يوم الأحد الماضي، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» في صفحتها الأولى من عددها الخاص «الأحداث في أسبوع» مقالاً مهماً للكاتبة والمؤلفة «ميشيل أليكساندر» بعنوان: «آن الأوان لكسر حاجز الصمت بشأن فلسطين». وقد كان بكل المقاييس مقالاً مهماً بسبب كاتبته والجهة التي نشرته واتهامه المثير لكل من تاريخ الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية وصمت صناع السياسة الأميركية عن تلك السلوكيات المشينة.
ويشكل رأي «ميشيل أليكساندر» أهمية كبيرة باعتبارها محامية مشهورة ومدافعة عن الحقوق المدنية ومؤلفة لأحد أفضل الكتب مبيعات: «جيم كرو الجديد: الاعتقال الجماعي في عصر عمى الألوان». وعلى الرغم من أن «التايمز» نشرت في الماضي مقالات رأي قليلة تنتقد إسرائيل، إلا أن نشر الصحيفة هذا المقال وترويجها له ضمن جذبه للانتباه الوطني. وهو ما حدث بالفعل، فملايين الأشخاص قرؤوه وعلّق عليه عشرات الآلاف، وكتب كثيرون مقالات مؤيدة للتعليق على ملاحظات «أليكساندر».
ورد الفعل في إسرائيل وبين النخبة اليهودية في أميركا كان فورياً وهستيرياً، وقال السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة إن مقال «أليكساندر»: «ينزع عنّا غطاء الشرعية، وهو تهديد استراتيجي». وأما «رابطة مكافحة التشهير» و«اللجنة الأميركية اليهودية» فوصفتا المقال في بيانات وتغريدات: بأنه «معيب بدرجة خطيرة»، و«معاد للسامية» و«تشدّق كاره لإسرائيل.. ومليء بالأخطاء» و«استئثار مخزٍ» بذكرى مارتين لوثر كينج.
ورد الفعل الهستيري ذلك على مقال «أليكساندر» لم يكن مفاجئاً لأنه يُمثّل مجرد دلالة أخرى على أن آلات الدعاية الإسرائيلية المتعصبة تفقد قدرتها على تشكيل خطاب سياسي حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومثلما أشارت «أليكساندر» في مقالها، شاهدنا خلال السنوات الماضية، كنائس أميركية كبرى تسحب استثماراتها من إسرائيل، وتأييد متزايد بين النشطاء الأميركيين من أصول أفريقية لقضية العدالة من أجل الفلسطينيين، وردة فعل بسبب إقالة معلق على قناة «سي إن إن» بسبب مواقفه المؤيدة للفلسطينيين، وانتخاب أعضاء في الكونجرس مؤيدين لفلسطين.
ولأن هذه التطورات لا تكشف سوى عن سطح التغيير الجاري، فإن الفزع الذي أظهرته النخبة اليهودية كان متوقعاً. وتظهر استطلاعات الرأي أن إسرائيل خسرت تأييداً كبيراً بين الشباب والمثقفين والأقليات (من الأميركيين الأفارقة وذوي الأصول اللاتينية والآسيوية، الذين يشكلون معاً نحو ثلث سكان الولايات المتحدة). ونتيجة لذلك، ثمة نقاش جار حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في حرم الجامعات وبين كنائس بروتستانتية كبرى وداخل الحزب «الديمقراطي». وفي هذا النقاش، تتعالى مطالب العدالة من أجل الفلسطينيين. وفي تحدٍ لهذا الانجراف، تحشد آلات الدعاية الموالية لإسرائيل جلّ أسلحتها، فتم تشويه النشطاء والمعلقين المؤيدين للفلسطينيين، وتخويفهم وتهديدهم بتبعات لا تُحمد عقباها. وعلى الرغم من إسكات بعض الأصوات، تتزايد أعداد المبتعدين عن قبول الرواية الإسرائيلية للأحداث.
وإذا جاز لي أن أحدد السببين الرئيسين وراء هذا التآكل في تأييد إسرائيل وزيادة تأييد الفلسطينيين، فسأشير إلى الدور الذي لعبه الإعلام البديل في التعريف بواقع ما يحدث في الأراضي المحتلة، والدور الذي لعبه التقارب الفعلي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ولعل تبدل المواقف ذلك يختمر منذ بعض الوقت، لكن مقال «ميشيل أليكساندر» المنشور في نيويورك تايمز هو الذي ساعد على إظهاره. وبقدر أهمية هذه اللحظة، لابد أن أقر أن مشاعر الأسف عكّرت صفو سعادتي لأن كل هذا التغيير قد تأخر كثيراً جداً.
وعلى الرغم من انكسار حاجز الصمت، لكن معرفة أن خصومنا سيبذلون قصارى جهدهم لإعادته مرة أخرى، علينا أن نضاعف جهودنا لتدشين حركة تتحدى تاريخ القمع الإسرائيلي. ونحن مدينون لضحايا الماضي، وأولئك الذين لا يزالون يعانون من الاضطهاد والاحتلال. وقد فتحت «أليكساندر» الباب أمامنا. وعلينا أن نتحلى بالشجاعة والالتزام لمواصلة إبقائه مفتوحاً.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد.