في انتخابات تعد واحدة من أهم المحطات في مسار السياسة الداخلية الإيرانية، توجه الناخبون الإيرانيون لصناديق الاقتراع، يوم الجمعة 18 يونيو، لانتخاب رئيس جديد، سيتولى السلطة مطلع شهر أغسطس بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي حسن روحاني. ومع إعلان النتائج بفوز إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية والمرشح المحسوب على التيار المتشدد، فإن أحد الأسئلة الرئيسية المطروحة يتعلق بمستقبل العلاقات الأمريكية الإيرانية، خاصة في ظل عدد من المحددات الرئيسية، أبرزها إبراهيم رئيسي نفسه، الذي يخضع لعقوبات أمريكية، وتسلمه السلطة قد يتزامن مع إعلان الوصول إلى اتفاق نووي جديد بين واشنطن وطهران، إضافة إلى الموقف داخل الدوائر الأمريكية من الأوضاع في إيران.
"إبراهيم رئيسي" رئيساً
بدأ سباق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، مطلع شهر أبريل، بعد تقدم المرشحين بأوراقهم إلى مجلس صيانة الدستور، وانتهت القائمة الرئيسية للمرشحين بدخول أربعة للسباق الانتخابي، هم إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية، ومنافس روحاني في انتخابات 2017، ومحسن رضائي، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني، وعبدالناصر همتي، محافظ البنك المركزي الإيراني السابق، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، نائب رئيس البرلمان.
وانطلقت الانتخابات فعلياً يوم الجمعة 18 يونيو، الموعد الرسمي المحدد سلفاً ليوم التصويت، وسط توقعات بانخفاض المشاركة السياسية، وقد أعلنت نتائج الانتخابات، صباح يوم السبت 19 يونيو، بفوز إبراهيم رئيسي بالمقعد الرئاسي في انتخابات الرئاسة، بنسبة 62% من إجمالي الأصوات، بعد مشاركة 28 مليون ناخب في الانتخابات من إجمالي 59 مليون ناخب مسجل.
موقف واشنطن
تولي واشنطن اهتماماً خاصاً بانتخابات الرئاسة الإيرانية 2021، فالدوائر السياسية الرسمية ممثلة في البيت الأبيض والكونجرس، وغير الرسمية ممثلة في مراكز الفكر ووسائل الإعلام، تراقب هذه الانتخابات عن كثب، وتركز على نتائجها المتوقعة، وتداعياتها بترقب حذر، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1- البيت الأبيض: لم يعلن البيت الأبيض، حتى الآن - صباح يوم السبت 19 يونيو - أية بيانات رسمية بشأن الانتخابات باعتبارها شأناً داخلياً إيرانياً، لكن من المتوقع أن تصدر عن هذه الجهات بيانات بعد إعلان نتائج الانتخابات. وبشكل عام فإن إعلان فوز إبراهيم رئيسي، المحسوب على التيار المتشدد فعلياً، بعدما كان أمراً متوقعاً في السابق داخل الدوائر الرسمية الأمريكية، سيفرض نفسه بقوة على أجندة عمل دوائر البيت الأبيض، خاصة وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي خلال الفترة القادمة، مع الوضع في الاعتبار أن رئيسي يخضع لعقوبات أمريكية فرضتها عليه وزارة الخزانة الأمريكية يوم 4 نوفمبر 2019، لتورطه في أعمال قمع وحشي مارسها النظام ضد "احتجاجات الحركة الخضراء الإيرانية" التي أعقبت انتخابات 2009 ومشاركته بصفته نائب المدعي العام في طهران فيما سمي بـ "لجنة الموت" التي أمرت بإعدام آلاف السجناء السياسيين خارج نطاق القضاء في عام 1988.
2- الكونجرس: لم يصدر حتى يوم الانتخابات بيان من الكونجرس بشأن الانتخابات، وتحديداً من لجان الكونجرس الرئيسية المعنية بالشؤون الخارجية، سواء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أو نظيرتها في مجلس النواب، على الرغم من صدور بعض البيانات من بعض أعضاء الكونجرس بشكل فردي، لانتقاد الانتخابات والتأكيد على أنها مزورة.
وبغض النظر عن صدور بيان من عدمه، فإن الأمر الأهم في موقف الكونجرس، يتعلق بموقف الجمهوريين الرافضين لإعادة الاتفاق النووي مع إيران، وهؤلاء سينظرون إلى نتائج الانتخابات ووصول رئيس متشدد باعتبارها تأكيداً لموقفهم بشأن عدم العودة إلى الاتفاق وتمكين إيران التي يحكمها المتشددون من الاستفادة من عوائد هذا الاتفاق.
3- الدوائر غير الرسمية: الاتجاه العام في الدوائر غير الرسمية – مراكز الفكر، وسائل الإعلام - يرى أن انتخابات الرئاسة الإيرانية تمت هندستها مسبقاً ليفوز إبراهيم رئيسي، القريب من المرشد الأعلى على خامنئي، وذلك ليحكم المتشددون سيطرتهم على نظام الحكم، وأن يكون هناك تناغم بين مؤسسات الحكم في ظل هيمنة تيار واحد، وثمة اتفاق عام بين الخبراء والكتاب في المؤسسات البحثية والإعلامية الأمريكية على أن ضعف نسبة المشاركة السياسية في انتخابات 2021 يعد مؤشراً قوياً على تآكل شرعية النظام وتراجع مساحة الحرية الهامشية والشكلية المتاحة داخل النظام الإيراني، وأن إيران مقبلة على مرحلة أكثر من القمع والتشدد. وبالتوازي مع موقف مراكز الفكر ووسائل الإعلام، تنظر المنظمات الحقوقية بقلق متزايد تجاه فوز إبراهيم رئيسي المتوقع، وذلك باعتباره واحداً من الشخصيات ذات السجل السيئ في انتهاك حقوق الإنسان.
استمرار التوتر
مع فوز المرشح المتشدد إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية، ووصوله للمقعد الرئاسي، خلفاً للرئيس الحالي حسن روحاني، فإن المسار المتوقع للعلاقات بين واشنطن وطهران، سيكون استمرار التوتر بين الطرفين بدرجات متفاوتة، بين تواصل النمط الراهن للتوتر في العلاقة، أو مستوى جديد من التوتر قد يفضي إلى أزمة حادة بين الطرفين، وذلك على الرغم من احتمالات وصول الجانبين إلى اتفاق نووي ثان 2021، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب في مسار العلاقة بين واشنطن وطهران في ظل حكم إبراهيم رئيسي:
1- تزايد الحاجة لإنجاز الاتفاق النووي الثاني 2021: في ظل وصول "إبراهيم رئيسي" للمقعد الرئاسي، أصبح الوضع ضاغطاً أكثر للوصول إلى "اتفاق نووي ثان 2021"، يحدد الأطر العامة للعودة للاتفاق الأول – اتفاق عام 2015-، وهذا يفسر التصريحات التي نقلها موقع "أكسيوس الإخباري" الأمريكي في تقرير نشره يوم الجمعة 18 يونيو، عن مسؤول أمريكي يقول فيها: "إن الإدارة ترغب في الوصول إلى اتفاق نووي خلال مدة ستة أسابيع"، بمعنى أن الإدارة تريد التوصل إلى اتفاق قبل انتهاء مهمة الرئيس حسن روحاني فعلياً مطلع شهر أغسطس، بحيث يكون هناك اتفاق قبل تسلم إبراهيم رئيسي مهامه الرئاسية".
2- تعقد المفاوضات اللاحقة ما بعد الاتفاق النووي الثاني: معظم التقديرات في واشنطن تشير إلى أن الاتفاق النووي الثاني 2021، سيتضمن نصاً على مفاوضات لاحقة تعالج المسائل المرتبطة ببرنامج إيران الصاروخي، وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وعلى الرغم من أنه من المبكر الحديث عن هذه المفاوضات، قبل خروج الاتفاق الثاني للنور فعلياً، فإن إدارة بايدن ستواجه تحدياً رئيسياً يتمثل في تعنت شديد من قبل طهران في ظل رئاسة إبراهيم رئيسي في مناقشة هذه الملفات، أو حتى القبول بتقديم حلول وسط بشأنها، الأمر الذي سيجعل ملفي برنامج إيران الصاروخي وأنشطتها في المنطقة مفتوحين بشكل مستمر.
3- معضلة مواجهة الهجوم في الداخل الأمريكي: مع افتراض التوصل إلى اتفاق نووي ثان، قبل وصول إبراهيم رئيسي لمقعد الرئاسة، فإن عوائد هذا الاتفاق بعد رفع العقوبات عن إيران، خاصة المرتبطة ببرنامجها النووي، سوف تدعم وتعزز وضعية نظامه في الداخل، خاصة أن رفع هذه العقوبات سيساهم في إنعاش الاقتصاد الإيراني، وتحسن نسبي في مؤشرات البطالة والتضخم. وهذه النتيجة تعني أن إدارة بايدن ستواجه انتقادات شديدة في الداخل، خاصة من الجمهوريين، ومراكز الفكر ووسائل الإعلام المؤيدة لهم، والتي سترى أن الإدارة تدعم الجناح المتشدد في إيران، وهذا سيفرض على الإدارة تبني استراتيجية علاقات عامة نشطة للدفاع عن موقفها في إبرام الاتفاق الثاني 2021 للعودة إلى اتفاق 2015.
4- استمرار التوتر وصولاً لأزمة حادة في العلاقات: على الرغم من أن التوجه العام لإدارة بايدن يتعلق بتهدئة التوتر مع إيران، ومحاولة تجنب الأزمات معها، فإن وصول إبراهيم رئيسي للسلطة واستمرار السياسات الإيرانية لزعزعة استقرار الشرق الأوسط، واستمرار طهران في سياسات بناء وترسيخ نفوذها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، من المحتمل أن تزيد التوتر في العلاقة بين إدارة بايدن وطهران، وقد يصل هذا التوتر إلى أزمة حادة، إذا اضطرت الإدارة، وتحت ضغط داخلي من الجمهوريين والتيار الليبرالي الذي سيصعد انتقاداته للرئيس الإيراني الجديد بسبب سجله في انتهاك حقوق الإنسان، إلى فرض عقوبات جديدة على الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وإذا حدث هذا الاحتمال، الذي يبدو بعيداً نسبياً، سيؤدي ذلك إلى أزمة حادة بين واشنطن وطهران، باعتبار الرئيس هو الشخص الثاني في هيكل النظام، ولو شكلياً.
5- استمرار المعضلة الإيرانية وتعقد خيارات واشنطن: تشير تقييمات دوائر الفكر الأمريكية إلى أن إدارة الرئيس بايدن لا تمتلك استراتيجية واضحة في التعامل مع إيران، لكنها تتحرك من أجل هدف رئيسي واحد، وهو العودة للاتفاق النووي، لوضع قيود على برنامج إيران النووي ومنعها من امتلاك سلاح نووي، قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي في المنطقة. لكن تحقق هذا الهدف، والعودة إلى الاتفاق النووي، لا يعني تغييراً في سلوك إيران في المجالات الأخرى، سواء سياستها الإقليمية، أو تقاربها مع الصين التي أصحبت التهديد الأول وفقاً للأمن القومي الأمريكي، وما يتعلق بالوضع الداخلي في إيران وانتهاكات حقوق الإنسان.
ومن ثم، فإن وصول إبراهيم رئيسي للمقعد الرئاسي خلفاً لحسن روحاني، وحتى مع التوصل لاتفاق نووي جديد، يعني أن بقية القضايا الخلافية بين واشنطن وطهران –السياسات الإقليمية لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، والتقارب مع الصين، وانتهاكات حقوق الإنسان- سوف تستمر، وتعقد تلك القضايا سيضع إدارة بايدن في مأزق حقيقي، ففي ظل رغبة الإدارة في تهدئة الوضع في الشرق الأوسط، والتركيز على مواجهة الصين، سيعرقل موقف إيران في ظل سيطرة المتشددين، أية فرص لنجاح واشنطن في إحداث تغيير في المنطقة نحو التهدئة في الملفات المرتبطة بإيران، ومن ثم سيكون العامل الأمريكي أقل تأثيراً أو محدداً غير مؤثر بشكل كبير.
ختاماً، فإنه على الرغم من أن نتائج الانتخابات الإيرانية التي حسمت لصالح إبراهيم رئيسي، ستكون لها تداعيات كبيرة على الساحة الداخلية، خاصة تراجع تيار الإصلاحيين، فإن التداعيات الأهم لنتائج تلك الانتخابات، ربما ستكون في ملف العلاقات الأمريكية الإيرانية، الذي من المحتمل أن يشهد مزيداً من التوتر، الذي من المحتمل أيضاً أن يفضي لأزمة في العلاقات إذا فرضت واشنطن عقوبات جديدة على إبراهيم رئيسي، كما أن وصول رئيسي للسلطة سيؤكد أن قدرة واشنطن على تهدئة الملفات المرتبطة بإيران في المنطقة تظل محدودة في ظل هيمنة المتشددين على طهران.