أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

INDEPENDENT:

ماذا ينتظر اقتصاد تركيا مع تدخلات أردوغان في السياسات النقدية؟

16 يونيو، 2021


كشف تقرير حديث أن استمرار تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السياسة النقدية للبلاد، التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة وعنيفة، تسبب في ارتباك كبير بملف السياسات النقدية والمالية التي من المفترض أن يحددها البنك المركزي التركي وفق النظريات الاقتصادية القائمة، وليس وفقاً لوجهات النظر الشخصية.

وأوضح التقرير أن هذا الارتباك انعكس في الإقالات التي قام بها الرئيس التركي لمحافظي البنك المركزي وبعض نوابهم، لرفضه سياساتهم المتعلقة بسعر الفائدة وكيفية إدارة السياسة النقدية والمالية بشكل عام. 

لكن هذه الإقالات لم تسفر عن تحسن في وضع الاقتصاد، بخاصة أن السياسات النقدية لم تشهد تغيراً ملموساً كما كان يأمل أردوغان. ففي حين أن ناجي إقبال، محافظ "المركزي"، أقيل بسبب رفع سعر الفائدة من 17 إلى 19 في المئة في 18 مارس (آذار) 2021، أي قبل إقالته بيومين، بهدف احتواء التضخم والحفاظ على سعر صرف الليرة، فإن المحافظ الجديد شهاب كافجي أوغلو أبقى على السعر نفسه حتى الوقت الراهن، الأمر الذي دفع أردوغان للتأكيد، في مطلع يونيو (حزيران) الحالي، أن بلاده بحاجة إلى خفض أسعار الفائدة، وأنه تحدث إلى المحافظ بهذا الشأن، مما أدى إلى انخفاض الليرة لمستويات قياسية جديدة مقابل الدولار، لتصل إلى 8.88 ليرة للدولار.

فشل احتواء أزمة الليرة

وتطرق التقرير الصادر عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أن تقلبات سعر الصرف كانت أحد الأسباب التي دفعت وكالة "موديز"، إلى عدم تغيير تصنيفها ونظرتها المستقبلية السلبية لاقتصاد تركيا، والتي كانت قد حددتها في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث خفضت تصنيفها الائتماني من "بي 1" إلى "بي 2"، مع نظرة مستقبلية سلبية. وتوازى ذلك مع إعلان وكالة "فيتش" أن هناك مخاطر عديدة تفرض ضغوطاً على البنوك التركية، يتمثل أبرزها في تقلبات سعر الصرف، وجائحة كورونا.

فيما لم ينعكس ارتباك السياسة النقدية على الوضع المالي للدولة فحسب، بل ارتبط بانتقادات سياسية من جانب قوى المعارضة بسبب عدم قدرة الحكومة على احتواء التراجع في قيمة الليرة، حيث اتُهمت الأخيرة بإهدار 128 مليار دولار خلال ثمانية أشهر، خلال فترة تولي صهر الرئيس بيرات البيرق وزارة الخزانة والمالية في البلاد، بسبب قرار رفع أسعار الفائدة كمحاولة لتثبيت سعر صرف الليرة، وتصاعدت الدعوة إلى توضيح أوجه صرف ذلك المبلغ.

وقد جاء رد الرئيس التركي أردوغان على تلك الاتهامات في 21 أبريل (نيسان) الماضي، بالإشارة إلى أنه أُنفق 168 مليار دولار خلال عامين من احتياطي النقد الأجنبي لتمويل عجز الحساب الجاري، وتلبية الطلب على العملات الأجنبية والذهب من المستثمرين المحليين.

وعلى الرغم من الأرقام الرسمية التي ينشرها البنك المركزي، والتي تدل على تحسن وضع احتياطي النقد الأجنبي، فإن هناك مؤشرات أخرى تؤكد وجود تراجع في قدرة الدولة على الاستفادة منه، وهو ما يبرزه تراجع صافي احتياطيات النقد الأجنبي، والذي يعد قياساً للرقم الحقيقي الذي يمكن للدولة الاستفادة منه، بعد خصم التزاماتها قصيرة الأجل.

وإضافة إلى ما سبق، تكشف بيانات البنك المركزي التركي عدم القدرة على احتواء ارتفاع معدل التضخم، وعدم تحقيقها المستهدف منذ تولي أردوغان منصب الرئاسة في عام 2014. وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل التضخم ارتفع في مايو (أيار) الماضي نحو 16.59 في المئة، وبالتالي فإن قرار أردوغان بشأن تخفيض سعر الفائدة لن يؤدي إلا إلى مزيد من ارتفاعه، وهو القرار الذي يمكن اعتباره سياسياً بالأساس، حيث إن خفض سعر الفائدة له أبعاد إيجابية فيما يتعلق بعملية التيسير النقدي ومحاولة تنشيط السوق الداخلية، وهو ما قد يلقى قبولاً شعبياً.

هروب الشركات الكبرى

لكن للقرار ارتدادات اقتصادية حادة قد تسفر عن قفزة في الأسعار داخلياً، وبالتالي سيزداد معدل التضخم بشكل كبير، وفقاً لتوقعات المراقبين، كما أن هذا قد يسفر عن مزيد من تراجع قيمة الليرة، لأن الطلب عليها سينخفض بسبب تراجع إقبال المستثمرين الأجانب على أدوات الدين التركية، وبالتالي تزداد احتمالات خروج العديد من الاستثمارات الأجنبية، مما سيزيد الضغط على العملة الأجنبية داخلياً.

3 أزمات عنيفة تنتظر اقتصاد تركيا مع تغيير قيادات البنك المركزي فما هي؟

الليرة التركية تنزلق مجدداً وتلامس أدنى مستوى قياسي

وكانت مجموعة "سيتي غروب" الأميركية للخدمات المالية قد أغلقت وحدتها المالية للسمسرة في تركيا. وقالت المجموعة المالية العالمية، إنه سيتم التعامل مع صفقات العملاء في تلك الوحدة عبر فرع المجموعة في لندن. وأوضحت أن هذا القرار سيؤثر على عدد قليل من العاملين، فيما لم توضح أسباب القرار، مؤكدة في الوقت نفسه أنه لا يعكس تحولاً في أعمال "سيتي جروب" بعيداً عن المنطقة.

وأوضحت أنه "في إطار المراجعة المنتظمة لاستراتيجية أعمالنا، فقد تم اتخاذ القرار لإدارة أنشطة تداول الأسهم التركية من المركز الإقليمي لمجموعة سيتي في لندن"، مشيرة إلى أنها ستواصل أعمالها في تركيا عبر وحدتها المصرفية المحلية (سيتي بنك أيه أس)".

وخفض بنك "سيتي غروب" تقديراته لنمو اقتصاد تركيا في 2021، إلى 3.4 في المئة من 4.0 في المئة، متوقعاً هبوطاً في النشاط الاقتصادي. كما رفع توقعاته للتضخم بحلول نهاية العام إلى حوالى 15 في المئة، من 11.7 في المئة في أعقاب أحدث هبوط في قيمة الليرة التركية. وقال إنه لا يتوقع تخفيضات في أسعار الفائدة هذا العام ما لم يحدث "تحسن كبير" في التضخم والتدفقات الاستثمارية إلى البلاد.

المؤشرات الاقتصادية

في الوقت نفسه، فإنه ليس من المستبعد أن يرضخ محافظ البنك المركزي لضغوط أردوغان عبر تخفيض سعر الفائدة بشكل تدريجي، بحيث لا تتعدى نسبة التخفيض 1 في المئة كل مرة، وذلك لتلافي أي صدمات قد تنجم عن التخفيض بشكل كبير.

ويعزز من تلك المقاربة، وجود تحسن طفيف في احتياطي النقد الأجنبي الذي ارتفع من 88 إلى 92.5 مليار دولار خلال الفترة بين أبريل ومايو 2021، وفق البنك المركزي التركي، وبوادر التعافي الاقتصادي الذي يشهده العالم من تداعيات جائحة كورونا، والذي يصاحبه التخفيف من قيود الإغلاق، وهي التي ستسفر في المقابل عن زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي بسبب تزايد الصادرات التركية، وتوافد السياح الأجانب، الأمر الذي قد يترتب عليه حدوث توازن في استقرار الوضع المالي في الداخل التركي.

وشدد التقرير على أن تركيا لا تزال تشهد ارتباكاً في مؤشراتها الاقتصادية، بخاصة تلك المتعلقة بالسياسة النقدية، بسبب تناقضها مع رؤية الحكومة الرامية لتحفيز الاقتصاد التركي، والتي تمثل عنصراً أساسياً في الحفاظ على شعبية وشرعية النظام الحالي، وحتى على الرغم من حرص الحكومة على التماهي مع السياسة التي يتبناها الرئيس أردوغان.

لكن من الواضح أن ذلك ليس كافياً لتلبية تطلعات الأخير، مما يدفعه لمواصلة ضغوطه على البنك المركزي لفرض رؤيته في إدارة السياسة النقدية، وهي التي لن تستقيم بفعل تلك التدخلات، والتي يتوقع عدم انتهائها على المدى المنظور، ولكن في الوقت نفسه قد يحدث حد أدنى من التفاهم على كيفية إدارة السياسة النقدية بشكل يحقق التوازن ما بين الاستقرار الاقتصادي وشعبية الرئيس.

المصدر : INDEPENDENT