الحرب السورية تقترب من نهايتها عسكرياً، وعسكرياً فقط. وبالرغم من ادعاءات النظام في دمشق، فإن هذا الحسم لم يأت بجهد الجيش السوري، والذي لم يكن مضموناً ولاء رتبه الصغرى في بداية الحرب عام 2011، بل بسبب قوات خارجية تدعم، بل تأخذ مكان قوات النظام السوري، بمن في ذلك إيران وذراعها المتمثلة في «حزب الله» اللبناني، إلى جانب الدعم الروسي العسكري والسياسي (في مجلس الأمن تم استخدام الفيتو الروسي لمنع أية إدانة ضد نظام دمشق). وهكذا فإن التدخل الروسي متعدد الأبعاد هو ما أدى إلى بقاء نظام بشار حتى الآن على الأقل.
لكن هل انتهت الحرب وأصبح لدمشق وحلفائها أن يحتفلوا بالنصر؟
يبدو أنه إذا كانت الحرب قد حُسمت عسكرياً، فالأمر يتعلق بمعركة فحسب، لأن هناك في الواقع حرب أخرى لا يمكن للنظام وحلفاؤه كسبها دون التعاون مع خصومهم، داخلياً وخارجياً، أي الحرب السياسية والاقتصادية.
لقد كسب نظام بشار معركته العسكرية بسبب التدخل الخارجي وليس بالجهد الذاتي لقواته النظامية، لذا فإن أراد الاستمرار في الحكم فعليه أن يؤسس لشرعية داخلية حقيقية، أي للقبول الطوعي من شعبه.
والحقيقة أن الحلفاء الخارجيين الذي فرضوا بقاء النظام سيطلبون ثمن تدخلهم، فيما يريد الشعب السوري، وبعض أجنحة النظام، استعادة استقلال سوريا والسيطرة على اتخاذ القرار.
هناك تحد كبير إذن أمام النظام يجبره على عقد تحالفات جديدة، حتى مع خصوم الأمس، إلى جانب إجراءات محددة، مثل محاولة لم شمل العائلات، وعودة اللاجئين والنازحين، وتضميد جراح المعوقين، ومواجهة بناء سوريا.
هذه هي فعلاً الحرب الأكبر، والتي لا يستطيع النظام وحلفاؤه كسبها دون التعاون مع خصوم اليوم. وهنا تكمن قوة خصوم النظام، سواء في المنطقة أو في أوروبا.
دمرت الحربُ جزءاً كبيراً من البنية التحتية السورية، كما أن اقتصاد البلاد أصبح في مجمله اقتصاد حرب جراء القتال المتواصل منذ سبع سنوات، أي أنه اقتصاد مشوه تتعين إعادته إلى وضعه الطبيعي، ليس فقط بضخ الأموال، ولكن أيضاً بإصلاحه وإعادة هيكلته، وجعله عنصراً إيجابياً لمواجهة مطالب المجتمع الذي عانى وصبر طويلاً، وهو الآن ينتظر تعويض ما فات.
وهناك أيضاً عودة النازحين واللاجئين وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم، مادياً وسيكولوجياً. وإن كان يستحيل عودة من قُتلوا أو استشهدوا، فهناك بالطبع رعاية المعوقين من مصابي الحرب (جسدياً ونفسياً)، أي إعادة بناء الإنسان السوري. يقول مفوض الأمم المتحدة لسوريا، وهو الرابع الذي لا يزال مستمراً في عمله بعد استقالة شخصيات دولية مهمة مثل الراحل كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، «إن تكلفة بناء سوريا ستصل 250 مليار دولار». والحقيقة أن هذا التقدير المتدني يثير القلق، لأنه يعكس محدودية إدراك المندوب الأممي للكارثة السورية، حتى على المستوى المالي، حيث تقول التقديرات المحافظة جداً، إن إعادة بناء سوريا اقتصادياً ستتطلب ثمانية أضعاف هذا المبلغ: أي نحو تريليوني دولار، وستزيد مع استمرار القتال.
يحتاج النظام الإقليمي العربي إلى عودة أحد أقطابه وركائزه، أي سوريا. وتستطيع الدول الخليجية خصوصاً الإسهام في استقرار المنطقة من خلال دعم هذه العودة، ليس بدعم صورة «سوريا المنتصرة عسكرياً»، والتي تعتقد أنه بإمكانها فرض إرادة نظام دمشق الحالي وحلفائه، ولكن من خلال دعم «سوريا العربية» المتأهبة لإعادة بناء اقتصادها ومجتمعها الوطني.
سوريا ما بعد المعركة العسكرية بلد جريح وشبه مدمر، يحتاج تعاون العرب، كما يحتاج هؤلاء إلى «سوريا الجديدة». فهل يستعد العرب لأجندة الحرب الكبرى القادمة، أي إعادة بناء سوريا؟
*نقلا عن صحيفة الاتحاد