يبدو أن تيار المحافظين الأصوليين، القريب من المرشد الأعلى للجمهورية والحرس الثوري، يتجه نحو تحقيق فوز بارز في الانتخابات البرلمانية التي سوف تجرى في 21 فبراير الحالي، والتي سيكون لها دور في تحديد خريطة القوى السياسية قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في منتصف العام القادم، التي يسعى الأصوليون أيضاً لانتزاعها من تيار المعتدلين. ويحاول الأصوليون استغلال التصعيد الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، بعد مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، وتزايد احتمالات انهيار الاتفاق النووي وعودة الملف برمته إلى مجلس الأمن مرة أخرى، من أجل تعزيز فرصهم في السيطرة على مراكز السلطة في النظام.
تحذيرات مسبقة:
رغم أن مجلس صيانة الدستور لم ينته بعد من دراسة مجمل ملفات المرشحين للانتخابات البرلمانية، إلا أن الرئيس حسن روحاني سارع إلى التعليق على الإجراءات الأولية التي اتخذها برفض أهلية عدد كبير من مرشحي تيار المعتدلين وحوالي 90 نائباً في الدورة الحالية لمجلس الشورى، على نحو يعكس رؤيته للمسارات التي سوف تتجه إليها سواء توازنات القوى السياسية في الداخل أو السياسة الإيرانية في الخارج خلال المرحلة القادمة. فقد أكد على أنه "لا يمكن لتيار واحد أن يدير الدولة"، وأشار في الوقت نفسه إلى أن "نتائج الانتخابات القادمة سوف يكون لها تأثير على السياسة الخارجية للدولة".
مشهد 2004:
هذه التصريحات، التي رد عليها مجلس صيانة الدستور بتوجيه انتقادات حادة لروحاني وإعلان قبول ملفات عدد جديد من المرشحين، تشير إلى أن التوتر سوف يتحول إلى سمة رئيسية في التفاعلات التي تجري على الساحة الداخلية الإيرانية، نتيجة اتساع نطاق تأثير العقوبات الأمريكية، والتي ربما تتطور في مرحلة لاحقة إلى عقوبات دولية في حالة استمرار الدول الأوروبية في تفعيل آلية فض النزاع الخاصة بالاتفاق النووي دون أن تصل إلى توافق مع إيران في هذا الصدد.
وقد دفع ذلك اتجاهات عديدة إلى ترجيح اندلاع أزمة سياسية جديدة مشابهة لما حدث في عام 2004، عندما رفض مجلس صيانة الدستور أهلية عدد كبير من مرشحي التيار الإصلاحي، وهو ما مهد في النهاية إلى سيطرة المحافظين الأصوليين على مجلس الشورى ثم وصول الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية بعد أن فاز باكتساح على رئيس الجمهورية الأسبق، الذي كان بمثابة "الأب الروحي" لتيار المعتدلين، هاشمي رفسنجاني في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2005، لتبدأ مرحلة جديدة اتسمت فيها السياسة الإيرانية بالتشدد والتصعيد. ففي هذه المرحلة، التي تلت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بكل ما فرضه من تداعيات إقليمية كبيرة، أمعنت إيران في تدخلاتها الإقليمية، ووصلت إلى مرحلة امتلاك دورة الوقود النووي.
دلالات عديدة:
كان لافتاً أن "مقصلة" مجلس صيانة الدستور، الذي استخدم مبررات عديدة مثل ارتكاب مخالفات مالية وعمليات فساد، لم تقتصر على مرشحي تيار الإصلاحيين فقط، رغم أنهم يشكلون النسبة الأكبر من قائمة المستبعدين، وإنما امتدت أيضاً إلى بعض أقطاب تيار المحافظين الأصوليين على نحو يوحي بأن الأسباب الحقيقية وراء عملية الاستبعاد الواسعة لا تكمن فقط في التوجهات الأيديولوجية للمرشحين المستبعدين، وإنما تتصل أيضاً بمواقفهم تجاه بعض القضايا الداخلية والخارجية.
إذ يبدو أن تأييد الاتفاق النووي يمثل أحد الاعتبارات التي دفعت مجلس صيانة الدستور إلى رفض أهلية المرشحين، خاصة أن أعضاء المجلس من كوادر تيار المحافظين الأصوليين الذين تبنوا من البداية موقفاً مناهضاً للاتفاق، باعتبار أنه يتضمن، في رؤيتهم، تنازلات كبيرة من جانب إيران، على غرار تغيير نظام تشغيل مفاعل "آراك" الذي كان من الممكن أن ينتج البولوتونيوم، وتقليص كمية ومستوى اليورانيوم المخصب.
وهنا، تكمن المفارقة. إذ أن تأييد الاتفاق كان أحد العوامل التي ساهمت ليس فقط في فوز عدد كبير من تيار المعتدلين في انتخابات الدورة الحالية التي أجريت في عام 2016، لدرجة مكنت هذا التيار من السيطرة على كل مقاعد العاصمة طهران، وإنما في استبعاد بعض نواب ومرشحي تيار المحافظين الأصوليين الذين عارضوه في هذا السياق، ومنهم النائب الأصولي السابق روح الله حسينيان، الذي سبق أن هدد وزير الخارجية محمد جواد ظريف ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي بـ"دفنهما أحياء وسكب أسمنت عليهما في مفاعل آراك"، في إشارة إلى ما يقضي به الاتفاق النووي من ضرورة ملء أنابيب الوقود في مفاعل "آراك" بالأسمنت في إطار العمل على تغيير نظام العمل به.
واللافت في هذا السياق أيضاً، أن حسينيان الذي يتوقع سيطرة الأصوليين، من كوادر الصف الثاني غير المعروفين، على مجلس الشورى في دروته الجديدة، سبق أن دعا الرئيس السابق أحمدي نجاد للمشاركة في الانتخابات، والعودة إلى الساحة السياسية من جديد، على نحو يكشف عن وجود اتجاه داخل تيار المحافظين الأصوليين ما زال يضغط من أجل تبني سياسة أكثر تشدداً في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية خلال المرحلة القادمة.
موقف الشارع:
يُعوِّل المحافظون الأصوليون على أن المعتدلين لن يستطيعوا مرة أخرى الاستناد إلى الشارع كورقة ضغط لتعزيز موقعهم السياسي، باعتبار أنهم فقدوا ثقة الشارع من الأساس، في ظل عدم قدرة الرئيس حسن روحاني على تنفيذ كثير من وعوده التي أطلقها قبيل وصوله إلى رئاسة الجمهورية، وعلى رأسها رفع الإقامة الجبرية عن قادة حركة الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009 "الحركة الخضراء" مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وهو ما قد يدفعهم بالفعل إلى الإمعان في الإجراءات نفسها حتى الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة.
إلا أن ذلك قد يواجه تحدياً لا يبدو هيناً. إذ أن رفض مجلس صيانة الدستور ملفات عدد كبير من مرشحي تيار المعتدلين قد يكون له دور بارز في تراجع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، وهو متغير مهم تضعه السلطات في اعتبارها، في ظل ترقب العديد من القوى الدولية والإقليمية المعنية بالخلافات مع إيران لمستوى المشاركة، على أساس أنه يمثل مؤشراً لمدى قوة القاعدة الشعبية التي تؤيد النظام، خاصة في ظل العقوبات والضغوط التي تتعرض لها إيران، والاحتجاجات التي شهدتها في الشهور الماضية. كما أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى اندلاع احتجاجات جديدة، على غير رغبة الأصوليين، خاصة أن دوافعها الأساسية ما زالت قائمة، والتي بدت جلية في الاحتجاجات التي اندلعت بعد الاعتراف بإسقاط الطائرة الأوكرانية.
وفي النهاية، يمكن القول إن نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة في إيران سوف تكشف، إلى حد كبير، عن المسارات المحتملة التي قد تتجه إليها السياسة الإيرانية خلال المرحلة القادمة، باعتبار أنها سيكون لها دور في التأثير على تحديد الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع الضغوط الخارجية.