أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

البؤرة التالية:

هل تكرر البرازيل مأزق الهند في تفشي كورونا؟

04 مايو، 2021


ركزت منظمة الصحة العالمية في مؤتمرها الصحفي الاعتيادي، الذي عُقد في 30 أبريل الماضي، على وضع جائحة (كوفيد-19) في البرازيل التي تجاوز فيها عدد الوفيات الناتجة عن المرض عتبة الـ400 ألف وفاة، لتصبح بذلك ثاني دولة في العالم من حيث عدد الوفيات جراء الفيروس، بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وهي أعلى بحوالي الضعف من الهند التي سجلت 219 ألف وفاة.

وفي الوقت نفسه، حذرت المنظمة العالمية من تزايد معدلات انتشار الفيروس في البرازيل "على نحو خطير"، وحثت جميع البرازيليين على الالتزام بالإجراءات الوقائية لوقف تفشيه، وهو ما يطرح التساؤل حول ما إذا كانت البرازيل هي البؤرة التالية لتفشي (كوفيد-19) في العالم، بعد الهند التي تشهد انتشارًا واسع النطاق للفيروس في الوقت الراهن.

مؤشرات الخطورة:

هناك عدد من المؤشرات الدالة على زيادة تفشي (كوفيد-19) في البرازيل، بشكل خطير، خلال الفترة الأخيرة، من أبرزها:

1- ارتفاع معدل الإصابة: سجلت البرازيل أكثر من 14 مليون إصابة بالمرض منذ فبراير 2020، لكنها أقل بكثير من حيث عدد الإصابات مقارنة بالهند التي سجلت ما يزيد على 19 مليون إصابة. وفي حين سجلت البرازيل خلال الفترة الأخيرة 66 ألف إصابة يومية جديدة، سجلت الهند 300 ألف إصابة يومية، لتتجاوز البرازيل وتصبح ثاني أكبر دول العالم من حيث عدد الإصابات بعد الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن المستشفيات البرازيلية شهدت خلال الفترة الأخيرة أعدادًا كبيرة من المرضى، كما أن أسرّة العناية المركزة بالمستشفيات في العديد من الولايات البرازيلية ممتلئة أو قريبة من سعتها، ويوشك النظام الصحي على الانهيار في العديد من المناطق، خاصة تلك التي يقطنها السكان الأصليون.

2- ارتفاع عدد الوفيات: بلغ عدد ضحايا (كوفيد-19) في البرازيل خلال شهر أبريل وحده 82.266 وفاة، في حصيلة شهرية قياسية تسجّلها أكبر دول أمريكا اللاتينية للشهر الثاني على التوالي. وبلغ معدل الوفيات الناجمة عن الفيروس 189 حالة وفاة لكلّ 100 ألف نسمة، وهو أعلى معدّل على الإطلاق في الأمريكتين والمعدّل الرابع عشر عالميًا. وقد توقع تقدير حديث من جامعة واشنطن أن تسجل البرازيل أكثر من 500 ألف حالة وفاة بحلول يوليو المقبل.

3- انخفاض عدد من حصلوا على اللقاح: تلقى حوالي 13% فقط من سكان البرازيل البالغ عددهم 212 مليون نسمة، جرعة واحدة من اللقاح المضاد لـ(كوفيد-19)، في حين حصل 6% من السكان على جرعتين. وقد أظهرت بيانات جامعة جونز هوبكنز الأمريكية الصادرة في نهاية شهر أبريل الماضي أنه تم إعطاء 46.2 مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في البرازيل حتى الآن، ويقدر متوسط معدل التطعيم بـ1.48 مليون جرعة في اليوم. وبهذا المعدل، يتوقع أن يستغرق الأمر ستة أشهر لتطعيم 75% من سكان البلاد بلقاح من جرعتين.

محددات المستقبل:

هناك مجموعة من العوامل والمعطيات التي يمكن أن تحدد مدى احتمال أن تصبح البرازيل البؤرة التالية لتفشي الجائحة، من بينها:

1- تبني سياسة وطنية للاحتواء: منذ بداية تفشي جائحة (كوفيد-19) في البرازيل، تعاني البلاد من الخلافات السياسية الحادة وتشهد ضعفًا واضحًا في مستوى التنسيق بين الحكومة المركزية وحكام الولايات البرازيلية، ففي حين قام العديد من حكام الولايات بفرض إجراءات إغلاق للحد من تفشي الوباء، عارض الرئيس "جايير بولسونارو" هذه الإجراءات، ودعا المواطنين إلى التوقف عن التذمر والنحيب بسبب انتشار الوباء، وقلل من خطورة هذه الأزمة الصحية، بل إنه هدد مؤخّرًا في مقابلة تلفزيونية بأنّ الجيش "يمكن أن ينزل يومًا ما إلى الشارع لفرض احترام الدستور وحريّة الذهاب والإياب".

وبالرغم من تشكيل مجلس الشيوخ البرازيلي، في الأسبوع الماضي، لجنة برلمانية للتحقيق في كيفية تعامل حكومة بولسونارو مع الأزمة الصحيّة التي يرى عدد من المتخصّصين أنّها أديرت بطريقة تفتقر إلى الكفاءة والمسؤولية؛ فقد أكد الرئيس البرازيلي أنه لا يعير كثيرًا من الاهتمام لهذه اللجنة، وهو الأمر الذي ينذر باستمرار بولسونارو في اتباع نفس السياسات التي تبناها خلال الفترة الماضية، والتي كشفت عن تجاهل واضح لخطر (كوفيد-19)، وتسببت في وفاة آلاف الضحايا من البرازيليين.

2- الالتزام المجتمعي: ترتبط مسألة الالتزام المجتمعي بالتدابير والإجراءات الاحترازية في البرازيل ببعدين رئيسيين، يتعلق أولهما بالبعد الاقتصادي الذي يتصل بمشاكل الفقر والبطالة، وقد أدت جائحة (كوفيد-19) إلى زيادة تضرر الأسر الفقيرة والعمالة غير الرسمية، وقد وجدت دراسة أُجريت مؤخرًا أن 60% من الأسر البرازيلية تعاني من انعدام الأمن الغذائي، وتفتقر إلى ما يكفي من الطعام. في هذا السياق، عارض بولسونارو إجراءات الإغلاق بحجة أن الضرر الذي يلحق بالاقتصاد سيكون أسوأ من آثار الفيروس نفسه، وهو موقف يُشاركه العديد من مؤيديه.

في حين يتعلق البعد الثاني في مسألة الالتزام المجتمعي بالتوظيف السياسي للأزمة في ظل دعوات بولسونارو لمؤيديه بالتظاهر دعمًا له، وقد قام الآلاف من أنصاره بالتظاهر في الأول من مايو الجاري في عدد من مدن البلاد دون أيّ مراعاة لقيود التباعد الاجتماعي المفروضة للحدّ من تفشّي جائحة (كوفيد-19). وكانت هذه التظاهرات استجابة لدعوات بولسونارو الذي قال الشهر الماضي إنّه ينتظر "إشارة من الشعب" لكي "يتّخذ إجراءات" تضع حدًّا لقيود الإغلاق السارية حاليًا بموجب قرارات صادرة عن رؤساء بلديات أو حكام ولايات.

3- توافر اللقاحات: يتعلق توافر لقاحات كورونا في البرازيل بمسألتين؛ الأولى هي كيفية إدارة حكومة بولسونارو لخطة التطعيم؛ حيث رفضت في أغسطس الماضي عرضًا من شركة فايزر لشراء ما يصل إلى 70 مليون جرعة من لقاحها، ومؤخرًا رفضت الوكالة الوطنية للرقابة الصحية بالبرازيل الموافقة على لقاح "سبوتنيك في" الروسي، وذلك لمخاوف مرتبطة بالسلامة. وفي ظل عدم وجود عددٍ كافٍ من جرعات اللقاح، اضطرت بعض المدن إلى وقف برامج التطعيم مؤقتًا. وقد تخلفت جهود التطعيم ضد فيروس كورونا في البرازيل عن نظيراتها في شيلي وأوروجواي اللتين تتصدران المنطقة في هذا الشأن. وبالرغم من طلب البرازيل مؤخرًا جرعات كافية من اللقاحات لتطعيم جميع سكانها، لكن هذه الاتفاقيات جاءت متأخرة للغاية، ولن تصل إلا خلال النصف الثاني من العام الجاري.

أما المسألة الثانية فتتصل بفكرة التشكيك في جدوى اللقاحات المضادة لـ(كوفيد-19) وفاعليتها. وفي هذا الإطار، قاد بولسونارو حملة مضادة للقاحات، وصرح بأنها يمكن أن تتسبب في تحويل الناس إلى تماسيح، بل أعلن أنه لن يتلقى شخصيًا أي لقاح مضاد للفيروس، إلى جانب ترويجه لعقار هيدروكسي كلوروكين، الذي لم تثبت فعاليته في علاج المصابين بـ(كوفيد-19)، وهو ما أثار شكوك ومخاوف البرازيليين من تلقي اللقاح. وفي ضوء ذلك، فإن استمرار البطء في حملة التطعيم في البرازيل ومهاجمة الرئيس بولسونارو للقاحات، جميعها عوامل من شأنها استمرار تفشي الوباء داخل البلاد، وزيادة فرص أن تمثل البرازيل تهديدًا صحيًا للعالم أجمع.

4- ظهور طفرات جديدة: رصدت البرازيل نسخًا متحوّرة من فيروس كورونا أواخر العام الماضي في إقليم الأمازون، وسرعان ما انتشرت في مختلف أقاليم البلاد. وقد حذر وزير الصحة البرازيلي السابق، إدواردو بازويلو، من أن سرعة العدوى بالسلالة البرازيلية يفوق معدل سرعة العدوى بفيروس كورونا الأصلي بثلاث مرات، فيما بينّت دراسة أجريت على عدد من المرضى في البرازيل أن هذه السلالة لها القدرة على إعادة إصابة المتعافين من الفيروس بنسبة 61% مقارنة بالفيروس الأصلي.

في هذا السياق، يقول الخبراء إن البرازيل التي تشهد انتشار سلالة جديدة من الفيروس تسمى "بي 1"، قد تتحول إلى "بؤرة ساخنة" لسلالات أخرى جديدة من فيروس كورونا. وقد شُخص بالفعل وجود سلالة "بي 1" في أكثر من 35 دولة أخرى حول العالم، وفي حالة استمرار انتشار السلالة البرازيلية المتحورة على نطاق أوسع، فسوف تزداد المخاطر ليس فقط على البرازيل ولكن على العالم أجمع، في ظل عدم اليقين بشأن مدى فاعلية اللقاحات المضادة للفيروس في التصدي للسلالات المتحورة منه، خاصة مع ظهور المزيد من الطفرات لفيروس كورونا في مناطق متفرقة من البرازيل.

5- وصول المساعدات الدولية: مع تسجيل الهند معدلات إصابة قياسية بـ(كوفيد-19)، سارعت أكثر من أربعين دولة حول العالم إلى تقديم المساعدات الطبية لها، لكن بالنسبة للبرازيل التي خسرت حوالي 140 ألف ضحية لفيروس كورونا في الشهرين الماضيين فقط، كانت الاستجابة الدولية أكثر فتورًا، بالرغم من طلب الرئيس البرازيلي وعدد من حكام الولايات المساعدة الطبية والإنسانية من المنظمات الدولية، كما افتقرت البرازيل حتى إلى الكثير من التعبير عن التضامن الدولي. 

ويُظهر التناقض بين كيفية تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة الصحية الطارئة في الهند والبرازيل كيف أدت الصراعات الدبلوماسية المتصاعدة في برازيليا إلى تعقيد استجابة البلاد لفيروس كورونا. وقد قوضت إدارة بولسونارو بشكل واضح الصورة الدولية التي تشكلت عن البرازيل على مدار العقود الماضية، باعتبارها من الدول المدافعة عن حماية البيئة والمؤيدة للدبلوماسية متعددة الأطراف. حيث سبق أن اتهم بولسونارو الدول الأوروبية ذات التوجه البيئي بتبني سياسات استعمارية في مواجهة بلاده. وقام أعضاء إدارته وأنصاره بتأجيج الهجمات العنصرية على الصين، وسخروا من لقاحها، كما كان بولسونارو آخر قادة مجموعة العشرين الذين قدموا التهنئة لجو بايدن بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وغير ذلك من ممارسات أدت إلى خسارة البرازيل العديد من الأصدقاء الدوليين في الوقت الذي أصبحت فيه في أمسّ الحاجة إلى مساعدتهم.

في ضوء ما سبق يمكن القول إنه في حال استمرت حكومة بولسونارو في اتباع نفس النهج الذي تبنته خلال الشهور الماضية، وعجزت عن توفير لقاحات كافية لمواطنيها، وإذا ظهرت المزيد من الطفرات الجديدة لفيروس كورونا، وعزفت دول العالم عن تقديم المزيد من المساعدات للبرازيل؛ فإنها ستكون مرشحة بقوة لأن تصبح البؤرة التالية لتفشي الوباء في العالم.