رغم أن الرئيس الإيراني حسن روحاني لن يترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، التي سوف تجرى في عام 2021، باعتبار أن الفترة الحالية هى الثانية له، إلا أن ذلك لا ينفي أن موقعه داخل النظام أصبح يواجه تحديات عديدة لا تبدو هينة، سوف تنتج بدورها تداعيات على نفوذ تيار المعتدلين بشكل عام، والذي يقوده في المرحلة الحالية ونجح في تمكينه من العودة إلى السلطة مرة أخرى بعد أن خرج منها في عام 2005.
ويعود ذلك في المقام الأول إلى تراجع رهانه على التداعيات الإيجابية التي يمكن أن يفرضها الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، ورُفِعت بمقتضاه العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران في 16 يناير 2016، بعد أن وجه الانسحاب الأمريكي منه ضربة قوية لها، في ظل الثقل الدولي الذي تحظى به الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعادت فرض عقوبات على إيران دفعت الشركات الأجنبية الرئيسية التي أبرمت صفقات معها إلى الانسحاب منها، تجنبًا لتأثر مصالحها داخل الولايات المتحدة الأمريكية في حالة ما إذا استمرت في تنفيذ تلك الصفقات.
رسائل مباشرة:
لم تنجح الجهود التي بذلتها الحكومة حتى الآن، خاصة مع الدول الأوروبية إلى جانب روسيا والصين، أو ما تسميه اتجاهات عديدة في طهران بمجموعة "4+1"، في تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي، خاصة أن الدول الأوروبية لا تمتلك خيارات عديدة في هذا السياق، فضلاً عن أن الشركات تبقى هى المتغير الحاكم الذي يمكن أن يحدد فرص نجاح تلك الجهود أو فشلها.
ومن هنا واجه الرئيس روحاني ضغوطًا قوية من جانب قوى سياسية وتيارات عديدة في الدولة، بلغت ذروتها مع تقديم اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) طلبًا لمسائلته في بعض القضايا الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بانهيار سعر العملة الوطنية (التومان) أمام الدولار.
ورغم أن الحكومة ما زالت تحاول منع هذا الاستجواب، الذي لا يعد أمرًا دارجًا في التفاعلات السياسية الإيرانية، حيث طالب مساعد الرئيس للشئون الاقتصادية محمد نهاونديان اللجنة الاقتصادية بالمجلس بسحب طلب المساءلة باعتبار أنه لا يتوافق مع تعليمات المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، إلا أن ذلك لم يدفع مؤيدي الطلب إلى سحبه، حيث يسعون في الوقت الحالي إلى حشد تأييد 74 نائبًا لتحويله إلى هيئة رئاسة المجلس لاتخاذ إجراءات تفعيله.
اقتراب ملحوظ:
من هنا، سعى الرئيس إلى محاولة تقليص حدة الضغوط التي يتعرض لها وذلك من خلال آليتين رئيسيتين: الأولى، إجراء تغيير في رئاسة البنك المركزي، حيث تم تعيين عبد الناصر همتي محل ولى الله سيف، الذي تعرض في الفترة الماضية لانتقادات حادة، بعد أن حملته اتجاهات عديدة المسئولية عن انهيار سعر التومان وظهور سوق سوداء لبيع الدولار.
كما حرص بعض المسئولين القريبين من الرئيس على التلميح إلى إمكانية إجراء تغيير آخر في المجموعة الاقتصادية، التي يتهمها مجلس الشورى باتخاذ إجراءات أنتجت في النهاية تداعيات عكسية، لدرجة دفعت بعض نوابه إلى تقديم طلب لاستجواب وزير الاقتصاد مسعود كرباسيان في بعض القضايا الاقتصادية، وعلى رأسها انهيار سعر الصرف.
ومن هنا، لم تستبعد اتجاهات مختلفة أن يكون الهدف من ذلك هو الإيحاء بأن محافظ البنك المركزي السابق هو المسئول عن ما آلت إليه الأزمة الحالية، التي تأتي في وقت تواجه فيه إيران ضغوطًا خارجية غير مسبوقة، نتيجة تزايد احتمالات انهيار الاتفاق النووي وإصرار الولايات المتحدة الأمريكية على فرض خيارات محدودة أمامها، لدفعها في النهاية إلى الاستجابة لمطالبها بإبرام اتفاق جديد يستوعب التحفظات العديدة التي أبدتها إدارة الرئيس ترامب عليه، خاصة ما يتعلق بملف الصواريخ الباليستية والدعم الإيراني للتنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول الأزمات.
والثانية، الاقتراب تدريجيًا من السياسة المتشددة التي يتبعها الحرس الثوري تحديدًا، خاصة ما يتعلق بالرد على السياسة الأمريكية الجديدة تجاه إيران. إذ كان الرئيس روحاني أول مسئول إيراني يعيد التلميح إلى إمكانية اتجاه إيران إلى إغلاق مضيق هرمز، في حالة نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في الوصول بالصادرات النفطية الإيرانية إلى المستوى صفر، أو على الأقل تخفيضها بدرجة كبيرة لا يستطيع النظام الإيراني تحملها في المرحلة الحالية.
وقد كان لافتًا في هذا السياق، أن المؤسسات النافذة في الدولة، ووسائل إعلامها، كانت حريصة على الإسراع في تأكيد دعمها للرئيس في تحذيراته من مغبة الاستجابة للسياسة الأمريكية في هذا الصدد، حيث أعاد المرشد الأعلى علي خامنئي وقائدا الحرس الثوري وفيلق القدس محمد علي جعفري وقاسم سليماني تأكيد قدرة إيران على تهديد الملاحة الدولية في مضيق هرمز والبحر الأحمر، في إطار التصعيد المستمر مع الإدارة الأمريكية.
ولم تكتف وسائل الإعلام الرئيسية القريبة من الحرس الثوري وتيار المحافظين الأصوليين بتغيير مواقفها من الرئيس وتقليص حملة الانتقادات القوية التي شنتها ضد سياساته، وإنما بدأت في تأكيد أن الرئيس بدأ بالفعل في هذه اللحظة برنامجه الحقيقي الذي يتمثل أهم بنوده في عدم التعويل على الاتفاق النووي وتبني ما يسمى بـ"الاقتصاد المقاوم"، الذي يدعو له المرشد خامنئي بشكل دائم.
بل إن بعضها أشار إلى أن روحاني كان دائمًا شخصية محافظة شديدة الانتماء للنظام، بدليل توليه مناصب سياسية وأمنية رفيعة داخل الأخير على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، قبل أن يصل إلى منصب رئيس الجمهورية.
تداعيات محتملة:
لكن هذا التغير الملحوظ في مواقف روحاني ربما يفرض تداعيات محتملة عديدة. يتمثل أولها، في أن روحاني قد يفقد تدريجيًا دعم القوى التي أيدته قبل ذلك ومكنته من الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية لفترتين متتاليتين، بعد أن فاز على شخصيات سياسية ودينية رفيعة من تيار المحافظين. إذ قد تعتبر بعض تلك القوى أن روحاني بات يضع استيعاب ضغوط المحافظين في قمة أولوياته، بالتوازي مع تغاضيه عن فتح الملفات الخلافية العديدة معهم.
ويتعلق ثانيها، بإضعاف تيار المعتدلين بشكل عام، الذي سوف يواجه اختبارات صعبة في الفترة المقبلة، في ظل صعوبة الوصول إلى شخصية محورية تكون محل توافق بين قواه الأساسية وتستطيع الحفاظ على نفوذه داخل مؤسسات الدولة خلال المرحلة القادمة.
وينصرف ثالثها، إلى تصاعد حدة الضغوط التي تتعرض لها إيران، بعد أن بات واضحًا أن تعويل العديد من القوى والاتجاهات على إمكانية تأثير تيار المعتدلين داخل إيران على عملية صنع القرار بشكل قد يؤدي إلى إعادة توجيهها بما يساهم في إضفاء جانب أكثر اعتدالاً على القرار الإيراني، لا يتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن مساحة التباينات بين المعتدلين والمحافظين ليست كبيرة، خاصة فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، التي تحظى بشبه إجماع داخلي، على نحو ما أكده روحاني بتهديداته الأخيرة لحرية الملاحة في مضيق هرمز.
ضغوط متواصلة وتحركات متقاطعة كلها تعني أن الأزمة الحالية التي تواجهها إيران سوف تؤثر بشكل كبير سواء على خريطة التوازنات السياسية الإيرانية أو على التفاعلات التي تجري بين قواها ومؤسساتها الرئيسية.