أصدر مجلس الأمن الدولي في 12 فبراير الجاري قراراً جديداً بشأن الصراع الدائر في ليبيا، يُضاف إلى سلسلة قراراته التي بدأت بالقرار 1970(لعام 2011). وتشير القراءة المتأنية لديباجة ومضمون قرار الأسبوع الماضي إلى أنه لا جديد تحت الشمس من منظور الفاعلية المتوقعة للقرار الذي تبنى مواقف يمكن وصفها بالصحيحة، لكن صياغتها اتسمت بالعمومية والبعد عن اتخاذ مواقف تضع الأمور في نصابها الصحيح، ناهيك كما سنرى لاحقاً بالقدرة على وضع هذه المواقف موضع التنفيذ. وهل هناك ما هو أكثر عمومية من أن يشير القرار في ديباجته إلى «أهمية الدور المركزي الذي تؤديه الأمم المتحدة في تيسير الاضطلاع بعملية سياسية تشمل الجميع تتولى ليبيا قيادتها وتمسك بزمام الأمور فيها»؟ ولنتوقف هنا عند كلمتين هما «الجميع» و«ليبيا»، ومن المعروف أن الصراع الدائر في ليبيا تنخرط فيه أطراف عديدة كثير منها يمكن بسهولة دمغه بالإرهاب، فهل يشمل «الجميع» في الصياغة السابقة الميليشيات الإرهابية التي تمولها وتساندها القوى المعروفة الداعمة للإرهاب؟ وألم يكن الأمر يقتضي ولو مجرد إشارة إلى استبعاد الفصائل الإرهابية من التسوية، علماً بأنها لم تُحدد حتى الآن كما سنوضح، ومن ثم لا حساسية في إضافة هكذا نص. أما الأعجب فهو تعبير «تتولى ليبيا قيادتها»، فمن هي «ليبيا» هذه يا ترى؟ وهل تكون حكومة السراج الخاضعة لنفوذ الفصائل الإرهابية وهيمنتها، أم الجيش الوطني الذي يقاومها في محاولةٍ لاستعادة الدولة الليبية؟ وإذا كان المقصود هو «أن يكون الحل ليبياً»، فكيف يتولى الطرفان المتحاربان قيادة هذه العملية السياسية؟ أي أن القرار كان يتعين عليه عبور العموميات إلى الحديث عن آليات محددة. واستمراراً لنهج «العمومية» واصلت الديباجة الإعراب «عن بالغ القلق إزاء استغلال الجماعات الإرهابية والعنيفة للنزاع» والتأكيد على «ضرورة التصدي للأخطار التي تهدد السلام والأمن الدوليين نتيجة للأعمال الإرهابية»، هكذا دون تحديد لا للجماعات الإرهابية والعنيفة المقصودة ولا لماهية الأخطار التي نجمت عن أعمالها الإرهابية. والطريف أو بالأحرى المؤلم، أن القرار قد ذكرنا في بنده العملي التاسع بالفقرة 24 من القرار1970(2011) التي أنشأت لجنة يجوز لها أن تقوم «بتصنيف الأفراد أو الكيانات الضالعين في أعمال تهدد السلام أو الاستقرار في ليبيا أو يقدمون الدعم لها لغرض إخضاعهم لتدابير حظر السفر وتجميد الأصول المحددة في القرار»، ويعني هذا أن القرار 1970 عندما أنشأ اللجنة المذكورة لم «يكلفها» بمهمة التصنيف المطلوبة وإنما «أجاز» لها ذلك، ومن الواضح أنها لم تستفد بهذه الرخصة رغم الأهمية المحورية لهذه الوظيفة، والأكثر طرافة أن القرار الأخير الصادر بعد تسع سنوات على القرار 1970 أكد أن اللجنة «ستنظر» في تصنيف الأفراد والكيانات الذين ينتهكون حظر توريد الأسلحة أو وقف إطلاق النار «متى تم الاتفاق عليه»، والسؤال المنطقي هل تحتاج هذه اللجنة الوهمية التي لم تفعل شيئاً على مدار تسع سنوات إلى وقف إطلاق النار كي تعرف من ينتهك قرارات مجلس الأمن؟
واستمراراً لذات «اللغة الخشبية» التي تساوي بين القاتل والمقتول، يُلاحظ تجنب القرار التام لإدانة الأطراف التي تتعين إدانتها رغم سفور انتهاكها لقرارات مجلس الأمن، وقد تابع الجميع في الآونة الأخيرة تصريحات المبعوث الأممي لليبيا عن نقل المرتزقة إليها، وشهادة الرئيس الفرنسي عن نقل العتاد التركي لحكومة السراج، ناهيك بمجاهرة أردوغان نفسه بما يفعله في ليبيا، ومع ذلك فقد اكتفى القرار في بنده الأخير بالإشارة إلى الالتزامات التي تم التعهد بها في مؤتمر برلين بحظر توريد الأسلحة، وطالب بامتثال جميع الدول الأعضاء امتثالا تاماً لحظر توريد الأسلحة بموجب القرار1970، وذلك بوسائل منها وقف تقديم كافة أشكال الدعم إلى جميع المرتزقة المسلحين وسحبهم، وطالب جميع الأطراف بعدم التدخل في النزاع أو اتخاذ تدابير تؤدي إلى تفاقمه، وذلك دون أدنى إشارة إلى أن هناك من قام فعلا بخرق فاضح لهذه الالتزامات بل وجاهر بذلك علناً.
والواقع أن استمرار الصراع في ليبيا وغيرها يعود، في جزء منه على الأقل، إلى ضعف الإرادة الدولية، إن لم يكن غيابها للتصدي لمن يهددون السلم والأمن الدوليين ويضربون عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد