أنت غاضب لأنهم أهانوا الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم).. أنا غاضب مثلك، ولا أقبل هذه الإهانة.. أنت تطالب بمقاطعة المنتجات الفرنسية وأنا لا مانع لدىّ.. ولكن هل أنت متأكد أن فرنسا كلها أهانت الرسول الكريم، هل فرنسا كلها هى التى رسمت الرسوم المسيئة للرسول؟ هل تعرف أن الرسامين والعاملين فى مجلة شارلى إبدو قُتلوا فعلاً.. تم ذبحهم جزاء لهذه الإساءة.. بالمناسبة هل شاهدت الرسوم؟ غالباً لا.. ومع ذلك أنت متأكد أنها تسىء للرسول الكريم.. أنت لم تشاهد الرسوم ولكنك غاضب (على السمع).. أنت سمعت أن مدرساً كان يعرض الرسوم على تلاميذه فقتله مهاجر صربى مسلم.. ذبحه فى الشارع.. هل تعرف أن هذا الصربى ليس من بين طلاب المدرس المذبوح.. وأنه دفع ثلاثمائة يورو لطالبين من تلاميذه كى يدلاه عليه.. هو لم يتأكد بالضبط مما قاله المدرس لتلاميذه ولأى غرض كان يعرض عليهم الرسوم؟.. هو لا يعرفه أساساً.. ومع ذلك ذبحه.. بعد الذبح صرح الرئيس الفرنسى تصريحات قيل لك إنها ضد الإسلام.. هل قرأت هذه التصريحات.. هل توقفت أمامها بدقة؟.. أنت لم تفعل.. أنت غضبت مرة أخرى (على السمع).. وما جعلك متأكداً أن الأزهر الشريف علق أكثر من مرة على تصريحات ماكرون وقال إنها معادية للإسلام!
أنا سأنقل لك تصريحات ماكرون حرفياً وفق الموقع الإلكترونى لشبكة (يورونيوز).. لقد قال ماكرون إن الدين الإسلامى يمر بأزمة فى كل مكان بالعالم (مرتبطة بالتوترات مع الأصوليين).. هل لاحظت ما بين القوسين.. إنه يقول إن الأزمة بتأثير الأصوليين.. قد يقصد مثلاً أن هناك تنازعاً على الإسلام بين المتطرفين وبين المعتدلين.. هل تعرف أن هذا هو ما حدث فى مصر حرفياً؟ وبسببه قامت ثورة ٣٠ يونيو التى شاركت أنت فيها؟ تعال نواصل القراءة: (وأكد ماكرون أن الإسلام يمر بأزمة فى جميع أنحاء العالم ولا نراها فى بلادنا فقط، وأضاف: أزمة عميقة مرتبطة بالتوترات بين الأصولية والمشاريع الدينية والسياسية التى تؤدى إلى تصلب شديد للغاية).. أريد أن أسألك: ما الخطأ فيما قاله ماكرون؟ أليس هناك توتر بين الأصولية والمشاريع المعادية لها؟.. إذن ما تفسير ما حدث فى مصر وتونس وسوريا والعراق، حيث تنظيم داعش، واليمن وإندونيسيا وباكستان.. والجزائر فى التسعينات.. إلخ أليس هذا صراعاً بين الأصولية وغيرها من المشاريع؟
بعدها ينتقل ماكرون للحديث عن الوضع فى بلده.. التى هو رئيس جمهوريتها ويقول: (على الدولة مقاومة الانفصالية الإسلاميوية التى تؤدى فى نهاية المطاف إلى تأسيس مجتمع مضاد.. هناك فى هذا الإسلام الراديكالى الذى هو صلب موضوعنا.. إرادة علنية لإظهار تنظيم منهجى يهدف إلى الالتفاف على قوانين الجمهورية وخلق قانون مواز له قيم أخرى.. وتطوير تنظيم آخر للمجتمع).. إن الرجل يقول إن الإسلام الراديكالى هو صلب موضوعه.. فما شأنك أنت؟ ولماذا تخوض معركة تنظيم القاعدة وداعش وجماعة الإخوان المسلمين..؟ ثم فعلاً هناك من يهاجرون إلى أوروبا وهم يحلمون بتغيير نظمها وإقامة الخلافة الإسلامية فيها.. وقد بلغ من سماحة الديمقراطية الأوروبية فى التسعينات أنها كانت تسمح لحزب التحرير الإسلامى فى لندن بالمجاهرة بهذا المطلب.. لاحظ أن الرجل يبدى رأياً بشأن مواطنين فرنسيين يقيمون على أرض فرنسية.. أنا لا أدافع عن ماكرون.. فأنا لا أعرفه.. ولكنى أعرفك أنت.. يعز علىّ جداً أن تستخدمك تركيا وجماعة الإخوان فى معركة سياسية آخر ما يهمهم فيها قضية المقدسات.. كل ما فى الموضوع أن فرنسا تتصدى لأطماع أردوغان فى ليبيا وسوريا وأذربيجان وأنه وجدها فرصة ليبدو فى صورة من يدافع عن الإسلام.. هكذا قال له عقله هو.. فأين عقلك أنت؟
*نقلا عن صحيفة الوطن المصرية