغط بقوة على بينيت ويتهمه بالخنوع والتراخي في التعامل مع التقارير التي تحدثت عن قرب امتلاك إيران السلاح النووي. وفي حدث للقناة (20) الخاصة، يوم 27 يوليو 2021، أشار نتنياهو بوضوح إلى أن حكومته نجحت على مدى سنوات في تعطيل البرنامج النووي الإيراني، سواء من خلال الضغوط السياسية والاقتصادية على طهران، أو "العمليات" العسكرية التي نفذتها بلاده داخل إيران.
كما أضاف نتانياهو في هذا الصدد "نفذنا عدداً لا يُحصَى من العمليات" لعل أهمها حصول المخابرات الإسرائيلية في عهده على وثائق سرية من داخل العاصمة طهران عن المشروع النووي الإيراني، بما مكَّن إسرائيل من ممارسة ضغوط على واشنطن لتشديد العقوبات على إيران.
وكان واضحاً أن بينيت منذ أيامه الأولى يسعى للتمايز عن نتنياهو وسحب ورقة إيران من حلبة المزايدات عليه، فقام في 19 يونيو بإلغاء قرار نتنياهو الذي فرض بموجبه حظراً على مناقشة المسؤولين الإسرائيليين تفاصيل الاتفاق الجديد الذي قد يُبرَم بين واشنطن وطهران في محاولة للنأي بإسرائيل عن ذلك الاتفاق.
كما واظب بينيت على توجيه النقد الشديد لنتنياهو وسياساته تجاه الملف النووي الإيراني، ففي منتصف يوليو 2021 اتهم نتنياهو بالإهمال الشديد والفوضى تجاه ملف إيران النووي، وأن سياساته هي التي سمحت لإيران بالوصول إلى المرحلة الحالية في ملفها النووي. وربما كان ذلك سبباً في أن يؤكد بينيت للرئيس الأمريكي خلال لقائهما الأول بأنه لن يكرر ما فعله نتنياهو تجاه الملف النووي الإيراني.
4- أولوية تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة: على الرغم من حرص بينيت على التركيز على الملف النووي الإيراني في لقائه مع بايدن، فإنه كان حريصاً أيضاً على ألا يجعل من ذلك الملف محطة للخلاف مع الولايات المتحدة؛ إذ يدرك بينيت أن الإدارة الأمريكية الحالية عازمة على استئناف العمل بالاتفاق النووي مع إيران وأن اتباع سياسة الصدام معها بشأن ذلك الملف على نحو ما كان متوقعاً في حال استمرار نتنياهو سينعكس سلباً على العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، وهو أمر لا يمكن أن يتحمله بينيت في بداية رئاسته للحكومة.
وهنا يمكن فهم مغزى الرسائل التي أكد عليها بينيت خلال اللقاء، والتي لخصها في أنه لن يفعل كما فعل نتنياهو، ربما في إشارة إلى الصدام الذي حدث بين الأخير وأوباما، وشنه حملة على الاتفاق في عام 2015، وانتقاده أمام الكونجرس خطاب أوباما. أي أن بينيت، أولاً لن يشن حملة علنية ضد الاتفاق النووي الإيراني كما فعل نتنياهو، وثانياً أنه يعتقد أن الحوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيحقق نتائج أفضل حول الخلاف بشأن إيران. وثالثاً أنه سيعتمد سياسة "عدم المفاجآت" للولايات المتحدة والتنسيق معها في الإجراءات والسياسات التي سيتبعها تجاه إيران.
في هذا السياق، يبدو واضحاً أن موقف الحكومة الإسرائيلية برئاسة بينيت لن يذهب بعيداً عن موقف نتنياهو في التعاطي مع الملف النووي الإيراني، فهو كما وصفته مجلة "ذا ناشونال إنتريست" الأمريكية، نتنياهو بوجه غير حزبي، وأنه سيدير تلك السياسة تجاه إيران بما لا يجعلها تؤثر على العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، التي تمثل له الأولوية أو ضمانة أساسية للبقاء في سدة الحكم والتمايز عن سلفه نتنياهو.
وبناءً عليه، يمكن فهم الرد الإسرائيلي في ظل بينيت على استهداف السفينة الإسرائيلية في بحر العرب من قبل إيران، بل والرد على ما قد يأتي من استهداف إيراني، إذ سيظل يتراوح ما بين الرد على أذرع إيران المسلحة في المنطقة واستهداف سفناً تابعة لإيران، وبين تعبئة المجتمع الدولي ضد سلوك إيران، كما فعل نتنياهو سابقاً.
وأخيراً، فإن الموقف الإسرائيلي من الاتفاق النووي الإيراني سينطلق من اعتباره أمراً محتمل الحدوث، وأن الدور الإسرائيلي الممكن الآن هو محاولة التأثير على بنود ذلك الاتفاق بالتشاور مع الولايات المتحدة التي حرص رئيسها جو بايدن خلال لقائه بينيت على التأكيد على التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل.