ألقى نجاح قوات الأمن الروسية في الكشف عن بعض المجموعات "الداعشية" في القوقاز ومقاطعة روستوف بجنوب روسيا كانت تخطط لعمليات إرهابية تستهدف رجال الشرطة والأمن، في 15 يوليو 2019، الضوء من جديد على محاولات التنظيم توسيع نطاق نفوذه في منطقة القوقاز بشكل عام، في ظل المعطيات الجديدة التي فرضتها الهزائم العسكرية التي تعرض لها في كل من سوريا والعراق. وتعد تلك العملية واحدة من ضمن عشرات العمليات التي نفذتها السلطات الروسية والأجهزة الأمنية في دول المنطقة ضد عناصر التنظيم، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول دوافع الأخير لتفعيل نشاطه في منطقة القوقاز تحديدًا في هذا التوقيت.
تأثير ملحوظ:
اللافت للانتباه في هذا السياق، هو أن محاولات التنظيم تعزيز نشاطه في تلك المنطقة لا تعبر عن اتجاه جديد يتبناه الأخير بقدر ما تعكس اهتمامًا من جانبه بالاعتماد بشكل أكبر على العناصر الإرهابية التي انتقلت من تلك المنطقة وانضمت إلى صفوفه في العراق وسوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية وتولى بعضهم مسئوليات تنظيمية وقيادية داخله، لدرجة أدت في بعض الأحيان إلى حدوث توتر بين تلك العناصر وبعض الكوادر الأخرى التي اعتبرت أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى اختلال التوازنات داخل الهيكل التنظيمي لـ"داعش" لصالح إرهابيي القوقاز.
ويبدو أن تزايد تأثير تلك العناصر داخل التنظيم دفعه إلى الاعتماد على بعضهم في تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف مصالح ومؤسسات تلك الدول نفسها. وكان الكشف عن تلك المجموعات "الداعشية" قد جاء في الأساس عقب تنفيذ بعض الهجمات الإرهابية في القوقاز، على غرار الهجوم الذي شنه التنظيم بالقرب من القصر الرئاسي في الشيشان في 24 يونيو 2019، والذي يشير إلى أن "داعش" يحاول استهداف المؤسسات الرئيسية في الشيشان باعتبار أن ذلك يمثل إحدى الآليات التي يستند إليها في تعزيز تمدده في تلك المنطقة.
دوافع متعددة:
يمكن تفسير حرص "داعش" على محاولة التمدد في منطقة القوقاز في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- مواصلة التجنيد: يرى قادة التنظيم أن تنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية يمكن أن يساعد التنظيم في استقطاب عدد من العناصر المتطرفة التي يمكن أن تشكل خلايا تابعة له في دول عديدة بالمنطقة تساعده في احتواء الخسائر التي يمنى بها خلال المواجهات المختلفة التي ينخرط فيها. ووفقًا لتلك الرؤية، فإن بعض العناصر الإرهابية في منطقة القوقاز تمتلك خبرات عسكرية وتنظيمية من انخراطها في مواجهات مسلحة سابقة داخل الدول التي كانت تقطن فيها. وقد كان لتلك العناصر دور في العمليات الإرهابية التي أعلن "داعش" مسئوليته عنها حتى في دول أخرى، على غرار التفجيرين اللذين وقعا في مدينة بوسطن الأمريكية في 15 إبريل 2013، ونفذهما شقيقان من الشيشان، حيث أسفرا عن مقتل 3 وإصابة 265 شخصًا، إلى جانب الهجوم الذي استهدف ملهى رينا بمدينة اسطنبول التركية، في أول يناير 2017، وأدى إلى مقتل 39 شخصًا وإصابة 65 آخرين، ونفذه عنصر من التنظيم ينحدر من تلك المنطقة.
2- استغلال الخبرات التنظيمية: كان لافتًا أن تأثير ونفوذ العناصر التي تنتمي إلى منطقة القوقاز تزايد داخل التنظيم خلال الأعوام الأخيرة، على نحو بدا جليًا في العمليات التي نفذها داخل كل من العراق وسوريا. ويعتبر أبو عمر الشيشاني أبرز مثال على النفوذ الذي حظيت به تلك العناصر داخل التنظيم، حيث اكتسب خبرة في المواجهات الميدانية خلال انخراطه في عمليات عسكرية ضد القوات الروسية في العقد الأول من القرن الحالي.
وقد عمل الشيشاني، الذي تولى منصب وزير الحرب وقائد القوات المسلحة في التنظيم قبل أن يعلن "داعش" مقتله في 13 يوليو 2016، على توسيع هذا النفوذ، من خلال تكليف بعض هذه العناصر بمهام خارجية، مثل تعيينه الأفغاني قاري والي رحماني ممثلاً للتنظيم داخل أفغانستان تركزت مهمته حول رفع مستوى التنسيق مع المجموعات التابعة للتنظيم داخل الأخيرة، قبل أن يقدم "داعش" على تغييره وتعيين حافظ سعيد خان أحد كوادر ما يسمى بـ"حركة تحريك طالبان باكستان" محله.
3-دعم العائدين: يحاول التنظيم الحفاظ على ولاء العناصر التي تنحدر من تلك المنطقة له، خاصة أن بعضهم ربما يسعى إلى العودة من جديد إلى بعض دول تلك المنطقة، على خلفية الهزائم التي تعرض لها "داعش" بفعل الضربات العسكرية المتتالية التي شنتها القوى المعنية بالحرب ضده، وهو ما يمكن أن يساعده في توسيع نشاطه داخل تلك الدول، على نحو بات يثير قلقًا واضحًا لدى أجهزتها الأمنية.
وفي هذا السياق، قال محمد باتشيلوف رئيس مديرية قوات الحرس الوطني الروسي في داغستان، في 18 مارس 2019، أن "هناك حاليًا أكثر من ألف وثلاثمائة من داغستان فقط يشاركون في القتال في سوريا، وإن عودة هذا العدد الكبير تعني مشكلة كبرى لمنطقة شمال القوقاز"، مضيفًا: "إن هؤلاء الناس لا يعرفون شيئًا سوف القتل والعنف، ولا شئ يتقنونه أكثر من ذلك".
واللافت في هذا الإطار، أن اهتمام تلك الدول بقضية "العائدين" لا ينحصر في العناصر الإرهابية التي انخرطت في صفوف التنظيم وكان لها دور في العمليات الإرهابية التي قام بها فقط، وإنما يمتد أيضًا إلى عائلاتهم، حيث قامت كازاخستان، على سبيل المثال، بعمليات عديدة لإجلاء بعض مواطنيها من سوريا والعراق، كان آخرها في الفترة من 7 إلى 9 مايو 2019، شملت 231 شخصًا من بينهم 156 طفلاً و75 بالغًا.
من هنا، يمكن القول إن مرحلة جديدة من المواجهات سوف تبدأ بين الخلايا التابعة لتنظيم "داعش" والأجهزة الأمنية في دول القوقاز، على ضوء سعى الأولى إلى دعم الجهود التي يبذلها التنظيم للتمدد داخل تلك الدول، ومحاولات الأخيرة تقليص قدرة التنظيم على نقل نشاطه من المناطق الرئيسية التي كان يسيطر عليها في السابق، واستغلال عودة بعض العناصر الإرهابية إليها من جديد.