إعداد: محمد أحمد عبدالنبي
مع اقتراب يوم 24 نوفمبر 2014، الذي يعتبر آخر موعد للتوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني بين طهران ومجموعة "5+1" (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا)، تُثار التكهنات حول إمكانية التوصل إلى هذا الاتفاق في الموعد المحدد، على نحو يكفل عدم تضمن البرنامج النووي الإيراني أي أهداف وأنشطة غير سلمية، وبما يؤدي من ناحية أخرى إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
وعلى الرغم من رصد حصول بعض التقدم في هذه المفاوضات طيلة الفترة الماضية، لكن تظل هناك عقبات تجعل المواقف التفاوضية للدول الست الكبرى مع إيران متباعدة في بعض النقاط ذات الصلة بقدرات طهران في مجال تخصيب اليورانيوم.
وسعياً نحو متابعة مسار المفاوضات الجارية في الملف النووي الإيراني في ضوء "خطة العمل المشتركة" التي تم إبرامها في نوفمبر 2013 بين طهران و"مجموعة 5+1"، والتحديات التي تواجه نجاحها والحلول المتاحة للتغلب على تلك التحديات، نشر المعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس) دراسة تحت عنوان: "المستقبل النووي الإيراني"، والتي أعدها كل من "ريتشارد دالتون" Richard Dalton، وهو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شاتام هاوس، و"بيتر جينكنز" Peter Jenkins، وهو دبلوماسي بريطاني سابق، وعمل في مركز جنيف للسياسة الأمنية.
ما الذي جرى في ظل "خطة العمل المشتركة"؟
بدايةً تؤكد الدراسة على أنه رغم صدور فتوى دينية في عام 2003 من آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران، بأن أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية "حرام" شرعاً وأنها تمثل خطيئة، ومن ثم وجوب التزام الدولة الإيرانية بهذا السلوك، إلا أنه لاتزال هناك شكوك من قبل المجتمع الدولي حول إمكانية التزام طهران وكافة مؤسساتها بهذه الفتوى وعدم إلغائها مع تغير الظروف، مستدلاً على ذلك بالتصرفات الإيرانية التي تتسم بالمراوغة والتغير.
وتتطرق الدراسة إلى بنود "خطة العمل المشتركة" المبرمة في عام 2013، وما أسفرت عنه، كالتالي:
أ- تحجيم البرنامج الإيراني: ففي إطار محاولة إزالة المخاوف، نفذت إيران تعهداتها الخاصة بالمرحلة الأولى من "خطة العمل المشتركة"، حيث قامت بالآتي: (وقف إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة تقارب 20%، والامتناع عن التوسع في تركيب أو تشغيل أجهزة الطرد المركزي الخاصة بها، وإيقاف تركيب معدات جديدة أو عناصر الوقود في مفاعل أراك).
ب- تسهيل وتعزيز عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية: أكدت الدراسة أن البروتوكول الإضافي يُمكِّن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الحصول على المعلومات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني وإتاحتها، كما وافقت الجمهورية الإسلامية والوكالة الدولية على كيفية إجراء تحقيق بخصوص الأنشطة النووية السابقة ذات الطبيعة العسكرية المحتملة.
ج- اتفاق مؤقت بشأن مفاعل "أراك": اقترحت مجموعة الست الكبرى أن يتم تعديل مفاعل "أراك"، لكي يعمل باليورانيوم منخفض التخصيب بدلاً من اليورانيوم الطبيعي، كما أن هناك الآن اتفاق من حيث المبدأ على إعادة تصميم المفاعل من أجل ضمان أن يكون إنتاجه من البلوتونيوم أقل بكثير جداً مما كان متصوراً.
د- التقدم في منشأة "فوردو" النووية: فقد عرضت إيران أن تتحول محطة "فوردو" إلى منشأة بحثية، وهو الأمر الذي سوف ينهي من اليورانيوم منخفض التخصيب في هذه المحطة.
هـ- الاتفاق على تخفيف العقوبات على إيران مرحلياً: في ضوء اهتمام الدول الست الكبرى بإعطاء حافز لطهران للوصول لحل شامل وتنفيذ كافة بنود الاتفاق، فقد تم الاتفاق على أن تعليق ثم إنهاء العقوبات النووية المفروضة سيكون تدريجياً.
تحديات المفاوضات.. والحلول الممكنة
تشير الدراسة في هذا الجزء إلى عدد من التحديات التي تعترض طريق المفاوضات بين إيران والدول الست الكبرى بشأن الملف النووي، مع طرح حلول لها، كالتالي:
1- المعايير المستقبلية لبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني:
اتخذت الأطراف المتفاوضة خطوة نحو حل هذه المعضلة من خلال الموافقة في "خطة العمل المشتركة" على أن تصبح معايير برنامج التخصيب متوافقة مع الاحتياجات الفعلية لإيران، وكذلك على دمج اليورانيوم منخفض التخصيب داخل وقود المفاعل بدلاً من تخزينه.
وعندما تم تجديد "خطة العمل المشتركة" بحلول يوليو 2014، لم يكن ثمة اتفاق على عدد ونوعية آلات الطرد المركزي التي ستعمل في إيران، ومدة القيود المفروضة عليها.
وأشارت الدراسة إلى أنه نظراً لتشكك مجموعة (5+1) في نوايا إيران، لذا أصرت على وضع قيود على القدرات الإيرانية وعدم تمكينها من صنع وقود لجميع مفاعلات الطاقة النووية، كما رفضت هذه الدول توفير وقود لمفاعل "بيشاور"، مؤكدةً ضرورة أن تصبح قدرة التخصيب الإيرانية متواضعة في المستقبل القريب.
وقد سلط الكاتبان الضوء على عدد من المشكلات التي قد تعترض المفاوضات، ومنها التخطيط الإيراني لبناء ما لا يقل عن أربعة مفاعلات صغيرة لإنتاج النظائر الطبية التي يمكن أن تكون مصممة لحرق اليورانيوم منخفض التخصيب. ويصبح الحل هنا هو تحديد فترة زمنية للوقوف على الاحتياجات الإيرانية اللازمة لإنتاج المفاعلات الأربعة، كما أنه مع الرقابة المتطورة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكن ضمان عدم تعدي إيران للحدود المسموح بها.
كما تظهر مشكلة أخرى ممثلة في إمكانية طلب إيران لمخزون كبير من اليورانيوم منخفض التخصيب لكي تضمن توفر الوقود في حال وقف إمداده لمفاعلاتها، ويمكن علاج ذلك من خلال تشجيع روسيا على توفير الوقود اللازم لمفاعل "بيشاور" ولباقي المفاعلات المخطط إنشاؤها.
2- الجدول الزمني ورفع العقوبات:
فشلت الدول الست الكبرى في إقناع إيران بقبول الحد الزمني الأدنى لإنهاء تخصيب اليورانيوم، والذي اقترح بأن يستمر لفترة طويلة تبلغ 20 عاماً، ومن جانبها فشلت طهران في إقناع مجموعة (5+1) بضرورة زيادة قدرتها الإنتاجية بعد 5 سنوات كحد أقصى، ويعني ذلك أن إيران ليست جاهزة للاستسلام لما تعتبره حقها في استخدام منشآتها المحلية من أجل إنتاج الوقود اللازم لمفاعلات الطاقة.
وأوضح الكاتبان في دراستهما أن أحد الحلول للخروج من هذه الأزمة هو تقييد قدرة إيران على التخصيب عن طريق تخصيص فترة زمنية لتمكين وكالة الطاقة الذرية من التحقق من عدم وجود أنشطة نووية غير معلنة في إيران.
وأشارت الدراسة إلى اكتشاف مفتشي الوكالة الدولية العديد من انتهاكات إيران للضمانات التي تم الاتفاق بشأنها بعد عام 2003، وهو ما يصعب معه تبرير الموقف الإيراني. ومع ذلك فإنه يمكن توسيع فترة بناء الثقة عن طريق إحجام طهران عن زيادة قدرتها التخصيبية حتى تصبح في حاجة فعلية لذلك.
وفي ضوء ما سبق، لا يُستبعد استمرار العقوبات على إيران إذا فشلت في الوفاء بمتطلبات المرحلة الأخيرة من الاتفاق سواء كلياً أو جزئياً.
3- الوفاء بمتطلبات مجلس الأمن الدولي:
بصفة عامة فإن القرارات التي تبناها مجلس الأمن في ظل المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، تتطلب من إيران توسيع تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل، وتطبيق البروتوكول الإضافي، وتعليق جميع الأنشطة المرتبطة بتخصيب اليورانيوم، وأنشطة مفاعل أراك ذات الصلة.
وقد رفضت إيران المطالب الخاصة بتعليق أنشطة التخصيب منذ انهيار صيغة التفاهم التي تم التوصل إليها مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا في عام 2003. وعلى الرغم من ذلك لا تستبعد الدراسة أن تقوم إيران بتعليق مقتضب جداً لحفظ ماء وجه مجلس الأمن، وهو ما يمكن حدوثه إذا ما أرادت ذلك الأطراف المشاركة في الاتفاق خلال الخطوة النهائية من الحل الشامل.
4- الحقوق والواجبات الخاصة بنظام منع الانتشار:
يشير النص الخاص بخطة العمل المشتركة إلى أن المرحلة النهائية ستعكس حقوق والتزامات الأطراف الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ونظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بيد أن الأطراف المعنية بالحل النهائي لقضية إيران لا ترغب في وضع تصور مشترك لهذه الحقوق والواجبات، لاسيما في ضوء الخلاف حول المادة الرابعة من معاهدة حظر الانتشار والمتعلقة بـ"حق التخصيب"، حيث تستخدمها الولايات المتحدة في مواجهة الدول غير النووية لمنع الانتشار النووي في العالم.
ويرى الكاتبان أن التعامل مع البرنامج الإيراني مثل بقية الدول غير المسلحة نووياً في معاهدة حظر الانتشار النووي، سيُمكن الجمهورية الإسلامية من أن تصبح ضمن مجموعة الدول المنتجة أو الموفرة للطاقة النووية، وامتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية مستقبلاً.
5- البُعد العسكري المحتمل:
أتاحت "خطة العمل المشترك" تشكيل لجنة مشتركة تضم إيران ومجموعة (5+1) للعمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل التوصل إلى حلول بشأن القضايا الماضية والحالية، والتي تثير قلق الوكالة. ومن ثم فإن هذه اللجنة تعد بمنزلة آلية يُمكن من خلالها لطهران تبديد مخاوفها إزاء الوكالة من ناحية، ومن ناحية أخرى الحصول على ضمانات من الدول الست الكبرى بألا يتم توجيه تساؤلات لها عن أنشطة قامت بها في الماضي. كما يُمكن لمجموعة (5+1) الاتفاق مع إيران على مناقشة أي شكوك مستقبلية متعلقة بالأنشطة النووية أو غير النووية من خلال اللجنة المشتركة.
مواقف الجانبين (الإيراني والأمريكي)
تركز الدراسة على الطرفين المؤثرين في هذه الأزمة، وهما:
1- إيران: أشارت الدراسة إلى السعي الإيراني لتقليل المخاوف الدولية وكذلك تجاوز تأثير العقوبات تدريجياً، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تقليل امتيازاتها للحد الأدني، كما أشارت إلى الرغبة الإيرانية في تنويع مصادر توليد طاقتها الكهربائية بعيداً عن البتروكيماويات، وأن تمتلك صناعة نووية تُمكنها من الظهور كدولة قوية ومتقدمة.
أما على الصعيد الداخلي، فقد أكد الكاتبان نجاح المرشد الأعلى "خامنئي" في إحداث توازن بين مؤيدي الرئيس الإيراني حسن روحاني ومعارضيه؛ الأمر الذي أدى إلى قلة عدد الأصوات الرافضة داخل البرلمان الإيراني لدخول بلادهم في مفاوضات تحفظ حق إيران النووي وتنهي العقوبات الدولية والاقتصادية عليها.
2- الولايات المتحدة: تعد واشنطن هي القوة المؤثرة ضمن مجموعة الست الكبرى التي يتوجب على إيران أن تتعامل معها، وتنوي إدارة الرئيس أوباما تنفيذ شروط "خطة العمل المشتركة" والتي تراها تخدم المصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن إعادة التقارب الأمريكي - الإيراني منذ عام 2013 يعد أمراً تاريخياً، فإن قدرته على التأثير تظل محدودة، وذلك بسبب المعارضة القوية داخل الكونجرس - المدفوعة في جزء منها من السياسة الإسرائيلية الرافضة للمفاوضات- لاستراتيجية أوباما نحو إيران، حيث تضغط هذه المعارضة لفرض مزيد من العقوبات.
ختاماً، تخلص الدراسة إلى استنتاج مفاده أن المستقبل النووي لإيران يتحدد في ضوء احتمالين لا ثالث لهما: الأول أن إيران مصممة على امتلاك أسلحة نووية، والثاني أن طهران لم تقرر امتلاك سلاح نووي. ووفقاً للاحتمال الأول فإن إمكانية التفاوض ستقل، وتزداد فرص اللجوء للحلول غير الدبلوماسية التي قد تصل لحرب محتملة، ولكن وفقاً للاحتمال الثاني، فإن فرص الحلول السلمية والدخول في مفاوضات تصبح أكثر جدوى عن غيرها من الوسائل.
لذا ترى الدراسة أنه يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التأكد من النوايا الإيرانية في هذا الشأن لتحديد الطريق الأمثل للتعامل معها، وبما أن الدول الست الكبرى قد اختارت الدخول في مفاوضات، فإن عليها أن تطلب من إيران تنفيذ المزيد من إجراءات إثبات حسن النوايا وبناء الثقة، وهو ما يمكن أن يؤدي للتوصل إلى إتفاق مفيد للأمن العالمي والإقليمي لأنه سيعزز نظام عدم الانتشار بصفة عامة؛ فضلاً عن كونه فرصة أفضل لتجنب سباق تسلح نووي في المنطقة.
* عرض موجز لدراسة بعنوان: "المستقبل النووي الإيراني" المنشورة في سبتمبر 2014 عن المعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس).
المصدر:
Peter Jenkins and Richard Dalton, Iran’s Nuclear Future, (London: The Royal Institute of International Affairs, September 2014).