أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

التلاعب بالعقول:

رؤية غربية لتقييد تحكم الفيسبوك باختيارات المواطنين

11 أبريل، 2019


عرض: ياسمين أيمن - باحثة في العلوم السياسية

تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا لا يستهان به في التأثير على التفاعلات السياسية، حيث تساهم في التأثير على اختيارات المواطنين -ولا سيما السياسية- كما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠١٦ على سبيل المثال، ودور شركة "كامبريدج أناليتيكا" السلبي في نتائج استفتاء البريكست. فضلًا عن مساعدتها المتطرفين اليمينيين في نشر خطابات الكراهية حول العالم، وإن كانت منصات التواصل الاجتماعي بدأت مؤخرًا في ممارسة دور جليٍّ في التصدي لتلك الخطابات.

وفي هذا السياق، يُناقش "روجر مكنامي" (عمل مستشارًا سابقًا بشركة فيسبوك ومستثمرًا بها أيضًا) في كتابه الذي جاء بعنوان: "زوكيد: الاستيقاظ على كارثة الفيسبوك"، دور شبكات التواصل الاجتماعي، ولا سيما موقع الفيسبوك، في السيطرة على العقول. وفي كتابه يدعو المؤلف الحكومات لضرورة فرض قواعد سلوكية معينة على تلك الشبكات، ولا يستثني منها أي منصة. 

تطور وادي السيلكون 

بداية، يشير "مكنامي" إلى أن وادي السيلكون استفاد من المقولة الاقتصادية "دعه يعمل دعه يمر "Laissez-faire. موضحًا أن التوجه الأساسي هو أن التكنولوجيا ليست حكرًا على أحد، فالسوق مفتوحة باستمرار لمبتكرين جدد بأفكار مختلفة. وأن الرغبة المستمرة في كسر الاحتكار خلقت فرصًا لشركات تكنولوجية جديدة للظهور والمنافسة. 

ويذكر أن وادي السيلكون كان مقصورًا على عدد من الشركات الهندسية التي تعمل في نطاق ضيق قبل ظهور موقع فيسبوك في عام 2004، لكن الساحة كانت مفتوحة للشركات الناشئة.

ويضيف الكاتب أن الوضع قد تغير بعد اكتساح الشركات الكبرى -مثل فيسبوك وجوجل- لوادي السيلكون، حيث أضحت الشركات الناشئة تسارع في الانضمام لتلك الشركات بعد عام على الأكثر من نشأتها؛ لعدم قدرتها على الاستمرار والمنافسة. 

ولهذا، يرى "مكنامي" أن تطبيق نظريات "حرية الأسواق" قد تسبب في توغل الشركات الكبرى، كجوجل وفيسبوك وأمازون، في الاقتصاد العالمي والهيمنة عليه، مما دفع الاقتصاديين للمطالبة بضرورة التدخل لضبط المسألة، وعدم ترك الأمر برمته في قبضة شركات بعينها تستحوذ على الأسواق العالمية، لقدرتها على شغل جزء من حياة الناس الاجتماعية، ومن ثم زيادة حاجتهم إليها، فضلًا عن دورها في تغيير أنماط المجتمعات. فالنمو السريع لشركة فيسبوك في مدينة سان فرانسيسكو -على سبيل المثال- حوّلها إلى مدينة تعج بمستخدمي التكنولوجيا، كما ارتفعت أسعار العقارات بها نتيجة تدافع المواطنين للسكن بها للتواجد بالقرب من وادي السيلكون.

منهجية الفيسبوك 

عن موقع الفيسبوك يشرح الكاتب باستفاضة قصة انتشاره السريع، ومنهجية عمله وأسباب نجاحه. فيوضح "مكنامي" أنه بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت فلسفة مدرسة "شيكاجو" كجزء من السياسات النيوليبرالية الاقتصادية، والتي ارتأت أن تركيز القوة الاقتصادية في يد فئة قليلة من الشركات لا تُعد مشكلة طالما أن الأسعار لا ترتفع. وقد استفادت عدد من الشركات من تلك الفلسفة، وعلى رأسها: أمازون، وجوجل، وفيسبوك. 

وتطبيقًا لفلسفة شيكاجو، التي بدأت في عهد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ريجان"، اشترت شركة فيسبوك العديد من التطبيقات الناجحة مثل: ماسنجر Messenger، وإنستجرام Instagram، محققةً في ذلك استحواذًا كاملًا على الأسواق. فضلًا عن ذلك تسعى الشركة إلى ضم الشركات الناشئة باستمرار. ففي عام ٢٠١٣، حاولت فيسبوك شراء تطبيق سنابشات Snapchat، لكن الشركة المنتجة له رفضت، فقامت الأولى باستنساخ مميزاته في تطبيق إنستجرام.

وبالإضافة إلى ما سبق، قامت الشركة بشراء تطبيقات وبرامج عدة تُمكِّنها من توسيع قاعدة البيانات عن المواطنين، وهو ما يُمكّنها من زيادة أرباحها عن طريق استغلال تلك البيانات. ويشير الكتاب إلى أن نحو 40% من سكان العالم اليوم يستخدمون الفيسبوك بمختلف تطبيقاته، وهو الأمر الذي يضاعف من قدرته على اختراق العقول. 

وعن عوامل نجاح شركة فيسبوك، يشير الكاتب إلى أنه يعود لمجموعة من العوامل، وعلى رأسها: الإيمان بالذات، ووضع خطة مميزة لا تشوبها شائبة، ووجود فكرة جيدة جاذبة للناس. ويضيف أن العامل الرئيسي لهذا النجاح يتركز في منحها مميزات نسبية للمستخدمين. فمثلًا استطاع فيسبوك التغلب على مشكلات الشركات الأخرى، ووضع قواعد تنصّ على ضرورة التعرف على هوية المستخدم ومراقبة الخصوصية، وهو الأمر الذي بث الأمان في نفوس المستخدمين، لكنه بدأ في التساهل في تلك القواعد رغبةً منه في زيادة أعداد المستخدمين، حتى وصل عدد مستخدميه نحو 2,1 مليار مستخدم بحلول عام 2017.

ويُضيف في الفترة من عام 2012 حتى عام 2017؛ حسّن الفيسبوك آليات استخدامه، وطور أساليب جمع البيانات عن المواطنين، بحيث تفوّق على العديد من أجهزة الاستخبارات العالمية. كما حسّن أساليب الإعلانات المستخدمة عن طريق البيانات التي تم تجميعها عن المستخدمين، وهو ما ساهم في زيادة أرباحه حتى بلغت نحو 40,7 مليار دولار في عام 2017. ولكن التوسع في الإعلانات أدى إلى زيادة تشكك المستخدمين في انتهاك خصوصيتهم، خصوصًا بعد فضيحة كامبريدج أناليتيكا، والانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠١٦. 

وعلى الرغم من المشكلات المتتالية المتعلقة بشركة فيسبوك، يشير "مكنامي" إلى أنها جنت أرباحًا طائلة، حيث تعمل من حين لآخر على تطوير أسلوب الإعلانات المستخدمة والجماهير المستهدفة. ومع هذا يؤكد الكاتب أن النجاح الذي حققته قد يؤدي برؤسائها إلى الثقة الزائدة التي يليها الغرور والاستهانة بنصائح النقاد، وهو ما يقود الشركات الكبرى في النهاية للسقوط والفشل. 

ويضيف الكتاب أن التعامل مع البشر على أنهم أرقام سيكون سبيلًا لانهيار الفيسبوك مع مرور الوقت، خاصة مع تزايد الوعي البشري بضرر مواقع التواصل الاجتماعي، وانتهاكها للخصوصية.

تداعيات مجتمعية

يُوضّح "مكنامي" أن قدرة مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير على المجتمع والأفراد تظل كبيرة ما لم يكن هناك وعي مجتمعي إزاء استخدامها. ويشير "مكنامي" إلى أن شركة فيسبوك نجحت منذ تأسيسها في تطبيق شعار الحرية في نشر ما يريده الأفراد من معلومات، وجعل العالم مكانًا أكثر ديمقراطية، وفي المقابل جنت أرباحًا طائلة من وراء ذلك.

ومع ذلك، خلفت شركة فيسبوك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي آثارًا خطيرة على الأفراد والمجتمعات، وسمحت بتقويض الديمقراطية في بلدان عدة. وفي ظل ارتفاع معدلات الإدمان التكنولوجي في الآونة الأخيرة؛ سيكون من الصعب إقناع مستخدمي تلك المواقع بالتخلي عنها، لما تقدمه من خدمات لهم، مما سيوفر لتلك الشركات قدرًا أكبر من البيانات مع مرور الوقت، والذي سيمكنها من التحكم في سلوكيات الأفراد من خلال تحليل تلك البيانات. 

السياسة الأمريكية تجاه فيسبوك

يشير "مكنامي" إلى أنه رغم مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي على الانتخابات الأمريكية السابقة والقادمة، إلا أن أمرها وتأثيرها لا يشغل حيزًا كبيرًا من فكر الساسة الأمريكيين، ويرجع ذلك لمجموعة من الأسباب يمكن تلخيصها فيما يلي:

أولًا- الاعتقاد الخاطئ بأن التدخل من قبل الحكومة في التكنولوجيا سيضر بالابتكار.

ثانيًا- التآلف والتعاضد بين أفراد الحكومة والساسة وبين الشركات التكنولوجية الكبرى مثل جوجل وفيسبوك، منذ بدأت في تدعيم حملة الرئيس السابق "باراك أوباما" خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٠٨.

ثالثًا- قدرة مواقع التواصل الاجتماعي على حشد الناخبين وجمع الأصوات لصالح مرشح بعينه، جعل المشرعين الأمريكيين يغضون الطرف عن تحركات الشركات التكنولوجية رغبة منهم في استغلالها لمصالحهم الخاصة.

رابعًا- عدم قدرة المشرعين على مراقبة التكنولوجيا بصورة كبيرة ومواكبة تطوراتها السريعة لعدم فهمهم الدقيق لها.

 ويؤكد الكاتب أن السبب الأساسي إزاء رفع الحكومة يدها عن مواقع التواصل الاجتماعي هو تحقيق مآربها، فالإدارة الأمريكية الحالية بقيادة "دونالد ترامب" تعقد اجتماعات متكررة مع مديري فيسبوك بغرض توضيح أفضل الآليات لاستخدامه في التسويق السياسي، ولتأكيد الادعاءات المتناقضة للساسة الأمريكيين بشأن وضع ضوابط على مواقع التواصل الاجتماعي. ويشير الكاتب إلى هذا التناقض، حيث تتمكن المؤسسة التشريعية الأمريكية من وضع قيود وتنظيمات على أداء عمل البنوك التي تعد أكثر تعقيدًا من التكنولوجيا، في حين تجد صعوبة في وضع ضوابط على عمل مواقع التواصل الاجتماعي لتحد من مخاطرها على الانتخابات الأمريكية القادمة.

فضيحة كامبريدج أناليتيكا

 وضّح "مكنامي" أن المعلومات التي تم كشفها حول استغلال بيانات 50 مليون حساب على الفيسبوك لعمل برنامج يتنبأ بالسلوك التصويتي للناخبين، قد أثارت جدلًا واسعًا حول اختراق الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي، واستغلال البيانات الشخصية بدون علم أصحابها. فشركة كامبريدج أناليتيكا التي ترأسها "ستيف بانون" (مساعد سابق للرئيس "دونالد ترامب" خلال حملته الانتخابية في عام ٢٠١٦، وشغل سابقًا منصب كبير مستشاري الرئيس للشئون الاستراتيجية) قد استطاعت من خلال برنامج مُطور منذ أواخر عام 2014 توجيه ملايين الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠١٦ ليفوز بها المرشح الجمهوري "ترامب"، فضلًا عن دورها في استفتاء البريكست.

وبالرغم من سعي شركة فيسبوك لتوجيه اللوم للشركة في اختراق بيانات المستخدمين للموقع، إلا أن باحثًا بكامبريدج أناليتيكا أوضح أن الحصول على البيانات قد تم بناء على موافقة من شركة فيسبوك، وهو ما وجه أنظار الرأي العام والساسة خصوصًا داخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لخطورة موقع فيسبوك على خصوصية المواطنين، وآثاره الضارة على نتائج الانتخابات، مما دفع الدول كبريطانيا وواشنطن لعقد جلسات استماع لمسئولي الشركة والتحقيق حول الأمر. وقد نجحت تلك الجلسات التي بدأت منذ إبريل 2018 في لفت انتباه وسائل الإعلام والصحافة لدور مواقع التواصل الاجتماعي في الحياة السياسية، والدور الذي تلعبه في التأثير على العقول، ونشر المعلومات المضللة في أحيانٍ عدة.

انتشار خطابات الكراهية

يشير "مكنامي" إلى أن دراسة صادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أظهرت أن نحو 70% من القصص الزائفة يتم مشاركتها بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من القصص الحقيقية. وتساهم مشاركة القصص الزائفة في تعظيم خطابات الكراهية تجاه الآخرين. 

ويضرب الكاتب مثالًا بطلب حكومة سيريلانكا حجب مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما فيسبوك وواتساب، بسبب مساهمتها في نشر خطاب الكراهية، الأمر الذي تسبب في الاعتداء على الأقلية المسلمة بالدولة. وعلى الرغم من تعهد فيسبوك بالنظر في الأمر، إلا أن "مكنامي" يشير إلى ضآلة الأهمية النسبية لتلك الدولة بالنسبة لاقتصاد شركة مثل فيسبوك، وبالتالي فهي لن تحرك ساكنًا إزاء خطابات الكراهية التي تُبث عبر منصاتها.

وللتأكيد على الوظيفة الأساسية لشركات مواقع التواصل الاجتماعي في التحكم فيما يبث على منصاتها؛ يوضح الكاتب أن مواطني دول سيريلانكا أو ميانمار غير معتادين على تلقي المعلومات من مصادر إعلام حرة مثل فيسبوك أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، فقد ألفوا تلقي المعلومات المنظمة المنتقاة من قبل الإعلام الرسمي، وبالتالي فهم غير قادرين على تصنيف المعلومات والنظر في صحتها، وهذا من شأنه أن يُحدث أضرارًا جسيمة بالبنية المجتمعية في حال غياب الوعي العام، مما يلقي بالثقل على شركات مواقع التواصل الاجتماعي التي لا بد وأن تعمل على التأكد من صحة المعلومات، وتضع ضوابط على الخطابات المنشورة على منصاتها إسهامًا منها في وقف خطابات الكراهية المنتشرة حول العالم. 

وختامًا، يشير "مكنامي" إلى ضرورة توعية الأفراد بكيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ومنصات الشبكة العنكبوتية بشكل عام، فزيادة قدرة الأفراد على فرز المعلومات سيؤهلهم للضغط على تلك الشركات لوقف التلاعب بعقولهم، ووضع خصوصية على بياناتهم. وقد دفعت فضيحة كامبريدج أناليتيكا الساسة الغربيين لزيادة الضغط على شركة فيسبوك لتفسير أسباب ظهور إعلانات بعينها دون غيرها للمستخدمين. وهذا يقود إلى نتيجة مفادها أن عدم توافر المال لشن حملات توعوية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يقف حجر عثرة في طريق التوعية. فالضغط على الساسة يمثل عاملًا حاسمًا إزاء تفعيلهم قوانين تنظيمية تضبط عملية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

بيانات الكتاب:

Roger Mcnamee, "Zucked: Waking up to the Facebook Catastrophe", )New York: Penguin Press, 2019).