ألغى أمر ديواني جديد صادر عن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، في 21 سبتمبر الجاري، منصب نائب رئيس الحشد الشعبى الذي كان يشغله أبو مهدى المهندس الشخصية الأبرز فى هيئة الحشد، واعتبر مراقبون أن عملية الإطاحة بالمهندس، أو تهميشه، لا تشكل فقط نجاحًا لعبدالمهدي في برنامج إعادة هيكلة الحشد، وإنما أيضًا تعبر عن إعادة هندسة لدور إيران في توظيف الساحة العراقية وفقًا لأجندتها الخاصة، لا سيما في ظل التصعيد الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وانطلاقًا من السياق السابق، فإن القرار يطرح العديد من الدلالات ذات الأبعاد السياسية والأمنية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- التوقيت: يمثل التوقيت عاملاً مهمًا في القرار، حيث يأتي في ظل تنامي الشكوك حول دور إيران في تطويع الحشد لخدمة أهدافها الخاصة، لا سيما على الساحة الخارجية، وهو ما تعزز فى ضوء توالي التقارير الغربية التي لا تستبعد استخدام الحشد في سياق الخطوات التصعيدية التي تتخذها طهران، بما يعني أن القرار اتخذ في ضوء التعامل مع مخاوف دول الجوار من تصاعد دور الحشد في هذا السياق، وبما أن المهندس كان قائد تلك المرحلة عمليًا في الحشد، فإن استبعاده، أو تهميشه، يمثل محاولة لتهدئة المخاوف من استمرار هذا الدور.
2- قوة الحكومة: بمجرد صدور القرار الديواني، أشارت تقارير محلية عراقية عديدة إلى أن هناك "مقاومة للأمر"، وأن بعض فصائل الحشد الأكثر قربًا من إيران تقوم بحالة عصيان للقرار الحكومي بإيعاز من المهندس، وهو سيناريو مكرر سبق تنفيذه ونجح فى إفشال قرار مماثل لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادى الذي لم يتمكن من الصمود في ذروة قوة الحشد آنذاك، وتعاظم نفوذها الأمني ثم السياسي، وعليه فمن المتصور أن الإطاحة بالمهندس تشكل ضمانة لتنفيذ القرار كونه كان بمثابة "رأس الحربة" في عرقلة القرارات المماثلة، حيث كان يعتبر الحشد مؤسسة مستقلة لا ولاية حكومية عليها، على نحو فرض حالة من الازدواجية الأمنية في العراق. ولذلك، فإن اتجاهات عديدة ترى أن إقصاءه من موقعه سيسهل عملية السيطرة الحكومية على الحشد، بما يضمن لها تنفيذ برنامجها الخاص بإعادة الهيكلة والدمج، وهو ما لم تتمكن الحكومة السابقة من تنفيذه.
3- اتجاه لتقويض نفوذ إيران: وفقًا لتقارير عديدة، كان نفوذ قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" على الحشد يتجاوز نفوذ الدولة عليه، وحتى قبيل صدور قرار إلغاء منصب نائب رئيس الحشد بأيام، قام سليماني بزيارة العراق، وهى الزيارة التي كان مغزاها مبهمًا إلى حد كبير، حيث تعددت التقارير حولها، والتي أشار بعضها إلى أنها محاولة لرأب الصدع في ظل اتساع نطاق الخلافات بين الكتل الموالية لإيران حول أجندة المرحلة السياسية والأمنية، لكنها قللت من احتمالات أن تكون محاولة لتعزيز موقع المهندس في الحشد. واللافت هو أن بعضها الآخر اعتبر أن المهندس قد أدى دوره المطلوب بالنسبة لإيران ولم تعد هناك حاجة إليه، خاصة وأن الأخيرة تحاول تفادي أزمة مع الحكومة العراقية التي تعمل في المقابل على النأى بالنفس عن مواقف وسياسات إيران تجاه الوجود الأمريكي في العراق، وتعزيز فكرة السيادة الوطنية. لكن إجمالاً، يصب القرار لصالح فكرة تقويض النفوذ الإيراني على الحشد بدرجة ما.
تأثيرات مختلفة:
من المتوقع أن يفرض قرار الإطاحة بالمهندس، وفقًا لبعض التقديرات، أو تهميش دوره طبقًا لتقديرات أخرى، تداعيات ستنعكس آثارها على المديين القريب والمتوسط، ويتمثل أبرزها في:
1- "مأسسة" الحشد: وهو التأثير المباشر للقرار، الذي يظهر سواء فيما يتعلق بشخص المهندس، أو ما يتصل بالقرارات الأخرى التي تضمنها. فالقرار جاء في سياق عملية إعادة الهيكلة في إطار مؤسسي يلغي العديد من المناصب ويضعها تحت إشراف قيادات عسكرية متخصصة، وبالتالي يظهر بالدرجة الأولى أن هناك أولوية لـ"مأسسة" هيئة الحشد تنهي حالة الازدواجية والفوضى الهيكلية الغالبة على تكوينها، ولا تنحصر فقط في الإطاحة بأشخاص أو تغيير مواقعهم. كما أنه سيعيد النظر في منتسبي الحشد وفقًا لمعايير وظيفية، وهو ما أثار إشكالية لنحو 65 ألف عنصر تابع للحشد تكشف التقارير المحلية أن لديهم مشكلات في المعلومات الأمنية والمعايير الخاصة بالوظيفة، وأسباب حصولهم على أموال وأسلحة دون رقيب.
2- تكريس سيطرة الدولة على الكيانات الأمنية: والذي سيكون أيضًا إحدى تداعيات "المأسسة"، في سياق تحويل الحشد من مليشيا إلى مؤسسة تعمل في إطار السياسة التي تتبناها الدولة.
3- إنهاء الخلافات داخل الحشد: كان ينظر للمهندس عمليًا على أنه القائد الفعلي للحشد، حيث كان يسوق ذلك بنفسه، وكان قليلاً ما يذكر اسم فالح الفياض رئيس الحشد، بعد أن قام بالترويج إلى أنه مشغول بمستشارية الأمن القومى وإدارتها، وليس متفرغًا للحشد، بما يعني أنه كان يعتبره مجرد موقع رمزي، الأمر الذي تسبب في خلافات كثيرة بينهما، لكن الفياض تمكن من حسمها لصالحه حينما تصدى سواء لقرار المهندس بإنشاء قوة جوية للحشد، أو لموقفه التصعيدي ضد القوات الأمريكية في العراق، حيث كان يلمح فى خطاباته الأخيرة إلى استعداده لاستهدافها.
4- رسائل خارجية: توجه تلك الخطوة رسائل تفيد مسئولية الحكومة عن الحشد، وإنهاء دورها كوكيل لأى قوة خارجية، من خلال إخضاعها لسلطة الدولة وأدواتها الرقابية وقراراتها الإدارية.
إشكالية محتملة:
مع ذلك، لا يبدو أن الإطاحة بالمهندس أو تهميشه من الحشد سوف تمر دون رد فعل، سواء من جانبه أو من قبل أنصاره، أو حتى من إيران، إن لم يكن صحيحًا أنها بالفعل ترى أن دوره قد انتهى. وبالتالي، من المتصور أن تكون هناك محاولات عديدة لصالح إعادة تعويم المهندس في المشهد مرة أخرى، وهو ما جعل كثيرًا من المراقبين يرون أنه قد يتولى أحد منصبين: إما رئاسة أركان الحشد وهو احتمال ضعيف لأنه من المفترض أن يكون في عهدة قيادة عسكرية، كأغلب الوظائف العليا الخاصة بإدارات الحشد وفق التشكيل الجديد، أو أمين سر الهيئة، وهو موقع مهم أيضًا لكنه لن يكون بنفس تأثير موقعه السابق. لكن أيًا من الاحتمالين سيتوقف على طبيعة تشكيل هذين المنصبين، وهو ما لم يتم حسمه إلى الآن.
وفي المحصلة الأخيرة، يعتبر قرار الإطاحة بالمهندس، أو تهميش دوره، أولى الخطوات العملية لإعادة هيكلة الحشد كمؤسسة تعمل في إطار الدولة العراقية وليست وكيلاً لإيران. لكن يظل هناك مسار طويل أمام إنجاح باقي الخطوات، التي يأتي في مقدمتها إعادة تشكيل العقيدة العسكرية للعديد من مكونات الحشد في إطار عملية إعادة الهيكلة كمؤسسة وطنية.