أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

فرص كورونا:

أهداف التوجه الصيني لإحياء "طريق الحرير الصحي"

15 أبريل، 2020


يُشكل تفشي فيروس كورونا المستجد فرصة ثمينة للصين لإعادة إحياء مبادرتها المعروفة بـ"طريق الحرير الصحي"، التي سبق أن طرحتها في عام 2017، كجزء من جهودها الرامية إلى تعزيز مكانتها كقوة صحية عالمية.  ويُمثل مفهوم "طريق الحرير الصحي"، امتدادًا لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، مما يعني أنه ليس مفهومًا جديدًا تمامًا، لكنّ تكرار طرح المسؤولين ووسائل الإعلام الصينية لهذا المفهوم، يكشف بجلاء عن مساعي الصين الرامية إلى إعادة توظيفه في الوقت الراهن، بما يخدم مصالحها القومية.

تجليات "طريق الحرير الصحي":

يعود تاريخ استخدام مفهوم "طريق الحرير الصحي" لأول مرة خلال زيارة الرئيس الصيني لجنيف في يناير 2017، حيث وقع مذكرة تفاهم مع منظمة الصحة العالمية، أعلن خلالها التزام بلاده ببناء "طريق الحرير الصحي" الذي يهدف إلى تحسين الصحة العامة في البلدان الواقعة على طول "الحزام والطريق".

وفي أغسطس 2017، استضافت الحكومة الصينية في بكين منتدى "مبادرة الحزام والطريق للتعاون الصحي"، الذي أشاد خلاله المدير العام لمنظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم جبريسوس" باقتراح الرئيس الصيني استخدام مبادرة "الحزام والطريق" لتعزيز التعاون في قطاع الصحة. وفي نهاية كلمة المدير العام لمنظمة الصحة العالمية خلال المنتدى، أيد توصية الصين بأن "قادة الصحة في الدول الستين المشاركة في الاجتماع، إلى جانب شركاء الصحة العامة، يبنون طريقًا حريريًّا نحو الصحة معًا".

واكتسب المفهوم أهمية خاصة في ظل أزمة فيروس كورونا، وعملت الصين على ترجمة المفهوم في الواقع العملي إلى العديد من المبادرات، من أبرزها:

1- المساعدات الطبية: أرسلت الصين الخبراء والمساعدات الطبية إلى أكثر من 98 دولة حول العالم فيما يُعرف بـ"دبلوماسية الأقنعة"، ويتم تقديم هذه المساعدات بشكل مباشر من قبل السفارات الصينية حول العالم، ومنها: ماليزيا، والفلبين، واليونان. وفي بعض الأحيان، تقوم الشركات الصينية بتوصيل الإمدادات الطبية -ومنها شركتا هواوي وعلي بابا- إلى بعض دول العالم، ومنها أوغندا وأوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، قدمت الصين الدعم الاقتصادي لبعض الدول المتضررة، بما في ذلك قرض بشروط ميسرة بقيمة 500 مليون دولار إلى سريلانكا.

2- التعاون الدولي: لعبت الصين دورًا تنسيقيًا في إطار المنتديات الدولية متعددة الأطراف، في محاولة من جانبها للدفاع عن وللترويج لنمط استجابتها لتفشي فيروس كورونا. في هذا الإطار، ألقى الرئيس الصيني "شي جين بينج" خطابًا في اجتماع افتراضي لقادة مجموعة العشرين سلط فيه الضوء على الحاجة إلى تعزيز "مجتمع المصير المشترك للبشرية"، كما تعاون ممثلون صينيون مع دول تجمع الآسيان، ومنظمة شنغهاي للتعاون، بالإضافة إلى التعاون في إطار الآلية الأوروبية "17 + 1"، وقد حظيت المساعدات الصينية بإشادة كبيرة من قبل بعض التجمعات الإقليمية، وفي مقدمتها الاتحاد الإفريقي. 

3- حملة دبلوماسية عامة: هناك شق غير معلن بالنسبة لطريق الحرير الصحي، ويتعلق بالحملة الدعائية التي تتبناها الحكومة الصينية، وتحاول من خلالها تقديم نفسها على المسرح العالمي باعتبارها الدولة التي تمد يد العون لمساعدة بقية دول العالم. وفي ظل "المعركة العالمية للسرديات"، كما وصفها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل"، "تسعى الصين بقوة لنشر رسالة مفادها أنها شريك مسؤول وموثوق، على عكس الولايات المتحدة".

وتسعى الصين، في الوقت نفسه، إلى الترويج لسردية مفادها استحالة معرفة الجذور الحقيقية للفيروس، ومصدره الأصلي. بل إن بعض وسائل الإعلام الحكومية الصينية، حاولت مؤخرًا الترويج لفكرة أن فيروس كورونا نشأ في البداية في إيطاليا، وليس في ووهان، وأطلقت الصين أيضًا حملة دعائية عالمية لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة في هذا الوباء، من خلال اتهام الجيش الأمريكي بأنه الذي جلب الوباء إلى ووهان.

أهداف ودوافع متعددة:

في 16 مارس الماضي، أجرى الرئيس الصيني "شي جين بينغ" محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإيطالي "جوزيبي كونتي"، أكد خلالها دعمَ بلاده لإيطاليا في هذه الأزمة الخطيرة، وتعهد بتقديم الإمدادات وإرسال الفرق الطبية التي تحتاج إليها، كما أشار "شي" إلى حرصه على العمل مع إيطاليا للمساهمة في التعاون الدولي في مكافحة المرض و"بناء طريق حرير صحي". ومنذ ذلك الحين، ضاعفت الصين جهودها، سعيًا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، من أبرزها: 

1- تعزيز المكانة الدولية: تبذل الحكومة الصينية جهودًا مضنية لترسيخ مكانتها كقائد عالمي مسؤول في مجال الصحة خلال وباء فيروس كورونا، وذلك من خلال تقديم المساعدات الطبية للدول، خاصة الأكثر تضررًا من الفيروس. ووفقًا للرئيس الصيني، فإن "بلاده ستسعى جاهدة نحو إحراز نصر مبكر وكامل على المرض، من أجل منح الدول الأخرى الثقة في جهود الوقاية والسيطرة على الوباء".

وبالرغم من سعي الصين للترويج لـ"طريق الحرير الصحي" باعتباره وسيلة مهمة لتعزيز الثقة والتنسيق والتعاون في الحرب العالمية ضد الوباء، فإنه بالنظر إلى طموحاتها العالمية، فإن الجهود المبذولة لتقديم الصين نفسها كقائد للصحة العالمية ليست مفاجئة للكثيرين، حيث ترك الغياب الأمريكي النسبي عن القيادة الصحية العالمية والاضطرابات التي تعاني منها دول القارة الأوروبية، للصين مجالًا واسعًا للمناورة، مكّنها من إطلاق حملة دعائية تهدف من خلالها إلى ملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة.

وفي الوقت ذاته، تهدف أنشطة طريق الحرير الصحي، والعروض المستمرة لتقديم الدعم والمساعدة الطبية، إلى إصلاح الضرر الجسيم الذي أحدثه الوباء بسمعتها في الخارج، وتصحيح الصورة الذهنية المتداولة عنها في بعض الدول، باعتبارها المسؤول الرئيسي عن انتشار الفيروس في العالم، بسبب قيامها بالتغطية والتستر على المعلومات المتعلقة بالفيروس خلال المراحل المبكرة من اكتشافه، مما أدى إلى تأخير الاستجابة العالمية الفعّالة للفيروس. 

2- تحقيق مكاسب اقتصادية: لا يمكن فهم تكرار طرح كبار المسؤولين الصينيين لمفهوم "طريق الحرير الصحي" بمعزل عن الدوافع الاقتصادية وراء ذلك. ومن الواضح أن بكين تسعى لتعويض الخسائر الاقتصادية التي منيت بها جراء انتشار فيروس كورونا. وفي الوقت الذي تحظر فيه الدول عمليات تصدير مستلزمات مكافحة فيروس كورونا، أصبحت الصين المصدر العالمي الرئيس للأقنعة وأجهزة التنفس والبدلات الواقية، بعدما نجحت في السيطرة على الفيروس في الداخل. 

والأمر لا يقتصر على توريد المعدات الطبية، بل قامت الصين بتوظيف النجاحات التي حققتها في مجال استخدام التكنولوجيا، في التصدي لفيروس كورونا، للترويج لتقدمها التكنولوجي الكبير، ولن يكون من المستغرب أن تقوم بتصدير تلك التطبيقات التكنولوجية للعديد من دول العالم، وهو ما يمكن أن يدمج بين طريق الحرير الصحي والرقمي من أجل مراقبة الصحة.

3- دعم " طريق الحرير الجديد": من خلال قيام الصين بوقف حركة السفر الدولي، وفرض الحجر الصحي على المدن، والإغلاق التام لجميع أنحاء البلاد من أجل احتواء فيروس كورونا؛ فإنها أثرت على خطوط العمل والإمداد التي تعتمد عليها المشاريع المندرجة في مبادرة طريق الحرير الجديد. وبينما تستأنف الصين نشاطها الاقتصادي الذي كان يتباطأ بالفعل، قد لا تكون قادرة على تخصيص المستوى نفسه من الموارد لمشاريع مبادرة طريق الحرير الجديد، التي تتلقى إعانات حكومية ضخمة. 

علاوة على ذلك، ستواجه البلدان المشاركة في المبادرة، وخاصة الأقل نموًا، العديد من الأزمات الاقتصادية، مما يجعلها غير قادرة على خدمة ديونها، وهو ما يعني توقف المزيد من مشروعات مبادرة طريق الحرير الجديد. لذلك، يمكن أن يُمثل طريق الحرير الصحي بديلًا جديدًا لسياسة خارجية تسعى الصين إلى الترويج لها في المستقبل القريب.

وفي الإطار ذاته، تسعى الصين إلى الاستفادة من طريق الحرير الصحي في دعم مبادرتها الخاصة بالحزام والطريق، لذلك لم يكن مفاجئًا أن تكون من أوائل دول العالم التي مدت يد العون والمساعدة لإيطاليا، وهي الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية.

4- دعم الحزب الشيوعي الصيني: يسعى الحزب الشيوعي الصيني، من خلال إعادة طرح مبادرة "طريق الحرير الصحي"، إلى توظيف ذلك محليًّا لإضفاء الشرعية على حكمه. وبالنسبة للرئيس الصيني، فإن المساعدات التي تقدمها بكين في إطار طريق الحرير الصحي، تُمثل خطوة مهمة لإثبات فعالية النموذج الصيني. وتحاول بكين الإشارة إلى نجاحها كدليل على قدرات نظامها السياسي، وذلك عقب الانتقادات الداخلية للحكومة بسبب سوء إدارتها لأزمة فيروس كورونا، وما وُصف بـ"الاستجابة المتأخرة" للفيروس. 

من هذا المنطلق، فإن عروض بكين المتتالية لمساعدة الدول الأخرى تؤكد للشعب الصيني أن الدولة تستجيب للوباء بطريقة مسؤولة، كما أنها تستهدف التخفيف من حدة القلق المنتشر داخل البلاد وتهدئة الشعب الصيني.

مستقبل "طريق الحرير الصحي":

ساهم انتشار فيروس كورونا في التأكيد على المكانة المحورية للصين، حيث سلط الضوء على اعتماد الدول الغربية الكبير عليها فيما يتعلق بإمداداتها الطبية. وفي هذا السياق، تحاول الصين التأكيد على أنها تخوض الحرب العالمية ضد فيروس كورونا، وحدها، دون الإشارة إلى أي تعاون أمريكي، خاصة أن الفيروس أصبح ساحة جديدة للمواجهة بين البلدين. ومع أنه لا يزال من السابق لأوانه تحديد مدى نجاح مبادرة "طريق الحرير الصحي" في تحسين صورة الصين دوليًا، وتعزيز مكانتها على الساحة العالمية، فإن مستقبل هذه المبادرة يتوقف بشكل أساسي على عدة متغيرات وعوامل، منها:

1- مواصلة الصين تقديم المساعدات الطبية: وهو الدعم الذي يلقى ترحيبًا كبيرًا من مختلف دول العالم، وفي مقدمتها إيطاليا، التي أكدت على لسان "لويجي دي مايو"، وزير خارجيتها: "إننا سوف نتذكر الذين كانوا قريبين منا في هذه الفترة الصعبة". كما أكد الرئيس الصربي "ألكسندر فوتشيك": "إن الصين هي الصديق الوحيد الذي يمكنه مساعدتنا". وتتوقف قدرة الصين على مواصلة تقديم المساعدات الطبية على أوضاعها الاقتصادية، إذ إنه من المتوقع أن يعاني الاقتصاد الصيني من أسوأ انهيار له منذ ستين عامًا مع انكماش يُقارب 10%.

2- قدرة واشنطن على احتواء الفيروس: وأخذها بزمام المبادرة فيما يتعلق بإدارة الأزمة الصحية العالمية الراهنة، ليس هذا فحسب بل إن الأمر يتعلق بقدرة الولايات المتحدة على التعافي اقتصاديًّا بشكل سريع، وتعويض الخسائر الضخمة التي تكبدتها، وهو الأمر الذي من المرجح أن يستغرق وقتًا طويلًا، خاصة مع استمرار الارتفاع في حالات الإصابة والوفاة جراء الفيروس، واستمرار إغلاق الاقتصاد الذي يعاني بالفعل من حالة ركود.

3- نجاح الدول الأوروبية في التغلب على الأزمة: يتوقف مستقبل المبادرة بشكل ما على قدرة الدول الأوروبية على تنسيق جهودها في مواجهة محاولات استخدام الإمدادات الطبية الصينية كوسيلة للتشكيك في حقيقة التضامن الأوروبي. وهو ما دفع بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمتها: فرنسا، وألمانيا والنمسا، إلى تقديم المساعدات الطبية لإيطاليا، بعد عدة أسابيع من التقاعس وضعف الدعم. 

ختاماً يمكن القول إن الصين تحاول من خلال إعادة طرح مبادرة "طريق الحرير الصحي" التغلب على الانتقادات التي توجه لها، سواء بسبب الإخفاء للمعلومات الخاصة بفيروس كورونا في البداية، أو الشكوك بشأن دقة الإحصاءات الرسمية الصينية، أو الشكاوى المتكررة بشأن سوء جودة المعدات الطبية المشحونة من بكين. وبغض النظر عن الروايات الأمريكية والأوروبية التي تؤكد أن مبادرة "طريق الحرير الصحي" لا تتعلق بإنقاذ الأرواح، بل تتعلق بـ"زعزعة الاستقرار" في الاتحاد الأوروبي، وتحسين الصورة المحلية للحزب الشيوعي الصيني؛ فإن ذلك لا يهم كثيرًا الدول التي تتلقى من الصين المساعدات والمعدات الطبية التي هي في أشد الحاجة إليها، وهو ما يجعل من أزمة فيروس كورونا فرصة ثمينة لا يمكن للصين التخلي عنها بسهولة.