أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، يوم 10 يناير 2021، تصنيف ميليشيا الحوثيين ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، ودخل هذا التصنيف حيز التنفيذ يوم 19 يناير الجاري وقبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن. وقد لاقي هذا القرار الأمريكي ترحيباً من الحكومة الشرعية اليمنية وبعض دول المنطقة، بسبب الأعمال الإرهابية التي ارتكبها الحوثيون على مدار السنوات الماضية، ومساعيهم المستمرة لإطالة أمد الصراع، ومن ثم تسببهم في تفاقم الأزمة الإنسانية جراء انقلابهم على الشرعية.
وفي المقابل، وجه الحوثيون، عبر ما يُسمى مكتبهم السياسي، في بيان يوم 19 يناير الجاري، انتقادات حادة لإدارة دونالد ترامب بسبب قرار تصنيفهم جماعة إرهابية. كما تحفظت الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية العاملة في اليمن على هذا القرار، بحجة أنه قد يتسبب في تزايد الأزمة الإنسانية في اليمن.
وعلى ضوء ذلك، تعهد أنتوني بلينكن، الذي اختاره الرئيس بايدن لتولي حقيبة الخارجية الأمريكية، في 19 يناير الجاري، بإعادة النظر في قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وذلك لضمان عدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية. وأعاد بلينكن، في أول مؤتمر صحفي له بوزارة الخارجية، يوم 27 يناير الجاري، التأكيد على أنه من بين عدد من المراجعات لما فعلته إدارة ترامب، فإنه "يركز بشكل خاص على مسألة العقوبات على الحوثيين". كما نقلت وكالة "رويترز"، يوم 22 يناير الجاري، عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أن واشنطن بدأت في مراجعة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية وتعمل بأسرع ما يمكن لإنهاء العملية واتخاذ قرار.
تفسيرات المراجعة:
هناك عدة أسباب قد تُفسر إقدام الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة بايدن على مراجعة قرار ترامب بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية في اليمن، ويتمثل أبرزها في الآتي:
1- دوافع سياسية: بالرغم من أن ثمة اتجاهاً في المنطقة مرحب بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، على اعتبار أن ذلك سوف يسهم، من وجهة نظر هذا الرأي، في تحييد خطر تلك الميليشيا، وتحجيم قدراتها المالية التي تسخرها لعملياتها العسكرية ضد الشرعية اليمنية ودول الجوار، وبالتالي إجبار الحوثيين على العودة إلى طاولة الحوار؛ بيد أن إدارة الرئيس جو بايدن قد يكون لها تصور معاكس لذلك الاتجاه. إذ تخشى الإدارة الأمريكية الجديدة من تأثير هذا التصنيف سلباً على دعم المسار السياسي لحل الأزمة اليمنية، خاصةً أن بايدن سبق وأن تعهد في حملته الانتخابية السابقة بالعمل على إنهاء حرب اليمن. وفي هذا الإطار، اعتبر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة بايدن، يوم 17 يناير الجاري، أن قرار إدارة ترامب بتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، سيعيق الدبلوماسية الحاسمة لإنهاء الحرب.
ويبدو أن إدارة بايدن قد تأثرت هنا أيضاً بالضغوطات الدولية عليها لإعادة النظر في قرار ترامب السابق بشأن الحوثيين، حيث قال المتحدث باسم مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان ديوجاريك، في تصريح صحفي أدلى به يوم 11 يناير الجاري، إن تنفيذ خطة الولايات المتحدة لإدراج الحوثيين وزعماءها في قائمة الإرهاب الأمريكية "سيؤدي على الأرجح إلى تداعيات سياسية خطيرة"، مُعرباً عن قلق الأمم المتحدة من "أن هذا التصنيف قد يؤثر سلباً على الجهود الرامية إلى استئناف العملية السياسية في اليمن، ويؤدي إلى مزيد من الاستقطاب في مواقف أطراق النزاع".
وفي ذات الاتجاه، أعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، في إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي، يوم 14 يناير الجاري، عن بالغ قلقه إزاء تأثير قرار الولايات المتحدة ضد الحوثيين على مساعي الأمم المتحدة في اليمن، مُحذراً من هذا أن الإجراء الأمريكي سيؤدي إلى إحباط الجهود الرامية لجمع أطراف الأزمة حول طاولة واحدة.
أيضاً، حذر المتحدث باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، يوم 12 يناير الجاري، من أن تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية قد يجعل جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل شامل للنزاع في اليمن، أكثر صعوبة.
2- مبررات إنسانية: عملت الإدارة الأمريكية السابقة على التخفيف من مخاوف المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية في اليمن، من تبعات قرار تصنيف الحوثيين جماعة الإرهابية على وصول المساعدات إلى اليمنيين وخاصةً في مناطق سيطرة الحوثيين. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في عهد ترامب، يوم 19 يناير الجاري، عن استثناء الجانب الإنساني والإغاثي من العقوبات على الحوثيين، وبالتالي إعفاء المنظمات الإغاثية، ومنها الأمم المتحدة والصليب الأحمر، من قرار التصنيف، وذلك بهدف السماح لها بدعم المشروعات الإنسانية في اليمن.
غير أن تلك الخطوة يبدو أنها لم تكن كافية لطمأنة المنظمات الدولية التي حذر العديد منها من تداعيات ذلك التصنيف على إعاقة العمليات الإغاثية والإنسانية في اليمن، والتي يعتمد عليها نحو 80% من السكان بعد الانقلاب الحوثي على المؤسسات الشرعية.
فمن جانبه، أعرب الصليب الأحمر الدولي، في بيان، يوم 14 يناير الجاري، عن مخاوفه من أن يكون للعقوبات الأمريكية على الحوثيين تأثير سلبي على تسليم المساعدات الحيوية للمدنيين. كما حثت 22 منظمة إغاثية، يوم 24 يناير الجاري، إدارة الرئيس جو بايدن على العودة عن تصنيف الحوثيين تنظيماً إرهابياً، محذرةً من أن "أي تعطيل لعمليات الإغاثة والواردات التجارية من الغذاء والوقود والأدوية والسلع الأساسية الأخرى سيعرض حياة ملايين الأشخاص للخطر".
وأمام هذه الضغوط، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، يوم 26 يناير الجاري، ترخيصاً يجيز إجراء معاملات مع الحوثيين حتى 26 فبراير المقبل، مرجعة قرارها "لإتاحة وصول المساعدات الإنسانية لليمن".
3- ملف إيران: من المرجح أن تتبنى إدارة الرئيس جو بايدن نهجاً مختلفاً عن سلفه ترامب في التعامل مع إيران، حيث يُتوقع أن يعطي بايدن فرصة لخيار التفاوض مع طهران، خاصةً في ظل تلميحاته السابقة بإمكانية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي المُوقع بين إيران والقوى الكبرى عام 2015 والذي انسحبت منه إدارة ترامب في مايو 2018، ولكن بشرط عودة طهران إلى الالتزام الكامل. كما خرجت تصريحات عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية، ومنهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، تم التأكيد خلالها على أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يتضمن برنامج الصواريخ الباليستية، وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في الإقليم.
وبالنظر إلى أن طهران هي الداعم الأول والرئيسي لوكيلها الحوثي في اليمن، فإن إدارة بايدن قد ترى أن أي عقوبات حالية على الحوثيين قد تُعطي رسالة سلبية لإيران من شأنها عرقلة أي مسار تفاوضي مُحتمل بين الجانبين. أي أن واشنطن تُعول، على الأقل حالياً، على إمكانية توصلها مُستقبلاً لاتفاق جديد مع طهران، بحيث تمتد تأثيراته الإيجابية إلى ملف اليمن.
رسائل الحوثيين:
بعد إعلان إدارة بايدن مراجعة قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، حملت تحركات الميليشيا على أرض الواقع، حتى الآن، في مضمونها رسائل قد تبدو متضاربة، ولكنها متعمدة وكأن الحوثيين يمسكون "العصا من المنتصف"، وذلك عبر التأكيد على وجودهم كقوة عسكرية مؤثرة ولا يمكن استبعادها في اليمن، من وجهة نظرهم، وفي نفس الوقت العمل أيضاً على كسب ود إدارة بايدن والإيحاء بأن لديهم مرونة سياسية في التفاوض. ويتضح ذلك في الآتي:
1- التصعيد العسكري: لجأ الحوثيون على مدار الأيام الماضية إلى التصعيد عسكرياً سواء في جبهات القتال داخل اليمن ضد القوات الحكومية اليمنية، أو عبر الهجمات التي تنفذها الميليشيا ضد الأراضي السعودية، خاصةً في ظل اتهام الحوثيين للرياض بالوقوف وراء وضعهم من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب ضمن القائمة الإرهابية.
وفي هذا الإطار، أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، في بيان، يوم 22 يناير الجاري، أن قواته اعترضت ودمرت طائرة بدون طيار مفخخة أطلقتها الحوثيون باتجاه المملكة. وفي نفس اليوم أيضاً، اعترضت قوات التحالف ودمرت زورقاً مفخخاً للحوثيين جنوب البحر الأحمر. كما أعلن التحالف، يوم 23 يناير الجاري، "اعتراض وتدمير هدف جوي معادٍ تجاه العاصمة السعودية الرياض"، مُتهماً الحوثيين بتنفيذ هذا الهجوم.
2- التنصل من الهجمات: على الرغم من اعتراف الحوثيين في مرات عديدة سابقة بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مُسيَّرة على مناطق سعودية، إلا أنهم تنصلوا هذه المرة من الهجوم الجوي الفاشل الذي استهدف الرياض يوم 23 يناير الجاري. ويمكن تفسير هذا الموقف الحوثي بسعيهم لتجنب تأثير هذه العملية الإرهابية على المراجعة الأمريكية الحالية لقرار تصنيفهم جماعة إرهابية، خاصةً أن واشنطن أدانت ذلك الهجوم وتعهدت بأنها ستساعد حليفتها السعودية في التصدي للهجمات على أراضيها، ومحاسبة من يحاول تقويض استقرارها.
3- استمرار التفاوض: شارك وفد حوثي في مفاوضات جديدة مع الحكومة اليمنية الشرعية انطلقت يوم 26 يناير الجاري في العاصمة الأردنية عمّان، حول تبادل الأسرى بينهما، وذلك بعد إطلاق سراح 1065 أسيراً ومعتقلاً من الجانبين في شهر أكتوبر الماضي. وجاءت هذه المشاركة الحوثية في المفاوضات الأخيرة التي تتم برعاية الأمم المتحدة واستناداً إلى اتفاق ستوكهولم المُبرم أواخر عام 2018، لتُعطي انطباعاً، على عكس الواقع، للأطراف الدولية ومنها واشنطن بأن الميليشيا مُلتزمة بالمسار التفاوضي في بعض الملفات.
ختاماً، قد ينظر البعض إلى إعادة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن النظر في قرار الرئيس السابق دونالد ترامب بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، على أنه مؤشر يعكس طريقة تعامل الإدارة الديمقراطية الجديدة مع ملف اليمن. ولكن الأرجح في هذا السياق أن أي تغيير قد يطرأ على قرار ترامب بشأن الحوثيين سيأخذ بعضاً من الوقت من بايدن، وسيكون على الأخير حينها إعلان مبررات مُقنعة لحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كما سيتطلب ذلك أيضاً تقديم الحوثيين، بموافقة إيرانية، تنازلات إرضاءً لواشنطن، وهو ما لا يمكن ضمان حدوثه.