أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

دورة التطرف:

محفزات عودة "القاعدة" بعد إخفاق "داعش" في اليمن

24 سبتمبر، 2018


عرض: إبراهيم سيف منشاوي - مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

عمد تنظيم "القاعدة" الإرهابي في شبه الجزيرة العربية إلى تطوير مجموعة من الآليات المختلفة لتثبيت جذوره في اليمن، تمثلت في إحداث نوع من التكامل مع المجتمعات المحلية، وتطوير البنية التحتية في الأماكن التي سيطر عليها، والتواصل مع الشبان لتوفير الأرضية الخصبة لعمليات التجنيد. وذلك على نقيض ما قام به تنظيم "داعش" في الدولة، حيث ذهب الأخير إلى الاعتماد على الوحشية المفرطة في التعامل مع تلك المجتمعات، وقد أدى ذلك إلى صعوبات مختلفة أثرت على عملية اندماجه في المجتمع اليمني.

لذا، تحاول الدراسة التي قامت بها "إليزابيث كيندال" المعنونة: "التشدد الجهادي المعاصر في اليمن: كيف يتطور التهديد؟"، والمنشورة في معهد الشرق الأوسط في يوليو 2018، إلى إلقاء الضوء على نشأة ودورة العمل الإرهابي المسلح في اليمن، من خلال تعقب مراحله المختلفة، والتركيز على أهدافه وآليات تحقيقها، بالإضافة إلى الضغوط والصعوبات التي يواجهها.

جذور التطرف:

تشير المؤلفة إلى أن جذور التطرف في اليمن ترجع إلى حقبة الرئيس السابق "علي عبدالله صالح" الذي جند الإسلاميين المتطرفين للعمل ضد خصومه في الثمانينيات والتسعينيات لتعزيز سيطرته على السلطة. وبحلول منتصف التسعينيات تكونت أول مجموعة منظمة للإرهابيين في اليمن أطلقت على نفسها "جيش عدن أبين الإسلامي" على يد الإرهابي "زين العابدين المحضار"، وكانت هذه الجماعة – وفقًا لكيندال- تعمل بدعم من القائد العسكري "علي محسن الأحمر" الذي أصبح نائب الرئيس اليمني في عام 2016 وقائد القوات المسلحة. 

ويلمح ذلك إلى وجود تحالفات ضمنية محتملة بين "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية وأعضاء من القوات المسلحة اليمنية. ولكن بحلول عام 2006، تم القضاء على جيش عدن أبين، من الناحية النظرية على الأقل، بعد أن اختطف 16 مواطنًا غربيًّا تم على إثرها إعدام قائده "المحضار". وقد تزامن ذلك مع دخول تنظيم "القاعدة" لليمن، والذي احتوى المجموعات المتبقية من جيش عدن أبين. 

ويُعد من الأمور التي ساهمت في تصاعد التطرف في اليمن في تلك الفترة، موجة الغضب العارمة التي نتجت عن الاحتلال الأمريكي للعراق، بالإضافة إلى إطلاق سراح العديد من المتطرفين من السجون اليمنية، في إطار عملية المراجعات الفكرية في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ومن ظل منهم في السجن -مثل "ناصر الوحيشي" و"قاسم الريمي"- عمل على بناء شبكة قوية للتطرف من خلال تجنيد السجناء والشباب الذين اعتقلوا على إثر مطالبتهم بالسفر إلى العراق لمواجهة القوات الأمريكية.

وعقب فرار "ناصر الوحيشي" من السجن في عام 2006 مع إرهابيين آخرين، سرعان ما تم تنصيبه زعيمًا لتنظيم "القاعدة" في اليمن، مما أعطى دفعة كبيرة للتنظيم لشن العديد من الهجمات، منها هجوم انتحاري على مجموعة سياحية إسبانية في عام 2007، والهجوم بالسيارات المفخخة على السفارة الأمريكية في صنعاء عام 2008. 

وإبان الحملة السعودية ضد المتطرفين الإسلاميين، وفرارهم إلى اليمن عبر الحدود، وانضمامهم للمتطرفين اليمنيين في يناير 2009؛ ظهر تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وتبع ذلك تطوير العمليات الإرهابية باستهداف المناطق العسكرية والمؤسسات الدولية. وقد حاول التنظيم الجديد استغلال الحرب وعدم الاستقرار في اليمن من أجل بناء دولته في مناسبتين؛ الأولى عقب انتفاضات الربيع العربي، حيث أعلن التنظيم عن إنشاء دويلات متطرفة صغيرة في أجزاء من أبين وشبوة في الفترة من 2011-2012. والثانية كانت عقب هجمات التحالف العربي ضد التمرد الحوثي، حيث سيطر التنظيم على أجزاء كبيرة خارج حضرموت في شرق اليمن في الفترة من 2015-2016. كما تمكن التنظيم من زيادة قوته ومصادر تمويله من خلال تهريب 300 من المتطرفين المسجونين، والاستيلاء على المعدات العسكرية وسرقة مبلغ يقدر بـ100 مليون دولار أمريكي من البنك المركزي اليمني. 

تراجع "القاعدة":

لاحظت المؤلفة أن نشاط تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" قد انخفض بشكل كبير منذ فبراير 2018، حيث تراجعت عملياته بشكل مطرد من 145 عملية في النصف الأول من عام 2017 إلى 128 عملية خلال النصف الثاني من نفس العام، ثم إلى 62 عملية فقط في النصف الأول من عام 2018. وقد استحوذت محافظة البيضاء -باعتبارها المركز الأساسي لنشاط التنظيم- على 55% من عملياته في النصف الأول من عام 2017، و47% خلال النصف الثاني من العام نفسه، و50% خلال النصف الأول من عام 2018. وجاءت في المرتبة الثانية أبين. في حين انخفض نشاط التنظيم بشكل ملحوظ في محافظة إب منذ منتصف عام 2017، لكنه ظل ثابتًا في حضرموت بنحو 10%. وكانت شبوة المنطقة الوحيدة التي نما فيه نشاط التنظيم في الفترة بين منتصف 2017 وحتى عام 2018، وذلك على الرغم من إطلاق عملية واسعة لمكافحة الإرهاب فيها بقيادة الولايات المتحدة في أغسطس 2017.

ويعني هذا انخفاض عمليات التنظيم في اليمن إلى النصف تقريبًا في 2018 عن 2017. وقد انعكس ذلك على البيانات الرسمية التي يصدرها التنظيم، والتي طالها تراجع عملياته، حيث انخفضت هي الأخرى من 17 بيانًا في 2017 إلى بيان واحد فقط غير رسمي في عام 2018، في إشارة إلى تراجع قدرات التنظيم نتيجة مجموعة من الضغوط والتحديات التي واجهها.

ضغوطات متعددة:

أوضحت الدراسة أن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" قد واجه العديد من الضغوط والتحديات في اليمن التي أثرت على نشاطه، والتي تمثلت في:

1- تزايد عمليات مكافحة الإرهاب: حيث قامت الولايات المتحدة بشن أكثر من 120 غارة جوية على معسكرات الجماعات المتطرفة في اليمن، والتي من بينها تنظيما "القاعدة" و"داعش" خلال عام 2017، بالإضافة إلى مجموعة من العمليات البرية، وهو ما أدى إلى خسائر فادحة للجماعات الإرهابية، حيث زادت العمليات التي قامت بها واشنطن إلى ثلاثة أضعاف عن عملياتها في عام 2016. فضلًا عن قيام التنظيم بإعدام عدد كبير من أعضائه بلغ 410 نتيجة إفشاء الأسرار والتعاون مع الاستخبارات الأمريكية.

2- انخفاض الدعم: حيث أثارت الضربات الجوية التي قامت بها الولايات المتحدة العداوة بين التنظيم والقبائل نتيجة تعريضهم للخطر، وقد أثر ذلك على الدعم الذي يحظى به التنظيم لدى تلك القبائل. كما أن تكوين القبائل قوات أمنية خاصة تهدف إلى محاربة التنظيم قد أدى إلى إثارة ردود فعل قوية من جانبه تمثلت في إصدار العديد من البيانات في عام 2017 يحذر فيها القبائل من انضمام أبنائهم لتلك القوات. وهذه الأمور أدت إلى تراجع شعبية التنظيم لدى أبناء القبائل، وعزفهم عن الانضمام لمقاتليه، حتى خرجت العديد من الدعوات لحث أبناء القبائل على الانضمام للتنظيم، مثل دعوة "أبو البراء" قاضي المحكمة الشرعية في تعز في أوائل عام 2018.

3- ضعف القيادة: فقد عانى التنظيم من ضعف القيادة، لأن زعيمهم الحالي "قاسم الريمي"، أقل شعبية من سلفه "ناصر الوحيشي" الذي قُتل في عام 2015 في غارة لطائرة بدون طيار. وهو ما ظهر في المواد الإعلامية التي ينشرها التنظيم، حيث تُظهر تلك المواد الحرص على عرض صور ومقتطفات من خطابات "الوحيشي" بصورة متكررة دون التركيز على ما يفعله القائد الجديد "الريمي".

4- سوء شبكة الاتصالات: وذلك نتيجة لحظر التنظيم استخدام التليفون المحمول والإنترنت في التواصل لتجنب غارات الطائرات بدون طيار، إلى جانب توقف بعض وسائل الإعلام الخاصة بالتنظيم مثل صحيفة "القاعدة"، وكذلك تعطل وسائل الاتصال المشفرة. وقد يكون ذلك نتيجة قتل أو أسر الأفراد المسئولين عن تلك الشبكات الاتصالية.

5- الانقسام والتشظي: حيث ظهرت فصائل منشقة أو جماعات ذات تفكير متشابه لم تعد منجذبة لأفكار القيادة. وأحد الأمثلة الهامة على ذلك إصدار التنظيم بيانًا رسميًّا لطرد اثنين من السلفيين البارزين في "أنصار الشريعة" في تعز، هما: "حارث العزي" و"همام الصنعاني". وقد أعلن التنظيم أن أسباب طردهما ترجع إلى ارتكابهماالعديد من الأخطاء. وقد أدى ذلك إلى الاشتباك السلفي - الجهادي في تعز في أغسطس 2016، والذي نتج عنه العديد من عمليات الاغتيال المتبادلة. ولذلك ازداد الانقسام في صفوف تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، والذي تم على إثره إغلاق المحكمة الشرعية التابعة له في تعز. 

إخفاق "داعش":

أكدت المؤلفة أن تنظيم "داعش" الإرهابي لم يستطع أن يندمج في المجتمع اليمني، وهو ما اتضح في عدم قدرته على السيطرة على أي مناطق في اليمن، على عكس تنظيم "القاعدة". وقد أشارت إلى أن تاريخ تنظيم "داعش" في اليمن يرجع إلى 13 نوفمبر 2014 عندما أعلن التنظيم عن نفسه رسميًّا، حيث نجح في تلك الفترة في تجنيد مجموعة من الشبان من خلال الجهود التي قام بها منسق حضرموت "أبو كرم الحضرمي" الذي تولى بعد ذلك مسئولية الأعمال اللوجستية في التنظيم. 

ولكن تنظيم "داعش" لم يستطع أن يحل محل تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" على الرغم من استيعابه العناصر المنشقة عن تنظيم "القاعدة"، وقيامه بعدد من العمليات الإرهابية في اليمن بين عامي 2015 و2016. فقد ظل تنظيم "القاعدة" الممثل الرئيسي للإرهاب في اليمن.

وأكدت المؤلفة أن الأسباب التي أدت إلى إخفاق تنظيم "داعش" في اليمن وعجزه عن تحقيق ما توصل إليه تنظيم "القاعدة" من أهداف يتحدد في عددٍ من الأسباب، من بينها:

1- أن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" كان أكثر جاذبية – وفقًا لكيندال – للمتطرفين من تنظيم "داعش" نتيجة تأسيسه ولايات إسلامية صغيرة في الفترة من 2015-2016، وعمله على زيادة مصادر تمويله من عمليات التهريب، وفرض الضرائب وسرقة البنوك.

2- كانت الوحشية المفرطة لتنظيم "داعش" في اليمن بمثابة فرصة ثمينة لتنظيم "القاعدة" ليُظهر نفسه على أنه الوجه المقبول للجهاد، حيث انتقد التفجيرات العشوائية التي قام بها "داعش" من استهداف للمساجد والأسواق والأماكن المزدحمة. كما انتقد تجاوزاته المتكررة في اليمن، والتي من بينها اقتحام المستشفى العسكري في صنعاء عام 2013، وقطع رأس 14 جنديًّا في حضرموت في أغسطس 2014.

3- عدم مساهمة تنظيم "داعش" في تنمية المجتمع المحلي على عكس تنظيم "القاعدة".

4- تراجع قوة تنظيم "داعش" في اليمن وخاصة في محافظة البيضاء نتيجة للغارات الجوية المتتالية لقوات التحالف في اليمن والتي أسفرت عن مقتل العشرات من الجهاديين الذين ينتمون لتنظيم "داعش" في أكتوبر 2017.

وأوضحت الدراسة أيضًا أن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" لم يكن مُرحِّبًا بظهور تنظيم "داعش" في اليمن، حيث اتهم تنظيم "داعش" بالخنوع عن الجهاد وانشغال أعضائه بتصوير المواد الفيلمية بدلًا من التقدم للجهاد، وهو ما أدى إلى المزيد من التنافس بين التنظيمين. ولكن على صعيد آخر، خفتت حدة التنافس بشكل ملحوظ في عام 2017، وذلك بسبب التعاون المشترك بين الجماعتين ضد جماعة الحوثي في اليمن، والتحديات المشتركة التي واجهتهما مثل غارات الطائرات بدون طيار. 

وكان أحد الاستثناءات الرئيسية لهذا التعاون ما حدث في يوليو 2018 عندما قام تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" بقتل 25 من مقاتلي تنظيم "داعش"، وهو ما استتبع قيام الأخير بقتل 13 من مقاتلي تنظيم "القاعدة" كنوع من الانتقام. وقد دعا الطرفان بعد ذلك إلى ضرورة ضبط النفس والتركيز على المعركة الحقيقية.

مداخل العودة:

وفي الخاتمة، استنتجت المؤلفة أن هناك عددًا من الأسباب التي قد تؤدي إلى معاودة إحياء تنظيم "القاعدة" لنشاطاته في اليمن وخارجها بعد مرحلة الخفوت التي مر بها، والتي من بينها:

1- إعادة إثبات الذات والعمل على التخلص من الضغوط والتحديات التي تحيط به.

2- الانتقام للكثير من قتلاه الذين سقطوا في الغارات التي قامت بها الطائرات بدون طيار.

3- مواجهة قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بنقل السفارة الأمريكية في تل أبيب إلى القدس، لا سيما وأن التنظيم ظل لفترة طويلة يحمل شعار "القدس.. نحن قادمون"، وهو ما ظهر في دعوة "خالد باطرفي"، أحد الأعضاء البارزين في التنظيم، إلى قتال "اليهود والانتقام من الولايات المتحدة والدول المسئولة تاريخيًّا عن القضية الفلسطينية" بما في ذلك بريطانيا وفرنسا. كما واصل التنظيم التحريض على القيام بهجمات "الذئاب المنفردة" في الغرب.

المصدر:

Elisabeth Kendall, “Contemporary Jihadi Militancy in Yemen: How is the Threat Evolving?”, The Middle East Institute, Policy Paper, July 2018.