تتعرض الجماعات الإرهابية الموالية لتنظيم "القاعدة" لضغوط دولية قوية خلال المرحلة الحالية، من المتوقع أن تفرض تداعيات عديدة سواء على تماسكها الداخلي أو على علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية الأخرى. وتمثل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي تضم أكبر تحالف "قاعدي" في شمال وغرب إفريقيا مثالاً على ذلك، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 5 سبتمبر 2018، إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى حرمانها من الموارد اللازمة لتخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية، وهو ما سوف تكون له تداعيات مباشرة على الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية عديدة معنية بالحرب ضد التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة.
توقيت لافت:
يأتى هذا القرار الأمريكي فى وقت يتصاعد فيه نشاط الجماعة بشكل ملحوظ، بعد أن أصبحت جزءًا من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، حيث لا يمكن الفصل بين الجماعة والتنظيم، خاصة فى ظل ما يمتلكه الأخير من قدرات تساعده على التمدد والانتشار وتنفيذ هجمات قوية، على غرار الهجوم الذي استهدف مقر القوة العسكرية في وسط مالي في 30 يونيو 2018 وأسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل.
كما أنه يلي إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 27 أغسطس 2018، عن استعداد بلاده لشن عمليات عسكرية بالتعاون مع القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل خلال الأشهر المقبلة، والتي تتشكل من جيوش موريتانيا ومالي وبوركينافاسو وتشاد والنيجر. وهنا، فإن هذه الخطوة الأمريكية سوف تعزز الجهود التي تبذلها تلك الدول لتقليص قدرة التنظيمات الإرهابية على شن مزيد من العمليات الإرهابية في هذه المنطقة.
عوامل متعددة:
لكن تقييم مدى تأثير القرار الأمريكي الأخير بإدراج جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في قوائم الإرهاب، على النشاط "القاعدي" في منطقة الساحل والصحراء، يرتبط بمتغيرات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- خريطة متشابكة: تعد منطقة الساحل والصحراء إحدى أهم مناطق نفوذ تنظيم "القاعدة"، بسب الانتشار التنظيمي الواسع، وهو ما يعود إلى تعدد مجموعاته وحرصها على التمدد في أنحاء مختلفة، والتي يأتي على رأسها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي أعلن عنها في مارس 2017، عقب تحالف كل من مجموعة "إمارة منطقة الصحراء الكبرى" و"تنظيم المرابطون" و"جماعة أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا".
كما توجد بعض المجموعات "القاعدية" التي تنشط في المنطقة الجبلية والوعرة بين تونس والجزائر، مثل تنظيم "عقبة بن نافع" الذي أعلن، خلال الأشهر الأخيرة، عن استعداده لمواصلة شن الهجمات ضد تونس، عقب الهجوم الذي نفذه واستهدف من خلاله قوات الحرس الوطني بمحافظة جندوبة في 9 يوليو 2018، وهو ما يفرض ضرورة مضاعفة الجهود المبذولة للقضاء على تلك التنظيمات والمجموعات الفرعية التي قامت بتكوينها في مناطق مختلفة لتوسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها في التعامل مع الضربات العسكرية التي تتعرض لها.
2- قدرات مختلفة: تشير اتجاهات عديدة إلى أن المجموعات "القاعدية" الموجودة في منطقة الساحل والصحراء، تمتلك قدرات نوعية قد تمكنها من شن هجمات واسعة، سواء ضد القوات الحكومية أو القوات الدولية المتواجدة في المنطقة، خاصة أن عناصرها يستطيعون التحرك على شكل مجموعات صغيرة، فضلاً عن أن لديهم دراية كبيرة بالطرق والدروب الصحراوية، وهو ما يسمح لها بشن هجمات نوعية، على غرار الهجوم الذي استهدف مقر القوة العسكرية فى وسط مالي في 30 يونيو 2018 وأسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، والذي سبقته مجموعة هجمات متزامنة، فى مارس 2018، استهدفت المقر العام للقوات المسلحة في بوركينافاسو والسفارة والمعهد الفرنسيين في العاصمة واجادوجو، وهو ما أدى إلى مقتل ما يقرب من 28 شخصًا من بينهم 4 من المهاجمين.
ولذا، فإن هذه الاتجاهات ترى أن تقييم قدرات تلك المجموعات قبل الدخول في مواجهات مسلحة معها يكتسب أهمية خاصة في المرحلة الحالية، وذلك من أجل تعزيز احتمالات توجيه ضربات قوية لها تخصم من قدرتها على تنفيذ مزيد من تلك العمليات.
3- مصادر تمويل: تمكن تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل والصحراء من تكوين مصادر مختلفة لتمويل عملياته الإرهابية، وذلك عبر العمل بالتجارة غير المشروعة، مثل المخدرات والآثار وتهريب البضائع إضافة الى تهريب البشر (الهجرة غير الشرعية)، على نحو يعني أن توجيه ضربات قوية له يتطلب في المقام الأول تجفيف مصادره المالية، على غرار ما حدث مع تنظيم "داعش" في سوريا والعراق الذي خسر قدراته المالية تدريجيًا قبل أن تتراجع سيطرته على المناطق التي اقتحمها في الأعوام الأخيرة.
4- تحالفات معقدة: كان تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل والصحراء حريصًا على تكوين ظهير عرقي يساعده في استقطاب مزيد من الكوادر والعناصر المؤيدة لتوجهاته الإرهابية. ومن هنا، حذرت تقارير عديدة من أن الضربات المحتملة التي يمكن أن توجه إلى التنظيم يجب أن تركز أيضًا على ما يمكن تسميته بـ"الخلايا النائمة" التي تنتمي إليه وتتواجد في المناطق التي تقطنها بعض القوميات العرقية، باعتبار أن هذه الخلايا سوف تكون الخيار الأساسي الذي يمكن أن يستند إليه التنظيم لاستعادة قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية جديدة في حالة اضطراره إلى الانسحاب من المناطق التي يتواجد فيها حاليًا.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الخطوة الأمريكية الأخيرة بوضع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على قوائم الإرهاب من شأنها تصعيد حدة الضغوط التي تتعرض لها الجماعة وتعزيز الجهود التي تبذلها العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضدها. ومع ذلك، فإن توجيه ضربات قوية لتلك الجماعة يمكن أن تقلص قدرتها على مواصلة نشاطها الحالي يعتمد على تفكيك شبكة تحالفاتها القائمة وتعقب خلاياها النائمة فضلاً عن تجفيف مصادر تمويلها.