أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مرحلة جديدة:

تداعيات الخطوة التصعيدية الثالثة في البرنامج النووي الإيراني؟

09 سبتمبر، 2019


تكمن خطورة الخطوة الثالثة التي اتخذتها إيران على صعيد تخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، في 7 سبتمبر 2019، فيما سوف يليها من خطوات. إذ أنها تمثل بداية لمرحلة جديدة قد تشهد تطويرًا ملحوظًا للبرنامج النووي الإيراني، لا سيما فيما يتعلق بتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم اعتمادًا على استخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطورًا من الطراز الحالي "IR1" الذي تستعمله إيران في عمليات التخصيب وفقًا لما جاء في الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015 قبل أن تنسحب منه الولايات المتحدة الأمريكية في 8 مايو 2018، بالتوازي مع فرضها عقوبات جديدة على إيران أنتجت تداعيات قوية على الاقتصاد الإيراني.

 

المانشيت الرئيسي لصحيفة "كيهان" (الدنيا) القريبة من مكتب المرشد خامنئي في عدد أمس: "المرحلة الثالثة من تقليص الالتزامات ضرورية لكنها ليست كافية".

ضغوط مستمرة:

أعلن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، في 7 سبتمبر الجاري، أن كل القيود المفروضة على عمليات البحث والتطوير في البرنامج النووي قد تم وقف العمل بها، بما سوف يشمل إنتاج المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة والسريعة. ويمكن القول إن وصول إيران إلى المرحلة الجديدة سوف يفرض تداعيات عديدة على المسارات المحتملة للتصعيد الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية حول الاتفاق النووي، يتمثل أبرزها في:

1- تزايد احتمال الخروج من الاتفاق النووي: قد تتجه إيران في المرحلة اللاحقة إلى رفع مستوى عمليات تخصيب اليورانيوم التي وصلت إلى 4.5%، وربما إيصالها إلى نسبة 20% التي كانت قائمة قبل الوصول للاتفاق النووي. وقد يتوازى ذلك مع استخدام أجهزة طرد مركزي متطورة ولديها القدرة على تسريع عمليات التخصيب مقارنة بالجهاز الحالي الذي يستخدم في تلك العمليات. 

ومن هنا كان لافتًا أن إيران أعلنت، بالتوازي مع رفع القيود المفروضة على عمليات البحث والتطوير في البرنامج النووي، عن ضخ الغاز في جهاز الطرد المركزي "IR6"، وهى الخطوة التي كان من المفترض، طبقًا لما نص عليه الاتفاق النووي، أن تتم في العام الحادى عشر للوصول إليه، أى بعد نحو 7 أعوام من الآن وبالتحديد في عام 2026. 

 

الكاتب الأصولي محمد إيماني يطالب في مقال على موقع "رجانيوز" التابع للحرس الثوري، أمس، بأن يكون التخصيب عند مستوى 20% بمنشأة فوردو هو الحد الأدنى من إجراءات الخطوة التصعيدية الثالثة.

وقد بدأت إيران تحدد المسارات المحتملة التي قد تتجه إليها خطواتها التصعيدية في المرحلة القادمة، حيث أشارت إلى أن تلك الخطوات قد تركز في المستقبل على منشأة فوردو، التي لم يعد يتم تخصيب اليورانيوم فيها وفقًا للاتفاق الحالي، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على نحو يوحي بأنها توجه تهديدات غير مباشرة بأنها قد تقدم على إجراءات تعرقل هذا التعاون أو تؤدي إلى إيقافه، بكل ما يكشفه ذلك من نوايا تصعيدية جديدة قد تتجه إليها طهران في المرحلة القادمة.

ومع ذلك، فإن خيار الخروج من الاتفاق النووي ليس سهلاً بالنسبة لإيران، لأنه سوف يفرض عواقب قد لا تتوافق مع مصالحها وحساباتها في الوقت الحالي. إذ أنه سوف يدفعها إلى إعادة تطوير برنامجها النووي وربما الوصول به إلى المستوى السابق الذي كان عليه قبل الإعلان عن الصفقة النووية، وقد يتجاوز ذلك أيضًا حسب تصريحات بعض المسئولين الإيرانيين رغم العقبات التي تواجهها إيران في هذا الصدد.

فضلاً عن أن هذا الخيار سوف يزيد من احتمال استخدام الخيار العسكري، باعتبار أن آلية العقوبات لم تنجح في وقف أو احتواء طموحات إيران النووية التي تثير قلقًا متواصلاً من جانب الدول الغربية، خاصة أن إيران لم تنجح في إثبات قدرتها على الانخراط في التزامات دولية صارمة. إلى جانب أن هذا المسار يعني إعادة فرض العقوبات الدولية عليها، ومنعها من الوصول إلى استحقاقات كانت في انتظارها بعد مرور 5 أعوام على الوصول للاتفاق، ولا سيما فيما يتصل برفع القيود المفروضة عليها في بيع وشراء بعض الأسلحة الثقيلة.

وكان لافتًا على سبيل المثال أن مجلة "Military Watch" الأمريكية المتخصصة في الشئون العسكرية أشارت، في تقرير لها في 4 سبتمبر الجاري، إلى أن إيران جاءت ضمن قائمة تشمل خمسة دول من المحتمل أن تسعى إلى شراء مقاتلة "ميج 35" الروسية.

2- اقتراب المواقف الأوروبية من السياسة الأمريكية: قد تؤدي هذه الخطوات التصعيدية إلى اقتراب مواقف الدول الأوروبية، تدريجيًا، من السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع إيران، خاصة في ضوء إصرار إيران على توجيه رسائل عديدة تفيد أنها لم تعد تُعوِّل بشكل كبير على الإجراءات التي تتخذها الدول الأوروبية لمواصلة العمل بالاتفاق النووي. إذ تعمدت إيران تفعيل الخطوة التصعيدية الثالثة بالتوازي مع الجهود التي تبذلها فرنسا للتوسط بين طهران وواشنطن، على نحو بدا جليًا خلال استضافتها قمة مجموعة السبع في بياريتز، في الفترة من 24 إلى 26 أغسطس الفائت، حيث استقبلت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لمناقشة الأفكار التي طرحتها على الجانبين والخاصة بتخفيض وطأة العقوبات الأمريكية مقابل التزام إيران بالاتفاق النووي.

وقد بدا أن واشنطن تسعى إلى استثمار الخطوة الإيرانية الأخيرة من أجل إقناع الدول الأوروبية بتبني سياسة أكثر حزمًا تجاه إيران، على نحو انعكس في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 6 سبتمبر الجاري، والتي دعا فيها الدول الأوروبية إلى إنهاء ما أسماه "الابتزاز النووي" الذي تمارسه إيران، معتبرًا أن "احتفاظ إيران بقدرة كبيرة على تخصيب اليورانيوم يؤكد ضعفًا بنيويًا في الاتفاق النووي"، بما يعني أنه يحاول من جديد إضفاء وجاهة خاصة على الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الانسحاب منه.

لكن ذلك في مجمله لا يعني أن الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا، سوف تتراجع عن جهود الوساطة التي تقوم بها من أجل تعزيز فرص استمرار تطبيق الاتفاق النووي الذي يبدو أنه سوف يواجه اختبارًا أكثر صعوبة في المرحلة القادمة. إذ أن الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التصعيد الحالي ليست عديدة، على نحو سوف يدفعها، في الغالب، إلى مواصلة طرح أفكار ومبادرات تحاول من خلالها تقليص حدة التصعيد الحالي وإبقاء خيار التفاوض قائمًا حتى وإن كان مؤجلاً وفقًا لحسابات كل من واشنطن وطهران.

3- توسيع نطاق التعاون مع الصين: سوف تحاول إيران خلال المرحلة القادمة رفع مستوى التعاون مع الصين تحديدًا، لا سيما على المستوى الاقتصادي، مستفيدة في هذا السياق من الخلافات القائمة بين الأخيرة والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن اهتمام بكين بتفعيل مشروع "الحزام والطريق"، إلى جانب محاولات شركاتها ملء الفراغ الناتج عن انسحاب الشركات الغربية من السوق الإيرانية على خلفية العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية، رغم ما قد يواجهها من عقبات محتملة في هذا السياق.

وقد كان لافتًا، أن الزيارة الخارجية الأولى لظريف بعد عودته من بياريتز كانت إلى الصين، في 26 أغسطس الفائت، حيث أعلن من بكين عن خريطة طريق لتأسيس شراكة اقتصادية بين الطرفين. 

إن ما سبق في مجمله يشير إلى أن الأنشطة النووية الإيرانية الحساسة سوف تعود إلى الواجهة من جديد خلال المرحلة القادمة، على ضوء تعمد طهران توجيه تحذيرات بشأن الخيارات المستقبلية التي قد تقدم عليها خلال الشهور القادمة، والتي تتوازى مع إصرارها على مواصلة إجراء تجارب على الصواريخ الباليستية وتعزيز نفوذها داخل دول الأزمات.