أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

صفقة محتملة:

هل يصل النظام السوري و"قسد" إلى تفاهمات سياسية وأمنية؟

07 نوفمبر، 2019


جدد قائد ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، في 6 نوفمبر الجاري، الشروط التي تبناها الأكراد للاتفاق مع النظام السوري في المرحلة القادمة، والتي تتمثل في الاعتراف بخصوصية "قسد" ضمن قوات الحماية العامة العسكرية السورية، والإقرار بإدارة الحكم الذاتي كجزء من السلطة في سوريا، والنص على ذلك في الدستور، وهو الشرط الذي قد يتعارض مع النتائج التي يمكن أن تسفر عنها الاجتماعات التي بدأت تعقدها اللجنة الدستورية السورية. ويشير استمرار تكرار تلك التصريحات، على المستوى الإعلامي، من جانب قادة الميليشيا الكردية إلى إلحاح كردي على استئناف العلاقات مع النظام، في إطار التحول الملحوظ في أنماط تحالفاتهم، بشكل اضطراري، بعد القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية بسحب الدعم الذي كانت تقدمه لهم.

وحسب مراقبين وتقديرات محلية سورية، فإن النظام الذي لم يعلن عن خطوة الاتفاق مع الأكراد الذي جرى في 13 أكتوبر الفائت، وبموجبه تحركت قواته إلى مناطق الطبقة وعين عيسى ومواقع في الحسكة وتل تمر في ريف الرقة الغربي في مسار مقابل لمسار الاجتياح التركي للعمق السوري من الشمال، يرى أن الأكراد في حاجة إلى التنسيق معه، وأن عليه أن يتعامل مع التوجه الكردي وفقاً لما يحقق مصالحه وليس المصالح الكردية، أو حتى في إطار تبادل المصالح. ومن هنا، فإن النظام يتعامل على أساس أنه يقدم طوق إنقاذ للأكراد الذين اعتبرهم "مسئولين عن جلب العدوان"، في إشارة إلى التطورات الميدانية التي طرأت في الشمال السوري خلال الفترة الماضية.

في المقابل، تشير تحليلات كردية إلى أن السياسة الظاهرية والدعائية التي ينتهجها النظام تجاه التقارب مع الأكراد تختلف عن ما يجري في الكواليس وبعيداً عن وسائل الإعلام، وهو ما أشار إليه مظلوم عبدي نفسه بشأن انطباعه عن اللقاءات الجارية مع النظام خلال الأزمة الأخيرة بوصفها أنها "كانت جادة من اليوم الأول"، وهو التصريح الذي يؤكد استمرار الحوار المباشر بين النظام والأكراد، الذي أصبح حواراً متقدماً بين الطرفين، خاصة في ضوء ظهور مؤشرات عديدة تكشف عن الاتفاق على ترتيبات في الكواليس لم تنضج بعد. وقد يفسر هذا الاتجاه صعوبات حسم التحالفات في إطار صفقات تحقق مصالح الطرفين.

تداعيات متناقضة:

في السياق السابق، فإن حسابات الطرفين- النظام والأكراد- تتجه إلى عقد صفقة إما تعزز بناء تحالف مشترك بين الطرفين أو تفرض تداعيات عكسية تؤدي إلى توسيع نطاق انعدام الثقة المشتركة، بسبب استمرار الخلافات القائمة بينهما والتي لا تبدو ثانوية أو يمكن تسويتها بسهولة، وذلك وفق مؤشرين هما:

1- ترى بعض التحليلات التركية أن هناك "ضرورة" لتطبيع العلاقات بين النظام والأتراك، لاسيما في ظل التقدم الملحوظ في مستوى خطوط الاتصال القائمة بينهما، أشار إليه وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، في 24 أكتوبر الفائت، حيث سيحتاج النظام، وفقاً لتلك الرؤية، إلى أنقرة لتحقيق أكثر من هدف، منها التوصل إلى تفاهمات حول مسار التسوية والأوضاع في إدلب وعدد من الملفات الأخرى منها ملف اللاجئين. كما أن المفاضلة بين الأكراد أو تركيا، طبقاً لتلك التحليلات، ستكون محسومة للأخيرة، إذ أن التقارب مع الأكراد هو مجرد تحصيل حاصل، لاسيما في ظل الوضع الصعب الذي تبدو فيه ميليشيا "قسد"، فضلاً عن أن الأكراد عموماً في حاجة إلى الإسناد والدعم في مواجهة تركيا، وأن انتشار ألوية قوات النظام في تلك المناطق سوف يسمح بوضع تفاوضي جيد له بين الطرفين التركي والسوري (المعارضة)، إلى جانب أن مشروع "روجآفا" لم يعد يثير قلقاً لديه منذ فترة طويلة وليس فقط بعد الانسحاب العسكري الأمريكي، الذي أعقبته العملية العسكرية التي شنتها تركيا في شمال سوريا.

2- هناك تلميحات كردية إلى بعض المكاسب التي يمكن أن يوفرها التحالف مع النظام. فعلى الرغم من ابتعادهم عن المناطق الشمالية بعد تأسيس المنطقة الآمنة التركية والتفاهمات التي توصلت إليها تركيا مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا عقب شن العملية العسكرية في شمال سوريا، إلا أنه لا يزال لديهم نفوذ على مساحة واسعة في شرق الفرات وشمال البلاد في المناطق التي لم يدخلها النظام وقد يكون في حاجة إلى الوصول لها.

فضلاً عن ذلك، فإن تحالف الأكراد مع النظام سوف يؤدي إلى توحيدهم ضد المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا. ومع ذلك، فإن ثمة تحديات عديدة يمكن أن تواجه مساعي الأكراد للحصول على تلك المكاسب. إذ أن النظام ليس في مقدوره مضاعفة مساحات التمدد في شرق الفرات، خاصة في ظل استئناف تنظيم "داعش" لنشاطه هناك وفق تقديرات دولية متخصصة بعد مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر الفائت وتعيين أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في منصب القائد الجديد، كما أن معركة الأكراد والمعارضة السورية المسلحة، في رؤية النظام، قادمة بينهما دون أن يكون الأخير طرفاً فيها بالنظر إلى وضع تركيا بين الطرفين، بل إن استنزاف الطرفين في تلك المعركة يتوافق مع حساباته في المرحلة الحالية التي تشهد انعقاد اجتماعات اللجنة الدستورية.

تقارب اضطراري:

تطرح التحليلات السابقة مسارات متعددة للعلاقات بين تلك القوى، خاصة في ظل حالة السيولة في أنماط التفاعلات التي تجري فيما بينها. وبناءً على ذلك، من المتصور أن كلاً من الأكراد والنظام أو النظام والأتراك ليسوا جميعاً بصدد تأسيس تحالفات، خاصة أن التقارب المحتمل بينهم اضطراري، وفقاً لحسابات هذه الأطراف التي ستحاول الاستفادة من مساحات هذا التقارب مع الآخرين دون حسم العلاقات فيما بينها.

​في النهاية، يمكن القول إن النظام سوف يتبنى شروطاً عديدة للوصول إلى صفقة مع ميليشيا "قسد"، وقد أثبتت التطورات السياسية والميدانية التي طرأت على الساحة السورية أن النظام يسعى إلى الاستفادة بشكل مباشر أو غير مباشر من كل تحول يحدث في تلك الساحة، سواء كان سبباً فيه أم لا، خاصة في ظل متابعته للمعطيات التي تفرضها التطورات السياسية والميدانية الأخيرة وتأثيرها على موقعه وحساباته