تحاول حركة "بوكو حرام" النيجيرية توسيع نطاق نشاطها خارج حدود نيجيريا، حيث تركز في الفترة الحالية على رفع مستوى عملياتها الإرهابية داخل دول الجوار، على نحو دفع الأطراف المعنية بمحاربة الإرهاب في تلك المنطقة إلى توجيه ضربات قوية لها في تلك الدول، وهو ما بدا جليًا في إعلان القوة المشتركة المتعددة الجنسية لمكافحة "بوكو حرام"، في 11 مارس 2019، عن قتل 40 عنصرًا من الحركة منذ 8 مارس، وذلك خلال مواجهتين وقعتا في النيجر ونيجيريا، حيث أكد البيان الذي أصدرته أن عناصر الحركة استهدفوا قواتها المتمركزة في مدينة غيسكيرو جنوبي النيجر، بشكل يطرح تساؤلات عديدة حول دوافع الحركة لتصعيد هجماتها داخل دول الجوار.
مخاوف عديدة:
تبدي دول الجوار الثلاث لنيجيريا، وهى تشاد والنيجر والكاميرون، مخاوف عديدة إزاء التداعيات التي تفرضها محاولات حركة "بوكو حرام" التمدد داخل أراضيها، وهو ما دفعها إلى رفع مستوى التنسيق الأمني فيما بينها خلال الأعوام الأخيرة لمواجهة المخاطر التي يمكن أن تنتج عن ذلك، على نحو انعكس في الاجتماع الذي حضره رؤساء نيجيريا والنيجر وتشاد، ورئيس الوزراء الكاميروني، بالعاصمة التشادية انجامينا في 29 نوفمبر 2018، والذي استهدفت من خلاله وضع تصور موحد لمواجهة العمليات الإرهابية التي تشنها الحركة.
وتوازى ذلك، مع تزايد اهتمام بعض القوى الدولية والإقليمية بتعزيز الجهود التي تبذل لتحقيق الأمن والاستقرار في تلك المنطقة، خاصة مع حرصها على تتبع ورصد المسارات المحتملة التي قد يتجه إليها تنظيم "داعش"، الذي أعلنت الحركة تبعيتها له، في مرحلة ما بعد تراجع نفوذه في سوريا والعراق. وقد بدأت اتجاهات عديدة في التحذير من أن الحركة تسعى إلى التحول لتنظيم عابر للحدود، على نحو يمكن أن يجعلها "بؤرة داعشية" جاذبة للإرهابيين الذين يحاولون الانتقال إلى مناطق جديدة، فضلاً عن الذين يؤيدون توجهات "داعش" في مناطق قريبة منها.
تصاعد ملحوظ:
ورغم أن الحركة تعرضت لانشقاقات عديدة، بشكل أدى إلى انقسامها لفصيلين رئيسيين، إلا أن قادتها حاولوا احتواء تداعيات هذا الانقسام ومنع تفاقمه، بل إنهم اتجهوا، في بعض المراحل، إلى التعاون والتنسيق فيما بينهم وتجنب الانخراط في مواجهات تؤدى إلى استنزاف قدراتهم العسكرية والتنظيمية، وهو ما ساعدها على شن هجمات إرهابية عديدة داخل وخارج نيجيريا.
واللافت في هذا السياق، هو أن الحركة بدأت تحرص على تبني أنماط مختلفة من العمليات الإرهابية، التي لم تعد تقتصر على الرجال فقط، وإنما امتدت إلى النساء أيضًا، خاصة فيما يتعلق بالهجمات الانتحارية، على غرار الهجوم الذي نفذته سيدة تابعة للحركة في بلدة أمشيدى أقصى شمال الكاميرون، في 28 نوفمبر 2018، وأسفر عن إصابة ما لا يقل عن 29 شخصًا.
لكن ذلك لا ينفي أن الحركة ما زالت حريصة على الاستناد إلى أساليبها التقليدية في تنفيذ بعض العمليات الإرهابية، وهو ما يعكسه الهجوم الذي شنه عدد من عناصرها، في 12 فبراير 2019، داخل بعض القرى التشادية، وأدى إلى مقتل 5 أشخاص وخطف 9 آخرين، من بينهم 6 سيدات.
أهداف مختلفة:
ويبدو أن "بوكو حرام" تسعى من خلال توسيع نطاق نشاطها داخل دول الجوار إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- دعم النفوذ "الداعشي": يكتسب قيام الحركة بتنفيذ عمليات إرهابية داخل دول الجوار أهمية خاصة بالنسبة لتنظيم "داعش"، الذي يحاول من خلال ذلك تأكيد قدرته على التعامل مع التطورات الأخيرة التي شهدتها المناطق التي كان يسيطر عليها في الأعوام الماضية، والظهور بأنماط مختلفة في مناطق جديدة بعيدة عن تلك التي تأسس فيها وحاول عبرها تطبيق أفكاره وتحقيق أهدافه.
وربما يشير ذلك إلى أن الفروع أصبحت تمارس الدور الأبرز مقارنة بالتنظيم الرئيسي، الذي ما زال يحاول التمسك ببعض المواقع والجيوب التي يتواجد بها داخل مناطقه الرئيسية رغم الضربات القوية التي يتعرض لها.
2- استقطاب الإرهابيين: رغم أن "بوكو حرام" لديها عدد كبير من المقاتلين، مقارنة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى، حيث تشير تقديرات مختلفة إلى أن عددهم يتراوح ما بين 4000 و 6000 عنصر، فإنها تحاول استقطاب مزيد من العناصر الإرهابية. ومن هنا، سعت عبر العمليات الإرهابية التي تقوم بتنفيذها داخل دول الجوار، إلى دفع بعض الإرهابيين الموجودين داخل تلك الدول للانضمام إليها.
واللافت في هذا السياق، هو أن الحركة ربما لا تعتمد فقط على آليات التجنيد والإقناع التي اتبعتها في السابق، وإنما تستخدم وسائل أخرى، مثل الخطف، على نحو يبدو جليًا خلال العمليات الإرهابية الأخيرة التي قامت بتنفيذها داخل بعض تلك الدول.
3- استغلال السيولة الحدودية: تحاول الحركة عبر استغلال السيولة الحدودية بين دول الجوار توسيع نطاق مصادرها التمويلية، خاصة أن تلك السيولة تساعدها في ممارسة أنشطة غير مشروعة على غرار تهريب السلع والاتجار بالبشر، لا سيما أنها تضم كوادر تمتلك قدرات تنظيمية ولديها خبرة تمكنها من التنقل عبر تلك الحدود.
4- تأسيس فروع جديدة: ربما تحاول "بوكو حرام" عبر تلك العمليات تأسيس فروع جديدة لها داخل تلك الدول، على نحو تسعى من خلاله إلى تقليص التأثيرات التي تفرضها الضربات العسكرية التي تتعرض لها، خاصة بعد تزايد هذه الضربات في المرحلة الأخيرة، على ضوء تحرك العديد من القوى الإقليمية والدولية لمنعها من توسيع نطاق نشاطها.
ومن هنا، لا تستبعد اتجاهات عديدة أن تحاول الحركة تصعيد مستوى عملياتها الإرهابية، على نحو لا يمكن فصله عن محاولاتها التحول إلى تنظيم عابر للحدود بين تلك الدول، بشكل سيدفع القوى المعنية بمحاربة الإرهاب إلى شن مزيد من العمليات العسكرية ضدها في المرحلة القادمة.