أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

عائق "نتنياهو":

تحديات "لابيد" لتشكيل حكومة ائتلافية في إسرائيل

09 مايو، 2021


بعد فشل "بنيامين نتنياهو" -زعيم الليكود- في تشكيل الحكومة، ذهب التفويض إلى "يائير لابيد" -زعيم حزب يش عتيد- ليحاول بدوره تشكيل ائتلاف في موعد لا يتجاوز الثالث من يونيو المقبل. لكنّ هناك صعوبات كبيرة أمامه كي يحقق الهدف الذي يمكن أن يُنقذ إسرائيل من الذهاب إلى انتخابات جديدة ستكون الخامسة على التوالي في عامين ونصف فقط، ولكن يواجه هذا الأمر العديد من التحديات.

عقبات متعددة:

تتمثل أول التحديات التي تعترض "لابيد" هو الانقسام السياسي في إسرائيل، والذي لا يتمحور حول أفكار وأيديولوجيا، بل حول الموقف من "نتنياهو". بمعنى آخر هناك ثلاثة تكتلات: تكتل "نتنياهو" الذي يضم الليكود وأحزاب شاس، ويهودة هتوراه، والصهيونية الدينية، ويمتلك 52 مقعدًا حصدها في الانتخابات الأخيرة، والتكتل المعارض لنتنياهو (يطلق على نفسه اسم جبهة التغيير) والذي يتشكل من أحزاب تنتمي لكل ألوان الطيف السياسي، ويضم أحزاب الوسط (يش عتيد، وكاحول لافن)، وأحزابًا يسارية (العمل، وميرتس)، وأحزابًا يمينية (تكفاه حدشاه، وإسرائيل بيتينو)، وجزءًا من الأحزاب العربية (القائمة المشتركة)، ويملك هذا التكتل 57 مقعدًا في الكنيست الأخير.

كما توجد كتلة تقف على الحياد في موقفها من التعاون مع "نتنياهو"، وتضم حزب يمينا بزعامة "نفتالي بينت"، والقائمة الموحدة التي تمثل جزءًا من الناخبين العرب (عرب إسرائيل أو عرب ٤٨) بزعامة "منصور عباس"، وتمتلك هذه الكتلة 11 مقعدًا.

وليس بوسع "يائير لابيد" تغيير الواقع على الأرض والذي ترسمه هذه الخريطة، وبالتالي فإنه سيعمل وفقها وليس خارجها، وبالتالي فهو يتفاوض أولًا مع "نفتالي بينت" للانضمام إلى الائتلاف. وحتى الآن فإن "بينت" منفتح على التعاون مع "لبيد" لكن بشروط أهمها: التناوب على منصب رئيس الوزراء، على أن يتولى هو (بينت) المنصب في العامين الأولين، ويتم منح منصب من المناصب السيادية (الدفاع، الخارجية، المالية) للبيد، ثم يتم تبادل المناصب نفسها بينهما في العامين الأخيرين من عمر الائتلاف، بافتراض استمرار الائتلاف.

مع استبعاد القائمة المشتركة من أية مفاوضات ائتلافية، حيث لن يقبل حزب يمينا مشاركتها في الائتلاف أو حتى دعمها له من الخارج، وقد قبل "لبيد" الشرط الأول صراحة، ويبدو أنه لن يعارض أيضًا في الشرط الثاني، خاصة وأن حزب تكفاه حدشاه بزعامة "جدعون ساعر" أظهر الموقف نفسه من القائمة المشتركة.

لكن خروج القائمة المشتركة من حسابات "لبيد" و"بينت" سيجعل الكتلة المعارضة لنتنياهو، بما فيها حزب يمينا، تحظى بتأييد 58 نائبًا فقط في الكنيست، وسيحتاج الائتلاف لكي يمر إلى أن تقوم القائمة العربية الموحدة بتأييده من الخارج على الأقل.

 وتبدو هناك صعوبات إضافية في هذا السيناريو، منها أن حزب إسرائيل بيتينو بزعامة "أفيجدور ليبرمان" لا يُبدي موقفًا واضحًا من القائمة العربية الموحدة، وقد يرفض في الساعات الأخيرة الاعتماد عليها لتمرير الائتلاف خوفًا من مزايدات "نتنياهو" وجبهته عليه وعلى "ساعر" و"بينت" واتهامهم بأنهم يخونون جمهور اليمين الذي يرفض بشدة إشراك العرب بشكل مباشر أو غير مباشر في الائتلافات الحاكمة، إذ يتحسب ثلاثي أحزاب اليمين المعادين لنتنياهو لاحتمال الذهاب لانتخابات خامسة يستغل فيها "نتنياهو" موقفهم من القائمة الموحدة للإضرار بصورتهم في أعين ناخبي اليمين، واستقطاب أصوات من جبهتهم لصالح جبهته.

تحديات توزيع المناصب:

وبافتراض تغلب "يائير لبيد" على الصعوبات السابقة، وتأمين موافقة "منصور عباس" -زعيم القائمة الموحدة- على دعم الائتلاف من الخارج (من دون المشاركة فيه)؛ فإن توزيع الحقائب الوزارية بين أحزاب اجتمعت فقط حول هدف إخراج "نتنياهو" من المشهد السياسي، سيكون مشكلة كبيرة، وسيكون من الصعب إرضاء أطراف هذا الائتلاف حتى لو تم توزيع الحقائب وفقًا للقوة التمثيلية لها في الكنيست، خاصة فيما يتعلق بالحقائب السيادية والحقائب المهمة. وعلى الجانب الآخر سيكون التجانس المفقود بين هذه الأحزاب من الناحية الأيديولوجية سببًا في تحويل سياسة الحكومة إلى فوضى كاملة بسبب ما هو متوقع من محاولة كل حزب فرض أجندته الأيديولوجية والسياسية في الوزارات التي سيتولاها. 

فإذا أضفنا إلى ذلك كله أن الائتلاف سيبقى رهينة للقائمة المشتركة التي يمكن أن تسحب تأييدها للحكومة وتسقطها داخل الكنيست في أي وقت؛ فإن بقاء هذا الائتلاف بعد تشكيله لن يكون مؤكدًا، خاصة وأن القائمة المشتركة اتخذت موقفًا متشددًا فيما يتعلق بسياسة حكومة "نتنياهو" الانتقالية الحالية في أحداث الصدامات الدموية الجارية حاليًا بين سكان القدس العرب وأتباع اليمين المتشدد. 

وفِي حالة استمرار هذه المصادمات لفترة أطول فإن "منصور عباس" سيمتنع عن تأييد ائتلاف "يائير" الذي تدعم كافة أحزابه السياسات اليمينية المتشددة حيال القدس، وهو ما يعني أن الأوضاع الأمنية المتوترة ليس في القدس وحدها، بل في الجبهه الجنوبية (قطاع غزة)، قد تقضي على الاحتمال الصعب لتمكن "لبيد" من تشكيل الائتلاف.

احتمالية إخفاق "لبيد":

إذا ما حلّ موعد الثالث من يونيو المقبل ولم يتمكن "لبيد" من تشكيل الائتلاف، فما الذي سيحدث؟ وفقًا للقانون الإسرائيلي فإن رئيس الدولة سيقوم بنقل تفويض تشكيل الائتلاف إلى الكنيست، الذي يصبح من حقه تكليف أي عضو من أعضائه بمحاولة تشكيل حكومة تحظى بأغلبية 61 نائبًا على الأقل. ويمنح هذا العضو مهلة ثلاثة أسابيع لاستنفاذ التفويض الممنوح له، وحال فشله يكون الكنيست منحلًا بحكم القانون وبدون الرجوع إلى أي جهة.

ويدرك "نفتالي بينت" -زعيم حزب يمينا- أنه سيكون هذا النائب المحتمل إيكال المهمة له من جانب الكنيست، ومن المؤكد أن "بينت" لن يعاود محاولة تشكيل ائتلاف من أحزب ذات توجهات متباينة أيديولوجيًا كما فعل "يائير لبيد"؛ بل سيلجأ إلى "نتنياهو" للتفاوض معه أولًا. وستتركز مفاوضات "بينت" و"نتنياهو" على مسألة التناوب على رئاسة الحكومة. وكانت تقارير إعلامية إسرائيلية قد أظهرت أن "نتنياهو" لديه الاستعداد للقبول بفكرة التناوب مع "بينت"، لكن "نتنياهو" كان يعرض أن يتولى "بينت" رئاسة الحكومة في العام الأول فقط، على أن يشغل "نتنياهو" حقيبة الدفاع أو الخارجية، وبعد انقضاء العام يتولى "نتنياهو" رئاسة الحكومة لمدة عامين، قبل أن يعود "بينت" للمنصب في العام الأخير من عمر الائتلاف في حالة استمراره.

وإذا لم يكن العرض مغريًا بالنسبة لبينت حين كان تفويض تشكيل الائتلاف بيد "نتنياهو"؛ فإن الأمر سيكون مختلفًا حال تلقي "بينت" التفويض من الكنيست، حيث سيُصبِح "نتنياهو" في موقف تفاوضي أفضل: لأن "بينت" هو من سيحتاج موافقة "نتنياهو" لتشكيل الائتلاف، حيث يمتلك "نتنياهو" وكتلة اليمين المؤيدة له 52 مقعدًا.

كما أن "نتنياهو" لا يبدو منزعجًا مقارنة بكل رؤساء الأحزاب -بمن فيهم "بينت"- من ذهاب إسرائيل لانتخابات خامسة. ولكن حتى في حالة توصل "نتنياهو" و"بينت" لاتفاق على التناوب على رئاسة الحكومة؛ فإن الائتلاف المنتظر سيحتاج إلى تأييد نائبين آخرين ليصل إلى الرقم 61 نائبًا، وسيتعين على "بينت" تأمين هذين النائبين إما من حزب تكفاه حدشاه الذي يقوده "جدعون ساعر"، أو من أحزاب الوسط خاصة حزب كاحول لافن الدى يتزعمه "بيني جانتس" حتى يكون الائتلاف من اليمين بأكمله، وهو ما سبق أن صرح به "بينت"، حيث اعتبر أن التحديات التي تجابه إسرائيل حاليًا وفِي المدى المنظور -اقتصاديًا وأمنيًا- تحتاج لائتلاف متماسك من اليمين وحده.

سيناريو الانتخابات الخامسة:

شهدت إسرائيل تصاعدًا غير مسبوق في التحديات الأمنية على كل الجبهات منها: انطلاق صاروخ من الأراضي السورية، وسقوطه بالقرب من المفاعل النووي في ديمونة جنوب إسرائيل. ويسود الاعتقاد بأن إيران كانت وراء إطلاقة ردًا على عمليات التخريب التي ألحقتها إسرائيل بالمفاعلات النووية الإيرانية خلال الأعوام الماضية.

ونشوب صدامات دموية بين نشطاء اليمين الإسرائيلي وسكّان القدس الشرقية، ولا يُعرَف هل تهدأ هذه الصدامات أم تستمر وربما تتزايد في المرحلة المقبلة، وتصاعد عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس نحو إسرائيل على خلفية أحداث القدس، وعلى خلفية إفشال إسرائيل محاولة إجراء انتخابات فلسطينية بسبب رفضها السماح لفلسطينيي القدس بالتصويت في هذه الانتخابات، الأمر الذي دفع الرئيس "أبا مازن" لتأجيل استحقاقاتها لأجل غير مسمى. وتعتقد حماس أن القرار الإسرائيلي قد حرمها من الاقتراب من السلطة في الضفة الغربية في ظل انقسام منافستها فتح.

في ظلّ هذا الوضع فإن غالبية الإسرائيليين قد لا يبدوا استياء كبيرًا من الذهاب إلى انتخابات خامسة، إذ يشعر أغلب الناخبين بأن وجود "نتنياهو" بخبراته الطويلة في التعامل مع التحديات الأمنية على رأس السلطة حتى لو كانت سلطة انتقالية، هو وضع أفضل من وصول أشخاص بلا خبرات إلى منصب رئيس الحكومة والمناصب الأمنية والدبلوماسية في ظل تهديدات أمنية جسيمة. وربما سيتذكر الإسرائيليون كيف استغل "حزب الله" عام 2006 وجود شخص يفتقر للمهارات والخبرات الأمنية مثل "إيهود أولمرت" على رأس الحكومة، و"عميرا بيرتس" كوزير للدفاع، لكي يجر إسرائيل لصدام عسكري واسع النطاق لم تحرز فيه إسرائيل انتصارًا واضحًا على الحزب رغم تكبدها خسائر كبيرة.

إضافة إلى ذلك فإن استمرار إسرائيل بلا حكومة لمدة أخرى، قد تستمر حتى شهر سبتمبر المقبل على أقل تقدير، سيعني تفادي إسرائيل أيةَ ضغوطات أمريكية لفتح ملف التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، بحجة أن ذلك سيحتاج إلى حكومة منتخبة في إسرائيل وربما لدى الجانب الفلسطيني أيضًا.