أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الفرصة الممكنة:

هل تقوي الأزمة الإيرانية نظام منع الانتشار؟

27 نوفمبر، 2014


إعداد: باسم راشد

يُمثل النزاع حول البرنامج النووي الإيراني التحدي الأكبر للجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية؛ فقد شهدت السنوات الماضية استمرار طهران في تطوير قدرات نووية تتيح لها إنتاج الأسلحة النووية، وانتهكت في كثير من الأحيان شروط اتفاقياتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقد انتهت محادثات الدول الست الكبرى مع إيران في 24 نوفمبر 2014 بعدم التوصل لحل نهائي بشأن ملفها النووي، وتم الاتفاق على تمديد المفاوضات مرة أخرى حتى أول يوليو 2015، بما يسمح للجمهورية الإسلامية بمواصلة صادراتها من النفط الخام خلال الفترة القادمة.

في ضوء ذلك، يشير البروفيسور "أوليفر ميير Oliver Meier" الباحث المشارك في "المعهد الألماني للشؤون الأمنية والدولية" (SWP)، في دراسته بعنوان: "الأزمة كفرصة: آثار النزاع النووي مع إيران على نظام منع الانتشار النووي"، إلى أن محاولات استعادة الثقة الدولية في النوايا السلمية للنظام الإيراني والتعامل مع إيران مثل غيرها من الدول "غير النووية " في إطار نظام منع الانتشار النووي ربما يستلزم أعواماً، وهو ما يدفع للتساؤل حول الآثار التي يُرتبها النزاع النووي الإيراني على نظام منع الانتشار النووي، وكيفية استثمار ذلك مستقبلاً؟

"النووي" الإيراني ونظام منع الانتشار

يؤكد Meier أن أي قرار خاص بالنزاع حول البرنامج النووي الإيراني ستكون له تداعياته على نظام منع الانتشار النووي؛ إذ توجد ثلاث مناطق أساسية يحدث بها تداخل أو بالأحرى ترابط بين الجهود الدولية للوصول لتسوية مع إيران، وبين النقاشات العامة الدائرة حول تقوية وتعزيز معايير وقواعد وإجراءات نظام منع الانتشار النووي.

أولي هذه المناطق المتداخلة هي إمكانية إصلاح وتقوية أدوات مراقبة تنفيذ الدول غير النووية لالتزاماتها في إطار نظام منع الانتشار. أما الثانية فهي أن السياقين الإيراني والدولي يتضمنان جهوداً للحد من قدرات الدول على إنتاج الأسلحة النووية أو تخصيب اليورانيوم في أراضيها. وتتعلق المنطقة الثالثة بالتساؤل حول ضمانات إمداد الوقود النووي بهدف إقناع الحكومات بالامتناع عن إغلاق دورات الوقود المحلية الخاصة بها.

وتشير الدراسة إلى أن النزاع حول البرنامج النووي الإيراني له أبعاد مختلفة؛ فإيران ليست دولة غير مهمة تطأ قدماها في النشاط النووي كما كانت ليبيا في السابق، بل هي قوة إقليمية لها نفوذها وتأثيرها، كما أن طموح طهران المُعلن هو الانضمام لقائمة الدول النووية الرائدة واستيعاب كل التكنولوجيات المعاصرة. وإضافة إلى ذلك، وعلى عكس كوريا الشمالية، لم تتهرب إيران من التفتيش الدولي عن طريق الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، بل إنها تحدَّت، أكثر من مرة، سلطة المؤسسات الدولية المختلفة بما فيها مجلس الأمن والذي لم تُنفِّذ قراراته حتى الآن.

وقد سعت كل من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة منذ عام 2003 للوصول إلى حل وسط مع طهران حول كيفية مراقبة والحد الفعَّال من الأنشطة النووية الإيرانية من أجل تقليل الخطر الذي قد ينتج عن الاستخدام العسكري الخاطئ لها. وإذا كانت إيران تحاول بالفعل استعادة ثقة المجتمع الدولي في نواياها السلمية من برنامجها النووي، فيجب عليها الاستجابة للمتطلبات الدولية فيما يتعلق بإجراءات التفتيش.

ويعتبر الكاتب أن حل الأزمة الإيرانية يمثل فرصة لتقوية نظام منع الانتشار النووي بالكامل؛ حيث سيلعب البرنامج النووي الإيراني الدور المحوري في المؤتمر التاسع للدول المشتركة في معاهدة منع الانتشار النووي، والذي سيُعقد في الفترة من 27 أبريل حتى 22 مايو 2015، في نيويورك. ففي أسوأ الحالات سيساهم هذا الموضوع في فشل المؤتمر كما حدث في عام 2005، أما في أفضل الحالات، فسوف الدول التقدم الذي قد يُحرز في البرنامج النووي الإيراني من أجل تقوية نظام منع الانتشار ككل، وهو ما قد يساهم بشكل مباشر في تحقيق مصالح ألمانيا، والتي تُعد الدولة الوحيدة غير النووية في هذا الإطار، بما يلقي عليها عبء تعزيز الترتيبات الخاصة بتقوية نظام منع الانتشار النووي ككل، وليس فقط الاقتصار على مشكلة البرنامج النووي الإيراني.

إيران والتفتيش الدولي

كشف النزاع حول البرنامج النووي الإيراني عن حدود تأثير نظام الضمانات النووية التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أشارت بعض الأدلة مؤخراً إلى أن طهران تُجري أبحاثاً عسكرية لتطوير برنامجها النووي تسليحياً،  ولم تكن تعلم الوكالة عن هذا الأمر شيئاً، مما يفتح مجالا للشك حول نظام الضمانات النووية وأدوات التفتيش التي تستخدمها، ومدى القدرة على الكشف عن الأبحاث العسكرية المحتملة والأنشطة المتطورة.

فيما يتعلق بنظام الضمانات النووية، أثارت الدراسة تساؤلين مهمين عند الحديث عن النشاط النووي الإيراني المدني ظاهرياً، وهما: ما إمكانيات نظام الضمانات الحالي؟ وكيف يمكن تطوير الإجراءات والأدوات الموجودة للتفتيش على الجوانب غير السلمية في البرنامج النووي؟

في بداية النزاع النووي، زعمت طهران أن الوكالة الدولية ليس لها الحق في طلب معلومات حول الأنشطة غير المرتبطة مباشرة بالمواد الانشطارية، ورأت أن الوكالة تجاوزت حدود دورها بالبحث عن المعدات والمواد غير المُعلنة، وهو ما يعد غير صحيحاً لأن اتفاق الضمانات النووية قد أعطى الأساس القانوني للتحقق من أنشطة الدولة، خاصة أن هذه الاتفاقية والترتيبات اللاحقة لها مُلزمة لجميع الدول.

وقد أكد ذلك النزاع النووي أهمية "البروتوكول الإضافي Additional Protocol" كجزء لا يتجزأ من نظام تفتيش الوكالة الدولية، وهو ما جعل الدول المُوقِّعة على هذا البروتوكول توافق على إمداد الوكالة الدولية بمعلومات إضافية حول برامجها النووية؛ بحيث يجب عليها منح المفتشين إمكانية الوصول للمواقع والمنشآت غير المُعلّن عنها، بل إنه أعطى الحق للوكالة في استخدام نظم التفتيش التكنولوجية الجديدة للحصول على المعلومات التي تريدها.

وقد قبلت إيران في محادثات جنيف 2013 بمزيد من الرقابة على برنامجها النووي، حيث أعطت الحق للوكالة الدولية في التفتيش على 5 مواقع نووية أخرى، إلى جانب 9 مواقع أخرى مُعلن عنها و16 منشأة نووية. ومع وصول حسن روحاني للرئاسة، بدا أن هناك مزيداً من الشفافية في البرنامج النووي الإيراني، إذ تخلت إيران بالفعل عن إصرارها على استخدام الوكالة للأدوات الموجودة فقط للتفتيش على برنامجها النووي السلمي، وأعطت مزيداً من الانفتاح والقبول بتفتيش أكبر من جانب الوكالة، إلا أن السؤال الفيصلي هنا لم يعد هل ستقبل إيران بمزيد من التفتيش كجزء من حل طويل المدى للنزاع النووي أم لا؟ بل أصبح السؤال هو: على أي نطاق يحدث ذلك وخلال أي وقت يمكن اتخاذ تلك التدابير؟

وفي نفس الصدد، ومن منظور منع الانتشار النووي، فمن المهم معرفة ما إذا كان هناك أي بُعد عسكري محتمل للبرنامج النووي الإيراني، للعديد من الأسباب أهمها أن ذلك سيُحجم خطر استمرار طهران في تطوير أسلحة نووية، وسيخلق أرضية لتطوير أدوات وآليات الرقابة والتفتيش داخل النظام ككل.

لكن هنا يثير Meier نقطة هامة يجب أخذها في الاعتبار، وهي أنه لا يوجد اتفاق بين الدول الموقعة على معاهدة منع الانتشار النووي على تعريف واحد لكلمة "تصنيع Manufacture" كما جاءت في المادة الثانية من ميثاق المعاهدة؛ حيث يحق للوكالة فقط التفتيش والرقابة على الأنشطة المعلنة والتي تتضمن مواداً انشطارية، فماذا إذا كانت هناك أنشطة أخرى تخدم تطوير الأسلحة النووية لكنها لا تتضمن مواداً انشطارية؛ مثل الصواعق التقليدية عالية الأداء، أو رؤوس الصواريخ أو غيرها؟

نحو الحد من انتشار الأنشطة النووية غير السلمية

من وجهة نظر  Meier، يُعد التحدي الأكبر أمام الحل الدبلوماسي في التعامل مع الأزمة الإيرانية هو الوصول إلى اتفاق من شأنه الحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وذلك بهدف مدّ الفترة التي تحتاجها إيران لإنتاج سلاح نووي وهو ما يعرف بـ"breakout capacity"، إلا أن الوصول إلى مثل هذا الاتفاق يعتبر صعباً للغاية، خصوصاً في ظل عدم وجود قواعد دولية ملزمة تفرض قيوداً على نطاق البرامج النووية المدنية طبقاً للمادة الرابعة من معاهدة منع الانتشار النووي، كما أن كافة محاولات تعديل هذه المواد باءت بالفشل.

ومن ناحية أخرى، تصر إيران على أن حقها في إغلاق دورات الوقود النووية لا يجب أن تُنتهك، لكنها تقبل بعض القيود الكمية والكيفية على برنامجها النووي، وقد طبقت ذلك بالفعل حتى عام 2006 وحتى نوفمبر 2013. وفي إطار اتفاقية باريس - على سبيل المثال - وافقت طهران على عدم إجراء أية تجارب لليورانيوم كخطوة جديدة على طريق بناء الثقة في النوايا السلمية للنظام الحاكم فيما يتعلق بالبرنامج النووي.

جدير بالذكر أن هناك اتجاهين متعارضين في المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، يتمثل الاتجاه الأول في الدول الشركاء في المفاوضات مع إيران وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، إذ يرغبون في تقييد عدد أجهزة الطرد المركزي في منشآت ناتاز وفوردو وتقليل قدراتها الحالية. فيما تزعم إيران، من اتجاه آخر، أنها تنوي تلبية مطالب الوقود المستقبلية، ولذا يجب أن توسع من قدراتها الحالية. لكن خلال جولات المفاوضات الأخيرة اقتنعت إيران بفكرة تقليل أو الحد من تخصيبها لليورانيوم، وهو ما أرجعه بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى النجاح الأمريكي في المحادثات، وذلك مقابل إعلان القادة الإيرانيين أن أي مطالبات بتخفيض القدرات الحالية تعد خطاً أحمراً لا يجب تجاوزه.

خلاصة القول، يرى الكاتب أن فشل العديد من المحادثات مع إيران قد أدى لانحسار النقاشات الدولية المُوَّسعة حول مدى مناسبة النماذج متعددة الأطراف كأداة لمنع الانتشار النووي، مشيراً إلى أنه يجب على دول معاهدة منع الانتشار أن تركز أكثر على آليات أخرى مثل إنشاء احتياطي من اليورانيوم منخفض التخصيب تحت رقابة الوكالة الدولية، وهو ما قد يقنع دول مثل إيران بضرورة الحد من توسيع قدراتها النووية.

كما أن كافة الجهود لتطوير إجراءات رقابية وتقييد البرامج النووية ستحقق مزيداً من النجاح إذا كانت قائمة على التوازن بما يراعي مصالح جميع الدول؛ إذ ترى غالبية دول منع الانتشار أن المعاهدة شأن تبادلي بحيث تتوازن الرقابة القوية مع التقدم في جهود نزع السلاح، وهو ما سيراعي بالضرورة مصالح دولة غير نووية مثل ألمانيا، سواء فيما يتعلق بنزع السلاح أو تعميق الشفافية فيما يتعلق بأنشطة الدول النووية.

*عرض موجز لدراسة تحت عنوان: "الأزمة كفرصة: آثار النزاع النووي مع إيران على نظام منع الانتشار النووي"، المنشورة في نوفمبر 2014 عن المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وهو من المراكز البحثية الألمانية المهمة، ومُقرب من دوائر صنع القرار، حيث يقدم المشورة لأعضاء البرلمان وللحكومة الألمانية في جميع القضايا الخاصة بسياسة ألمانيا الخارجية والأمنية.

المصدر:                             

Oliver Meier, Crisis as Opportunity: Implication of the Nuclear Conflict with Iran for the Nuclear Non-Proliferation Regime (Berlin, German Institute for International and Security Affairs, November 2014)