فرضت الولايات المتحدة، نهاية الأسبوع الماضي، المزيد من العقوبات المالية على إيران بعد استهداف معملي إنتاج النفط في شركة «أرامكو» السعودية، تلك العقوبات التي طالت البنك المركزي الإيراني وصندوقها الوطني السيادي، لتستكمل بذلك حلقة تطويق الاقتصاد الإيراني بعد تصفير صادرات النفط تقريباً، وعزل إيران عن نظام التعاملات المالية الدولي المعروف بـ«سويفت».
وعلى الرغم من أن جماعة «الحوثي» الإيرانية في اليمن أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على منشآت النفط السعودية، فإن الوقائع أثبتت أن هذه الصواريخ والطائرات المسيرة جاءت من الشمال، أي من إيران، وهذا ما تعرفه جيداً الدول الخمس الكبرى الآن، التي تملك أقماراً صناعيةً تراقب الحركة على كوكب الأرض على مدار الساعة، إذ لا نستغرب ذلك، إذا ما رجعنا إلى تصريح الرئيس حسن روحاني في بداية تطبيق العقوبات الخاصة بتصفير صادرات النفط الإيراني في شهر مايو الماضي، عندما قال: «إذا منعت إيران من تصدير نفطها، فإن أحداً في الخليج لن يمكنه ذلك». تهديد واضح وصريح باستهداف صادرات النفط في دول المنطقة.
ولكن مهلاً روحاني، هل منع أحد إيران من تصدير نفطها؟ الجواب قطعاً لا، المشكلة لا تكمن في المنع، وإنما لا يوجد مشترون للنفط الإيراني خوفاً من العقوبات الأميركية الصارمة، فالنفط الإيراني معروض في الأسواق الدولية وبخصومات مغرية للغاية تصل إلى 20-30% إلا أنه لا توجد دولة تجازف بشرائه إلا بصورة محدودة وبسرية تامة، وبالتالي، فإن الرئيس الإيراني يخلط الأوراق هنا، كما هي عادة نظام الملالي المراوغ الذي يلعب بالنار بصورة خطيرة، بعد ضربه لمواقع إنتاج النفط السعودي.
الحقيقة أن إيران خسرت كثيراً من عملية الاستهداف هذه، والتي حققت لها نتائج عكسية، فأولاً هي لم تؤثر لا في صادرات المملكة العربية السعودية من النفط، والتي تملك مخزوناً احتياطياً يقدر بـ 188 مليون برميل، وهو ما يعوض تراجع الإنتاج لمدة تزيد على شهر، كما أن تأثيره على أسعار النفط كان محدوداً ومؤقتاً، إذ سرعان ما استوعبت الأسواق تداعيات الضربة وعاودت الأسواق توازنها.
أما ثانياً، فقد فرضت عقوبات إضافية على البنك المركزي الإيراني والذي يعتبر المصدر الرئيسي الذي تمر من خلاله الصفقات الكبرى، بما فيها التجارية وأحد المنافذ المتبقية لتعاملات إيران المالية الخارجية بعد العقوبات التي فرضت سابقاً على القطاع المالي، في حين سيتضاعف ضرر العقوبات بإضافة صندوق إيران الوطني السيادي والذي يرعى الكثير من الصفقات والاستثمارات والتمويلات الخارجية، مما يعني أن العقوبات الجديدة ستطال وبصورة مؤثرة أذرع إيران وعملائها في الخارج.
ومن الآن، فإن المؤسسات المالية في مختلف بلدان العالم ستتجنب التعامل مع البنك المركزي الإيراني وصندوقها السيادي، مما سيزيد من عزلتها ويفاقم من أزماتها واقتصادها المنهار، وذلك رغم تصريحات بعض الدول التي أعلنت أنها لن تلتزم بالعقوبات الجديدة لحفظ كبريائها، إلا أن من يدير الاقتصاد في العصر الحديث ليس الحكومات، وإنما الشركات الكبرى والتي ستلتزم بالعقوبات في هذه الدول، بغض النظر عن مواقف حكوماتها، وذلك حفاظاً على مصالحها ومصالح المساهمين فيها.
الجانب الآخر لهذا الإرهاب النفطي، هو المكسب الكبير الذي حققته السعودية، أولاً بتضامن العالم معها، بفضل موقفها المتزن وسياسة النفس الطويل والحكمة التي تصرفت بها، وثانياً بقدرتها الفائقة على استعادة ثقة الأسواق والمستوردين، حيث أعلنت إعادة إنتاج النفط إلى مستواه قبل الضربة في أقل من شهر، وذلك رغم توقعات الخبراء بأن الأمر يحتاج إلى عدة أشهر، مما يثير الإعجاب، وهو ما دعا مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني للقول: «إن قدرة أرامكو على استعادة طاقتها الإنتاجية بسرعة أثبتت قدرة السعودية على التعامل بنجاح مع الصدمات».
بالنتيجة، هل تتعلم إيران، بأن عصر الأيديولوجيات المتزمتة وما تخلفه من إرهاب قد ولى، وأن العالم لا يمكن أن يسمح لأحد بالتلاعب مع أهم مورد للطاقة، وأن التعاون وعدم التدخل في شؤون الآخرين، هو الطريق الصحيح للتعايش السلمي والتنمية، ربما!
*نقلا عن صحيفة الاتحاد