في الوقت الذي تسعى العديد من القوى الدولية والإقليمية إلى الحد من مخاطر التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، بدأت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تعبر عن أكبر تحالف "قاعدي" في العالم، في توسيع نطاق هجماتها الإرهابية خلال الفترة الماضية، على غرار الهجوم الذي استهدف دورية تابعة للجيش المالي بالقرب من منطقة بوني الواقعة شرقى مدينة بومتي وسط البلاد، في 21 أغسطس 2019، وأسفر عن مقتل 5 جنود ماليين وأسر جنديين آخرين، وهو ما بات يفرض تداعيات سلبية على أمن واستقرار مالي ودول الجوار.
خصائص مختلفة:
ربما يمكن القول إن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي تأسست في مطلع مارس 2017، تمثل نمطًا جديدًا من التنظيمات الإرهابية التي حرصت على تكوين تحالف غير تقليدي نتيجة الضغوط التي تعرضت لها في الفترة الماضية، وكادت أن تؤدي إلى تقليص نفوذها وانشقاق بعض عناصرها وكوادرها.
وقد اكتسبت هذه الجماعة خصائص مختلفة، منها امتلاكها قدرات تنظيمية ليست هينة حاولت من خلالها التمدد داخل العديد من دول منطقة الساحل والصحراء، خاصة مالي والنيجر، كما أنها ضمت خليطًا من عدة مجموعات إرهابية تتباين فيما بينها، لاعتبارات عرقية وتنظيمية، لكن يجمعها الولاء لتنظيم "القاعدة"، وهى جماعة "أنصار الدين" و"كتيبة المرابطون" و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى" و"كتائب تحرير ماسينا".
وكان لافتًا أنه عقب الإعلان عن تأسيس هذا التحالف، سارع إلى تنفيذ هجماته الإرهابية لإثبات قوته على الساحة، حيث بدأ بالهجوم على مجموعة من عناصر الجيش المالي، فى مارس 2017، لكنه حرص بعد ذلك على توسيع نطاق أهدافه لتمتد إلى القوات الفرنسية والدولية في مالي. وقد دفع ذلك وزارة الخارجية الأمريكية إلى وضع هذه الجماعة على قوائم الإرهاب، بهدف فرض قيود شديدة على مصادر التمويل التي تسعى عبرها إلى توسيع نطاق عملياتها الإرهابية.
اعتبارات متعددة:
يمكن تفسير تصاعد نشاط جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في منطقة الساحل والصحراء لدرجة حولتها إلى التنظيم الأكثر خطورة في تلك المنطقة، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1 -خبرة القيادات: رغم أن الجماعة تضم بين صفوفها العديد من المقاتلين الذين يمتلكون خبرة في تنفيذ الهجمات الإرهابية اكتسبوها من انخراطهم في العمليات الإرهابية السابقة التي قاموا بها بناءً على تكليفات من المجموعات الإرهابية التي كانوا ينتمون لها، إلا أن الأهم من ذلك هو أن الجماعة لديها مجموعة من القيادات التي تحظى بخبرات عسكرية حقيقية، كونهم كانوا ضباطًا سابقين في الجيش المالي، على غرار القيادى با أغ موسى، الذي قامت وزارة الخزانة الأمريكية، في 16 يوليو 2019، بإدراجه في قائمة "الإرهاب العالمي"، بسبب مشاركته في هجمات إرهابية أثرت على حالة الأمن والاستقرار في مالي، حيث كان موسى، وفقًا لتقارير عديدة، ضابطًا سابقًا في الجيش المالي، قبل أن ينشق عنه ويبدأ في الانضمام إلى حركات متمردة ومجموعات إرهابية، حتى انضم إلى جماعة "أنصار الدين"، ثم إلى جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين". ومن دون شك، فإن انضمام هذه الكوادر إلى الجماعة الأخيرة ساعدها على شن هجمات إرهابية نوعية والتعامل مع الضربات التي توجهها أجهزة الأمن ضدها.
2- اختراق الحدود: تحرص "نصرة الإسلام والمسلمين" على التحول إلى تنظيم عابر للحدود، عبر الانتشار فى أكثر من دولة واستغلال الحدود الهشة بينها لتعزيز جهودها في هذا السياق، على غرار المنطقة الحدودية بين مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا. وقد بدأت هذه المشكلة تحظى باهتمام خاص من جانب القوى الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب في هذه المنطقة، على غرار فرنسا، حيث قالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، في أول مارس 2019، أنه يجب أن "تستعيد الحكومة المالية السيطرة على بعض أراضيها"، والتي تستخدمها الجماعة كنقطة انطلاق للتمدد داخل دول الجوار.
بل إن استمرار العمليات الإرهابية التي تقوم تلك الجماعة بتنفيذها دفع ألمانيا إلى مطالبة جنودها الموجودين في مالي، ويصل عددهم إلى 1000 جندي، بالتأهب لمهمة طويلة الأجل في هذه الدولة، حيث قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في اليوم نفسه، أن "الإرهابيين يقوضون دائمًا عملية السلام بين الحكومة والمتمردين وعلينا أن ننجح في مواجهة ذلك، ومن ثم هناك حاجة إلى نفس طويل".
3- تكريس النفوذ: مثل تقويض نشاط تنظيم "داعش" في تلك المنطقة أحد الأهداف التي سعت الجماعة إلى تحقيقها في مرحلة ما بعد الإعلان عن تأسيسها، ومن هنا اتجهت إلى رفع مستوى عملياتها الإرهابية ضد القوات المالية والأجنبية باعتبار أن ذلك يمثل، في رؤيتها، الآلية الأساسية التي يمكن أن تستخدمها لدعم محاولاتها تكريس نفوذها في تلك المنطقة، ودفع التنظيمات الأخرى إلى الانتقال لمناطق جديدة أو الانضمام إليها.
4- التحالف مع الجريمة المنظمة: حرصت الجماعة على تأسيس علاقات قوية مع عصابات الجريمة المنظمة التي تتواجد في تلك المنطقة، وذلك لتحقيق هدفين: أولهما، توسيع نطاق مصادر التمويل التي تستخدمها في تنفيذ مزيد من عملياتها الإرهابية. وثانيهما، تعزيز موقعها في مواجهة التنظيمات الإرهابية المنافسة، حيث تحولت هذه العصابات إلى ظهير قوي للجماعة في مواجهاتها مع بعض المجموعات الإرهابية الأخرى التي رفضت الانضمام إليها.
وعلى ضوء ذلك، يبدو أن استمرار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في رفع مستوى عملياتها الإرهابية سوف يدفع القوى الإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب إلى توسيع نطاق التعاون فيما بينها بهدف تقليص قدرة تلك الجماعة على مواصلة هذه العمليات التي تفرض عواقب سلبية على حالة الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء بشكل عام.