فرضت التطورات الداخلية والخارجية التي طرأت على إيران خلال العامين الأخيرين تداعيات مباشرة على توازنات القوى السياسية في الداخل، لدرجة أضعفت إلى حد كبير من موقع تيار الإصلاحيين، وبصفة أعم تيار المعتدلين الذي يضم أيضاً الجناح التقليدي من تيار المحافظين.
إذ أدى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في مايو 2018 ثم فرض عقوبات على إيران على أكثر من مرحلة بداية من أغسطس من العام نفسه، إلى تراجع المكاسب السياسية التي حققها الإصلاحيون، والمعتدلون، من الوصول للاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" في يوليو 2015.
وبدت هذه المكاسب جلية في النتائج البارزة التي حققها التيار في انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة التي أجريت في فبراير 2016، وحصل فيها على الأغلبية، لدرجة أن قائمة "الأمل" الإصلاحية التي كان يترأسها نائب الرئيس السابق محمد رضا عارف فازت بمجمل المقاعد الثلاثين لطهران.
كما حققت شخصيات معتدلة فوزاً كبيراً في انتخابات مجلس الخبراء، على غرار رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي توفى في يناير 2017، بالتوازي مع هزيمة بعض "صقور" المحافظين الأصوليين.
لكن مع تراجع العوائد التي كانت منتظرة من الاتفاق النووي، على خلفية الانسحاب الأمريكي منه وبداية فرض عقوبات على إيران والتي اضطرت الشركات الأجنبية إلى إلغاء صفقاتها مع نظيراتها الإيرانية والانسحاب من السوق الإيرانية خشية التعرض لتلك العقوبات، بدأ نفوذ الإصلاحيين في الخفوت تدريجياً على نحو اتضح في نتائج انتخابات مجلس الشورى التي أجريت في فبراير 2020.
إذ تدخل مجلس صيانة الدستور بشكل واضح ورفض ملفات عدد كبير من مرشحي التيار وبعض رموز الأصوليين المؤيدين للصفقة النووية. وكانت النتيجة أن فاز المحافظون الأصوليون بأغلبية مقاعد المجلس، وتمكنوا من السيطرة على هيئة رئاسة الدورة الجديدة للمجلس بقيادة محمد باقر قاليباف عمدة طهران السابق.
استقالة عارف:
من هنا، لا يبدو أن الأوساط الإصلاحية تفاجأت بالإعلان عن تقديم رئيس المجلس الأعلى للسياسات في التيار الإصلاحي محمد رضا عارف استقالته من منصبه، في 27 يونيو الجاري. إذ يبدو أن هذه الخطوة كانت منتظرة إلى حد كبير، لاسيما بعد أن أصبح التوتر سمة رئيسية سواء بين القوى السياسية التي تنتمي إلى التيار، أو بين الأخير والقاعدة الشعبية التي كانت مؤيدة له على مدى العقود الأربعة الأخيرة.
وبدا لافتاً أن بعض المنظرين الإصلاحيين البارزين مثل صادق زيبا كالام أشاروا إلى أن هذه التطورات تكشف عن أن هناك إرهاصات لظهور جيل جديد داخل تيار الإصلاحيين لا يتبع الرموز التقليدية السابقة التي قادت التيار على مدى العقود التي تلت تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية.
وفي رؤية هؤلاء، فإن هذا الجيل سوف يتبنى نهجاً مختلفاً وسيحاول التأقلم مع المعطيات الجديدة التي تفرضها التوازنات السياسية الداخلية، والتي كانت الضغوط والعقوبات الخارجية أحد أهم المتغيرات التي أثرت فيها وساهمت في توجيهها نحو المسار الحالي.
خيارات محدودة:
وعلى ضوء ذلك، يبدو أن الإصلاحيين سوف يواجهون مأزقاً في الاستحقاق الانتخابي القادم، والذي يتمثل في انتخابات رئاسة الجمهورية التي سوف تجري في منتصف عام 2021.
هذا المأزق لا يعود إلى أن الرئيس الحالي حسن روحاني لن يترشح فيها، باعتبار أنه قضى في منصبه فترتين رئاسيتين، وإنما يعود إلى أن المرشحين المحتملين لا يحظون بتوافق ملحوظ بين القوى التي تنتمي للتيار.
ويتمثل أبرز هؤلاء المرشحين في النائب الأول للرئيس اسحق جهانجيري، الذي لم يعلن بعد حتى الآن نيته من الترشح، ربما انتظاراً لما سوف تؤول إليه التوازنات السياسية داخل التيار، وخشية من أن يتعرض لهجمات مبكرة قد تضعف من موقعه الذي يتعرض في الأساس لضغوط كونه محسوباً على حكومة روحاني.
وانطلاقاً من ذلك، ربما يتجه طيف من الإصلاحيين إلى دعم ترشيح أحد رموز المحافظين الأصوليين الذين استطاعوا الوصول إلى توافق معهم خلال فترتى رئاسة روحاني للجمهورية (2013-2021)، أو الذين كانوا يؤيدون بوضوح الاتفاق النووي والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لدعم تنفيذ الالتزامات الواردة فيه.
ولا يبدو هذا الخيار جديداً بالنسبة للإصلاحيين، فقد سبق أن أيدوا رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني (محافظ معتدل) في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في يونيو 2005 بعد أن تراجع نفوذهم بشكل كبير عقب انتهاء الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأسبق محمد خاتمي.
إلا أن الهزيمة القوية التي منى بها رفسنجاني أمام مرشح المحافظين الأصوليين محمود أحمدي نجاد أضعفت موقعهم، ودفعتهم فيما بعد إلى دعم ترشيح حسن روحاني (محافظ معتدل) الذي نجح في الفوز مرتين على بعض أقطاب الأصوليين.
وهنا، فإن رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني ربما يكون المرشح الأنسب بالنسبة للإصلاحيين. وقد وجه الأول رسائل عديدة تفيد إمكانية ترشحه في الانتخابات وإن لم يكشف عن ذلك صراحة، أهمها عزوفه عن الترشح في الانتخابات التشريعية الأخيرة عن دائرة قم، رغم أنه تولى منصب رئيس البرلمان لمدة 12 عاماً منذ فوزه في انتخابات 2008.
وفي رؤية الإصلاحيين، فإن لاريجاني قد يكون المرشح الأنسب، على الأقل لعدم الاصطدام برئيس أصولي جديد يمكن أن تؤدي سياسته إلى تعزيز احتمالات خروجهم نهائياً من السلطة في الاستحقاقات التي سوف تلي انتخابات رئاسة الجمهورية، أو بمعنى أدق تجنب المغامرة بوصول "أحمدي نجاد جديد" إلى موقع الرئيس.
مع ذلك، فإن لاريجاني، حتى الآن، لم يعلن صراحة نيته الترشح، خاصة أنه ربما ينتظر تبلور الاتجاهات العامة لخريطة المرشحين لاسيما من تيار المحافظين الأصوليين وموقعه منها، فضلاً عن استشراف موقف المرشد الأعلى للجمهورية الذي عينه مستشاراً له وعضواً في مجلس تشخيص مصلحة النظام في 28 مايو الفائت.
من هنا، ربما يمكن القول إن المرحلة الحالية قد تكون انتقالية بالنسبة لتيار الإصلاحيين. فإما أن يظهر جيل جديد يتبنى توجهات مختلفة عن تلك التي التزم بها الجيل الأول المؤسس، كما يتوقع المنظرون الإصلاحيون، وإما أن يتفتت التيار وينقسم إلى قوى تبدأ بدورها في الانضمام إلى تيارات سياسية جديدة أو قائمة.